فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ}.
الجارُّ قائم مقام الفاعل.
وقيل القائمُ مقامه ضميرُ المصدر الذي هو السُّقُوط أي سُقِط السقوط في أيديهم، ونقل أبو حيان عن بعضهم أنه قال: {سقط} تَتضمَّن مَفعُولًا، وهو هاهنا المصدر، الذي هو الإسقاطُ كقولك: ذُهِبَ بزيد.
قال: وصوابه: وهو هنا ضميرُ المصدر الذي هو السُّقُوط؛ لأنَّ {سقط} ليس مصدرُهُ الإسقاط، ولأن القائمَ مقام الفاعل ضميرُ المصدر، لا المصدر، ونقل الواحديُّ عن الأزهريِّ أن قولهم: سُقِط في يده؛ كقوله امرئ القيس: [الطويل]
دَعْ عَنْكَ نَهْبًا صِيحَ في حجراتِهِ ** ولكنْ حَدِيثًا ما حَدِيثُ الرَّواحلِ

في كون الفعل مُسْندًا للجار، كأنه قيل: صَاحَ المنتهبُ في حجراته، وكذلك المراد سُقِط في يده، أي: سقط النَّدمُ في يده.
فقوله: أي سقط النَّدم في يده، تَصْرِيحٌ بأنَّ القائمَ مقام الفاعل حرفُ الجَرّ، لا ضمير المصدرِ.
ونقل الفرَّاءُ والزَّجَّاجُ أنه يقال: سقط في يده وأسقط أيضًا، إلاَّ أنَّ الفرَّاء قال: سَقَطَ- أي الثلاثي- أكثرُ وأجودُ.
وهذه اللَّفظةُ تُسْتعمَلُ في التندُّم والتحير.
وقد اضْطربَتْ أقوالُ أهل اللَّغَةِ في أصلها.
فقال أبو مروان بن سراج اللُّغوي: قولُ العرب سُقِط في يده مِمَّا أعْيَانِي معناهُ.
وقال الواحِدي: قَدْ بَانَ مِنْ أقوالِ المُفسِّرينَ وأهْلِ اللُّغةِ أنَّ سُقِطَ في يدهِ نَدم، وأنَّه يُسْتعملُ في صفة النّادم فأمَّا القولُ في أصلِهِ وما حَدَّه فلمْ أرِ لأحَدٍ من أئَّمةِ اللُّغةِ شَيْئًا أرْتَضِيه إلاَّ ما ذكر الزَّجَّاجي فإنَّه قال: قوله تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ} بمعنى نَدمُوا، نظمٌ لم يُسمع قبلَ القرآن، ولمْ تعرفهُ العرب، ولمْ يُوجَدْ ذلك في أشعارِهِم، ويدُلُّ على صحَّةِ ذلك أنَّ شعراء الإسلام لما سَمِعُوا هذا النَّظْمَ واستعملُوهُ في كلامهم خَفِي عليهم وجهُ الاستعمال، لأنَّ عادتَهُم لمْ تَجْرِ بِهِ.
فقال أبو نواس: [الرجز]
ونَشْوَةٌ سُقِطْتُ مِنْهَا فِي يَدِي

وأبُو نواسٍ هو العالمُ النَّحْرِيرُ، فأخطأ في استعمال هذا اللفظ، لأنَّ فُعِلْتُ لا يُبْنَى إلاَّ من فعل مُتعَدٍّ، وسقط لازمٌ، لا يتعدَّى إلاَّ بحرفِ الصفة لا يقالُ: سُقطت كما لا يُقال: رُغبتُ وغُضِب، إنَّما يُقَال: رُغِبَ فيَّ، وغُضِب عَلَيَّ، وذكر أبُو حاتمٍ: سُقِط فلان في يده بمعنى ندم.
وهذا خطأ مثلُ قول أبي نواس، ولو كان الأمرُ كذلك لكان النَّظْم {وَلَمَّا سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ} وسُقِطَ القومُ في أيديهم.
وقال أبُو عُبيدة: يُقَالُ لِمَنْ على أمْرٍ وعجز عنه: سُقِطَ في يده.
وقال الواحِدِيُ: وذِكْرُ اليد هاهنا لوجهين أحدهما: أنه يُقال للَّذي يَحْصُلَ وإن كان ذلك مِمَّا لا يكُون في اليد: قَدْ حصلَ في يده مكروهٌ يشبه ما يحصُلُ في النَّفس وما يحصُل في القلب بِمَا يُرضى بالعينِ، وخُصَّت اليدُ بالذِّكْرِ؛ لأنَّ مباشرةَ الذُّنُوبِ بها.
فاللائمةُ ترجع عليها، لأنَّهَا هي الجارحةِ العُظْمَى، فيُسْنَدُ إليها ما لم تُباشِرهُ، كقوله: {ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج: 10] وكثيرٌ من الذُّنُوب لمْ تُقدّمهُ اليد.
الوجه الثاني: أنَّ النَّدَمَ حدثٌ يَحْصُلُ في القلب، وأثرُهُ يَظْهَرُ في اليد؛ لأنَّ النَّادِمَ بَعَضُّ يدَهُ، ويضربُ إحْدَى يديْه على الأخرى كقوله: {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} [الكهف: 42] فتَقْلِيبُ الكفِّ عبارةٌ عن النَّدم، وكقوله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ} [الفرقان: 37] فلمَّا كان أثرُ النَّدم يحصُل في اليدِ مِن الوجهِ الذي ذَكَرْنَاه أضيف سقوطُ النَّدم إلى اليَدِ؛ لأنَّ الذي يَظْهَرُ للعُيُونِ من فِعْلِ النَّادم هو تَقْلِيبُ الكفِّ وعضُّ الأنامل واليدِ كَمَا أنَّ السُّرُور معنى في القلب يسْتَشْعره الإناسنُ، والذي يظهرُ منه حالة الاهتزاز والحركةِ والضَّحك وما يَجْرِي مجراه.
وقال الزمخشريُّ: {ولمَّا سُقِطَ في أيديهمْ} أي ولمَّا اشتدَّ ندمهم؛ لأنَّ مِنْ شأن من اشتدَّ ندمُهُ وحَسْرَتُهُ أن يَعَضَّ يدهُ غمًا، فتصير يده مَسْقُوطًا فيها، لأنَّ فاه قد وقع فيها.
وقيل: مِنْ عادةِ النَّادمِ أن يُطَأطِىءَ رَأسَهُ، ويضع ذقنه على يده معتمدًا عليها، ويصيرُ على هيئةٍ لو نُزِعت يده لسقط على وجهه، فكأنَّ اليدَ مَسْقُوطٌ فيها.
ومعنى {في} على، فمعنى {في أيديهم} كقوله: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل} [طه: 71].
وقيل: هو مَأخُوذٌ من السَّقاط، وهو كثرةُ الخَطَأ، والخَاطِىءُ يَنْدَمُ على فعلهِ.
قال ابنُ أبي كاهل: [الرمل]
كَيْفَ يَرْجُونَ سِقَاطِي بَعْدَمَا ** لَفَّعَ الرَّأسَ بياضٌ وصَلَعْ

وقيل: هو مأخوذٌ من السَّقيط، وهو ما يُغَشِّي الأرض من الجَليدِ يُشْبِه الثَّلْج.
يقال منه: سَقَطَت الأرْضُ كما يُقَال: ثلجت، والسَّقْطُ والسَّقِيطُ يذُوبُ بأدْنَى حرارةٍ ولا يبقى.
ومنْ وقع في يده السَّقِيط لمْ يَحْصُل من بغيته على طائلٍ.
واعْلَمْ أنَّ سُقِطَ في يده عدَّهُ بعضُهم في الأفعال الَّتِي لا تتصرَّف كنِعْمَ وبِئْسَ.
وقرأ ابْنُ السَّمَيْفَع سقط في أيديهم مبنيًا للفاعل وفاعلُه مَضْمَرٌ، أي: سَقَطَ النَّدمُ هذا قولُ الزَّجَّاجِ.
وقال الزمخشريُّ: سَقَطَ العَضُّ.
وقال ابنُ عطيّة: سَقَطَ الخسران، والخيبة.
وكل هذه أمثلةٌ.
وقرأ ابنُ أي عبلة: أسْقِط رباعيًا مبنيًا للمعفول، وقد تقدَّم أنَّها لغةٌ نقلها الفرَّاءُ والزَّجَّاجُ.
قوله: {لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا}.
لما ظهر لَهُمْ أنَّ الذي عَمِلُوهُ كان بَاطِلًا، أظْهَرُوا الانقطاع إلى اللَّهِ تعالى وقالوا: {لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا}.
قرأ الأخوان {تَرْحَمْنَا} و{تَغْفِر} بالخطاب، {رَبَّنَا} بالنَّصْب، وهي قرايةُ الشعبي وابن وثَّاب وابن مصرف والجَحْدريّ والأعمش، وأيُّوب، وباقي السبعة بياءِ الغيبةِ فيهما، {رَبُّنَا} رفعًا، وهي قراءةُ الحسنِ، ومُجاهدٍ، والأعرج وشيْبَةَ وأبي جَعْفَرٍ.
فالنَّصبُ على أنَّهُ مُنَادى، وناسَبهُ الخطاب، والرَّفْعُ على أنَّه فاعلٌ، فَيَجُوزُ أن يكون هذا الكلام صَدَرَ من جمسعهم على التَّعَاقُبِ، أو هذا من طائفةٍ، وهذا من طائفةٍ، فمن غلب عليه الخوفُ، وقوي على المُواجهةِ؛ خاطب مستقيلًا من ذنبه، ومن غلب عليه الحياء أخرج كلامهُ مُخْرج المُسْتَحِي من الخطاب؛ فأسند الفِعْلَ إلى الغَائِبِ.
قال المُفَسِّرُونَ: وكان هذا النَّدمُ والاستغفارُ منهم بَعْدَ رُجوعِ مُوسى إليهم. اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149)}.
حين تحققوا بقبح صنيعهم تجرَّعوا كاساتِ الأسف ندمًا، واعترفوا بأنهم خَسِروا إنْ لم يتداركهم من الله جميلُ لطْفِه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (150):

قوله تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أخبر بالسبب في تأخير الانتقام عنهم مع مساواتهم لمن أوقعت بهم النقمة في موجب الانتقام، أخبر سبحانه بحال موسى عليه السلام معهم عند رجوعه إليهم من الغضب لله والتبكيت لمن خالفه مع ما اشتمل عليه من الرحمة والتواضع فقال: {ولما رجع موسى} أي من المناجاة {إلى قومه غضبان} أي في حال رجوعه لما أخبره الله تعالى عنهم من عبادة العجل: {أسفًا} أي شديد الغضب والحزن {قال بئسما} أي خلافة خلافتكم التي {خلفتموني} أي قمتم مقامي وفعلتم مقامي وفعلتم خلفي.
ولما كان هذا ربما أوهم أنهم فعلوه من روائه وهو حاضر في طرف العسكر، قال: {من بعدي} أي حيث عبدتم غير الله أيها العبدة، وحيث لم تكفوهم أيها الموحدون بعد ذهابي إلى الجبل للمواعدة الإلهية وبعد ما سمعتم مني من التوحيد لله تعالى وإفراده عن خلقه بالعبادة ونفي الشركاء عنه، وقد رأيتم حين كففتكم وزجرتكم عن عبادة غيره حين قلتم {اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة} ومن حق الخلفاء أن يسيروا سيرة المستخلف ولا يخالفوه في شيء.
ولما كان قد أمرهم ان لا يحدثوا حدثًا حتى يعود إليهم، أنكر عليهم عدم انتظاره فقال: {أعجلتم} قال الصغاني في المجمع: سبقتم، وقال غيره: عجل عن الأمر- إذا تركه غير تام، ويضمن معنى سبق، فالمعنى: سابقين {أمر ربكم} أي ميعاد الذي ما زال محسنًا إليكم، أي فعلتم هذا قبل بلوغ أمر الموعد الذي زاد فيه ربي وهو العشرة الأيام برجوعي إليكم إلى حده، فظننتم أني مت فغيرتم كما غيرت الأمم بعد موت أنبيائها، قال الإمام أبو عبد القزاز أيضًا: عجلتم: سبقتم، ومنه تقول: عجلت فلانًا سبقته، وأسنده ابن التياني إلى الأصمعي {وألقى الألواح} أي التي فيها التوراة غضبًا لله وإرهابًا لقومه، ودل هذا على أن الغضب بلغ منه حدًا لم يتمالك معه، وذلك في الله تعالى: {وأخذ برأس أخيه} أي بشعره {يجره إليه} أي بناء على أنه قصر وإعلامًا لهم بأن الغضب من هذا الفعل قد بلغ منه مبلغًا يجل عن الوصف، لأنه اجتثاث للدين من أصله.
ولما كان هارون عليه السلام غير مقصر في نهيهم، أخذ في إعلام موسى عليه السلام بذلك مخصصًا الأم وإن كان شقيقه- تذكيرًا له بالرحم الموجبه للعطف والرقة ولاسيما وهي مؤمنه وقد قاست فيه المخاوف، فاستأنف سبحانه الإخبار عن ذلك بقوله: {قال ابن أم} وحذف أداة النداء وياء الإضافة لما يقتضيه الحال من الإيجاز، وفتح الجمهور الميم تشبيهًا له بخمسة عشر وعلى حذف الألف المبدلة من ياء الإضافة، وكسر الميم ابن عامر وحمزه والكسائي وأبو بكر عن عاصم بتقدير حذف ياء الإضافة تخفيفًا {إن القوم} أي عبدة العجل الذين يعرف قيامهم في الأمور التي يريدونها {استضعفوني} أي عدوني ضعيفًا وأوجدوا ضعفي بإرهابهم لي {وكادوا يقتلونني} أي قاربوا ذلك لإنكاري ما فعلوه فسقط عني الوجوب.
ولما تسبب عن ذلك إطلاقه، خاف أن يمنعه الغضب من ثبات ذلك في ذهنه وتقرره في قلبه فقال: {فلا تشمت بي الأعداء} أي لا تسرهم بما تفعل بي فأكون ملومًا منهم ومنك؛ ولما استعطفه بالتذكير بالشماتة التي هي شماتة به أيضًا، أتبعه ضررًا يخصه فقال: {ولا تجعلني} أي بمؤاخذتك لي {مع القوم الظالمين} أي فتقطعن بعدّك لي معهم وجعلي في زمرتهم عمن أحبه من الصالحين، وتصلني بمن أبغضه من الفاسدين الذين فعلوا فعل من هو في الظلام، فوضعوا العبادة في غير موضعها من غير شبهة ولا لبس أصلًا. اهـ.

.اللغة:

{أَسِفًا} الأسف: شدة الحزن أو الغضب يقال هو أسِفٌ وأسيف.
{ابن أُمَّ} أصلها ابن أمي وهي استعطاف ولين.
{تُشْمِتْ} الشماتة: السرور بما يصيب الإنسان من مكروه وفي الحديث: «وأعوذ بك ن شماتة الأعدء».
{الرَّجْفَةُ} الزلزلة الشديدة.
{هُدْنَا} تبنا يقال: هاد يهودُ إِذا تاب ورجع فهو هائد قال الشاعر:
إني امرؤٌ مما جنيتُ هائد

{إِصْرَهُمْ} التكاليف الشاقة وأصل الإِصر الثقل الذي يأصر صاحبه عن الحِرَاك.
{الأغلال} جمع غُل وهو ما يوضع في العنق أو اليد من الحديد.
{عَزَّرُوهُ} وقّروه ونصروه.
{أَسْبَاطًا} جمع سبط وهو ولد الولد أو ولد البنت ثم أطلق على كل قبيلة من بني إِسرائيل.
{تَأَذَّنَ} آذن من الإِيذانُ بمعنى الإِعلام.
{يَسُومُهُمْ} يذيقهم.
{خَلَفَ} بسكون اللام من يخلف غيره بالسوء والشر وأمّا بفتح اللام فهو يخلف غيره بالخير ومنه قولهم: «جعلك الله خير خلف لخير سلف». اهـ.