فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{والذين عَمِلُواْ السيئات ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا} يعني رجعوا عن الشرك بالله وعن السيئة {وَءامَنُواْ} يعني: صدقوا بوحدانية الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا} من بعد التوبة، ويقال: من بعد السيئات {لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} يعني: {لَغَفُورٌ} لذنوبهم {رَّحِيمٌ} بهم بعد التوبة. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَءَامَنُواْ}.
أما التوبة من السيئات فهي الندم على ما سلف والعزم على ألاّ يفعل مثلها. فإن قيل فالتوبة إيمان فما معنى قوله: {ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَءَامَنُواْ} فالجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني أنهم تابوا من المعصية واستأنفوا عمل الإيمان بعد التوبة.
والثاني: يعني أنهم تابوا بعد المعصية وآمنوا بتلك التوبة.
والثالث: وآمنوا بأن الله قابل التوبة. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {والذين عملوا السيئات} الآية، تضمنت هذه الآية الوعد بأن الله عز وجل يغفر للتائبين، والإشارة إلى من تاب من بني إسرائيل، وفي الآية ترتيب الإيمان بعد التوبة، والمعنى في ذلك أنه أرادوا وأمنوا أن التوبة نافعة لهم منجية فتمسكوا بها فهذا إيمان خاص بعد الإيمان على الإطلاق، ويحتمل أن يريد بقوله: {وآمنوا} أي وعملوا عمل المؤمنين حتى وافوا على ذلك، ويحتمل أن يريد التأكيد فذكر التوبة والإيمان إذ هما متلازمان، إلا أن التوبة على هذا تكون من كفر ولابد فيجيء {تابوا وآمنوا} بمعنى واحد، وهذا لا يترتب في توبة المعاصي فإن الإيمان متقدم لتلك ولابد وهو وتوبة الكفر متلازمان، وقوله: {إن ربك} إيجاب ووعد مرج.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل قوله: {تابوا وآمنوا} أن يكون لم تقصد رتبة الفعلين على عرف الواو في أنها لا توجب رتبة ويكون {وآمنوا} بمعنى وهم مؤمنون قبل وبعد، فكأنه قال ومن صفتهم أن آمنوا. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ}.
فيها قولان:
أحدهما: أنها الشرك.
والثاني: الشرك، وغيره من الذنوب.
{ثم تابوا من بعدها} يعني: السيئات.
وفي قوله: {وآمنوا} قولان:
أحدهما: آمنوا بالله، وهو يُخرَّج على قول من قال: هي الشرك.
والثاني: آمنوا بأن الله تعالى يقبل التوبة.
{إن ربك من بعدها} يعني: السيئات. اهـ.

.قال الخازن:

{والذين عملوا السيئات} يعني عملوا الأعمال السيئة ويدخل في ذلك كل ذنب صغير وكبير حتى الكفر فما دونه {ثم تابوا من بعدها} يعني ثم رجعوا إلى الله من بعد أعمالهم السيئة {وآمنوا} يعني وصدقوا بالله تعالى وأنه يقبل توبة التائب ويغفر الذنوب {إن ربك} يا محمد أو يا أيها الإنسان التائب {من بعدها} يعني من بعد توبتهم {لغفور رحيم} يعني أنه تعالى يغفر الذنوب ويرحم التائبين وفي الآية دليل على أن السيئات بأسرها صغيرها وكبيرها مشتركة في التوبة وأن الله تعالى يغفرها جميعًا بفضله ورحمته وتقدير الآية أن من أتى بجميع السيئات ثم تاب إلى الله وأخلص التوبة فإن الله يغفرها له ويقبل توبته وهذا من أعظم البشائر للمذنبين التائبين. اهـ.

.قال أبو حيان:

{والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إنّ ربّك من بعدها لغفور رحيم}.
{السيئات} هي الكفر والمعاصي غيره {ثم تابوا} أي رجعوا إلى الله: {من بعدها} أي من بعد عمل السيئات {وآمنوا} داموا على إيمانهم وأخلصوا فيه أو تكون الواو حالية أي وقد آمنوا أنّ ربك من بعدها أي من بعد عمل السيئات هذا هو الظاهر، ويحتمل أن يكون الضمير في {من بعدها} عائدًا على التوبة أي {إنّ ربك} من بعد توبتهم فيعود على المصدر المفهوم من قوله: {ثم تابوا} وهذا عندي أولى لأنك إذا جعلت الضمير عائدًا على {السيئات}، احتجت إلى حذف مضاف وحذف معطوف إذ يصير التقدير من بعد عمل السيئات والتوبة منها وخبر {الذين} قوله: {إن ربك} وما بعده والرابط محذوف أي {لغفور رحيم} لهم.
قال الزمخشري: {لغفور} لستور عليهم محاء لما كان منهم {رحيم} منعم عليهم بالجنة وهذا حكم عام يدخل تحته متخذو العجل ومن عداهم عظم جنايتهم أوّلًا ثم أردفها بعظم رحمته ليعلم أنّ الذنوب وإن جلت وإن عظمت فإن عفوه تعالى وكرمه أعظم وأجلّ ولكن لابد من حفظ الشريطة وهي وجوب التوبة والإنابة وما وراءه طمع فارغ وأشعبية باردة لا يلتفت إليها حازم انتهى، وهو على طريقة الاعتزال. اهـ.

.قال أبو السعود:

{والذين عَمِلُواْ السيئات} أيَّ سيئةٍ كانت. {ثُمَّ تَابُواْ} عن تلك السيئات {مِن بَعْدِهَا} أي من بعد عملها {وَءامَنُواْ} إيمانًا صحيحًا خالصًا واشتغلوا بإقامة ما هو من مقتضياته من الأعمال الصالحةِ ولم يُصِرُّوا على ما فعلوا كالطائفة الأولى {إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا} أي من بعد تلك التوبةِ المقرونةِ بالإيمان {لَغَفُورٌ} للذنوب وإن عظُمت وكثُرت {رَّحِيمٌ} مبالِغٌ في إفاضة فنونِ الرحمةِ الدنيويةِ والأخروية، والتعرّضُ لعنوان الربوبيةِ مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام للتشريف. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ} أي سيئة كانت لعموم المغفرة ولأنه لا داعي للتخصيص {ثُمَّ تَابُواْ} عنها {مِن بَعْدِهَا} أي من بعد عملها وهو تصريح بما تقتضيه ثم {وَءامَنُواْ} أي واشتغلوا بالإيمان وما هو مقتضاه وبه وتمامه من الأعمال الصالحة ولم يصروا على ما فعلوا كالطائفة الأولى، وهو عطف على تابوا، ويحتمل أن يكون حالًا بتقدير قد، وإيًا ما كان فهو على ما قيل: من ذكر الخاص بعدم العام للاعتناء به لأن التوبة عن الكفر هي الإيمان فلا يقال: التوبة بعد الإيمان كيف جاءت قبله.
وقيل: حيث كان المراد بالإيمان ما تدخل فيه الأعمال يكون بعد التوبة.
وقيل: المراد به هنا التصديق بأن الله تعالى يغفر للتائب أي ثم تابوا وصدقوا بأن الله تعالى يغفر لمن تاب {إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا} أي من بعد التوبة المقرونة بما لا تقبل بدونه وهو الإيمان، ولم يجعل الضمير للسيئات لأنه كما قال بعض المحققين لا حاجة له بعد قوله سبحانه: {ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا} لا لأنه يحتاج إلى حذف مضاف ومعطوف من عملها والتوبة عنها لأنه لا معنى لكونه بعدها إلا ذلك {لَغَفُورٌ} لذنوبهم وإن عظمت وكثرت {رَّحِيمٌ} مبالغ في إفاضة فنون الرحمة عليهم، والموصول مبتدأ وجملة {إِنَّ رَبَّكَ} إلخ خبر والعائد محذوف، والتقدير عند أبي البقاء لغفور لهم رحيم بهم، والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة لضميره عليه الصلاة والسلام للتشريف، وقيل: الخطاب للتائب، ولا يخفى لطف ذلك أيضًا، وفي الآية إعلام بأن الذنوب وإن جلت وعظمت فإن عفو الله تعالى وكرمه أعظم وأجل، وما ألطف قول أبي نواس غفر الله تعالى له:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ** فلقد علمت بأن عفوك أعظم

إن كان لا يرجوك إلا محسن ** فبمن يلوذ ويستجير المجرم

ومما ينسب للإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه:
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ** جعلت الرجا ربي لعفوك سلمًا

تعاظمني ذنبي فلما قرنته ** بعفوك ربي كان عفوك أعظمًا

ويعجبني قول بعضهم: وما أولى هذا المذنب به:
أنا مذنب أنا مخطئ أنا عاصي ** هو غافر هو راحم هو عافي

قابلتهن ثلاثة بثلاثة ** وستغلبن أوصافه أوصافي

. اهـ.

.قال ابن عاشور:

قوله: {والذين عملوا السيئات ثم تابوا} الآية.
اعتراض بأنهم إن تابوا وآمنوا يغفر الله لهم على عادة القرآن من تعقيب التهديد بالترغيب، والمغفرة ترجع إلى عدم مؤاخذتهم بذنوبهم في عقاب الآخرة، وإلى ارتفاع غضب الله عنهم في المستقبل، والمراد بالسيئات: ما يشمل الكفر، وهو أعظم السيّئات.
والتوبةُ منه هي الإيمان.
وفي قوله: {من بعدها} في الموضعين حذف مضاف قبل ما أضيفت إليه بَعْد وقد شاع حذفهُ دل عليه {عملوا} أي من بَعد عَملها، وقد تقدم الكلام على حذف المضاف مع بعد وقبل المضافين إلى مضاف للمضاف إليه عند قوله تعالى: {ثم اتخذتم العجل من بعده} في سورة البقرة (51).
وحرف ثم هنا مفيد للتراخي، وذلك إلجاء إلى قبول التوبة، ولو بعد زمان طويل مملوء بفعل السيّئات.
وقوله: {من بعدها} تأكيد لمفاد المهلة التي أفادها حرف ثم وهذا تعريض للمشركين بأنهم إن آمنوا يغفر لهم ولو طال أمد الشرك عليهم.
وعطف الإيمان على التوبة، مع أن التوبة تشمله من حيث إن الإيمان توبة من الكفر، إما للاهتمام به، لأنه أصل الاعتداد بالأعمال الصالحة عند الله تعالى كقوله: {وما أدراك ما العقبة فكّ رقبة} إلى قوله: {ثم كان من الذين آمنوا} [البلد: 12 17].
ولئلا يظن أن الإشراك لخطورته لا تنجي منه التوبة.
وإما أن يراد بالإيمان إيمان خاص، وهو الإيمان بإخلاص، فيشمل عمل الواجبات.
والخطاب في قوله: {إن ربك} لمحمد صلى الله عليه وسلم على الوجه الأظهر، أو لموسى على جعل قوله: {إن الذين اتخذوا العجل} مقولًا من الله لموسى.
وفي تعريف المسند إليه بالإضافة توسل إلى تشريف المضاف إليه بأنه مربوب لله تعالى، وفي ذكر وصف الربوبية هنا تمهيد لوصف الرحمة.
وتأكيد الخبر بإن ولام التوكيد وصيغتي المبالغة في {غفور رحيم} لمزيد الاهتمام به ترغيب للعصاة في التوبة، وطردًا للقنوط من نفوسهم، وإن عظمت ذنوبهم، فلا يحسبوا تحديد التوبة بحد إذا تجاوزتْه الذنوب بالكثرة أو العِظَم لم تقبل منه توبة.
وضمير: {من بعدها} الثاني مبالغة في الامتنان بقبول توبتهم بعد التملّي من السيئات.
وحذف متعلق {غفور رحيم} لظهوره من السياق، والتقدير: لغفور رحيم لهم.
أو لكل من عمل سيّئة وتاب منها. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)}.
وهذا ما حدث، فبعد أن اتخذوا العجل، وقال لهم: اقتلوا أنفسكم توبة إلى بارئكم، ثم تابوا إلى الله وآمنوا بما جاءهم، غفر الله لهم. وإذا كان الحق قد قص علينا مظهرية جباريته فإنه أيضًا لم يشأ أن يدعنا في مظهرية الجبارية، وأراد أن يدخلنا في حنان الرحمانية. لذلك يقول هنا: {والذين عَمِلُواْ السيئات ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وآمنوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأعراف: 153].
وقوله: {ثُمَّ تَابُواْ} أي ندموا على ما فعلوا وأصروا وعزموا على ألاَّ يعودوا، ونعلم من قبل أن التوبة لها مظهريات ثلاثة؛ أولًا: لها مظهرية التشريع، ولها مظهرية الفعل من التائب ثانيًا، ولها قبولية الله للتوبة من التائب ثالثًا. ومشروعية التوبة نفسها فيها مطلق الرحمة، ولو لم يكن ربنا قد شرع التوبة سيستشري شره في السيئة فهذه رحمة بالمذنب، وبالمجتمع الذي يعيش فيه المذنب. بعد ذلك يتوب العبد، ثم يكون هنا مظهرية أخرى للحق، وهو أن يقبل توبته.
التوبة- إذن- لها تشريع من الله، وذلك رحمة، وفعل من العبد بأن يتوب، وذلك هو الاستجابة، وقبول من الله، وذلك هو قمة العطاء والرحمة منه سبحانه.
وقوله الحق: {والذين عَمِلُواْ السيئات ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وآمنوا...} [الأعراف: 153].
إنَّ هذا القول يدل على أن عمل السيئة يخدش الإِيمان، فيأمر سبحانه عبده: جدّد إيمانك، واستحضر ربك استحضارًا استقباليًّا؛ لأن عملك السيئة يدل على أنك قد غفلت عن الحق في أمره ونهيه، وحين تتوب فأنت تجدد إيمانك وتجد ربك غفورًا رحيمًا: {إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
إن ذنب العبد يكون فيما خالف منهج ربه في افعل ولا تفعل، ومادام العبد قد استغفر الله وتاب فسبحانه يقبل التوبة. ويوضح: إذا كنت أنا غفورًا رحيمًا، فإياكم يا خلقي أن تُذَكِّروا مذنبًا بذنبه بعد أن يتوب؛ لأن صاحب الشأن غفر، فإياك أن تقول للسارق التائب: يا سارق، وإياك أن تقول للزاني التائب: يا زاني، وإياك أن تقول للمرتشي التائب: يا مرتشي لأن المذنب مادام قد جدّد توبته وآمن، وغفر الله له، فلا تكن أنت طفيليًّا وتبرز له الذنب من جديد. اهـ.