فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال لن تراني يستدل من ينفي الرؤية بهذه الكلمة وليس لهم فيها مستدل وذلك لأنه لم يقل إني لا أرى متى يكون حجة لهم ولأنه لم ينسبه إلى الجهل في سؤال الرؤية كما نسب إليه قومه بقولهم اجعل لنا إلها كما لهم آلهة لما لم يجز ذلك وأما معنى قوله لن تراني يعني في الحال أو في الدنيا.
ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني معناه اجعل الجبل بيني وبينك فإنه أقوى منك فإن استقر مكانه فسوف تراني وفي هذا دليل على أنه يجوز أن يرى لأنه لم يعلق الرؤية بما يستحيل وجوده لأن استقرار الجبل مع تجليه له غير مستحيل بأن يجعل له قوة الاستقرار مع التجلي.
{فلما تجلى ربه للجبل} أن ظهر للجبل قيل إنه جعل للجبل بصرا وخلق فيه حياة ثم تجلى له فتذكرك على نفسه وروى حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عن النبي أنه قال إن الله تعالى تجلى للجبل بقدر أنملة الخنصر ثم وضع ثابت إبهامه على أنملة خنصره فقيل له أتقول بهذا فقال يقول به أنس ورسول الله.
{وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين 143} قال يا موسى أقول به أنا وضرب في صدر القائل وفي بعض الروايات أنه تجلى للجبل بقدر جناح بعوضة أو أقل.
جعله دكا قال ابن عباس صار ترابا وقال الحسن وسفيان ساخ في الأرض وفي بعض التفاسير أنه صار ستة أجبل ثلاثة بمكة وذلك ثور وثبير وحراء وثلاثة بالمدينة رضوى وأحد وورقان وقيل انقلع الجبل من أصله ووقع في البحر فهو يذهب فيه إلى يوم القيامة.
وأما من حيث اللغة قال الزجاج معنى قوله جعله دكا أي مدكوكا مدقوقا وقرأ حمزة والكسائي جعله دكاء ممدودا يقال أرض دكاء إذا كان فيها ناتئ ومواضع مرتفعة كالقلال والدكاوات الرواسي من الأرض ومعناه أنه جعله كالأرض المرتفعة وخرج من كونه جبلا.
وقوله وخر موسى صعقا قال قتادة أي ميتا وكان قد مات تلك الساعة وقال الحسن وابن عباس خر مغشيا عليه وهذا أليق بالنظم لأنه قال فلما أفاق قال سبحانك وهذا التنزيه تبت إليك يعني من سؤال الرؤية قبل الإذن وأنا أول المؤمنين يعني أنا أول المؤمنين بأن من يراك متجليا في الدنيا لا يستقر مكانه وقيل معناه أنا أول المؤمنين بأنك لا ترى في الدنيا. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {ولما جاء موسى لميقاتنا} يعني للوقت الذي وقتنا له أن يأتي فيه لمناجاتنا وهو قوله: {وكلمه ربه} وفي هذه الآية دليل على أن الله كلم موسى واختلف الناس في كلام الله تعالى فقال الزمخشري كلمه ربه من غير واسطة كما يكلم الملك وتكليمه أن يخلق الكلام منطوقًا به في بعض الأجرام كما خلقه مخطوطًا في الألواح هذا كلامه وهذا مذهب المعتزلة ولا شك في بطلانه وفساده لأن الشجرة أو ذلك الجرم لا يقول: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري} فثبت بذلك بطلان ما قالوه وذهبت الحنابلة ومن وافقهم إلى أن كلام الله تعالى حروف وأصوات متقطعة وأنه قد تم وذهب جمهور المتكلمين إلى أن كلام الله تعالى صفة مغايرة لهذه الحروف والأصوات وتلك الصفة قديمة أزلية والقائلون بهذا القول قالوا إن موسى سمع تلك الصفة الأزلية الحقيقية وقالوا كما أنه لا يبعد رؤية ذاته وليس جمسًا ولا عرضًا كذلك لا يبعد سماع كلامه مع أن كلامه ليس بصوت ولا حرف ومذهب أهل السنة وجمهور العلماء من السلف والخلف إن الله تعالى متكلم بكلام قديم وسكتوا عن الخوض في تأويله وحقيقته.
قال أهل التفسير والأخبار: لما جاء موسى لميقات ربه تطهر وطهر ثيابه وصام ثم أتى طور سيناء وفي القصة أن الله تعالى أنزل ظلة تغشت الجبل على أربع فراسخ من كل ناحية وطرد عنه الشطيان وهو أم الأرض ونحى عنه الملكين وكشط له السماء فرأى الملائكة قيامًا في الهواء ورأى العرش بارزًا وأدنى ربه حتى سمع صريف الأقلام على الألواح وكلمه الله تبارك وتعالى وناجاه وأسمعه وكلامه وكان جبريل عليه السلام معه فلم يسمع ما كلم الله تعالى به موسى فاستحلى كلام ربه واشتاق إلى رؤيته {قال رب أرني أنظر إليك} قال الزجاج: فيه اختصار تقديره أرني نفسك أنظر إليك وقال ابن عباس معناه أعطني أنظر إليك إنما سأل موسى الرؤية مع علمه بأن الله تعالى لا يرى في الدنيا لما هاج به من الشوق وفاض عليه من أنواع الجلال حتى استغرق في بحر المحبة فعند ذلك سأل الرؤية وقيل إنما سأل الرؤية ظنًا منه بأنه تعالى يرى في الدنيا فتعالى الله عن ذلك {قال لن تراني} يعني ليس لبشر أن يراني في الدنيا ولا يطيق النظر اليّ في الدنيا من نظر إليّ في الدنيا مات فقال موسى: إلهي سمعت كلامك فاشتقت إلى النظر إليك ولأن أنظر إليك ثم أموت أحب إليّ من أن أعيش ولا أراك.
وقال السدي: لما كلم الله تعالى موسى غاص عدو لله إبليس الخبيث في الأرض حتى خرج من بين قدمي موسى فوسوس إليه أن مكلمك شيطان عند ذلك سأل موسى ربه الرؤية فقال: {ربي أرني أنظر إليك} قال الله تبارك وتعالى لموسى {لن تراني}.
فصل:
وقد تمسك من نفي الرؤية من أهل البدع والخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة بظاهر هذه الآية وهو قوله تعالى: {لن تراني} قالوا لن تكون للتأبيد والدوام ولا حجة لهم في ذلك ولا دليل ولا يشهد لهم في ذلك كتاب ولا سنة وما قالوه في أن لن تكون للتأبيد خطأ بين ودعوى على أهل اللغة إذ ليس يشهد لما قالوه نص عن أهل أهل اللغة والعربية ولم يقل به أحد منهم ويدل على صحة ذلك قوله تعالى في صفة اليهود: {ولن يتمنوه أبدًا} مع أنهم يتمنون الموت يوم القيامة يدل عليه قوله تعالى: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك} وقوله: {يا ليتها كانت القاضية} فإن قالوا إن لن معناها تأكيد النفي كلا التي تنفي المستقبل قلنا إن صح هذا التأويل فيكون معنى لن تراني محمولًا على الدنيا أي لن تراني في الدنيا جمعًا بين دلائل الكتاب والسنة فإنه قد ثبت في الحديث الصحيح أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيمة في الدار الآخرة وأيضًا فإن موسى كان عارفًا بالله تعالى وبما يجب ويجوز ويمتنع على الله وفي الآية دليل على أنه سأل الرؤية فلو كانت الرؤية ممتنعة على الله تعالى لما سألها موسى فحيث سألها علمنا أن الرؤية جائزة على الله تعالى وأيضًا فإن الله علق رؤيته على أمر جائز والمعلق على الجائز جائز فيلزم من ذلك كون الرؤية في نفسها جائزة وإنما قلنا ذلك لأنه تعالى علق رؤيته على استقرار الجبل وهو قوله تعالى: {ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني} وهو أمر جائز الوجود في نفسه وإذا كان كذلك ثبت أن رؤيته جائزة الوجود لأن استقرار الجبل غير مستحيل عند التجلي إذا جعل الله تعالى له قوة على ذلك والمعلق بما لا يستحيل لا يكون محالًا والله أعلم بمراده.
قال وهب ومحمد بن إسحاق: لما سأل موسى ربه الرؤية أرسل الله الضباب والرياح والصواعق والرعد والبرق والظلمة حتى أحاطت بالجبل الذي عليه موسى أربع فراسخ من كل جانب وأمر الله تعالى أهل السموات أن يعترضوا على موسى فمرت به ملائكة السماء الدنيا كثيران البقرة تنبع أفواههم بالتسبيح والتقديس بأصوات عظيمة كصوت الرعد الشديد فقال موسى: رب إني كنت عن هذا غنيًا ثم أمر الله تعالى ملائكة السماء الثانية أن أهبطوا على موسى واعترضوا عليه فهبطوا عليه مثل الأسود لهم لجب بالتسبيح والتقديس ففزع العبد الضعيف موسى بن عمران مما رأى وسمع واقشعرت كل شعرة في رأسه وبدنه ثم قال: لقد ندمت على مسألتي فهل ينجيني مما أنا فيه شيء فقال له خير الملائكة ورئيسهم: يا موسى اصبر لما سألت فقليل من كثير ما رأيت ثم أمر الله ملائكة السماء الثالثة أن أهبطوا على موسى واعترضوا عليه فهبطوا عليه أمثال النسور لهم قصف ورجف ولجب شديد وأفواههم تنبع بالتسبيح والتقديس لهم جلب كجلب الجيش العظيم أوالنهم كلهب النار ففزع موسى واشتد فزعه وأيس من الحياة فقال له خير الملائكة ورئيسهم: مكانك يا ابن عمران حتى ترى ما لا صبر لك عليه ثم أمر الله ملائكة السماء الرابعة أن اهبطوا على موسى فاعترضوا عليه فهبطوا عليه لا يشبههم شيء من الذين مروا قبلهم ألوانهم كلهب النار وسائر خلقهم كالثلج الأبيض أصواتهم عالية بالتسبيح والتقديس لا يقاربهم شيء من أصوات الذين مروا به قبلهم فاصطكت ركبتاه وأرعد قلبه واشتد بكاؤه فقال له خير الملائكة ورئيسهم: يا ابن عمران اصبر لما سألت فقيل من كثير ما رأيت ثم أمر الله ملائكة السماء الخامسة اهبطوا على موسى فاعترضوا عليه فهبطوا عليه لهم سبعة ألوان فلم يستطع موسى أن يتبعهم بصره ولم ير مثلهم ولم يسمع مثل أصواتهم فامتلأ جوفه خوفًا واشتد حزنه وكثر بكاؤه فقال له خير الملائكة ورئيسهم: يا ابن عمران مكانك حتى ترى ما لا تصير عليه.
ثم أمر الله ملائكة السماء السادسة أن اهبطوا على موسى فاعترضوا عليه فهطبوا عليه وفي يد كل واحد منهم مثل النخلة العظيمة الطويلة نار أشد ضوءًا من الشمس ولباسهم كلهب النار إذا سبحوا وقدسوا جاوبهم من كان قبلهم من الملائكة كلهم يقولون بشدة أصواتهم سبوح قدوس رب العزة أبدًا لا يموت في رأس كل ملك منهم أربعة أوجه فلما رآهم موسى رفع صوته يسبح معهم وهو يبكي ويقول: رب اذكرني ولا تنس عبدك فلا أدري أأنفلت مما أنا فيه أم لا إن خرجت احترقت وإن أقمت مت فقال له كبير الملائكة ورئيسهم: قد أوشكت يا ابن عمران أن يشتد خوفك وينخلع قلبك فاصبر للذي سألت ثم أمر الله تعالى أن يحمل عرشه ملائكة السماء السابعة فلما بدأ العرش انصدع الجبل من عظمة الرب سبحانه وتعالى ورفعت الملائكة أصواتهم جميعًا يقولون سبحان الملك القدوس رب العزة أبدًا لا يموت فارتج الجبل لشدة أصواتهم واندك واندكت كل شجرة كانت فيه وخر العبد الضعيف موسى صعقًا على وجهه ليس معه روحه فأرسل الله تعالى برحمته الروح فتغشته وقلب عليه الحجر الذي كان جلس عليه موسى فصار عيله كهيئة القبة لئلا يحترق موسى وأقامت الروح عليه مثل اللامة فلما أفاق موسى قام يسبح ويقول آمنت بك وصدقت أنه لا يراك أحد فيحيا ومن نظر إلى ملائكتك انخلع قلبه فما أعظمك وأعظم ملائكتك أنت رب الأرباب وملك الملوك والإله العظيم لا يعدلك شيء ولا يقوم لك شيء رب تبت إليك الحمد لك لا شريك لك ما أعظمك وما أجلّك يا رب العالمين فذلك قوله تعالى: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا} قال ابن عباس: ظهر نور ربه للجبل فصار ترابًا واسم الجبل زبير.
وقال الضحاك أظهر الله من نور الحجب مثل منخر الثور.
وقال عبد الله بن سلام وكعب الأحبار ما تجلى للجبل من الله تعالى إلا مثل سم الخياط حتى صار دكًا.
وقال السدي ما تجلى إلا قدر الخنصر يدل عليه ما روى ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية وقال هكذا ووضع الإبهام على الفصل الأعلى من الخنصر فساخ الجبل ذكره البغوي هكذا بغير سند وأخرجه الترمذي أيضًا عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا} قال حماد هكذا وأمسك بطرف إبهامه على أنملة أصبعه اليمنى فساخ الجبل وخرّ موسى عليه السلام صعقًا.
وقال الترمذي حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة ويروى عن سهل بن سعد الساعدي أن الله تعالى أظهر من سبعين ألف حجاب نورًا قدر الدرهم فجعل الجبل دكًا يعني مستويًا بالأرض وقال ابن عباس: جعله ترابًا وقال سفيان ساخ الجبل حتى وقع في البحر فهو يذهب فيه وقال عطية العوفي صار رملًا هائلًا وقال الكلبي جعله دكًا يعني كسرًا جبالًا صغارًا وقيل إنه صار لعظمة الله تعالى ستة أجبل فوقع ثلاثة بالمدينة وهي: أحد وورقان ورضى ووقع ثلاثة بمكة وهي: ثور وثبر وحراء وقوله تعالى: {وخر موسى صعقًا} قال ابن عباس والحسن يعني مغشيًا عليه.
وقال قتادة يعني ميتًا والأول أصح لقوله: {فلما أفاق} والميت لا إفاقة له إنما يقال أفاق من غشيته قال الكلبي صعق موسى يوم الخميس وهو يوم عرفة وأعطي التوراة يوم الجمعة يوم النحر.