فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {قَالَ يَا موسى إِنّى اصطفيتك عَلَى الناس برسالاتي} يعني: بنبوتي.
قرأ ابن كثير ونافع برسَالَتِي.
وقرأ الباقون برسَالاتي بلفظ الجماعة ومعناهما واحد أي: اختصصتك بالنبوة.
{وبكلامي} أي بتكلمي معك من غير وحي {فَخُذْ مَا ءاتَيْتُكَ} أي: اعمل بما أعطيتك {وَكُنْ مّنَ الشاكرين} لما أعطيتك.
وقال القتبي: قوله: {وَأَنَاْ أَوَّلُ المؤمنين} أراد به في زمانه كقوله: {وَأَنّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين} [البقرة: 47]. اهـ.

.قال الثعلبي:

{قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصطفيتك عَلَى الناس بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ} أعطيتك {وَكُنْ مِّنَ الشاكرين} لله سبحانه على نعمه.
أخبرنا أبو عمرو أحمد بن أحمد بن حمدون الفراتي. أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين بن بكير الرازي، حدثنا الحسن بن عليّ بن يحيى بن سلام الإمام، حدثنا أحمد بن حسان بن موسى البلخي. حدثنا أبو عاصم إسماعيل بن عطاء بن قيس الأموي عن أبي حازم المدني عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما أعطى الله تعالى موسى الألواح فنظر فيه قال: يا رب لقد أكرمتني بكرامة لم تكرمها أحدًا قبلي قال: يا موسى إنّي اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين، بجد ومحافظة وموت على حب محمد صلى الله عليه وسلم.
قال موسى: يا رب ومن محمد؟ قال: أحمد النبي الذي أُثبت اسمه على عرشي من قبل أن أخلق السماوات بألفي عام، إنّه نبيي وصفيي وحبيبي وخيرتي من خلقي وهو أحب إلي من جميع خلقي وجميع ملائكتي.
قال موسى: يا رب إن كان محمد أحب إليك من جميع خلقك فهل خلقت أمته أكرم عليك من أمتي؟ قال: يا موسى إنّ فضل أُمة محمد على سائر الخلق كفضلي على جميع خلقي. قال: يا رب ليتني رأيتهم، قال: يا موسى إنّك لن تراهم، لو أردت أن تسمع كلامهم أسمعتك، قال: يا رب فإني أُريد أن أسمع كلامهم، قال الله تعالى: يا أُمة أحمد، فأجبنا كلنا من أصلاب آبائنا وأرحام أُمهاتنا لبيك اللهم لبيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك. قال الله تعالى: يا أُمة أحمد إن رحمتي سبقت غضبي وعفوي سبق حسابي قد أعطيتكم من قبل أن تسألوني وقد أجبتكم من قبل أن تدعوني وقد غفرت لكم قبل أن تعصوني. من جاءني يوم القيامة بشهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا عبدي ورسولي دخل الجنّة ولو كانت ذنوبه أكثر من زبد البحر. وهذا قوله عزّ وجلّ»
.
{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي} إلى قوله: {الشاهدين} [القصص: 44] {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور إِذْ نَادَيْنَا} [القصص: 46].
قال الثعلبي: وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عليّ بن نصير المزكى، أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا رشد بن سعيد عن سعيد بن عبد الرحمن المعافري عن أبيه أن كعب الأحبار رأى حبر اليهود يبكي قال: ما يبكيك؟
قال: ذكرت بعض الأُمور.
فقال له كعب: أنشدك الله لئن أخبرتك ما أبكاك تصدقني؟
قال: نعم.
قال: أنشدك الله تجد في الكتاب المنزل أنّ موسى عليه السلام نظر في التوراة فقال: إني أجد أُمة خير أُمم أُخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله والرسول والكتاب الآخر ويقاتلون أهل الضلالة حتّى يقاتلوا الأعور الدجال، فقال موسى: ربّ اجعلهم أُمّتي، قال: هم أُمّة محمد يا موسى، قال الحبر: نعم.
قال: أنشدك الله تجد في كتاب الله المنزل أنّ موسى نظر في التوراة فقال: رب إني أجد أُمةً يأكلون كفاراتهم وصدقاتهم، وكان الأولون يحرقون صدقاتهم بالنار غير أن موسى كان يجمع صدقات بني إسرائيل فلا يجد عبدًا مملوكًا ولا أمةً إلاّ اشتراه ثمّ أعتقه من تلك الصدقات فما فضل حفر له بئر عميقة القعر فألقاه فيها ثمّ دفنه كيلا يرجعوا فيه، وهم المستجيبون والمستجاب لهم الشافعون والمشفوع لهم.
قال موسى: اجعلهم أُمّتي؟ قال: هي أُمة أحمد يا موسى. قال الحبر: نعم.
قال كعب: أنشدك الله تجد في كتاب الله المنزل أنّ موسى عليه السلام نظر في التوراة، فقال: إني أجد أُمة إذا أشرف أحدهم على نشر كبر الله وإذا هبط واديًا حمد الله، الصعيد لهم طهور والأرض لهم مسجد حيث ما كانوا، يتطهرون من الجنابة، طهورهم بالصعيد كطهورهم بالماء حيث لا يجدون الماء، غير محجلون من آثار الوضوء، فاجعلهم أُمتي؟ قال: هي أُمة أحمد يا موسى، قال الحبر: نعم.
قال كعب: أنشدك الله تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال: ربِ إني أجد أُمةً إذا همَّ أحدهم بحسنة لم يعملها كتبت له حسنة مثلها، وإن عملها ضعف عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، فإذا هَمّ بسيئة ولم يعملها لم يكتب عليه وإن عملها كتبت سيئة مثلها.
قال: اجعلهم أُمتي؟ قال: هي أُمة أحمد يا موسى، قال الحبر: نعم.
قال كعب: أنشدك الله تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة وقال: ربِ إنّي أجد أُمّة مرحومة ضعفاء يرثون الكتاب الذين اصطفيناهم، فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات فلا أجد منهم أحدًا إلاّ مرحومًا. اجعلهم أُمّتي؟ قال: هي أُمة أحمد يا موسى، قال الحبر: نعم.
قال كعب: أنشدك الله تجد في كتاب الله المنزل أنّ موسى نظر في التوراة قال: ربِ إنّي أجد في التوراة أُمة مصاحفهم في صدورهم يلبسون ألوان ثياب أهل الجنّة، يصفون في صلواتهم صفوف الملائكة أصواتهم في مساجدهم كدوي النحل، لا يدخل النار منهم أحدٌ أبدًا إلا من يرى الحساب مثل ما يرى الحجر من وراء الشجر، قال موسى: فاجعلهم أُمتي؟ قال: هي أمة أحمد ياموسى. قال الحبر: نعم.
فلما عجب موسى من الخير الذي أعطى الله تبارك وتعالى محمدًا صلى الله عليه وسلم قال: يا ليتني من أصحاب محمد فأوحى الله عزّ وجلّ ثلاث آيات يرضيه بها هي {يا موسى إِنِّي اصطفيتك عَلَى الناس} إلى قوله: {دَارَ الفاسقين} {وَمِن قَوْمِ موسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} قال: فرضي موسى كل الرضا. اهـ.

.قال ابن عطية:

ثم إن الله تعالى قرر موسى على آلائه عنده على جهة الإخبار وقنعه بها وأمره بالشكر عليها وكأنه قال ولا تتعدها إلى غيرها، واصطفى أصله اصتفى وهو افتعل من صفا يصفو انقلبت التاء طاء لمكان الصاد، ومعناه تخيرتك وخصصتك، ولا تستعمل إلا في الخير والمتن، لا يقال اصطفاه لشر، وقوله: {على الناس} عام والظاهر من الشريعة أن موسى مخصص بالكلام وإن كان قد روي في تكليم الله غيره أشياء بما يشاء من أعظمها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن آدم فقال هو نبي مكلَّم.
قال القاضي أبو محمد: إلا أن ذلك قد تأول أنه كان في الجنة فيتحفظ على هذا تخصيص موسى، ويصح أن يكون قوله: {على الناس} عمومًا مطلقًا في مجموع الدرجتين الرسالة والكلام. وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وعاصم وابن عامر {برسالاتي} على الجمع إذ الذي أرسل به ضروب، وقرأ ابن كثير ونافع {برسالتي} على الإفراد الذي يراد به الجمع وتحل الرسالة هاهنا محل المصدر الذي هو الإرسال، وقرأ جمهور الناس و{بكلامي}، وقرأ أبو رجاء {برسالتي وبكلمتي}، وقرأ الأعمش {برسالاتي وبكلمي}، وحكى عنه المهدوي {وتكليمي} على وزن تفعيلي، وقوله: {فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين} تأديب وتقنيع وحمل على جادة السلامة ومثال لكل أحد في حاله، فإن جميع النعم من عنده بمقدار وكل الأمور بمرأى من الله ومسمع. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إني اصطفيتك}.
فتح ياء {إني} ابن كثير، وأبو عمرو.
وقرأ ابن كثير، ونافع: {برسالتي}.
قال الزجاج: المعنى: اتخذتك صفوة على الناس برسالاتي وبكلامي، ولو كان إنما سمع كلام غير الله لما قال: {برسالاتي وبكلامي} لأن الملائكة تنزل إلى الأنبياء بكلام الله. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قَالَ يا موسى إِنِّي اصطفيتك عَلَى الناس بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي}.
الاصطفاء: الاجتباء؛ أي فضّلتك.
ولم يقل على الخلق؛ لأن من هذا الاصطفاء أنه كلمه وقد كلم الملائكة، وأرسله وأرسل غيره.
فالمراد {على النَّاسِ} المرسل إليهم.
وقرأ {بِرسالتي} على الإفراد نافع وابن كثير.
والباقون بالجمع.
والرسالة مصدر، فيجوز إفرادها.
ومن جمع على أنه أرسل بضروب من الرسالة فاختلفت أنواعها، فجمع المصدر لاختلاف أنواعه؛ كما قال: {إِنَّ أَنكَرَ الأصوات لَصَوْتُ الحمير} [لقمان: 19].
فجمع لاختلاف أجناس الأصوات واختلاف المصوّتين.
ووحد في قوله لَصوْتُ لما أراد به جنسًا واحدًا من الأصوات.
ودلّ هذا على أن قومه لم يشاركه في التكليم ولا واحد من السبعين؛ كما بيناه في البقرة.
قوله تعالى: {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ} إشارة إلى القناعة؛ أي اقنع بما أعطيتك.
{وَكُنْ مِّنَ الشاكرين} أي من المظهرين لإحساني إليك وفضلي عليك؛ يقال: دابة شَكُور إذا ظهر عليها من السِّمن فوق ما تُعْطَى من العَلَف.
والشاكر معرّض للمزيد كما قال: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7].
ويروى أن موسى عليه السلام مكث بعد أن كلمه الله تعالى أربعين ليلة لا يراه أحد إلا مات من نور الله عز وجل. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي} يعني قال الله تعالى لموسى يا موسى إني اخترتك واتخذتك صفوة.
الاصطفاء الاستخلاص من الصفوة والاجتباء والمعنى إني فضلتك واجتبيتك على الناس وفي هذا تسلية لموسى عن منع الرؤية حين طلبها لأن الله تعالى عدد عليه نعمه التي أنعم بها عليه وأمره أن يشتغل بشكرها كأنه قال له إن كنت منعت من الرؤية التي طلبت فقد أعطيتك من النعم العظيمة كذا وكذا فلا يضيقن صدرك بسبب منع الرؤية وانظر إلى سائر أنواع النعم التي خصصتك بها ويه الاصطفاء على الناس برسالاتي وبكلامي يعني من غير واسطة لأن غيره من الرسل منع كلام الله تعالى إلا بواسطة الملك.
فإن قلت كيف قال اصطفيتك على الناس برسالاتي مع أن كثيرًا من الأنبياء قد ساواه في الرسالة قلت ذكر العلماء عن هذا السؤال جوابين.
أحدهما: ذكره البغوي فقال لما لم تكون الرسالة عن العموم في حق الناس كافة استقام قوله: {اصطفيتك على الناس} وإن شاركه فيها غيره كما يقول الرجل للرجل خصصتك بمشورتي وإن كان قد شاور غيره إذا لم تكن المشورة على العموم فيكون مستقيمًا وفي هذا الجواب نظر لأن من جملة من اصطفاه الله برسالته محمدًا صلى الله عليه وسلم وهو أفضل من موصى فلا يستقيم هذا الجواب الجواب الثاني ذكره الإمام فخر الدين الرازي فقال: إن الله تعالى بين أنه خصه بمجموع أمرين وهما الرسالة مع الكلام بغير واسطة وهذا المجموع ما حصل لغيره فثبت أنه إنما حصل التخصيص هاهنا لأنه سمع ذلك الكلام بغير واسطة وإنما كان الجواب بغير واسطة سببًا لمزيد الشرف بناء على العرف الظاهر لأن من سمع كلام الملك العظيم من فيه كان أعلى وأشرف ممن سمعه بواسطة الحجاب والنواب وهذا الجواب فيه نظر أيضًا لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم اصطفاه برسالته وكلمه ليلة المعراج بغير واسطة وفرض عليه وعلى أمته الصلوات وخاطبه بيا محمد يدل عليه قوله: {فأوحى إلى عبده ما أوحى} ورفعه إلى حيث سمع صريف الأقلام وهذا كله يدل على مزيد الفضل والشرف على موسى وغيره من الأنبياء فلا يستقيم هذا الجواب أيضًا والذي يعتمد في هذا الجواب عن هذا السؤال أن الله اصطفى موسى برسالته وبكلامه على الناس الذين كانوا في زمانه وذلك أنه لم يكن في ذلك الوقت أعلى منصبًا ولا أشرف ولا أفضل منه وهو صاحب الشريعة الظاهرة وعليه نزلت التوراة فدل ذلك عليه أنه اصطفاه على ناس زمكانه كما اصطفى قومه على عالمي زمانهم وهو قوله تعالى: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين} قال المفسرون: يعني على عالمي زمانهم.
وقوله تعالى: {فخذ ما آتيتك} يعني ما فضلتك وأكرمتك به {وكن من الشاكرين} يعني على إنعامي عليك وفي القصة أن موسى كان بعد ما كلمه ربه لا يستطيع أحد أن ينظر إليه لما غشي وجهه من النور ولم يزل على وجهه برقع حتى مات وقالت له زوجته أنا لم أرك منذ كلمك ربك فكشف لها عن وجهه فأخذها مثل شعاع الشمس فوضعت يدها على وجهها وخرت ساجدة وقالت ادع الله أن يجعلني زوجتك في الجنة قال ذلك لك إن لم تتزوجي بعدي فإن المرأة لآخر أزواجها. اهـ.