فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال ابن العربيّ: فإذا ضُرِب الأجلُ لمعنىً يحاول فيه تحصيلُ المؤجّل فجاء الأجل ولم يتيّسر زيد فيه تبصرةً ومعذرةً.
وقد بيّن الله تعالى ذلك لموسى عليه السلام فضرب له أجلًا ثلاثين ثم زاده عشرًا تتمة أربعين.
وأبطأ موسى عليه السلام في هذه العشر على قومه؛ فما عقلوا جواز التأنِّي والتأخر حتى قالوا: إن موسى ضَلَّ أو نَسيَ.
ونكثوا عهده وبدّلوا بعده، وعبدوا إلهًا غير الله.
قال ابن عباس: إن موسى قال لقومه: إنّ ربي وعدني ثلاثين ليلة أن ألقاه، وأخلف فيكم هارون، فلما فَصَل موسى إلى ربه زاده الله عشرًا؛ فكانت فتنتهم في العشر الذي زاده الله بما فعلوه من عبادة العجل؛ على ما يأتي بيانه.
ثم الزيادة التي تكون على الأجل تكون مقدّرة؛ كما أن الأجل مقدر.
ولا يكون إلا باجتهاد من الحاكم بعد النظر إلى المعاني المتعلقة بالأمر: من وقت وحال وعمل، فيكون مثل ثلث المدة السالفة؛ كما أجل الله لموسى.
فإن رأى الحاكم أن يجمع له الأصل في الأجل والزيادة في مدّة واحدة جاز، ولكن لابد من التربّص بعدها لما يطرأ من العذر على البشر، قاله ابن العربيّ.
روى البخاري عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أعْذَر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة».
قلت: وهذا أيضًا أصلٌ لإعذار الحُكّام إلى المحكوم عليه مرة بعد أخرى.
وكان هذا لُطْفًا بالخلق، ولينفذ القُيَّام عليهم بالحق.
يقال: أعْذَر في الأمر أي بالغ فيه؛ أي أعذر غاية الإعذار الذي لا إعذار بعده.
وأكبر الإعذار إلى بني آدم بعثة الرسل إليهم لتتم حجته عليهم، {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
وقال: {وَجَاءَكُمُ النذير} [فاطر: 37] قيل: هم الرسل.
ابن عباس: هو الشيب.
فإنه يأتي في سنّ الاكتهال، فهو علامة لمفارقة سنّ الصِّبا.
وجعل الستين غاية الإعذار لأن الستين قريب من معترك العبّاد، وهو سنّ الإنابة والخشوع والاستسلام لله، وترقب المنية ولقاء الله؛ ففيه إعذار بعد إعذار.
الأوّل بالنبيّ عليه السلام، والثاني بالشيب؛ وذلك عند كمال الأربعين؛ قال الله تعالى: {وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أوزعني أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ} [الأحقاف: 15].
فذكر عز وجل أن من بلغ أربعين فقد آن له أن يعلم مقدار نِعم الله عليه وعلى والديه ويشكرها.
قال مالك: أدركت أهل العلم ببلدنا، وهم يطلبون الدنيا ويخالطون الناس حتى يأتي لأحدهم أربعون سنة؛ فإذا أتت عليهم اعتزلوا الناس.
الثالثة ودلت الآية أيضًا على أن التاريخ يكون بالليالي دون الأيام؛ لقوله تعالى: {ثَلاَثِينَ لَيْلَةً} لأن الليالي أوائل الشهور.
وبها كانت الصحابة رضي الله عنهم تخبر عن الأيام؛ حتى روي عنها أنها كانت تقول: صمنا خمسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والعجم تخالف في ذلك، فتحسب بالأيام لأن معوّلها على الشمس.
ابن العربيّ: وحساب الشمس للمنافع، وحساب القمر للمناسك؛ ولهذا قال: {وَوَاعَدْنَا موسى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً}.
فيقال: أرّخت تاريخًا.
وورّخت توريخًا؛ لغتان.
قوله تعالى: {وَقَالَ موسى لأَخِيهِ هَارُونَ اخلفني فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ} المعنى: وقال موسى حين أراد المضِيّ للمناجاة والمغيب فيها لأخيه هارون: كن خليفتي؛ فدلّ على النيابة.
وفي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقّاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعليّ حين خلّفه في بعض مغازيه: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي».
فاستدل بهذا الروافضُ والإمامية وسائر فِرَقِ الشَّيعة على أن النبيّ صلى الله عليه وسلم استخلف عليًا على جميع الأمّة؛ حتى كفر الصحابة الإمامية قبحهم الله لأنهم عندهم تركوا العمل الذي هو النص على استخلاف عليّ واستخلفوا غيره بالاجتهاد منهم.
ومنهم من كفر عَلِيًّا إذ لم يقم بطلب حقه.
وهؤلاء لا شك في كفرهم وكفر من تبعهم على مقالتهم، ولم يعلموا أن هذا استخلاف في حياةٍ كالوكالة التي تنقضي بعزل الموكَّل أو بموته، لا يقتضي أنه متمادٍ بعد وفاته؛ فينْحَلّ على هذا ما تعلق به الإمامية وغيرهم.
وقد استخلف النبيّ صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أمِّ مكتوم وغيره، ولم يلزم من ذلك استخلافه دائمًا بالاتفاق.
على أنه قد كان هارون شُرِّك مع موسى في أصل الرسالة، فلا يكون لهم فيه على ما راموه دِلالة.
والله الموفق للهداية.
قوله تعالى: {وَأَصْلِحْ} أمرٌ بالإصلاح.
قال ابن جريج: كان من الإصلاح أن يزجر السامريّ ويغيِّر عليه.
وقيل: أي ارفق بهم، وأصلح أمرهم، وأصلح نفسك؛ أي كن مصلحًا.
{وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين} أي لا تسلك سبيل العاصين، ولا تكن عونًا للظالمين. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة} يعني وواعدنا موسى لمناجاتنا ثلاثين ليلة وهي ذو القعدة {وأتممناها بعشر} يعني عشر ذي الحجة وهذا قول ابن عباس ومجاهد.
قال المفسرون إن موسى وعد بني إسرائيل إذا أهلك الله تعالى عدوهم فرعون أن يأيتهم بكتاب من عند الله فيه بيان ما يأتون وما يذرون فما أهلك الله تعالى فرعون سأل موسى ربه أن ينزل عليه الكتاب الذي وعد به بني إسائيل فأمره أن يصوم ثلاثين يومًا فصامها فلما تمت أنكر خلوف فمه فتسوك بعود خرنوب وقيل بل أكل من ورق الشجر فقالت الملائكة كنا نشم من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فأمره الله أن يصوم عشر ذي الحجة وقال له أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك فكانت فتنة بني إسرائيل في تلك العشر التي زادها الله لموسى وقيل إن الله تعالى أمر موسى أن يصوم ثلاثين يومًا ويعمل فيها ما يتقرب به إلى الله ثم كلمه وأعطاه الألواح في العشر التي زادها فلهذا قال: وتممناها بعشر وهذا التفصيل الذي ذكره هنا هو تفصيل ما أجمله في سورة البقرة وهو قوله تعالى: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة} فذكره هناك على الإجمال وذكره هنا على التفصيل.
وقوله تعالى: {فتم ميقات ربه أربعين ليلة} يعني فتم الوقت الذي قدره الله لصوم موسى وعبادته أربعين ليلة لأن الميقات هو الوقت الذي قدر أن يعمل فيه عمل من الأعمال ولهذا قيل مواقيت الحج {وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي} يعني كن أنت خليفتي فيهم من بعدي حتى أرجع إليك {وأصلح} يعني وأصلح أمور بني إسرائيل واحملهم على عبادة الله تعالى.
وقال ابن عباس: يريد الرفق بهم والإحسان إليهم {ولا تتبع سبيل المفسدين} يعني ولا تسلك طريق المفسدين في الأرض ولا تطعهم والمقصود من هذا الأمر التأكيد لأن هارون لم يكن ممن يتبع سبيل المفسدين فهو كقوله ولكن ليطمئن قلبي وكقولك للقاعد اقعد بمعنى دُم على ما أنت عليه من القعود. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتمّ ميقات ربه أربعين ليلة}.
روي أنّ موسى عليه السلام وعد بني إسرائيل وهو بمصر إن أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب من عند الله فيه بيان ما يأتون وما يذرون فلما هلك فرعون سأل موسى ربه تعالى الكتاب فأمره بصوم ثلاثين يومًا وهو شهر ذي القعدة فلما أتمّ الثلاثين أنكر خلوف فيه فتسوك، فقالت الملائكة كنا نشم من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك، وقيل أوحى الله إليه أما علمت أن خلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك فأمره أن يزيد عليه عشرة أيام من ذي الحجة لذلك، وقيل أمره الله بأن يصوم ثلاثين يومًا وأن يعمل فيها بما يقربه من الله تعالى ثم أنزلت عليه التوراة في العشر وكلم فيها وأجمل ذكر الأربعين في البقرة وفصل هنا.
وقال الكلبي: لما قطع موسى البحر ببني إسرائيل وغرق فرعون قالت بنو إسرائيل لموسى: ائتنا بكتاب من ربنا كما وعدتنا وزعمت أنك تأتينا به إلى شهر فاختار موسى من قومه سبعين رجلًا لينطلقوا معه فلما تجهّزوا قال الله تعالى لموسى أخبر قومك أنك لن تأتيهم أربعين ليلة وذلك حين أتمت بعشر فلما خرج موسى بالسبعين أمرهم أن ينتظروه أسفل الجبل وصعد موسى الجبل وكلمه الله أربعين يومًا وأربعين ليلة وكتب له الألواح ثم إنّ بني إسرائيل عدوا عشرين ليلة وعشرين يومًا وقالوا قد أخلفنا موسى الوعد وجعل لهم السّامري العجل فعبدوه، وقيل زيدت العشر بعد الشهر للمناجاة، وقيل: التفت في طريقه فزيدها، وقيل: زيدت عقوبة لقومه على عبادة العجل، وقيل: أعلم موسى بمغيبه ثلاثين ليلة فلما زاده العشر في مغيبه لم يعلموا بذلك ووجست نفوسهم للزيادة على ما أخبرهم فقال السامري هلك موسى وليس براجع وأضلّهم بالعجل فاتبعوه، قاله ابن جريج وفائدة التفصيل قالوا: إنّ الثلاثين للتهيؤ للمناجاة والعشر لإنزال التوراة وتكليمه، وقال أبو مسلم: بادر إلى ميقات ربه قبل قومه لقوله: {وما أعجلك عن قومك يا موسى} الآية فجائز أن يكون أتى الطور عند تمام الثلاثية فلما أعلم بخبر قومه مع السامري رجع إلى قومه قبل تمام مدة الوعد ثم عاد إلى الميقات في عشر أخر، قيل: لا يمتنع أن يكون وعدان أول حضره موسى وثان حضره المختارون ليسمعوا كلام الله فاختلف الوعد لاختلاف الحاضرين والثلاثون هي شهر ذي القعدة والعشر من ذي الحجة قاله ابن عباس ومسروق ومجاهد وتقدّم الخلاف في قراءة ووعدنا وقالوا انتصب {ثلاثين} على أنه مفعول ثان على حذف مضاف فقدره أبو البقاء إتيان ثلاثين أو تمام ثلاثين، وقال ابن عطية {وثلاثين} نصب على تقدير جلناه أو مناجاة ثلاثين وليست منتصبة على الظرف والهاء في {وأتممناها} عائدة على المواعدة المفهومة من {واعدنا}، وقال الحوفي الهاء والألف نصب باتممناها وهما راجعتان إلى {ثلاثين} ولا يظهر لأنّ الثلاثين لم تكن ناقصة فتممت بعشر وحذف مميز عشر أي عشر ليال لدلالة ما قبله عليه وفي مصحف أبي وتممناها مشدّدًا والميقات ما وقت له من الوقت وضربه له وجاء بلفظ ربه ولم يأتِ على {واعدنا} فكان يكون للتركيب فتمّ ميقاتنا لأن لفظ {ربه} دالّ على أنه مصلحة وناظر في أمره ومالكه والمتصرف فيه، قيل: والفرق بين الميقات والوقت أنّ الميقات ما قدر فيه عمل من الأعمال والوقت وقت الشيء وانتصب {أربعين} على الحال قاله الزمخشري، الحال فيه فقال أتى بتم بالغًا هذا العدد فعلى هذا لا يكون الحال {أربعين} بل الحال هذا المحذوف فينا في قوله وأربعين ليلة نصب على الحال وقال ابن عطية أيضًا ويصح أن يكون {أربعين} ظرفًا من حيث هي عدد أزمنة، وقيل {وبلغ أربعين} مفعول به بتمّ لأن معناه بلغ والذي يظهر أنه تمييز محول من الفاعل وأصله فتم أربعون ميقات ربه أي كملت ثم أسند التمام لميقات وانتصب أربعون على التمييز والذي يظهر أن هذه الجملة تأكيد وإيضاح، وقيل: فائدتها إزالة توهم العشر من الثلاثين لأنه يحتمل إتمامها بعشر من الثلاثين، وقيل: إزالة توهم أن تكون عشر ساعات أي أتممناها بعشر ساعات.
{وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين} وقرء شاذًا {هارون} بالضم على النداء أي يا هارون أمره حين أراد المضي للمناجاة والمغيب فيها أن يكون خليفته في قومه وأن يصلح في نفسه أو ما يجب أن يصلح من أمر قومه ونهاه أن يتبع سبيل من أفسد وفي النهي دليل على وجود المفسدين ولذلك نهاه عن اتباع سبيلهم وأمره إياه بالصلاح ونهيه عن اتباع سبيل المفسدين هو على سبيل التأكيد لا لتوهّم أنه يقع منه خلاف الإصلاح واتباع تلك السبيل لأن منصب النبوّة منزّه عن ذلك ومعنى {اخلفني} استبد بالأمر وذلك في حياته إذ راح إلى مناجاة ربه وليس المعنى أنك تكون خليفتي بعد موتي ألا ترى أن هارون عليه السلام مات قبل موسى عليهما السلام، وليس في قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعليّ «أنت مني كهارون من موسى» دليل على أنه خليفته بعد موته إذ لم يكن هارون خليفة بعد موت موسى وإنما استخلف الرسول عليًّا على أهل بيته إذ سافر الرسول عليه السلام في بعض مغازيه كما استخلف ابن أم مكتوم على المدينة فلم يكن في ذلك دليل على أنه يكون خليفة بعد موت الرسول. اهـ.