فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والثالث: عشرة، قاله وهب.
والرابع: تسعة، قاله مقاتل.
وفي قوله: {من كل شيء} قولان:
أحدهما: من كل شيء يحتاج إليه في دينه من الحلال والحرام والواجب وغيره.
والثاني: من الحِكَم والعِبَر.
قوله تعالى: {موعظة} أي: نهيًا عن الجهل.
{وتفصيلًا} أي: تبيينًا لكل شيء من الأمر والنهي والحدود والأحكام.
قوله تعالى: {فخذها بقوة} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: بجدٍّ وحزم، قاله ابن عباس.
والثاني: بطاعة، قاله أبو العالية.
والثالث: بشكر، قاله جويبر.
قوله تعالى: {وأمْر قومك يأخذوا بأحسنها} إن قيل: كأن فيها ما ليس بحسن؟ فعنه جوابان.
أحدهما: أن المعنى: يأخذوا بحسنها، وكلها حَسَن، قاله قطرب.
وقال ابن الأنباري: ناب أحسن عن حسن كما قال الفرزدق:
إِنَّ الذي سَمَكَ السَّمَاءَ بنى لَنَا ** بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وأَطْوَلُ

أي: عزيزة طويلة.
وقال غيره: الأحسن هاهنا صلة، والمعنى: يأخذوا بها.
والثاني: أن بعض ما فيها أحسن من بعض.
ثم في ذلك خمسة أقوال:
أحدها: أنهم أُمروا فيها بالخير ونُهوا عن الشر، فَفِعْلُ الخير هو الأحسن.
والثاني: أنها اشتملت على أشياء حسنة بعضها أحسن من بعض، كالقصاص والعفو والانتصار والصبر، فأُمِروا أن يأخذوا بالأحسن، ذكر القولين الزجاج.
فعلى هذا القول، يكون المعنى: انهم يتبعون العزائم والفضائل، وعلى الذي قبله، يكون المعنى: أنهم يتبعون الموصوف بالحسن وهو الطاعة، ويجتنبون الموصوف بالقبح وهو المعصية.
والثالث: أحسنها: الفرائض والنوافل، وأدونها في الحسن: المباح.
والرابع: أن يكون للكلمة معنيان أو ثلاثة، فتصرف إلى الاشبه بالحق.
والخامس: أن أحسنها: الجمع بين الفرائض والنوافل.
قوله تعالى: {سأُرِيكم دار الفاسقين} فيها أربعة أقوال:
أحدها: أنها جهنم، قاله الحسن، ومجاهد.
والثاني: انها دار فرعون وقومه، وهي مصر، قاله عطية العوفي.
والثالث: أنها منازل من هلك من الجبابرة والعمالقة، يريهم إياها عند دخولهم الشام، قاله قتادة.
والرابع: أنها مصارع الفاسقين، قاله السدي.
ومعنى الكلام: سأُرِيكم عاقبة من خالف أمري، وهذا تهديد للمخالف، وتحذير للموافق. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألواح مِن كُلِّ شَيْءٍ}.
يريد التوراة.
وروي في الخبر أنه قبض عليه جبريلُ عليه السلام بجناحه فمر به في العُلاَ حتى أدناه حتى سَمِع صَرِيف القلم حين كتب الله له الألواح؛ ذكره الترمذيّ الحكيم.
وقال مجاهد: كانت الألواح من زُمُرُّدَة خضراء.
ابن جُبير: من ياقوتة حمراء.
أبو العالية: من زَبَرْجَد.
الحسن: من خشب؛ نزلت من السماء.
وقيل: من صخرة صمّاء، لَيّنها الله لموسى عليه السلام فقطعها بيده ثم شقها بأصابعه؛ فأطاعته كالحديد لداود.
قال مقاتل: أي كتبنا له في الألواح كنقش الخاتم.
ربيع بن أنس: نزلت التوراة وهي سبعون وِقْر بعير.
وأضاف الكتابة إلى نفسه على جهة التشريف؛ إذ هي مكتوبة بأمره كتبها جبريل بالقلم الذي كتب به الذكر.
واستُمدّ من نهر النور.
وقيل: هي كتابة أظهرها الله وخلقها في الألواح.
وأصل اللّوح: لَوْح بفتح اللام؛ قال الله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} [البروج: 22].
فكأن اللوح تلوح فيه المعاني.
ويروى أنها لوحان، وجاء بالجمع لأن الاثنين جمع.
ويقال: رجل عظيم الألواح إذا كان كبير عظم اليدين والرجلين.
ابن عباس: وتكسرت الألواح حين ألقاها فرفعت إلا سُدْسَها.
وقيل: بقي سُبُعُها ورفعت سِتّة أسباعها.
فكان في الذي رفع تفصيل كل شيء، وفي الذي بقي الهدى والرحمة.
وأسند أبو نعيم الحافظ عن عمرو بن دينار قال: بلغني أن موسى بن عمران نبيّ الله صلى الله عليه وسلم صام أربعين ليلة؛ فلما ألقى الألواح تكسرت فصام مثلها فردّت إليه.
ومعنى {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} مما يحتاج إليه في دينه من الأحكام وتبيين الحلال والحرام؛ عن الثَّوْرِيّ وغيره.
وقيل: هو لفظ يُذكر تفخيمًا ولا يراد به التعميم؛ تقول: دخلت السوق فاشتريت كل شيء.
وعند فلان كل شيء.
و{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف: 25].
{وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23].
وقد تقدّم.
{مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} أي لكل شيء أمروا به من الأحكام؛ فإنه لم يكن عندهم اجتهاد، وإنما خص بذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
{فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} في الكلام حذف، أي فقلنا له: خذها بقوة؛ أي بجدّ ونشاط.
نظيره {خُذُواْ مَا ءاتيناكم بِقُوَّةٍ} وقد تقدّم.
{وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} أي يعملوا بالأوامر ويتركوا النواهي، ويتدبروا الأمثال والمواعظ.
نظيره {واتبعوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} [الزمر: 55].
وقال: {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18].
والعَفْوُ أحسنُ من الاقتصاص.
والصبر أحسن من الانتصار.
وقيل: أحسنها الفرائض والنوافل، وأدْوَنُها المباح.
{سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين} قال الكلبي: {دَارَ الْفَاسِقينَ} ما مروا عليه إذا سافروا من منازل عاد وثمود، والقرون التي أهلكوا.
وقيل: هي جهنم؛ عن الحسن ومجاهد.
أي فلتكن منكم على ذُكْر، فاحْذُروا أن تكونوا منها.
وقيل: أراد بها مصر؛ أي سأريكم ديار القبط ومساكن فرعون خالية عنهم؛ عن ابن جُبير.
قتادة: المعنى سأريكم منازل الكفار التي سكنوها قبلكم من الجبابرة والعمالقة لتعتبروا بها؛ يعني الشأم.
وهذان القولان يدل عليهما {وَأَوْرَثْنَا القوم} [الأعراف: 137] الآية.
{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا فِي الأرض} [القصص: 5] الآية، وقد تقدّم.
وقرأ ابن عباس وقَسَامة بن زهير {سأورّثكم} من ورّث.
وهذا ظاهر.
وقيل: الدار الهلاك، وجمعه أدوار.
وذلك أن الله تعالى لما أغرق فرعون أوحى إلى البحر أن اقذف بأجسادهم إلى الساحل، قال: ففعل: فنظر إليهم بنو إسرائيل فأراهم هلاك الفاسقين. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {وكتبنا في الألواح}.
قال ابن عباس: يريد ألواح التوراة والمعنى وكتبنا لموسى في ألواح التوراة قال البغوي وفي الحديث كانت من سدر الجنة طول اللوح إثنا عشر ذراعًا وجاء في الحديث خلق الله تعالى آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس شجرة طوبى بيده.
وقال الحسن: كانت الألواح من خشب.
وقال الكبي من زبرجدة خضراء.
وقال سعيد بن جبير من ياقوته حمراء.
وقال ابن جريج من زمرد أمر الله تعالى جبريل عليه السلام حتى جاء بها من جنة عدن وكتبها بالقلم الذي كتب به الذكر واستمد من نهر النور.
وقال الربيع بن أنس: كانت الألواح من زبرجد وقال وهب: أمره الله بقطع ألواح من سخرة صماء لينها له فقطها بيده ثم شقها بأصبعه وسمع موسى صرير الأقلام بالكلمات العشر وكان ذلك في أول يوم من ذي الحجة كان طول الألواح عشرة أذرع على طول موسى وقيل إن موسى خر صعقًا يوم عرفه فأعطاه الله تعالى التوراة يوم النحر وهذا أقرب إلى الصحيح عنه أنها لوحان واختاره الفراء قال وإنما جمعت على عدة العرب في إطلاق الجمع على الإثنين وقال وهب كانت عشرة ألواح.
وقال مقاتل: كانت تسعة.
وقال الربيع بن أنس: نزلت التوراة وهي وقر سبعين بعيرًا يقرأ لجزء منها في سنة ولم يقرأها إلا أربعة نفر موسى ويوشع بن نون وعزيز وعيسى عليهم الصلاة والسلام والمراد بقوله لم يقرأها يعني لم يحفظها ويقرأها عن ظهر قلبه إلا هؤلاء الأربعة.
وقال الحسن: هذه الآية في التوراة بألف آية يعني قوله وكتبنا له في الألواح {من كل شيء} يعني يحتاج إليه من أمر ونهي {موعظة} يعني نهيًا عن الجهل وحقيقة الموعظة التذكير والتحذير مما يخاف عاقبته {وتفصيلًا لكل شيء} يعني وتبيينًا لكل شيء من الأمر والنهي والحلال والحرام والحدود والأحكام مما يحتاج إليه في أمور الدين وروى الطبري بسنده عن وهب بن منبه قال: كتب له يعني في التوراة لا تشرك بي شيئًا من أهل السماء ولا من أهل الأرض فإن كل ذلك خلقي ولا تحلف باسمي كاذبًا فإن من حلف باسمي كاذبًا فلا أزكيه ووقر والديك.
وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن كعب الأحبار أن موسى عليه الصلاة والسيلام نظر في التوراة فقال: إني أجد أمة خير الأمم أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالكتاب الأول والكتاب الآخر ويقاتلون أهل الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الدجال رب اجعلهم أمتي قال هي أمة محمد يا موسى فقال رب إني لأجد أمة هم الحمادون رعاة الشمس المحكمون إذا أرادوا أمرًا قالوا نفعل إن شاء الله فاجعلهم أمتي قال هي أمة محمد قال: رب إني أجد في التوراة أمة يأكلون كفارتهم وصدقاتهم وكان الأولون يحرقون صدقاتهم بالنار وهم المستجيبون والمستجاب لهم الشافعون المشفوع لهم فاجعلهم أمتي قال هي أمة محمد قال: يا رب إني أجد أمة إذا أشرف أحدهم على شرف كبّر الله وإذا هبط واديًا حمد الله الصعيد لهم طهور والأرض لهم مسجد حيثما كانوا يتطهرون من الجنابة طهورهم بالصعيد كطهورهم بالماء حيث لا يجدون الماء غر محجلون من آثار الوضوء فاجعلهم أمتي قال هي أمة محمد قال: يا رب إني أجد أمة إذا همّ أحدهم بحسنة ولم يعلمها كتب له حسنة بمثلها وإن عملها كتبت بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف فاجعلهم أمتي قال هي أمة محمد قال: يا رب إني أجد مرحومة ضعفاء يرثون الكتاب الذين اصطفيتهم فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات فلا أجد أحدًا منهم إلا مرحومًا فاجعلهم أمتي قال هي أمة محمد قال: رب إني أجد أمة مصاحفهم في صدورهم يلبسون ألوان ثياب أهل الجنة يصفون في صلاتهم صفوف الملائكة أصواتهم في مساجدهم كدوي النحل لا يدخل النار أحد منهم أبدًا إلا من يرى الحساب مثل ما يرى الحجر من وراء من البحر فاجعلهم أمتي قال هي أمة محمد فلما عجب موسى من الخير الذي أعطاه الله محمدًا صلى الله عليه وسلم وأمته قال يا ليتني من أصحاب محمد فأوحى الله إليه ثلاث آيات يرضيه بهن {يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي}- إلى قوله- {سأريكم دار الفاسقين} {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} قال فرضي موسى كل الرضا.