فصل: تفسير الآية رقم (141):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (141):

قوله تعالى: {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أثبت أن الإلهية لا تصلح لغيره، وأن غيره لم يكن يقدر على تفضيلهم، وكان المقام للعظمة، وكان كأنه قيل إيذانًا بغلظ أكبادهم وقله فطنتهم وسوء مقابلتهم للمنعم: اذكروا ذلك، أي تفضيله لكم باصطفاء آبائكم إبراهيم وإسحاق ويعقوب وما تقدم له عندهم وعند أولادهم من النعم لاسيما يوسف عليه السلام الذي حكمه في جميع الأرض التي استذلكم أهلها؛ عطف عليه إشارة إليه قوله التفاتًا إلى مظهر العظمة تذكيرًا بعظمة مدخوله: {وإذ} أي واذكروا إذ {أنجيناكم} أي على ما نحن عليه من العظمة التي أنتم لها عارفون، ولها في- كل وقت في تلك الآيات مشاهدون {من آل فرعون} وما أفضنا عليكم بعد الإنجاء من النعم الجسام وأريناكم من الآيات العظام تعرفوا أنا فضلناكم على جميع الأنام، ثم استأنف بيان ما أنجاهم منه بقوله: {يسومونكم} أي ينزلون بكم دائمًا {سوء العذاب}.
ولما كان السياق- كما مضى- لبيان إسراعهم في الكفر وشدة علوتهم في قوتهم وجلافتهم، وكان مقصود السورة إنذار المعرضين وتحذيرهم من القوارع التي أحلها بالماضين، بين سوء العذاب عادلًا في بيانه عن التذبيح- لأنه لا يكون عند الانذباح، وهو في الأصل لمطلق الشق- إلى التعبير بالقتل لأنه أدل على الإماتة وأهز، لأنه قد يكون على هيئة شديدة بشعة كالتقطيع والنخس والخبط وغير ذلك مع أنه لابد فيه من تفويت ذلك فقال: {يقتلون} أي تقتيلًا كثيرًا- {أبناءكم} ودل على حقيقة القتل بقوله: {ويستحيون}.
ولما كان المعنى أنهم لا يعرضون للإناث صغارًا ولا كبارًا، وكان إنكار ما يكون إبقاء النساء بلا رجال لما يخشى من الضياع والعار، وكان مظنة العار أكبر- عبر عنهن بقولة: {نساءكم} وتنبيهًا على أن قتل الأبناء إنما هو للخوف من صيرورتهم رجالًا لئلا يسلبهم واحد منهم أعلمهم به كهانهم ملكهم؛ وأشار إلى شدة ذلك بقوله: {وفي ذلكم} أي الأمر الصعب المهول {بلاء} أي اختبار لكم ولهم {من ربكم} أي المحسن إليكم في حالي الشدة والرخاء، فأنه أخفى عنهم الذي قصدوا القتل لأجله، وأنقذكم به بعد أن رباه عند الذي هو مجتهد في ذبحه {عظيم}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن هذه الآية مفسرة في سورة البقرة، والفائدة في ذكرها في هذا الموضع أنه، تعالى هو الذي أنعم عليكم بهذه النعمة العظيمة، فكيف يليق بكم الاشتغال بعبادة غير الله تعالى والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

ثم ذكر النعم فقال تعالى: {وَإِذْ أنجيناكم} من آل فرعون يعني: اذكروا حين أنجاكم الله من آل فرعون: وقرأ ابن عامر وإذْ أَنْجَاكُمْ يعني: اذكروا حين أنجاكم الله: {مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ} وقرأ الباقون {وَإِذْ أنجيناكم} ومعناه مثل ذلك {يَسُومُونَكُمْ سُوء العذاب} يعني: يعذبونكم بأشد العذاب {يُقَتّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} يعني: يستخدمون نساءكم {وَفِى ذلكم بَلاء مِّن رَّبّكُمْ عَظِيمٌ} أي: الإنجاء نعمة من ربكم عظيمة.
ويقال: في قتل الأبناء واستخدام النساء بلية من ربكم عظيمة.
قرأ نافع {يُقَتّلُونَ أَبْنَاءكُمْ} بنصب الياء مع التخفيف.
وقرأ الباقون بضم الياء وكسر التاء مع التشديد.
يُقَتِّلُونَ على معنى التكثير.
وقرأ حمزة والكسائي يَعْكِفُونَ بكسر الكاف وقرأ الباقون بالضم يَعْكُفُونَ. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ} قرأ أهل المدينة أنجيناكم، وقرأ أهل الشام وإذ أنجاكم وكذلك في مصاحفهم بغير نون.
{مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ}.
قرأ نافع: {يقتلون} خفيفة من القتل على القليل، وقرأ الباقون التشديد على الكثير من القتل {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذلكم بلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ ءَآلِ فِرْعَوْنَ}.
قال هذا يذكر بالنعمة.
{يَسُومُونَكُمْ سُوءَ العَذابِ} أي أشد العذاب.
{يُقَتّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} أي يقتلون أبناءكم صغارًا ويستحيون نساءكم للاسترقاق والاستخدام كبارًا.
{وَفِي ذَلِكُم بَلاَءٌ مِن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن ما فعله فرعون بكم من قتل الأبناء واسترقاق النساء بلاء عليكم عظيم، قاله الكلبي.
والثاني: أنه ابتلاء لكم واختبار عظيم، قاله الأخفش.
والثالث: أن في خلاصكم من ذلك بلاء عظيم، أي نعمة عظيمة، قاله ابن قتيبة. اهـ.

.قال ابن عطية:

ثم عدد عليهم في هذه الآية النعم التي يجب من أجلها أن لا يكفروا به ولا يرغبوا عبادة غيره وقرأت فرقة {نجيناكم}، وقرأ جمهور الناس: {أنجيناكم} وقد تقدم، وروي عن ابن عباس {وإذا أنجاكم} أي أنجاكم الله وكذلك هي في مصاحف أهل الشام، و{يسومونكم} معناه يحملونكم ويكلفونكم، تقول سامه خطة خسف، ونحو هذا، ومساومة البيع ينظر إلى هذا وأن كل واحد من المتساومين يكلف صاحبه إرادته، ثم فسر {سوء العذاب} بقوله: {يقتلون ويستحيون}، و{بلاء} في هذا الموضع معناه اختبار وامتحان، وقوله: {ذلكم} إشارة إلى سوء العذاب، ويحتمل أن يشير به إلى التنجية فكأنه قال وفي تنجيتكم امتحان لكم واختبار هل يكون منكم وفاء بحسب النعمة.
قال القاضي أبو محمد: والتأويل الأول أظهر، وقالت فرقة: هذه الآية خاطب بها موسى من حضره من بني إسرائيل، وقال الطبري: بل خوطب بهذه الآية من كان على عهد محمد صلى الله عليه وسلم تقريعًا لهم بما فعل بأوائلهم وبما جازوا به.
قال القاضي أبو محمد: والأول أظهر وأبين. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَإِذَ أنجيناكم} تذكيرٌ لهم من جهته سبحانه بنعمة الإنجاءِ من ملَكة فرعون وقرئ {نجّيناكم} من التنجية، وقرئ {أنجاكم} فيكون مَسوقًا من جهة موسى عليه الصلاة والسلام أي واذكروا وقت إنجائِنا إياكم {مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ} من ملَكتهم لا بمجرد تخليصِكم من أيديهم وهم على حالهم في المَكِنة والقدرة بل بإهلاكهم بالكلية وقوله تعالى: {يَسُومُونَكُمْ سُوء العذاب} من سامه خسفًا أي أولاه إياه أو كلفه إياه، وهو إما استئنافٌ لبيان ما أنجاهم منه أو حالٌ من المخاطَبين أو من آل فرعون أو منهما معًا لاشتماله على ضميريهما وقوله تعالى: {يُقَتّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} بدلٌ من {يسومونكم} مُبين أو مفسّرٌ له {وَفِى ذلكم} الإنجاءِ أو سوءِ العذاب {بَلاءٌ} أي نعمةٌ أو محنة {مّن رَّبّكُمْ} من مالك أمرِكم فإن النعمةَ والنقِمةَ كلتاهما منه سبحانه وتعالى: {عظِيمٌ} لا يقادَر قدرُه. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِذْ أنجيناكم مّنْ ءالِ فِرْعَونَ}.
بإهلاكهم وتخليصكم منهم، وإذ إما مفعول به لاذكروا محذوفًا بناءً على القول بأنها تخرج عن الظرفية أي اذكروا ذلك الوقت ويكون ذلك كناية عن ذكر ما فيه وإما ظرف لمفعول اذكروا المحذوف أي اذكروا صنيعنا معكم في ذلك الوقت، وهو تذكير من جهته تعالى بنعمته العظيمة وقرئ {نجيناكم} من التنجية، وقرأ ابن عامر {أَنجَاكُمْ} فيكون من مقول موسى عليه السلام، وقال بعضهم: إنه على قراءة الجمهور أيضًا كذلك على أن ضمير أنجنا لموسى وأخيه عليهما السلام أولهما ولمن معهما أوله وحده عليه السلام مشيرًا بالتعظيم إلى تعظيم أمر الإنجاء وهو خلاف الظاهر، وقيل: إنه من كلام الله تعالى تتميمًا لكلام موسى عليه السلام كما في قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا} [طه: 53] بعد قوله سبحانه: {الذى جَعَل لَكُمُ الأرض مَهْدًا} [طه: 53] وهو كالتفسير لقوله سبحانه: {وَهُوَ فَضَّلَكُمْ} [الأعراف: 140].
وقوله تعالى: {يَسُومُونَكُمْ العذاب} أي يولونكم ذلك ويكلفونكم إياه إما استئناف بياني، كأنه قيل: ما فعل بهم أو مم أنجوا؟ فأجيب بما ذكر، وإما حال من ضمير المخاطبين أو من آل فرعون أو منهما معًا لاشتماله على ضميرهما.
وقوله عز اسمه: {يُقَتّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} بدل من يسومونكم مبين له، ويحتمل الاستئناف أيضًا {وَفِى ذلكم} الإنجاء أو سوء العذاب {بَلاء} نعمة أو محنة، وقيل: المراد به ما يشملهما {مّن رَّبّكُمْ} أي مالك أموركم {عظِيمٌ} لا يقادر قدره.
وفي الآية التفات على بعض ما تقدم، ثم إن هذا الطلب لم يكن كما قال محيي السنة البغوي عن شك منهم بوحدانية الله تعالى وإنما كان غرضهم إلهًا يعظمونه ويتقربون بتعظيمه إلى الله تعالى وظنوا أن ذلك لا يضر بالديانة وكان ذلك لشدة جهلهم كما أذنت به الآيات، وقيل: إن غرضهم عبادة الصنم حقيقة فيكون ذلك ردة منهم، وأيًا ما كان فالقائل بعضهم لا كلهم، وقد اتفق في هذه الأمة نحو ذلك فقد أخرج الترمذي وغيره عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة حنين فمر بشجرة للمشركين كانوا يعلقون عليها أسلحتهم ويعكفون حولها يقال لها ذات أنواط فقالوا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله» وفي رواية: «الله أكبر هذا كما قال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} [الأعراف: 138] والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم» وأخرج الطبراني وغيره من طريق كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جده قال «غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح ونحن ألف ونيف ففتح الله تعالى مكة وحنينًا حتى إذا كنا بين حنين والطائف في أرض فيها سدرة عظيمة كان يناط بها السلاح فسميت ذات أنواط فكانت تعبد من دون الله فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم صرف عنها في يوم صائف إلى ظل هو أدنى منها فقال له رجل: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها السنن قلتم والذي نفس محمد بيده كما قالت بنو إسرائيل {اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة} [الأعراف: 138]» وفي هذا الخبر تصريح بأن القائل رجل واحد، ولعل ذلك كان عن جهل يعذر به ولا كون به كافرًا وإلا لأمره صلى الله عليه وسلم بتجديد الإسلام ولم ينقل ذلك فيما وقفت عليه، والناس اليوم قد اتخذوا من قبيل ذات الأنواط شيئًا كثيرًا لا يحيط به نطاق الحصر، والآمر بالمعروف أعز من بيض الأنوق والامتثال بفرض الأمر منوط بالعيوق والأمر لله الواحد القهار. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}.
من تتمة كلام موسى عليه السلام كما يقتضيه السياق، ويعضده قراءة ابن عامر: {واذ أنجاكم} والمعنى: أأبتغي لكم إلاهًا غير الله في حال أنه فضلكم على العالمين، وفي زمان أنجاكم فيه من آل فرعون بواسطتي، فابتغاء إلاه غيره كفران لنعمته، فضمير المتكلم المشارَك يعود إلى الله وموسى، ومعاده يدل عليه قوله: {أغير الله أبغيكم إلاهًا} [الأعراف: 140].
ويجوز أن يكون هذا امْتنانًا من الله اعترضه بين القصة وعدَةِ موسى عليه السلام انتقالًا من الخبر والعبرة إلى النعمة والمنة، فيكون الضمير ضَمير تعظيم، وقرأ الجمهور: {أنجيناكم} بنون المتكلم المشارك، وقرأه ابن عامر: {وإذ أنجاكم} على إعادة الضمير إلى الله في قوله: {أغير الله أبغيكم إلاهًا} [الأعراف: 140]، وكذلك هو مرسوم في مصحف الشام فيكون من كلام موسى وبمجموع القراءتين يحصُل المعنيان.
و{إذ} اسم زمان، وهو مفعول به لفعل محذوف تقديره: واذكروا.
واختار الطبري وجماعة أن يكون قوله: {وإذ أنجيناكم} خطابًا لليهود الموجودين في زمن محمد صلى الله عليه وسلم فيكون ابتداء خطاب افتتح بكلمة {إذ}، والتعريض بتذكير المشركين من العرب قد انتهى عند قوله: {وهو فضلكم على العالمين} [الأعراف: 140] وسورة الأعراف مكية ولم يكن في المكي من القرآن هو مجادلة مع اليهود.
وقوله: {يسومونكم سوء العذاب} إلى آخر الآية تقدم تفسير مشابهتها في سورة البقرة. اهـ.