فصل: تفسير الآية رقم (134):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (134):

قوله تعالى: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان هذا في الحقيقة نقضًا لما أخذه الله على العباد بعهد العقل، أتبعه نقضًا حقيقيًا، فقال مبينًا لحالهم عند كل آية، ولعله عبر بما يشملها ولم ينص على التكرار لأن ذلك كاف فيما ذكر من النقض والفسق: {ولما وقع عليهم الرجز} يعني العذاب المفصل الموجب للاضطراب {قالوا يا موسى ادع لنا ربك} أي المحسن إليك، ولم يسمحوا كبرًا وشماخة أن يعرفوا به ليقولوا: ربنا {بما عهد عندك} أي من النبوة التي منها هذا البر الذي تراه يصنعه بك؛ ثم أكدوا العهد بقولهم استئنافًا أو تعليلًا: {لئن كشفت عنا الرجز} أي العذاب الذي اضطربت قلوبنا وجميع أحولنا له {لنؤمنن لك} أي لنجعلنك آمنًا من التكذيب بإيقاع التصديق، ويكون ذلك خالصًا لأجلك وخاصًا بك {ولنرسلن معك} أي في صحبتك، لا نجس أحدًا منكم عن الآخر {بني إسرائيل} أي كما سألت. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنا ذكرنا معنى الرجز عند قوله: {فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ رِجْزًا مّنَ السماء} [البقرة: 59] في سورة البقرة وهو اسم للعذاب، ثم إنهم اختلفوا في المراد بهذا الرجز فقال بعضهم: إنه عبارة عن الأنواع الخمسة المذكورة من العذاب الذي كان نازلًا بهم.
وقال سعيد بن جبير {الرجز} معناه: الطاعون وهو العذاب الذي أصابهم فمات به من القبط سبعون ألف إنسان في يوم واحد، فتركوا غير مدفونين، واعلم أن القول الأول أقوى لأن لفظ {الرجز} لفظ مفرد محلي بالألف واللام فينصرف إلى المعهود السابق، وهاهنا المعهود السابق هو الأنواع الخمسة التي تقدم ذكرها، وأما غيرها فمشكوك فيه، فحمل اللفظ على المعلوم أولى من حمله على المشكوك فيه.
إذا عرفت هذا فنقول: إنه تعالى بين ما كانوا عليه من المناقضة القبيحة، لأنهم تارة يكذبون موسى عليه السلام، وأخرى عند الشدائد يفزعون إليه نزع الأمة إلى نبيها ويسألونه أن يسأل ربه رفع ذلك العذاب عنهم، وذلك يقتضي أنهم سلموا إليه كونه نبيًا مجاب الدعوة، ثم بعد زوال تلك الشدائد يعودون إلى تكذيبه والطعن فيه، وأنه إنما يصل إلى مطالبة بسحره، فمن هذا الوجه يظهر أنهم يناقضون أنفسهم في هذه الأقاويل.
وأما قوله تعالى حكاية عنهم: {ادع لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} فقال صاحب الكشاف: ما في قوله: {بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} مصدرية والمعنى: بعهده عندك وهو النبوة، وفي هذه الباء وجهان:
الوجه الأول: أنها متعلقة بقوله: {ادع لَنَا رَبَّكَ} والتقدير {ادع لَنَا} متوسلًا إليه بعهده عندك.
والوجه الثاني: في هذه الباء أن تكون قسمًا وجوابها قوله: {لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ} أي أقسمنا بعهد الله عندك {لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرجز لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ} وقوله: {وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِى إسرائيل} كانوا قد أخذوا بني إسرائيل بالكد الشديد فوعدوا موسى عليه السلام على دعائه بكشف العذاب عنهم الإيمان به والتخلية عن بني إسرائيل وإرسالهم معه يذهب بهم أين شاء. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرجز} يعني: وجب عليهم العذاب وحل بهم {قَالُواْ يا موسى ادع لَنَا رَبَّكَ} يعني: سل لنا ربك {بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} أي: بما أمرك ربك أن تدعو الله ويقال: بالعهد الذي سأل ربك {لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرجز} أي: رفعت عنا العذاب {لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ} يعني: لنصدقنك {وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِى إسراءيل}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيهِمُ الرّجْزُ}.
فيه قولان:
أحدهما: أنه العذاب، قاله الحسن، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد.
والثاني: هو الطاعون أصابهم فمات به من القبط سبعون ألف إنسان، قاله سعيد بن جبير.
{قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: بما تقدم إليك به أن تدعوه به فيجيبك كما أجابك في آياتك.
والثاني: ما هداك به أن تفعله في قومك، قاله السدي.
والثالث: أن ذلك منهم على معنى القسم كأنهم أقسموا عليه بما عهد عنده أن يدعو لهم.
{لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ} هذا قول قوم فرعون، ويحتمل وجهين:
أحدهما: لنصدقنك يا موسى أنك نبي.
والثاني: لنؤمنن بك يا الله أنك إله واحد. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ ب}.
{الرجز} العذاب، والظاهر من الآية أن المراد بالرجز هاهنا العذاب المتقدم الذكر من الطوفان والجراد وغيره، وقال قوم من المفسرين: الإشارة هنا بالرجز إنما هي إلى طاعون أنزله فيهم مات منهم في ليلة واحدة سبعون ألف قبطي، وروي في ذلك أن موسى عليه السلام أمر بني إسرائيل بأن يذبحوا كبشًا ويضمخوا أبوابهم بالدم ليكون ذلك فرقًا بينهم وبين القبط في نزول العذاب.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، وهذه الأخبار وما شاكلها إنما تؤخذ من كتب بني إسرائيل فلذلك ضعفت، وقولهم: {بما عهد} يريدون بذمامك وماتتك إليه فهي تعم جميع الوسائل بين الله وبين موسى من طاعة من موسى ونعمة من الله تبارك وتعالى، ويحتمل أن يكون ذلك منهم على جهة القسم على موسى، ويحتمل أن يكون المعنى ادع لنا ربك ماتًّا إليه بما عهد إليك، ويحتمل إن كان شعر أن بين الله تعالى وبين موسى في أمرهم عهد ما أن تكون الإشارة إليه، والأول أعم وألزم، والآخر يحتاج إلى رواية وقولهم: {لئن كشفت} أي بدعائك {لنؤمنن ولنرسلن} قسم وجوابه، وهذا عهد من فرعون وملئه الذين إليهم الحل والعقد، ولهم ضمير الجمع في قوله: {لنؤمنن}، وألفاظ هذه الآية تعطي الفرق بين القبط وبين بني إسرائيل في رسالة موسى، لأنه لو كان إيمانهم به على أحد إيمان بني إسرائيل لما أرسلوا بني إسرائيل ولا فارقوا دينهم، بل كانوا يشاركون فيه بني إسرائيل، وروي أنه لما انكشف العذاب قال فرعون لموسى اذهب ببني إسرائيل حيث شئت فخالفه بعض ملئه فرجع فنكث. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولما وقع عليهم الرجز} أي: نزل بهم العذاب.
وفي هذا العذاب قولان:
أحدهما: أنه طاعون أهلك منهم سبعين ألفًا، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير.
والثاني: أنه العذاب الذي سلَّطه الله عليهم من الجراد والقُمَّل وغير ذلك، قاله ابن زيد.
قال الزجاج: {الرجز}: العذاب، أو العمل الذي يؤدي إلى العذاب.
ومعنى الرجز في العذاب: أنه المقلقل لشدته قلقلة شديدة متتابعة.
وأصل الرجز في اللغة: تتابع الحركات، فمن ذلك قولهم: ناقة رجزاء، إذا كانت ترتعد قوائمها عند قيامها.
ومنه رجز الشعر، لأنه أقصر أبيات الشعر، والانتقالُ من بيت إلى بيت، سريعٌ، نحو قوله:
يَا لَيْتَنِي فِيْهَا جَذَعْ ** أَخُبُّ فيها وَأضَعْ

وزعم الخليل أن الرَّجَز ليس بشعر، وإنما هو أنصاف أبيات وأثلاث.
قوله تعالى: {بما عهد عندك} فيه أربعة أقوال:
أحدها: أن معناه: بما أوصاك أن تدعوه به.
والثاني: بما تقدم به إليك أن تدعوه فيجيبك.
والثالث: بما عهد عندك في كشف العذاب عمن آمن.
والرابع: أن ذلك منهم على معنى القسم، كأنهم أقسموا عليه بما عهد عنده أن يدعو لهم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرجز} أي العذاب.
وقرئ بضم الراء، لغتان.
قال ابن جبير: كان طاعونًا مات به من القبط في يوم واحد سبعون ألفًا.
وقيل: المراد بالرجز ما تقدم ذكره من الآيات.
{بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} ما بمعنى الذي، أي بما استودعك من العلم، أو بما اختصك به فنبّأك.
وقيل: هذا قَسَم، أي بعهده عندك إلاّ ما دعوت لنا؛ ف ما صلة.
{لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرجز} أي بدعائك لإلهك حتى يكشف عنا.
{لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ} أي نصدّقك بما جئت به.
{وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بني إِسْرَائِيلَ} وكانوا يستخدمونهم؛ على ما تقدم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {ولما وقع عليهم الرجز} يعني لما نزل بهم العذاب الذي ذكره في الآية المتقدمة هو الطوفان وما بعده وقال سعيد بن جبير الرجز الطاعون وهو العذاب السادس بعد الآيات الخمس التي تقدمت فنزل بهم الطاعون حتى مات منهم في يوم واحد سبعون ألفًا فأمسوا وهم لا يتدافنون ق.
عن أبي أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطاعون رجز أرسل على طائفة من بين إسرائيل أو على من كان قبلكم فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه».
وقوله تعالى: {قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك} يعني بما أوصاك وقيل بما عهد عندك من إجابة دعوتك {لئن كشفت عنا الرجز} يعني العذاب الذي وقع بنا {لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل} حتى يذهبوا حيث شاؤوا. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ولما وقع عليهم الرّجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلنّ معك بني إسرائيل}.
الظاهر أنّ الرجز هنا هو ما كان أرسل عليهم من الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم فإن كان أريد الظاهر كان سؤالهم موسى بعد وقوع جميعها لا بعد وقوع نوع منها ويحتمل أن يكون المعنى {ولما وقع عليهم} نوع من {الرجز} فيكون سؤالهم قد تخلّل بين نوع ونوع ومعنى {وقع عليهم} نزل عليهم وثبت وقال قوم: {الرجز} الطاعون نزل بهم مات منهم في ليلة سبعون ألف قبطي وفي قولهم: {ادع لنا ربك} وإضافة الرب إلى موسى عدم إقرار بأنه ربهم حيث لم يقولوا ادعُ لنا ربنا ومعنى {بما عهد عندك} بما اختصك به فنبأك أو بما وصّاك أن تدعو به ليجيبك كما أجابك في الآيات أو بما استودعك من العلم والظاهر تعلق {بما عاهد} بأدع لنا ربك ومتعلق الدعاء محذوف تقديره {ادع لنا ربك بما عهد عندك} في كشف هذا الرّجز {ولئن كشفت} جواب لقسم محذوف في موضع الحال من قالوا أي قالوا ذلك مقسمين {لئن كشفت} أو لقسم محذوف معطوف أي وأقسموا لئن كشفت وجوز الزمخشري وابن عطية وغيرهما أن تكون الباء في {بما عهد عندك} باء القسم أي قالوا: {ادعُ لنا ربّك بما عهد عندك} في كشف الرجز مقسمين {بما عهد عندك لئن كشفت} أو وأقسموا {بما عهد عندك لئن كشفت} والمعنى {لئن كشفت} بدعائك وفي قولهم: {لنؤمنن لك} دلالة على أنه طلب منهم الإيمان كما أنه طلب منهم إرسال بني إسرائيل وقدّموا الإيمان لأنه المقصود الأعظم الناشيء منه الطواعية وفي إسناد الكشف إلى موسى حيدة عن إسناده إلى الله تعالى لعدم إقرارهم بذلك. اهـ.