فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ}.
قرأ ابن عباس، وأبو عمران: {سَكّت} بفتح السين وتشديد الكاف وبتاء بعدها، {الغضبَ} بالنصب.
وقرأ سعيد بن جبير، وابن يعمر، والجحدري: {سُكِّت} بضم السين وتشديد الكاف مع كسرها.
وقرأ ابن مسعود، وعكرمة، وطلحة: {سَكَنَ} بنون.
قال الزجاج: {سكت} بمعنى: سكن، يقال: سكت يسكت سَكْتًا: إذا سكن، وسكت يسكت سكْتًا وسكوتًا: إذا قطع الكلام.
قال: وقال بعضهم: المعنى: ولما سكت موسى عن الغضب، على القلب، كما قالوا: أدخلت القلنسوة في رأسي.
والمعنى: أدخلت رأسي في القلنسوة، والأولى هو قول أهل العربية.
قوله تعالى: {أخذ الألواح} يعني: التي كان ألقاها.
وفي قوله: {وفي نسختها} قولان:
أحدهما: وفيما بقي منها، قاله ابن عباس.
والثاني: وفيما نُسخ فيها، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: {للذين هم لربهم يرهبون} فيهم قولان:
أحدهما: أنه عام في الذين يخافون الله، وهو معنى قول ابن عباس.
والثاني: أنهم أُمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، وهو معنى قول قتادة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى الغضب} أي سكن.
وكذلك قرأها معاوية بن قُرَّة {سكن} بالنون.
وأصل السكوت السكون والإمساك؛ يقال: جرى الوادي ثلاثًا ثم سكن، أي أمسك عن الجَرْي.
وقال عِكْرمة: سكت موسى عن الغضب؛ فهو من المقلوب.
كقولك: أدخلت الأصبع في الخاتم، وأدخلت الخاتم في الأصبع.
وأدخلت القَلَنْسُوَة في رأسي، وأدخلت رأسي في القلنسوة.
{أَخَذَ الألواح} التي ألقاها.
{وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ} أي {هُدًى} من الضلالة؛ {وَرَحْمَةٌ} أي من العذاب.
والنسخ: نقل ما في كتاب إلى كتاب آخر.
ويقال للأصل الذي كتبتَ منه: نسخة، وللفرع نسخة.
فقيل: لما تكسّرت الألواح صام موسى أربعين يومًا، فرُدّت عليه وأُعيدت له تلك الألواح في لوحين، ولم يفقد منها شيئًا؛ ذكره ابن عباس.
قال القُشَيْرِيّ: فعلى هذا {وَفِي نُسْخَتهَا} أي وفيما نسخ من الألواح المتكسّرة ونُقل إلى الألواح الجديدة هدًى ورحمةٌ.
وقال عطاء: وفيما بقي منها.
وذلك أنه لم يبق منها إلا سبعها، وذهب ستّة أسباعها.
ولكن لم يذهب من الحدود والأحكام شيء.
وقيل: المعنى {وَفِي نُسْخَتَها} أي وفيما نُسخ له منها من اللوح المحفوظ هُدًى.
وقيل: المعنى وفيما كتب له فيها هدًى ورحمةٌ، فلا يحتاج إلى أصل ينقل عنه.
وهذا كما يقال: انسخْ ما يقول فلان، أي اثبته في كتابك.
قوله تعالى: {لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} أي يخافون.
وفي اللام ثلاثة أقوال: قول الكوفيين هي زائدة.
قال الكِسائِيّ: حدّثني من سمِع الفرزدق يقول: نقدت لها مائة درهم، بمعنى نقدتها.
وقيل: هي لام أجْل؛ المعنى: والذين هم من أجل ربّهم يرهبون لا رياء ولا سمعة؛ عن الأخفش.
وقال محمد بن يزيد: هي متعلقة بمصدر؛ المعنى: للذين هم رهبتهم لربهم.
وقيل: لما تقدّم المفعول حسن دخول اللام؛ كقوله: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43].
فلما تقدّم المعمول وهو المفعول ضَعُف عملُ الفعل فصار بمنزلة ما لا يتعدَّى. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {ولما سكت عن موسى الغضب} يعني سكن لأن السكوت أصله الإمساك عن الشيء ولما كان السكوت بمعنى السكون استعير في سكون الغضب لأن الغضب لا يتكلم لكنه لما كان بفورته دالًا على ما في نفس المغضب كان بمنزلة الناطق فإذا سكنت تلك الفورة كان بمنزلة السكوت عما كان متكلمًا به وقيل معناه ولما سكت موسى عن الغضب فهو من المقلوب كما تقول أدخلت القلنسوة في رأسي والمعنى أدخلت رأسي في القلنسوة والقول الأول أصح لأنه قول أهل اللغة والتفسر {أخذ الألواح} يعني التي ألقاها قال الإمام فخر الدين: وظاهر يدل على أن الألواح لم تتكسر ولم يرفع من التوراة شيء {وفي نسختها} النسخ عبارة عن النقل والتحويل فإذا نسخت كتابًا من كتاب حرفًا بحرف قد نقلت ما في الأصل إلى الفرع فعلى هذا قيل أراد بها الألواح لأنها نسخت من اللوح المحفوظ، وقيل: أراد بها النسخة المكتببة من الألواح التي أخذها موسى بعدما تكسرت.
وقال ابن عباس وعمرو بن دينار: لما ألقى موسى الألواح فتكسرت صام أربعين يومًا فردت عليه في لوحين وفيهما ما في الأولى بعينها فيكون نسخها نقلها وعلى قول من قال إن الألواح لم تتكسر وأخذها موسى بعينها بعد ما ألقاها يكون معنى وفي نسختها المكتوب فيها {هدى ورحمة} قال ابن عباس: يعني هدى من الضلالة ورحمة من العذاب {للذين هم لربهم يرهبون} يعني للخائفين من ربهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون}.
سكوت غضبه كان والله أعلم بسبب اعتذار أخيه وكونه لم يقصر في نهي بني إسرائيل عن عبادة العجل ووعد الله إياه بالانتقام منهم وسكوت الغضب استعارة شبه خمود الغضب بانقطاع كلام المتكلم وهو سكوته.
قال يونس بن حبيب: تقول العرب سال الوادي ثم سكت، وقال الزجاج: مصدر {سكت} الغضب سكت ومصدر سكت الرجل سكوت وهذا يقتضي أنه فعل على حدّه وليس من سكوت الناس، وقيل هو من باب القلب أي ولمّا سكت موسى عن الغضب نحو أدخلت في فيّ الحجر، وأدخلت القلنسوة في رأسي انتهى، ولا ينبغي هذا لأنه من القلب وهو لم يقع إلاّ في قليل من الكلام والصحيح أنه لا ينقاس، وقال الزمخشري وهذا مثل كأنّ الغضب كان يغريه على ما فعل ويقول له قل لقومك كذا وألق الألواح وخذ برأس أخيك إليك فترك النطق بذلك وترك الإغراء ولم يستحسن هذه الكلمة ولم يستفصحها كل ذي طبع سليم وذوق صحيح إلا لذلك ولأنه من قبيل شعب البلاغة، وإلا فما لقراءة معاوية بن قرة ولما سكن عن موسى الغضب لا تجد النفس عندها شيئًا من تلك الهزة وطرفًا من تلك الروعة، وقرئ {أسكت} رباعيًّا مبنيًّا للمفعول، وكذا هو في مصحف حفصة والمنوي عند الله أو أخوه باعتذاره إليه أو تنصله أي أسكت الله أو هارون، وفي مصحف عبد الله {ولما صبر}، وفي مصحف أبي {ولما انشق} والمعنى ولما طفى غضبه أخذ ألواح التوراة التي كان ألقاها من يده، روي عن ابن عباس أنه ألقاها فتكسرت فصام أربعين يومًا فردّت إليه في لوحين ولم يفقد منها شيئًا وفي نسختها أي فيما نسخ من الألواح المكسرة أو فيما نسخ فيها أو فيما بقي منها بعد المرفوع وهو سبعها والأظهر أنّ المعنى وفيما نقل وحوّل منها واللام في {لربهم} تقوية لوصول الفعل إلى مفعوله المتقدم، وقال الكوفيّون: هي زائدة، وقال الأخفش: هي لام المفعول له أي لأجل ربهم {يرهبون} لا رياء ولا سمعة، وقال المبرد: هي متعلقة بمصدر المعنى الذين هم رهبتهم لربهم وهذا على طريقة البصريين لا يتمشّى لأنّ فيه حذف المصدر وإبقاء معموله وهو لا يجوز عندهم إلا في الشعر وأيضًا فهذا التقدير يخرج الكلام عن الفصاحة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الغضب}.
شروعٌ في بيان بقيةِ الحكايةِ إثرَ ما بيّن تحزب القوم إلى مصر وتائب والإشارةِ إلى مآل كلَ منهما إجمالًا أي لما سكن عنه الغضبُ باعتذار أخيه وتوبةِ القوم، وهذا صريحٌ في أن ما حُكي عنهم من الندم وما يتفرّع عليه كان بعد مجيءِ موسى عليه الصلاة والسلام، وفي هذا النظم الكريمِ من البلاغة والمبالغةِ بتنزيل الغضبِ الحاملِ له على ما صدر عنه من الفعل والقول منزلةَ الآمرِ بذلك المُغري عليه بالتحكم والتشديد، والتعبيرِ عن سكوته بالسكوت ما لا يخفى، وقرئ {سَكَن} و{سكَت} و{أسكتَ} على أن الفاعل هو الله تعالى أو أخوه أو التائبون {أَخَذَ الالواح} التي ألقاها {وَفِى نُسْخَتِهَا} أي فيما نُسخ فيها وكُتب، فُعلة بمعنى مفعول كالخُطبة وقيل: فيما نسخ منها أي من الألواح المنكسرة {هُدًى} أي بيانٌ للحق {وَرَحْمَةً} للخلق بإرشادهم إلى ما فيه الخيرُ والصلاح {لّلَّذِينَ هُمْ لِرَبّهِمْ يَرْهَبُونَ} اللامُ الأولى متعلقةٌ بمحذوف هو صفةٌ لرحمة أي كائنةٌ لهم أو هي لامُ الأجَل أي هدى ورحمةٌ لأجلِهم، والثانيةُ لتقوية عمل الفعلِ المؤخّر كما في قوله تعالى: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} أو هي أيضًا لامُ العلة والمفعولُ محذوفٌ أي يرهبون المعاصيَ لأجل ربهم لا للرياء والسمعة. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ}.
شروع في بيان بقية الحكاية أثر ما بين تحزب القوم إلى مصر وتائب، والإشارة ما لكل منهما إجمالًا، أي ولما سكت عنه الغضب باعتذار أخيه وتوبة القوم، وهذا صريح في أن ما حكى عنهم من الندم وما بتفرع عليه كان بعد مجيء موسى عليه السلام، وقيل: المراد ولما كسرت سورة غضبه عليه السلام وقل غيظه باعتذار أخيه فقط لا أنه زال غضبه بالكلية لأن توبة القوم ما كانت خالصة بعد، وأصل السكوت قطع الكلام، وفي الكلام استعارة مكنية حيث شبه الغضب بشخص ناه آمر وأثبت له السكوت على طريق التخييل، وقال السكاكي: إن فيه استعارة تبعية حيث شبه سكون الغضب وذهاب حدته بسكون الآمر الناهي والغضب قرينتها، وقيل: الغضب استعارة بالكناية عن الشخص الناطق والسكوت استعارة تصريحية لسكون هيجانه وغليانه فيكون في الكلام مكنية قرينتها تصريحية لا تخييلية، وإيا ما كان ففي الكلام مبالغة وبلاغة لا يخفى علو شأنهما، وقال الزجاج: مصدر سكت الغضب السكتة ومصدر سكت الرجل السكوت وهو يقتضي أن يكون سكت الغضب فعلًا على حدة؛ وقيل ونسب إلى عكرمة: إن هذا من القلب وتقديره ولما سكت موسى عن الغضب، ولا يخفى أن السكوت كان أجمل بهذا القائل إذ لا وجه لما ذكره.
وقرأ معاوية بن قرة {سَكَنَ} والمعنى على ذلك ظاهر إلا أنه على قراءة الجمهور أعلى كعبًا عند كل ذي طبع سليم وذوق صحيح، وقرئ {سَكَتَ} بالبناء لما لم يسم فاعله والتشديد للتعدية و{أسكت} بالبناء لذلك أيضًا على أن المسكت هو الله تعالى أو أخوه أو التائبون {الغضب أَخَذَ الالواح} التي ألقاها {وَفِى نُسْخَتِهَا} أي فيما نسخ فيها وكتب، ففعلة بمعنى مفعول كالخطبة، والنسخ الكتابة، والإضافة بيانية أو بمعنى في، وإلى هذا ذهب الجبائي وأبو مسلم وغيرهما، وقيل: معنى منسوخة ما نسخ فيها من اللوح المحفوظ، وقيل: النسخ هنا بمعنى النقل، والمعنى فيما نقل من الألواح المنكسرة.
وروي عن ابن عباس.
وعمرو بن دينار أن موسى عليه السلام لما ألقى الألواح فتكسر منها ما تكسر صام أربعين يومًا فرد عليه ما ذهب في لوحين وفيهما ما في الأول بعينه فكأنه نسخ من الأول {هُدًى} أي بيان للحق عظيم {وَرَحْمَةً} جليلة بالإرشاد إلى ما فيه الخير والصلاح {لّلَّذِينَ هُمْ لِرَبّهِمْ يَرْهَبُونَ} أي يخافون أشد الخوف، واللام الأولى متعلقة بمحذوف وقع صفة لما قبله أو هي لام الرجل أي هدى ورحمة لأجلهم، والثانية لتقوية عمل الفعل المؤخر كما في قوله سبحانه: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43] أو هي لام العلة والمفعول محذوف أي يرهبون المعاصي لأجل ربهم لا للرياء والسمعة، واحتمال تعلقها بمحذوف أي يخشون لربهم كما ذهب إليه أبو البقاء بعيد. اهـ.