فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألواح}، ونعلم أن الألواح فيها المنهج، وقدر موسى على أخيه: {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} وهذا النزوع الغضبي الذي جعله يأخذ برأس أخيه، كأن الأخوة هنا لا نفع لها، فماذا كان رد الأخ هارون:؟ {... قَالَ ابن أُمَّ إِنَّ القوم استضعفوني وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعداء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ القوم الظالمين} [الأعراف: 150].
نلحظ أنه قال: {ابن أم} ولم يقل: ابن أب لأن أبا موسى وهارون طُوي اسمه في تاريخ النبوات ولم يظهر عنه أي خبر، والعلم جاءنا عن أمه لأنها هي التي قابلت المشقات في أمر حياته، لذلك جاء لنا بالقدر المشترك البارز في حياتهما، ولأن الأمومة مستقر الأرحام؛ لذلك أنت تجد أخوة من الأم، وأخوة من الأب فقط، وأخوة من الأب والأم، والأخوة من الأب والأم أمرهم معروف.
لكن نجد في أخوة الأم حنانًا ظاهرًا، ويقل الحنان بين الأخوة من الأب. وجاء الحق هنا بالقدر المشترك بينهما- موسى وهارون- وهو أخوة الأم، وله وجود مستحضر في تاريخهم. أما الأب عمران فنحن لا نعرف عنه شيئًا، وكل الآيات التي جاءت عن موسى متعلقة بأمه، لذلك نجد أخاه هارون يكلمه بالأسلوب الذي يحننه: {قَالَ ابن أُمَّ إِنَّ القوم استضعفوني وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي}.
ومادام قد قال: {وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي} فهذا دليل على أنه وقف منهم موقف المعارض والمقاوم الذي أدى ما عليه إلى درجة أنهم فكروا في قتله، ويتابع الحق بلسان هارون: {فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعداء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ القوم الظالمين}.
والشماتة هي إظهار الفرح بمصيبة تقع بخصم، والأعداء هم القوم الذين اتخذوا العجل، وقد وصفهم بالأعداء كدليل على أنه وقف منهم موقف العداوة، وأن موقف الخلاف بين موسى وهارون سيفرحهم، وقوله: {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ}.. إجمال للرأس في عمومها، وفي آية أخرى يقول: {لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي}.
ولقد صنع موسى ذلك ليسمع العذر من هارون؛ لأنه يعلم أن هارون رسول مثله، وأراد أن يسمعنا ويسمع الدنيا حجة أخيه حين أوضح أنه لم يقصر. قال: إن القوم استغضعفوني لأني وحدي وكادوا يقتلونني، مما يدل على أنه قاومهم مقاومة وصلت وانتهت إلى آخر مجهودات الطاقة في الحياة؛ حتى أنهم كادوا يقتلونه، إذن فهو لم يوافقهم على شيء، ولكنه قاوم على قدر الطاقة البشرية، لذلك يذيل الحق الآية بقوله سبحانه: {وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ القوم الظالمين}.
وكأنه يقول: لموسى إنك أن آخذتني هذه المؤاخذة في حالة غضبك، ربما ظُنَّ بي أنني كنت معهم، أو سلكت مسلكهم في اتخاذ العجل وعبادته. وأراد الحق سبحانه أن يبين لنا موقف موسى وموقف أخيه؛ فموقف موسى ظهر حين غضب على أخيه وابن أمه، وموقف هارون الذي بيّن العلة في أن القوم استضعفوه وكادوا يقتلونه، ولا يمكن أن يطلب منه فوق هذا، وحينما قال هارون ذلك تنبه موسى إلى أمرين:
الأمر الأول: أنه كيف يلقي الألواح وفيها المنهج؟ والأمر الثاني: أنه كيف يأخذ أخاه هذه الأخذة قبل أن يتبين وجه الحق منه؟. اهـ.

.التفسير المأثور:

{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق ابن عباس في قوله: {أسفًا} قال: حزينًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفًا} قال: حزينًا على ما صنع قومه من بعده.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {غضبان اسفًا} قال: حزينًا وفي الزخرف {فلما آسفونا} [الزخرف: 55] يقول: اغضبونا. والأسف على وجهين: الغضب والحزن.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {أسفًا} قال: جزعًا.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي الدرداء قال: الأسف: منزلة وراء الغضب أشد من ذلك.
وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن كعب قال: الأسف: الغضب الشديد.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبزار وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله موسى ليس المعاين كالمخبر، أخبره ربه تبارك وتعالى أن قومه فتنوا بعده فلم يلق الألواح، فلما رآهم وعاينهم ألقى الألواح فتكسر ما تكسر».
وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال: كان موسى عليه السلام إذا غضب اشتعلت قلنسوته نارًا.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: لما ألقى موسى الألواح تكسرت، فرفعت إلا سدسها.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: كتب الله لموسى في الألواح فيها {موعظة وتفصيلًا لكل شيء} [الأعراف: 145] فلما ألقاها رفع الله منها ستة أسباعها وبقي سبع، يقول الله: {وفي نسختها هدى ورحمة} [الأعراف: 154] يقول: فيما بقي منها.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم السبع المثاني وهي الطوال وأوتي موسى ستًا، فلما ألقى الألواح رفعت أثنتان وبقيت أربع.
وأخرج أبو الشيخ عن الربيع في قوله: {وألقى الألواح} قال: ذكر أنه رفع من الألواح خمسة أشياء، وكان لا ينبغي أن يعلمه الناس {إن الله عنده علم الساعة} [لقمان: 34] إلى آخر الآية.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن مجاهد وسعيد بن جبير قال: كانت الألواح من زمرد، فلما ألقاها موسى ذهب التفصيل وبقي الهدى.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: أخبرت أن ألواح موسى كانت تسعة، فرفع منها لوحان وبقي سبعة.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ولا تجعلني مع القوم الظالمين} قال: مع أصحاب العجل. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ موسى إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا}: هذان حالان من {مُوسَى} عند من يُجيزُ تعدُّد الحال، وعند من لا يُجيزه يجعل {أسِفًا} حالًا من الضَّميرِ المُسْتَتر في {غَضْبانَ}، فتكون حالًا مُتداخِلةً، أو يجعلُها بدلًا من الأولى، وفيه نظرٌ لِعُسْر إدخالِهِ في أقْسَام البدلِ.
وأقربُ ما يقال: إنَّه بدلُ بَعْضٍ من كُل إن فسَّرنا الأسفَ بالشَّديدِ الغضبِ، وهو قولُ أبِي الدَّرْدَاء وعطاء عن ابنِ عبَّاس، واختيار الزَّجَّاجِ، واحْتَجُّوا بقوله: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتقمنا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55] أي: اغْضَبُونَا، أو بدل اشتمال إن فسَّرناهُ بالحزِينِ.
وهو قول ابن عباس والحسن، والسُّدِّي، ومنه قوله: [المديد]
غَيْرُ مأسُوفٍ على زَمَنٍ ** يَنْقَضِي بالهَمِّ والحَزَنِ

وقالت عائشةُ: إنَّ أبا بكر رَجُلٌّ أسِيفٌ أي: حَزِينٌ.
قال الواحديُّ: والقولان مُتقاربانِ؛ لأنَّ الغضبَ من الحُزْنِ، والحُزْن من الغَضَبِ؛ قال: [البسيط]
-................... ** فَحُزنُ كُلِّ أِي حُزْنٍ أخُو الغَضَبِ

وقال الأعشى: [الطويل]
أرَى رَجْلًا مِنْهُمْ أسِيفًا كأنَّمَا ** يَضُمُّ إلى كَشْحَيْهِ كَفًّا مُخَضَّبَا

فهذا بمعنى: غَضْبَان، وحديث عائشة يدلُّ على أنَّهُ: الحزين، فلمَّا كانا مُتقاربَيْنِ في المعنى صَحَّت البدليَّةُ.
ويقال: رَجُلٌ أسِفٌ: إذا قُصِد ثُبُوتُ الوَصْفِ واستقراره، فإن قُصِد بِهِ الزَّمان جَاءَ على فاعل.
قوله: {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ}:
في {أمْرَ} وجهان، أحدهما: أنَّهُ منصوبٌ على المفعول بعد إسْقاط الخافض، وتضمينُ الفعل مَعْنَى ما يتعدَّى بنفسه، والأصلُ: أعجلْتُمْ عن أمْرِ ربِّكم.
قال الزمخشريُّ: يُقال: عَجِل عن الأمرِ: ذا تركه غير تَامٍّ، ونقيضه تَمَّ عليه، وأعجله عنه غيره، ويُضَمَّن معنى سَبَقَ فيتعدَّى تَعْديته.
فيقالُ: عَجِلْتُ الأمْرَ، والمعنى: أعجلتم عَنْ أمر ربكم.
والثاني: أنَّهُ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مضمنٍ معنى آخر، حكى يَعْقُوب عجلتُ الشَّيء سَبَقْتُهُ، وأعْجلْتُ الرَّجُلَ: اسْتَعْجَلْتُهُ، أي: حَمَلْتُهُ على العَجَلَةِ.
قوله: {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ}.
بذُؤابته ولحيتِهِ، لقوله: {لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي} [طه: 94].
قوله: {يَجُرُّهُ إلَيْهِ} فيه ثلاثةُ أوجْهٍ:
أحدها: أنَّ الجُمْلَةَ حالٌ من ضمير مُوسَى المستتر في أخَذَا، أي: أخَذَهُ جَارًّا إليه.
الثاني: أنَّها حَالٌ من رَأس قاله أبُو البقاءِ، وفيه نظرٌ لعدم الرَّابط.
والثالث: أنَّها حالٌ من أخِيهِ.
قال أبُو البقاءِ: وهو ضعيفٌ يعني من حيث إنَّ الحَالَ من المُضافِ إليه يَقِلُّ مجيئُهَا، أو يمتنعُ عند بعضهم وقد تقدَّم أن بعضهم يُجَوّزهُ في صور، هذه منها وهو كونُ المضافِ جزءًا من المضافِ إليه.
قوله: {ابْنَ أمَّ}.
قرأ الأخوان، وأبو بكر، وابن عامر هُنَا، وفي طه، بكسر الميم، والباقون بفتحها.
فأمَّا الفَتْحِ ففيها مذهبان.
مذهبُ البصريين: أنَّهُمَا بُنيا على الفتح، لتركيبهما تركيب خَمْسةَ عَشَرَ، فعلى هذا ليس {ابْن} مضافًا لـ {أمّ}، بل هو مركَّب معها، فَحَركتُهَا حركةُ بناء.
والثاني: مذهب الكوفيِّينَ: وهو أنَّ {ابن} مضاف لـ {أمّ} و{أمّ} مضافة لياءِ المتكلِّمِ، وياء المُتكلِّم قد قلبت ألفًا، كما تُقْلَبُ في المَنَادَى المُضاف إلى ياء المتكلم، نحو: يَا غلامًا، ثم حُذفت الألفُ واجتزىءَ عنها بالفَتْحَةِ، كام يُجْتَزَأ عن الياءِ بالكَسْرَةِ، فحينئذ حركة {ابْن} حركةُ إعراب، وهو مضاف لـ {أمَّ} فهي في محلِّ خفض بالإضافة.
وأمَّا قراءة الكسر فعلى رأي البصريين هو كسرُ بناءٍ لأجل ياء المتكلم، بمعنى: أنَّا أضَفْنَا هذا الاسم المركب كلَّه لياء المتكلم، فَكُسِر، فَكُسِرَ آخرُه، ثم اجتُزىء عن الياء بالكسرةِ، فهو نظير: يا أحَدَ عشرِ، ثم: يا أحد عشر بالحذفِ، ولا جائز أن يكُونَا باقيين على الإضافة إذ لم يَجُزْ حذفُ الياء؛ لأنَّ الاسمَ ليس منادى، ولكنه مضاف إليه المُنادَى، فلم يَجُزْ حَذْفُ الياء منه.
وعلى رأي الكُوفيين يكون الكَسْرُ كسرَ إعراب، وحُذِفَت الياءُ مُجْتَزَأ عنها بالكسرةِ كما اجتُزىء عن ألفها بالفتحَةِ، وهذان الوجهان يَجْرِيَان، في: ابن أمّ، وابْنَ عَمّ، وابْنَة أمّ، وابنة عمّ.
فصل:
فاعْلَمْ أنَّهُ يجوزُ في هذه الأمثلةِ الأربعةِ خاصةً خَمْسُ لغات:
فُصْحَاهُنَّ: حذفُ الياءِ مجتزأ عنها بالكسرة، ثم قلبُ الياءِ ساكنة أو مفتوحة، وأمَّا غيرُ هذه الأمثلةِ الأربعة ممَّا أُضِيفَ إلى مضاف إلى ياء المتكلِّم في النِّداء، فإنَّهُ لا يجوز فيه إلاَّ ما يجُوزُ في غير بابِ النِّداءِ، لأنَّه ليس منادى، نحوُ: يا غلام أبِي، ويا غلام أمي، وإنَّما جَرَتْ هذه الأمثلةُ خاصَّةً هذا المَجْرَى؛ تنزيلًا للكلمتين منزلة كلمةٍ واحدةٍ، ولكثرة الاستعمالِ.
وقرئ {يا ابْنَ أمِّي} بإثبات الياءِ ساكنةً؛ ومثله قوله: [الخفيف]
ابْنَ أمِّي وَيَا شُقَيِّقَ نَفْسِي ** تَ خَلَّيْتَنِي لِدَهْرٍ شَدِيدِ

خر: [الخفيف]