فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}.
وإذا سمعت {إذ} فافهم ان معناها ظرف زمان يريد الحق أن نتذكر ما حدث فيه، و{إذ} يعني جيدًا ولا يغيب عن بالكم حين أنجاكم الله من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب وأفظعه وأشده.
ويقول بعدها مبينًا ومفسرًا ذلك العذاب: {يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ}.
ونلحظ أنه لم يأت بالعطف هنا، فلم يقل: يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم. مما يدل على أنه جاء بقمة سوء العذاب؛ لأن الاحتقار، والتسخير هما جزء من العذاب. لكن قمة العذاب هي تقتيل الأبناء، واستحياء النساء.
وفي آية ثانية يقول سبحانه: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ...} [البقرة: 49].
أي أنهم تعرضوا للتقتيل، وتعرضوا للتذبيح، وفي آية ثالثة يقول: {إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ...} [إبراهيم: 6].
لقد جاء ب الواو هنا للعطف. لأن المتكلم هنا مختلف، فقد يكون المتكلم الله، وسبحانه يمتن بقمة النعم. لكن: {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذكروا}، فموسى يمتن بكل النعم التي ساقها الله إلى بني إسرائيل صغيرة وكبيرة.
ويذيل الحق الآية الكريمة: {وَفِي ذلكم بلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ}.
هو بلاء شديد الإِيلام والوقع لفراق من يقتل أو يذبح، وبلاء آخر في الهم والحزن على من يستبقي من النساء لاستباحة أعراضهن وامتهانهن في الخدمة. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة الأعراف: آية 127]

{وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ}.
{وَيَذَرَكَ} عطف على {لِيُفْسِدُوا} لأنه إذا تركهم ولم يمنعهم، وكان ذلك مؤدّيا إلى ما دعوه فسادًا وإلى تركه وترك آلهته، فكأنه تركهم لذلك. أو هو جواب للاستفهام بالواو كما يجاب بالفاء، نحو قول الحطيئة:
ألم أك جاركم ويكون بيني ** وبينكم المودّة والإخاء

والنصب بإضمار أن تقديره: أيكون منك ترك موسى، ويكون تركه إياك وآلهتك. وقرئ: {ويذرك وآلهتك} بالرفع عطفا على أتذر موسى، بمعنى: أتذره وأ يذرك، يعنى: تطلق له ذلك.
أو يكون مستأنفا أو حالا على معنى: أتذره وهو يذرك وآلهتك. وقرأ الحسن: {ويذرك} بالجزم، كأنه قيل: يفسدوا، كما قرئ {وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} كأنه قيل: أصدّق. وقرأ أنس رضي الله عنه: {ونذرك}، بالنون والنصب، أي يصرفنا عن عبادتك فنذرها. وقرئ: {ويذرك وإلاهتك}، أي عبادتك. وروى أنهم قالوا له ذلك، لأنه وافق السحرة على الإيمان ستمائة ألف نفس، فأرادوا بالفساد في الأرض ذلك وخافوا أن يغلبوا على الملك، وقيل: صنع فرعون لقومه أصناما وأمرهم أن يعبدوها تقربا إليه كما يعبد عبدة الأصنام الأصنام، ويقولون: ليقربونا إلى اللّه زلفى، ولذلك قال: أنا ربكم الأعلى {سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ} يعني سنعيد عليهم ما كنا محناهم به من قتل الأبناء، ليعلموا أنا على ما كنا عليه من الغلبة والقهر، وأنهم مقهورون تحت أيدينا كما كانوا، وأن غلبة موسى لا أثر لها في ملكنا واستيلائنا، ولئلا يتوهم العامة أنه هو المولود الذي أخبر المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يده، فيثبطهم ذلك عن طاعتنا ويدعوهم إلى اتباعه، وأنه منتظر بعد.

.[سورة الأعراف: الآيات 128- 129]

{قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)}.
{قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ} قال لهم ذلك- حين قال فرعون: {سنقتل أبناءهم} فجزعوا منه وتضجروا- يسكنهم ويسلبهم، ويعدهم النصرة عليهم، ويذكر لهم ما وعد اللّه بنى إسرائيل من إهلاك القبط وتوريثهم أرضهم وديارهم. فإن قلت: لم أخليت هذه الجملة عن الواو وأدخلت على التي قبلها؟ قلت: هي جملة مبتدأة مستأنفة. وأمّا وَقالَ الْمَلَأُ فمعطوفة على ما سبقها من قوله: {قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ} وقوله: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ} يجوز أن تكون اللام للعهد ويراد أرض مصر خاصة، كقوله: {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} وأن تكون للجنس فيتناول أرض مصر لأنها من جنس الأرض، كما قال ضمرة: إنما المرء بأصغريه، فأراد بالمرء الجنس، وغرضه أن يتناوله تناولا أوليا {وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} بشارة بأن الخاتمة المحمودة للمتقين منهم ومن القبط، وأن المشيئة متناولة لهم. وقرأ {وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} بالنصب: أبىّ وابن مسعود، عطفا على {الأرض}.
{أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا} يعنون قتل أبنائهم قبل مولد موسى عليه السلام إلى أن استنبئ، وإعادته عليهم بعد ذلك، وما كانوا يستعبدون به ويمتهنون فيه من أنواع الخدم والمهن ويمسون به من العذاب {عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} تصريح بما رمز إليه من البشارة قبل. وكشف عنه، وهو إهلاك فرعون واستخلافهم بعده في أرض مصر {فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} فيرى الكائن منكم من العمل حسنه وقبيحه وشكر النعمة وكفرانها، ليجازيكم على حسب ما يوجد منكم. وعن عمرو بن عبيد رحمه اللّه أنه دخل على المنصور قبل الخلافة وعلى مائدته رغيف أو رغيفان، فطلب زيادة لعمرو فلم توجد، فقرأ عمرو هذه الآية، ثم دخل عليه بعد ما استخلف فذكر له ذلك وقال: قد بقي فينظر كيف تعملون.

.[سورة الأعراف: آية 130]

{وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)}.
{بِالسِّنِينَ} بسنى القحط. والسنة من الأسماء الغالبة كالدابة والنجم ونحو ذلك، وقد اشتقوا منها فقالوا: أسنت القوم، بمعنى أقحطوا. وقال ابن عباس رضي الله عنه: أما السنون فكانت لباديتهم وأهل مواشيهم. وأمّا نقص الثمرات فكان في أمصارهم. وعن كعب: يأتى على الناس زمان لا تحمل النخلة إلا تمرة {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} فيتنبهوا على أن ذلك لإصرارهم على الكفر وتكذيبهم لآيات اللّه، ولأن الناس في حال الشدّة أضرع خدودا وألين أعطافا وأرق أفئدة.
وقيل: عاش فرعون أربعمائة سنة ولم ير مكروها في ثلاثمائة وعشرين سنة، ولو أصابه في تلك المدّة وجع أو جوع أو حمى لما ادعى الربوبية.

.[سورة الأعراف: آية 131]

{فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (131)}.
{فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ} من الخصب والرخاء {قالُوا لَنا هذِهِ} أي هذه مختصة بنا ونحن مستحقوها ولم نزل في النعمة والرفاهية، واللام مثلها في قولك. الجل للفرس {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} من ضيقة وجدب {يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ} يتطيروا بهم ويتشاءموا ويقولوا: هذه بشؤمهم، ولولا مكانهم لما أصابتنا، كما قالت الكفرة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه من عندك. فإن قلت: كيف. قيل: فإذا جاءتهم الحسنة بإذا وتعريف الحسنة، {وإن تصبهم سيئة} بإنّ وتنكير السيئة؟ قلت: لأنّ جنس الحسنة وقوعه كالواجب لكثرته واتساعه. وأمّا السيئة فلا تقع إلا في الندرة، ولا يقع إلا شيء منها. ومنه قول بعضهم: قد عددت أيام البلاء، فهل عددت أيام الرخاء {طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} أي سبب خيرهم وشرهم عند اللّه، وهو حكمه ومشيئته، واللّه هو الذي يشاء ما يصيبهم من الحسنة والسيئة، وليس شؤم أحد ولا يمنه بسبب فيه، كقوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} ويجوز أن يكون معناه: ألا إنما سبب شؤمهم عند اللّه وهو عملهم المكتوب عنده الذي يجرى عليهم ما يسوءهم لأجله، ويعاقبون له بعد موتهم بما وعدهم اللّه في قوله سبحانه: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها...} الآية. ولا طائر أشأم من هذا. وقرأ الحسن: {إنما طيركم عند اللّه}، وهو اسم لجمع طائر غير تكسير، ونظيره: التجر، والركب. وعند أبى الحسن: هو تكسير.

.[سورة الأعراف: الآيات 132- 133]

{وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)}.
{مَهْما} هي ما المضمنة معنى الجزاء، ضمت إليها ما المزيدة المؤكدة للجزاء في قولك: متى ما تخرج أخرج، {أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْت}، {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} إلا أنّ الألف قلبت هاء استثقالا لتكرير المتجانسين وهو المذهب السديد البصري، ومن الناس من زعم أن مه هي الصوت الذي يصوت به الكاف، وما للجزاء، كأنه قيل: كف ما تأتنا به من آية {لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين}. فإن قلت: ما محل مهما؟ قلت: الرفع بمعنى: أيما شيء تأتنا به. أو النصب، بمعنى: أيما شيء تحضرنا تأتنا به. ومن آية: تبيين لمهما. والضميران في بِهِ وبِها راجعان إلى مهما، إلا أنّ أحدهما ذكر على اللفظ، والثاني أنث على المعنى، لأنه في معنى الآية. ونحوه قول زهير:
ومهما يكن عند امرئ من خليقة ** وإن خالها تخفى على النّاس تعلم

وهذه الكلمة في عداد الكلمات التي يحرفها من لا يد له في علم العربية، فيضعها غير موضعها، ويحسب مهما بمعنى متى ما، ويقول مهما جئتني أعطيتك، وهذا من وضعه، وليس من كلام واضع العربية في شيء، ثم يذهب فيفسر مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ بمعنى الوقت، فيلحد في آيات اللّه وهو لا يشعر، وهذا وأمثاله مما يوجب الجثوّ بين يدي الناظر في كتاب سيبويه. فإن قلت: كيف سموها آية، ثم قالوا لتسحرنا بها؟ قلت: ما سموها آية لاعتقادهم أنها آية، وإنما سموها اعتبارًا لتسمية موسى، وقصدوا بذلك الاستهزاء والتلهي الطُّوفانَ ما طاف بهم وغلبهم من مطر أو سيل. قيل: طغى الماء فوق حروثهم، وذلك أنهم مطروا ثمانية أيام في ظلمة شديدة، لا يرون شمسًا ولا قمرًا، ولا يقدر أحدهم أن يخرج من داره. وقيل أرسل اللّه عليهم السماء حتى كادوا يهلكون، وبيوت بنى إسرائيل وبيوت القبط مشتبكة، فامتلأت بيوت القبط ماء حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم، فمن جلس غرق، ولم تدخل بيوت بنى إسرائيل قطرة، وفاض الماء على وجه أرضهم وركد فمنعهم من الحرث والبناء والتصرف، ودام عليهم سبعة أيام.
وعن أبى قلابة: الطوفان الجدري، وهو أوّل عذاب وقع فيهم، فبقى في الأرض. وقيل: هو الموتان وقيل: الطاعون، فقالوا لموسى: ادع لنا ربك يكشف عنا ونحن نؤمن بك، فدعا فرفع عنهم، فما آمنوا، فنبت لهم تلك السنة من الكلأ والزرع ما لم يعهد بمثله، فأقاموا شهرًا، فبعث اللّه عليهم الجراد فأكلت عامة زروعهم وثمارهم، ثم أكلت كل شيء حتى الأبواب وسقوف البيوت والثياب ولم يدخل بيوت بنى إسرائيل منها شيء، ففزعوا إلى موسى ووعدوه التوبة، فكشف عنهم بعد سبعة أيام: خرج موسى عليه السلام إلى الفضاء فأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب، فرجع الجراد إلى النواحي التي جاء منها، فقالوا: ما نحن بتاركي ديننا، فأقاموا شهرًا، فسلط اللّه عليهم القمل وهو الحنان في قول أبى عبيدة كبار القردان. وقيل: الدبا وهو أولاد الجراد. قيل: نبات أجنحتها. وقيل: البراغيث. وعن سعيد بن جبير: السوس، فأكل ما أبقاه الجراد، ولحس الأرض، وكان يدخل بين ثوب أحدهم وبين جلده فيمصه، وكان يأكل أحدهم طعامًا فيمتلئ قملا، وكان يخرج أحدهم عشرة أجربة إلى الرحى فلا يرد منها إلا يسيرا. وعن سعيد ابن جبير. أنه كان إلى جنبهم كثيب أعفر، فضربه به موسى بعصاه فصار قملا، فأخذت في أبشارهم وأشعارهم وأشفار عيونهم وحواجبهم، ولزم جلودهم كأنه الجدري، فصاحوا وصرخوا وفزعوا إلى موسى فرفع عنهم، فقالوا: قد تحققنا الآن أنك ساحر، وعزة فرعون لا نصدقك أبدا، فأرسل اللّه عليهم بعد شهر الضفادع، فدخلت بيوتهم وامتلأت منها آنيتهم وأطعمتهم، ولا يكشف أحد شيئا من ثوب ولا طعام ولا شراب إلا وجد فيه الضفادع، وكان الرجل إذا أراد أن يتكلم وثبت الضفدع إلى فيه، وكانت تمتلئ منها مضاجعهم فلا يقدرون على الرقاد، وكانت تقذف بأنفسها في القدور وهي تغلى، وفي التنانير وهي تفور، فشكوا إلى موسى وقالوا: ارحمنا هذه المرة، فما بقي إلا أن نتوب التوبة النصوح ولا نعود، فأخذ عليهم العهود ودعا فكشف اللّه عنهم، ثم نقضوا العهد، فأرسل اللّه عليهم الدم فصارت مياههم دمًا، فشكوا إلى فرعون فقال: إنه سحركم فكان يجمع بين القبطي والاسرائيلى على إناء واحد، فيكون ما يلي الإسرائيلى ماء وما يلي القبطي دمًا، ويستقيان من ماء واحد فيخرج للقبطي الدم وللإسرائيلى الماء، حتى إن المرأة القبطية تقول لجارتها الإسرائيلية: اجعلي الماء في فيك ثم مجيه في فىّ، فيصير الماء في فيها دمًا.
وعطش فرعون حتى أشفى على الهلاك، فكان يمص الأشجار الرطبة، فإذا مضغها صار ماؤها الطيب ملحًا أجاجا. وعن سعيد بن المسيب: سال عليهم النيل دما. وقيل: سلط اللّه عليهم الرعاف وروى أنّ موسى عليه السلام مكث فيهم بعد ما غلب السحرة عشرين سنة يريهم هذه الآيات، وروى أنه لما أراهم اليد والعصا ونقص النفوس والثمرات قال: يا رب، إنّ عبدك هذا قد علا في الأرض فخذه بعقوبة تجعلها له ولقومه نقمة، ولقومي عظة، ولمن بعدي آية. فحينئذ بعث اللّه عليهم الطوفان، ثم الجراد، ثم ما بعده من النقم. وقرأ الحسن: والقمل، بفتح القاف وسكون الميم، يريد القمل المعروف {آياتٍ مُفَصَّلاتٍ} نصب على الحال. ومعنى مفصلات: مبينات ظاهرات لا يشكل على عاقل أنها من آيات اللّه التي لا يقدر عليها غيره، وأنها عبرة لهم ونقمة على كفرهم. أو فصل بين بعضها وبعض بزمان تمتحن فيه أحوالهم، وينظر أيستقيمون على ما وعدوا من أنفسهم، أم ينكثون إلزامًا للحجة عليهم؟