فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {واختار موسى قَوْمَهُ} أي من قومه {سَبْعِينَ رَجُلًا لميقاتنا} يعني: للميقات الذي وقتنا له {فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرجفة} يعني الزلزلة، تزلزل الجبل بهم فماتوا {قَالَ} موسى {رَبّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مّن قَبْلُ} يعني: من قبل أن يصحبوني {وإياى} بقتل القبطي {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السفهاء مِنَّا} قال الكلبي: ظن موسى أنه إنما أهلكهم باتخاذ بني إسرائيل العجل.
وروي عن عليّ بن أبي طالب أنه قال: انطلق موسى وهارون ومعهما شَبَّر وَشَبيِّر وهما ابنا هارون حتى انتهوا إلى جبل وفيه سرير، فنام عليه هارون فقبض، فرجع موسى إلى قومه، فقالوا له: أنت قتلته حسدًا على خلقه ولينه.
قال: كيف أقتله ومعي ابناه، فاختاروا من شئتم، فاختاروا سبعين، فانتهوا إليه.
فقالوا له: من قتلك يا هارون: قال ما قتلني أحد ولكن توفاني الله تعالى.
فأخذتهم الرجفة فماتوا كلهم.
فقال موسى: {رَبّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مّن قَبْلُ} وإياي.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما انطلق موسى إلى الجبل أمر بأن يختار سبعين رجلًا من قومه: فاختار من كل سبط ستة رجال، فبغلوا اثنين وسبعين، فقال موسى: إني أمرت بسبعين فليرجع اثنان، ولهما أجر من حضر، فرجع يوشع بن نون وكالوب بن يوقنا.
فذهب موسى مع السبعين إلى الجبل، فلما رجع إليهم موسى من المناجاة قالوا له: إنك قد لقيت ربك فأرنا الله جهرة حتى نراه كما رأيته.
فجاءتهم نار فأحرقتهم فماتوا.
فقال موسى: حين أماتهم الله تعالى: {رَبّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مّن قَبْلُ} هذا اليوم وإياي معهم أتهلكنا بما فعل السفهاء منا يعني: أتوقعني في ملامة بني إسرائيل وتعييرهم بفعل هؤلاء السفهاء ثم أحياهم الله تعالى.
وروى أسباط عن السدي قال: إن موسى انطلق بسبعين من بني إسرائيل يعتذرون إلى ربهم عن عبادة العجل، وذكر نحو حديث عبد الله بن عباس ثم قال: {إِنْ هي إِلاَّ فِتْنَتُكَ} يعني بليتك وعذابك ويقال: يعني عبادة العجل بليتك حيث جعلت الروح فيه {تُضِلُّ بِهَا} أي بالفتنة {مَن تَشَاء وَتَهْدِى مَن تَشَاء} من الفتنة {أَنتَ وَلِيُّنَا} أي حافظنا وناصرنا {فاغفر لَنَا} يعني: ذنوبنا {وارحمنا} يعني: ولا تعذبنا {وَأَنتَ خَيْرُ الغافرين} يعني: المتجاوزين عن الذنوب. اهـ.

.قال الثعلبي:

{واختار موسى قَوْمَهُ} أي من قومه فلمّا نزع حرف الصفة نصب كقول الفرزدق:
ومنّا الذي أُختير الرجال سماحة ** وبرًا إذا هبّ الرياح الزعازع

وقال آخر:
اخترتك للناس إذ رثت خلائقهم ** واعتل مَنْ كان يُرجى عنده السؤل

أي من الناس، واختلفوا في سبب اختيار موسى السبعين.
وقال السدي: أمر الله أن سيأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل ووعد موعدًا، واختار موسى من قومه {سَبْعِينَ رَجُلًا} ثمّ ذهب إليه ليعتذر فلمّا أتوا ذلك المكان قالوا: لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة وإنّك قد كلّمته فأرناه فأخذتهم الصاعقة فماتوا.
وقال ابن إسحاق: اختارهم ليتوبوا إليه مما صنعوه ويسألوه التوبة على من تركوا وراءهم من قومهم.
وقال مجاهد: اختارهم لتمام الموعد.
وقال وهب: قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: إن طائفة يزعمون أنّ الله لا يكلمك ولو كلمك فأقمت لكلامه ألم ترَ أنّ طائفة منّا سألوه النظر إليه فماتوا فلا تسأله أن ينزل طائفة منّا حتّى يكلمك فيسمعوا كلامه فيؤمنوا وتذهب التهمة، فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن اختر من خيارهم سبعين رجلًا، ثمّ ارتق بهم إلى الجبل أنت وهرون. واستخلف على بني إسرائيل يوشع بن نون يقول كما أمر الله تعالى واختار سبعين رجلًا.
روى المنهال عن الربيع بن حبيب قال: سمعنا أبا سعيد الرقاشي وقرأ هذه الآية قال: كان السبعون ابنًا ما عدا عشرين. ولم يتجاوز الأربعين. وذلك أن ابن عشرين قد ذهب جماله وصباه وأنّ من لم يتجاوز الأربعين لم يعد من عقله شيءٌ. وقال الآخرون: كانوا شيوخًا.
قال الكلبي: اختار موسى سبعين رجلًا لينطلقوا إلى الجبل فلم يصب إلاّ ستين شيخًا وأوحى الله تعالى إليه أن يختار من الشباب عشرة فاختار وأصبحوا شيوخًا فاختار من كل سبط ستّة رهط فصاروا اثنين وسبعين.
فقال موسى: إنّما أمرت سبعين رجلًا فاستخلف منكم رجلان فتشاجروا على ذلك. فقال: إن لِمن قعد مثل أجر من خرج، فقعد رجلان أحدهما كالب بن يوقيا والآخر يوشع بن نون.
فأمر موسى السبعين أن تصوموا وتطهروا، وتطهّروا ثيابكم ثمّ خرج بهم إلى طورسيناء لميقات ربّه وكان لا يأتيه إلاّ بإذن منه وذلك قوله تعالى: {واختار موسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِنَا} {فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرجفة} اختلفوا في كيفية هذه الرجفة وسبب أخذها إياهم.
فقال ابن إسحاق والسدي: إنّهم لمّا أتوا ذلك المكان قالوا لموسى: اطلب لنا نسمع كلام ربّنا فقال: أفعل، فلمّا دنا موسى عليه السلام من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتّى يغشي الجبل كله ودنا موسى ودخل فيه وقال للقوم: ادنوا وكان موسى إذا كلمه ربه وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني إسرائيل أن ينظر إليه، فضرب دونه الحجاب ودنا القوم حتّى إذا دخلوا في الغمام وهو عمود فسمعوه وهو يكلّم موسى يأمره فيها: افعل لا تفعل فلما فرغ انكشف عن موسى الغمام فأقبل إليهم فقالوا: يا موسى لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة فماتوا جميعًا.
وقال ابن عباس: إن السبعين الذين قالوا: لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة كانوا قبل السبعين الذين أخذتهم الرجفة، وإنما أمر الله موسى أن يختار من قومه سبعين رجلًا فاختارهم وبرزهم ليدعوا ربهم، فكان فيما دعوا أن قالوا: اللهم أعطنا ما لم تعطه أحدًا قبلنا ولا تعطيه أحدًا بعدنا، فكره الله ذلك من دعائهم فأخذتهم الرجفة.
قال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: إنّما أخذتهم الرجفة من أجل دعواهم على موسى قبل هارون، وذلك أن موسى وهارون وشبر وشبير عليهم السلام انطلقوا إلى سفح جبل فنام هارون على سرير فتوفّاه الله فلمّا مات دفنه موسى فلمّا رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا له: أين هارون؟ قال: توفّاه الله، فقالوا: بل أنت قتلته عمدًا على خُلُقه وَليِنْهِ، قال: فاختاروا من شئتم، فاختاروا سبعين رجلًا وذهب بهم، فلما انتهوا إلى القبر قال موسى: يا هارون أقتلتَ أم تُوفّيت؟
فقال هارون: ما قتلني أحد. ولكن الله توفاني إليه.
فقالوا: ياموسى لن تقصّ بعد اليوم فأخذتهم الرجفة وصعقوا وماتوا، وقال موسى: يارب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم، يقولون: أنت قتلتهم فأحياهم الله وجعلهم أنبياء كلّهم.
وقال ابن عباس: إنّما أخذتهم الرجفة لأنهم لم يرضوا ولم ينهوا عن العجل، وقال قتادة وابن جريج ومحمد بن كعب: أخذتهم الرجفة لأنّهم لم يزايلوا قومهم حين عبدوا العجل ولم يأمروهم بالمعروف ولم ينهوهم عن المنكر.
وقال وهب: لم تكن تلك الرجفة موتًا ولكن القوم لما رأوا تلك الهيبة أخذتهم الرجفة وخلقوا فرجفوا حتّى كادت أن تبيّن مفاصلهم وتنقص ظهورهم فلمّا رأى ذلك موسى عليه السلام رحمهم وخاف عليهم الموت واشتدّ عليه فقدهم وكانوا له ولدًا على الخير سامعين مطيعين فعند ذلك دعا وبكى وناشد ربّه فكشف الله عنهم تلك الرجفة والرعدة فسكنوا واطمأنوا وسمعوا كلام ربهم فذلك قوله: {قَالَ} يعني موسى {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ} بقتل القبطي {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السفهاء مِنَّا} يعني عبدة العجل.
وظن موسى أنّه عوقبوا باتخاذ بني إسرائيل العجل.
وقال السدي: أوحى الله إلى موسى أن هؤلاء السبعين ممن اتخذوا العجل وكان موسى لا يعلم ذلك فقال موسى: يارب كيف أرجع إلى بني إسرائيل وقد أهلكت أخيارهم وليس معي رجلٌ واحدٌ فما الذي يصدقوني به ويأمنونني عليه بعد هذا، فأحياهم الله، وقال المبرّد: قوله أتهلكنا بما فعل السفهاء منّا استعلام واستعطاف أي لا تهلكنا قد علم موسى أن الله أعدل من أن يؤاخذ بجريرة الجاني غيره ولكنّه كقول عيسى: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118] الآية.
{إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ} أي اختيارك.
قال سعيد بن جبير وأبو العالية والربيع: محنتك، وقال ابن عباس: عذابك تصيب به من تشاء وتصرفه عن من تشاء {تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ أَنتَ وَلِيُّنَا} ناصرنا ومولانا وحافظنا {فاغفر لَنَا وارحمنا وَأَنتَ خَيْرُ الغافرين}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لّمِيقَاتِنَا}.
وفي الكلام محذوف وتقديره: واختار موسى من قومه سبعين رجلًا.
وفي قوله: {لِّمِيقَاتِنَا} قولان:
أحدهما: أنه الميقات المذكور في سؤال الرؤية.
والثاني أنه ميقات غير الأول وهو ميقات التوبة من عبادة العجل.
{فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ} وفيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها الزلزلة، قاله الكلبي.
والثاني: أنه الموت. قال مجاهد: ماتوا ثم أحياهم.
والثالث: أنها نار أحرقتهم فظن موسى أنهم قد هلكوا ولم يهلكوا، قاله الفراء.
{قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ} وفي سبب أخذها لهم قولان:
أحدهما: لأنهم سألوا الرؤية، قاله ابن إِسحاق.
والثاني: لأنهم لم ينهوا عن عبادة العجل قاله ابن عباس.
{... أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَل السُّفَهَاءُ مِنَّا} فيه قولان:
أحدهما: أنه سؤال استفهام خوفًا من أن يكون الله قد عمهم بانتقامه كما قال تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25].
والثاني: أنه سؤال نفي، وتقديره: إنك ل تعذب إلاَّ مذبنًا فكيف تهلكنا بما فعل السفهاء منا.
فحكى أن الله أمات بالرجفة السبعين الذين اختارهم موسى من قومه، لا موت فناء ولكن موت ابتلاء ليثبت به من أطاع وينتقم به ممن عصى وأخذت موسى غشية ثم أفاق موسى وأحيا الله الموتى، فقال: {إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ} فيه وجهان:
أحدهما: أن المراد بالفتنة العذاب، قاله قتادة.
والثاني: أن المراد بها الابتلاء والاختبار. اهـ.