فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال سعيد بن جبير، كانت من ياقوت أحمر، وقال الربيع: كانت الألواح من برد.
وقال ابن جريج: كانت من زمد، أمر الله جبريل حتى جاء بها من عدن، وكتبها بالقلم الذي كتب به الذكر، واستمد من نهر النور!!
وقال وهب: أمر الله بقطع الألواح من صخرة صماء، لينها الله له، فقطعها بيده، ثم شققها بيده، وسمع موسى صرير القلم بالكلمات العشر، وكان ذلك في أول يوم من ذي القعدة، وكانت الألواح عشرة أذرع، على طول موسى!!
وقال مقاتل ووهب: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ} كنقش الخاتم.
وقال الربيع بن أنس: نزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير، يقرأ الجزء منه في سنة، لم يقرأها إلا أربعة نفر: موسى، ويوشع، وعزير، وعيسى.
فكل هذه الروايات المتضاربة التي يرد بعضها بعضا مما نحيل أن يكون مرجعها المعصوم صلى الله عليه وسلم وإنما هي من إسرائيليات بني إسرائيل، حملها عنهم بعض الصحابة والتابعين بحسن نية، وليس تفسير الآية متوقفا على كل هذا الذي رووه، والذي يجب أن نؤمن به، أن الله أنزل الألواح على موسى، وفيها التوراة، أما هذه الألواح مم صنعت؟ وما طولها وما عرضها؟ وكيف كتبت؟ فهذا لا يجب علينا الإيمان به، والأَوْلى عدم البحث فيه؛ لأن البحث فيه لا يؤدي إلى فائدة، ولا يوصل إلى غاية، ومن ذلك: ما يذكره بعض المفسرين في قوله تعالى: {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ} فقد جعلوا التوراة مشتملة على كل ما كان وكل ما يكون، وهذا مما لا يعقل، ولا يصدق، فمن ذلك: ما ذكره الإمام الألوسي في تفسيره قال: وما أخرجه الطبراني، والبيهقي في الدلائل عن محمد بن يزيد الثقفي، قال: اصطحب قيس بن خرشة، وكعب الأحبار حتى إذا بلغا صفين، وقف كعب، ثم نظر ساعة، ثم قال: ليهراقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شيء لا يراق ببقعة من الأرض مثله.
فقال قيس: ما يدريك؟ فإن هذا من الغيب الذي استأثر الله تعالى به؟!! فقال كعب: ما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة التي أنزل الله تعالى على موسى، ما يكون منه، وما يخرج منه إلى يوم القيامة!!
وهو من المبالغات التي روي أمثالها عن كعب ولا نصدق ذلك، ولعلها من الكذب الذي لاحظه عليه الصحابي الداهية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه على ما أسلفنا سابقا، ولا يعقل قط أن يكون في التوراة كل أحداث الدنيا إلى يوم القيامة.
والمحققون من المفسرين سلفا وخلفا على أن المراد أن فيها تفصيلا لكل شيء، مما يحتاجون إليه في الحلال والحرام، والمحاسن والقبائح مما يلائم شريعة موسى وعصره، وإلا فقد جاء القرآن الكريم بأحكام وآداب، وأخلاق لا توجد في التوراة قط.
وقد ساق الإمام الألوسي هذا الخبر؛ للاستدلال به لمن يقول: إن كل شيء عام، وكأنه استشعر بُعده فقال عقبه: ولعل ذكر ذلك من باب الرمز، كما ندعيه في القرآن.
وإني لأقول للآلوسي ومن لف لفه: إن هذا مردود وغير مقبول، ونحن لا نسلم بأن في القرآن رموزا، وإشارات لأحداث، وإن قاله البعض، والحق أحق أن يتبع. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ}.
اعلم أنه تعالى لما بين أنه خص موسى- عليه السلام- بالرسالة ذكر في هذه الآية تفصيل تلك الرسالة فقال: {وَكَتَبْنَا لَهُ في الالواح} نقل صاحب الكشاف عن بعضهم: أن موسى خر صعقًا يوم عرفة.
وأعطاه الله تعالى التوراة يوم النحر، وذكروا في عدد الألواح، وفي جوهرها وطولها أنها كانت عشرة ألواح.
وقيل: سبعة.
وقيل إنها كانت من زمردة جاء بها جبريل عليه السلام.
وقيل من زبرجدة خضراء وياقوتة حمراء.
وقال الحسن: كانت من خشب نزلت من السماء.
وقال وهب: كانت من صخرة صماء لينها الله لموسى عليه السلام، وأما كيفية الكتابة.
فقال ابن جريج كتبها جبريل بالقلم الذي كتب به الذكر واستمد من نهر النور.
واعلم أنه ليس في لفظ الآية ما يدل على كيفية تلك الألواح، وعلى كيفية تلك الكتابة، فإن ثبت ذلك التفصيل بدليل منفصل قوي، وجب القول به وإلا وجب السكوت عنه.
وأما قوله: {من كل شيء} فلا شبهة فيه أنه ليس على العموم، بل المراد من كل ما يحتاج إليه موسى وقومه في دينهم من الحلال والحرام والمحاسن والمقابح.
وأما قوله: {مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لّكُلِّ شَيْء} فهو كالبيان للجملة التي قدمها بقوله: {مِن كُلِّ شَيْء} وذلك لأنه تعالى قسمه إلى ضربين: أحدهما: {مَّوْعِظَةً} والآخر {تَفْصِيلًا} لما يجب أن يعلم من الأحكام، فيدخل في الموعظة كل ما ذكره الله تعالى من الأمور التي توجب الرغبة في الطاعة والنفرة عن المعصية، وذلك بذكر الوعد والوعيد، ولما قرر ذلك أولًا أتبعه بشرح أقسام الأحكام وتفصيل الحلال والحرام، فقال: {وَتَفْصِيلًا لّكُلّ شَيْء} ولما شرح ذلك، قال لموسى: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} أي بعزيمة قوية ونية صادقة، ثم أمره الله تعالى أن يأمر قومه بأن يأخذوا بأحسنها، وظاهر ذلك أن بين التكليفين فرقًا، ليكون في هذا التفصيل فائدة، ولذلك قال بعض المفسرين: إن التكليف كان على موسى عليه السلام أشد، لأنه تعالى لم يرخص له ما رخص لغيره، وقال بعضهم: بل خصه من حيث كلفه البلاغ والأداء.
وإن كان مشاركًا لقومه فيما عداه، وفي قوله: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا}.
سؤال: وهو أنه تعالى لما تعبد بكل ما في التوراة وجب كون الكل مأمورًا به، وظاهر قوله: {يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} يقتضي أن فيه ما لبس بأحسن، وإنه لا يجوز لهم الأخذ به، وذلك متناقض وذكر العلماء في الجواب عنه وجوهًا: الأول: أن تلك التكاليف منها ما هو حسن ومنها ما هو أحسن، كالقصاص، والعفو، والانتصار، والصبر، أي فمرهم أن يحملوا أنفسهم على الأخذ بما هو أدخل في الحسن، وأكثر للثواب كقوله: {واتبعوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم} [الزمر: 55] وقوله: {الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18].
فإن قالوا: فلما أمر الله تعالى بالأخذ بالأحسن، فقد منع من الأخذ بذلك الحسن، وذلك يقدح في كونه حسنًا فنقول يحمل أمر الله تعالى بالأخذ بالأحسن على الندب حتى يزول هذا التناقض.
الوجه الثاني: في الجواب قال قطرب {يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} أي بحسنها وكلها حسن لقوله تعالى: {وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] وقول الفرزدق:
بيتًا دعائمهُ أعز وأطول.. الوجه الثالث: قال بعضهم: الحسن يدخل تحته الواجب والمندوب والمباح، وأحسن هذه الثلاثة الواجبات والمندوبات.
وأما قوله: {سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين} ففيه وجهان: الأول: أن المراد التهديد والوعيد على مخالفة أمر الله تعالى، وعلى هذا التقدير: فيه وجهان: الأول: قال ابن عباس والحسن ومجاهد دار الفاسقين هي جهنم، أي فليكن ذكر جهنم حاضرًا في خاطركم لتحذروا أن تكونوا منهم.
والثاني: قال قتادة: سأدخلكم الشام وأريكم منازل الكافرين الذين كانوا متوطنين فيها من الجبابرة والعمالقة لتعتبروا بها وما صاروا إليه من النكال.
وقال الكلبي: {دَارَ الفاسقين} هي المساكن التي كانوا يمرون عليها إذا سافروا، من منازل عاد وثمود والقرون الذين أهلكهم الله تعالى.
والقول الثاني: أن المراد الوعد والبشارة بأنه تعالى سيورثهم أرض أعدائهم وديارهم والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَكَتَبْنَا لَهُ في الألواح}.
روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أعطى الله تعالى موسى التوراة في سبعة ألواح من زبرجد فيها تبيان لكل شيء وموعظة.
قال: التوراة مكتوبة.
ويقال: طول الألواح عشرة أذرع {مِن كُلّ شَيْء مَّوْعِظَةً} من الجهل {وَتَفْصِيلًا لّكُلّ شَيْء} يعني: تبيانًا لكل شيء من الحلال والحرام.
قال الفقيه رحمه الله تعالى: حدثنا الفقيه أبو جعفر قال: حدثنا إسحاق بن عبد الرحمن القاري قال: حدثنا أبو بكر بن أبي العوام.
قال: حدثنا أبي قال: حدثنا يحيى بن سابق عن خيثمة بن خليفة عن ربيعة عن أبي جعفر عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كَانَ فِيمَا أَعْطَى الله مُوسَى فِي الأَلْوَاحِ عَشَرَة أبْوَابٍ: يا مُوسَى لا تُشْرِكْ بي شَيْئًا، فَقَدْ حَقَّ القَوْلُ مِنِّي لَتَلْفَحَنَّ وُجُوهَ المُشْرِكِينَ النَّارُ، وَاشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ، أَقِكَ المَتَالِفَ، وَأُنسِىءُ لَكَ فِي عُمُرِكَ، وَأُحْيِيكَ حَيَاةً طَيِّبَةً، وَأَقْلِبُكَ إلَى خَيْرِ مِنْهَا، وَلا تَقْتُلِ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمْتُهَا إلاَّ بالحَقِّ، فَتَضِيقَ عَلَيْكَ الأرْضِ بِرُحْبِهَا، وَالسَّمَاءُ بِأَقْطَارِهَا، وَتَبُوءَ بِسَخْطِي وَنَاري، وَلا تَحْلِفْ بِاسْمِي كَاذِبًا فَإنِّي لا أُطَهِّرُ ولا أُزَكِّي مَنْ لَمْ يُنَزِّهْنِي، وَلَمْ يُعَظِّمْ أَسْمَائِي، وَلا تَحْسُدِ النَّاسَ عَلَى ما آتاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ، فَإنَّ الحَاسِدَ عَدُوٌّ لِنِعْمَتِي، رَادٌّ لِقَضَائِي، سَاخِطٌ لِقِسْمَتِي، الَّتي أَقْسِمُ بَيْنَ عِبَادِي، ولا تَشْهَدْ بِمَا لِمَ يَقَعْ بِسَمْعِكَ، وَيَحْفَظْ قَلْبُكَ، فَإنِّي لوَاقِفٌ أَهْلَ الشَّهَادَاتِ عَلَى شَهَادَاتِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ أَسَأَلَهُمْ عَنْهَا سُؤَالًا حَثِيثًا، وَلاَ تَزْنِ، وَلاَ تَسْرِقْ، فَأَحْجُبَ عَنْكَ وَجْهِي، وَأُغْلِقَ عَنْكَ أَبْوَابَ السَّمَاءِ، وَأَحْبِبْ لِلنَّاسِ ما تُحِبُّ لِنَفْسِكَ ولا تُذَكِّ لِغَيْرِي، فَإنِّي لا أقْبَلُ مِنَ القُربَانِ إلاَّ ما ذُكِرَ علَيْهِ اسْمِي، وَكَانَ خَالِصًا لِوَجْهِي، وَتَفَرَّغْ لِي يَوْمَ السَّبْتِ وَجَمِيعُ أهْلِ بَيْتِكَ» فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «جُعِلَ يَوْمُ السَّبْتِ لِمُوسَى عِيدًا وَاخْتَارَ لَنَا يَوْمَ الجُمُعَةِ فَجَعَلَها لنا عِيدًا».
قوله تعالى: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} يعني: اعمل بما أمرك الله بجد ومواظبة عليها {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} أي يعملون بما فيها من الحلال والحرام.
ويقال: امرهم بالخير وانههم عن الشر: يعني: اعملوا بالخير وامتنعوا عن الشر.
ويقال: اعملوا بأحسن الوجوه وهو أنه لو يكافىء ظالمه وينتقم منه جاز، ولو تجاوز كان أحسن وقال الكلبي: كان موسى عليه السلام أشد عبادةً من قومه.
فأمر بما لم يؤمروا به.
يعني: أمر بأن يعمل بالمواظبة، وأمر قومه بأن يأخذوا بأحسن الفعل.
ثم قال: {سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين} قال مقاتل: يعني: سنة أهل مصر يعني: هلاكهم حين قذفهم البحر فأراهم سنة الفاسقين في التقديم.
ويقال: جهنم هي دارُ الكافرين.
ويقال: إذا سافروا أراهم منازل عاد وثمود.
وقال مجاهد: مصيرهم في الآخر إلى النار. اهـ.

.قال الثعلبي:

قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ} يعني لموسى {فِي الألواح}.
قال الربيع بن أنس: كانت ألواح موسى عليه السلام من برد، وقال ابن جريج: كانت من زمرّد أمر الله تعالى جبرئيل حتّى جاء بها من عدن يكتبها بالقلم الذي كتب به الذكر فاستمد من بحر النور فكتب له الألواح.
وقال الكلبي: كانت الألواح زبرجدًا خضراء وياقوتة حمراء كتب الله فيها ثماني عشرة آية من بني إسرائيل وهي عشر آيات في التوراة. قال وهب: أمره الله تعالى بقطع الألواح من صخرة صماء ليّنها الله له فقطعها بيده ثمّ شقها بإصابعه وسمع موسى صرير القلم بالكلمات العشر، وكان ذلك أول يوم من ذي القعدة وكانت الألواح عشرة على طول موسى عليه السلام.
وقال مقاتل وكعب {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألواح} كنقش الخاتم وكتب فيها: إني أنا الله الرحمن الرحيم لا تشركوا بي شيئًا من أهل السماء ولا من أهل الأرض فإنّ كل ذلك خلقي ولا تقطعوا السبل ولا تحلفوا باسمي كاذبًا فإن مَنْ حلف باسمي كاذبًا فلا أُزكّيه ولا تقتلوا ولا تزنوا ولا تعقّوا الوالدين.