فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله: {واختار قومه سبعين رجلًا لميقاتنا}.
الاختيار افتعال من لفظ الخيار يقال اختار الشيء إذا أخذ خيره وخياره.
والمعنى اختار موسى من قومه فحذف كلمة من ذلك سائغ في العربية لدلالة الكلام عليه.
قال أصحاب الأخبار: إن موسى اختار من كل سبط من قومه ستة نفر فكانوا اثنين وسبعين فقال ليتخلف منكم فتشاحوا فقال لمن قعد منكم مثل أجر من خرج فقعد يوشع بن نون وكالب بن يقونا وقيل إنه لم يجد إلا ستين شيخًا فأوحى الله إليه إن يختار من الشباب عشرة فاختارهم فأصبحوا شيوخًا فأمرهم أن يصوموا ويتطهروا ويطهروا ثيابهم ثم ذهب بهم إلى ميقات ربه واختلف أهل التفسير في ذلك الميقات فقيل إنه الميقات الذي كلمه فيه ربه وسأل فيه الرؤية وذلك أنه لما خرج إلى طور سيناء أخذ معه هؤلاء السبعين فلما دنى موسى من الجبل وقع عليه عمود من الغمام حتى أحاط بالجبل كله ودخل موسى فيه وقال لقومه ادنوا فدنوا حتى دخلوا في الغمام ووقعوا سجدًا وسمعوا الله تعالى وهو يكلم موسى يأمره وينهاه افعل كذا لا تفعل كذا فلما انكشف الغمام أقبلوا على موسى وقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة وهي المراد من الرجفة المذكورة في هذه الآية.
وقال السدي: إن الله أمر موسى أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل ووعدهم موعدًا فاختار موسى من قومه سبعين رجلًا ثم ذهب بهم إلى ميقات ربه ليعتذروا فلما أتوا ذلك المكان قالوا: {لن نؤمن لك} يا موسى {حتى نرى الله جهرة} فإنك قد كلمته فأرِناه فأخذتهم الصاعقة فماتوا، فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول: رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم رب لو شئت أهلكنهم من قبل وإياي.
وقال محمد بن إسحاق اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلًا الخير فالخير وقال انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه مما صنعتم واسألوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم ثم خرج بهم إلى طور سيناء لميقات وقته له ربه وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم فقال السبعون فيما ذكر لي حين فعلوا ما أمرهم به وخرجوا مع موسى لميقات ربه اطلب لنا نسمع كلام ربنا فقال أفعل فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عموم الغمام حتى غشي الجبل كله ودنا موسى فدخل فيه وقال للقوم ادنوا فكان موسى إذا كلمه ربه وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه فضرب دونه بالحجاب ودنا القوم حتى دخلوا في الغمام ووقعوا سجودًا فسمعوا الله وهو يكلم موسى يأمره وينهاه افعل ولا تفعل فلما فرغ من أمره انكشف عن موسى الغمام فأقبل إليهم فقالوا: {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة} وهي مرجفة فماتوا جميعًا فقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه يقول رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي، وقال ابن عباس: كان الله أمر موسى أن يختار من قومه سبعين رجلًا فبرز بهم ليدعو ربهم فكان فيما دعوا الله أن قالوا اللهم أعطنا ما لم تعطه أحدًا قبلنا ولا تعطه أحدًا بعدنا فكره الله ذلك من دعائهم فأخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي، وقيل: إنما أخذتهم الرجفة من أجل أنهم ادعوا على موسى أنه قتل هارون.
قال علي بن أبي طالب: انطلق موسى وهارون إلى سفح جبل فنام هارون على سرير فتوفاه الله فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا له: أنت قتلته حسدتنا على خلقه ولينه، وكان هارون حسن الخلق محببًا في بني إسرائيل فقال لهم موسى اختاروا من شئتم فاختاروا سبعين رجلًا فلما انتهوا إليه قالوا يا هارون من قتلك قال ما قتلني أحد ولكن الله توفاني فأخذتهم الرجفة فجعل موسى يرجع يمينًا وشمالًا ويقول: {رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي} الآية فأحياهم الله وقيل إنما أخذتهم الرجفة لتركهم فراق عبدة العجل لا لأنهم كانوا من عبدته.
قال ابن عباس: إنما تناولتهم الرجفة لأنهم لم يزايلوا القوم حين نصبوا العجل وما كرهوا أن يجامعوهم عليه.
قال ابن جريج فلما خرجوا ودعوا الله أماتهم ثم أحياهم: وقال مجاهد: واختار موسى قومه سبعين رجلًا لميقاتنا الميقات الموعد فلما أخذتهم الرجفة بعد أن خرج موسى بالسبعين من قومه يدعون الله ويسألونه أن يكشف عنهم البلاء فلم يستجب لهم علم موسى أنهم قد أصابوا من المعصية ما أصاب قومهم، وقال محمد بن كعب القرظي: لم يستجب لهم من أجل أنهم لم ينهوهم عن المنكر ولم يأمروهم بالمعروف فأخذتهم الرجفة فماتوا ثم أحياهم الله وقوله تعالى: {فلما أخذتهم الرجفة} أصل الرجفة الاضطراب الشديد الذي يحصل معه التغيير والهلاك ولهذا اختلفوا في تلك الرجفة التي حصلت لهؤلاء هل كان معها موت أم لا فمعظم الروايات التي تقدمت أنهم ماتوا بسبب تلك الرجفة.
وقال وهب بن منبه: لم تكن تلك الرجفة موتًا ولكن القوم لما رأوا تلك الهيئة أخذتهم الرعدة وقلقوا ورجفوا حتى كادت أن تبين مفاصلهم فلما رأى موسى ذلك رحمهم وخاف عليهم الموت واشتد عليه فقدهم وكانوا له وزراء على الخير سامعين له مطيعين، فعند ذلك دعا موسى وبكى وناشد ربه فكشف الله عنهم تلك الرجفة فاطمأنوا وسمعوا كلام الله فذلك قوله تعالى: {فلما أخذتهم الرجفة} {قال} يعني موسى {رب} أي يا رب {لو شئت أهلكتهم من قبل} يعني من قبل عبادتهم العجل: {وإياي} وذلك أنه خاف أن يتهمه بنو إسرائل على السبعين إذا رجع إليهم وما هم معه ولم يصدقوه بأنهم ماتوا فقال: رب لو شئت أهلكتهم من قبل يعني قبل خروجهم إلى الميقات وإياي معهم فكان بنو إسرائيل يعاينون ذلك ولا يتهموني {أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} قال الفراء: ظن موسى أنهم أهلكوا باتخاذ أصحاب العجل العجل فقال أتلهكنا بما فعل السفهاء منا يعني عبدة العجل وإنما أهلكوا بسبب مسألتهم الرؤية وهي قولهم أرنا الله جهرة، وهذا قول الكلبي وجماعة، وقال جماعة من أهل العلم: لا يجوز أن يظن موسى أن الله تعالى يهلك قومًا بذنوب غيرهم ولكن قوله أتهلكنا بما فعل السفهاء منا استفهام بمعنى الجحد أي لست تفعل ذلك وهذا قول ابن الأنباري، وقال المبرد: هذا استفهام استعطاف أي لا تهلكنا {إن هي إلا فتنتك} قال الواحدي: الكناية في هذ تعود إلى الفتنة كما تقول إن هو إلا زيد والمعنى أن تلك الفتنة التي وقع فيها السفهاء لم تكن إلا فتنتك أي اختبارك وابتلاؤك وهذا تأكيد لقوله أتهلكنا بما فعل السفهاء منا لأن معناه لا تهلكنا بفعلهم فإن تلك الفتنة كانت اختبارًا منك وابتلاء أضللت بها قومًا فافتتنوا وهديت قومًا فعصمتهم حتى ثبتوا على دينك وهو المراد من قوله: {تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء} قال الواحدي: وهذه الآية من الحجج الظاهرة على القدرية التي لا يبقى لهم معها عذر {أنت وليّنا} يعني أنت يا ربنا ناصرنا وحافظنا وهذا يفيد الحصر أي لا وليّ لنا ولا ناصر ولا حافظ إلا أنت {فاغفر لنا} سأل موسى لنفسه ولقومه الغفران أما لنفسه فلقوله إن هي إلا فتنتك وهذا فيه إقدام على الحضرة المقدسة وأما لقومه فلقولهم أرنا الله جهرة وفي هذا إقدام على الحضرة المقدسة فلهذا السبب سأل موسى الغفران له ولقومه {وارحمنا} أي اشملنا برحمتك التي وسعت كل شيء {وأنت خير الغافرين} يعني أن كل من سواك إنما يغفر الذنب طلبًا للثناء الجميل أو لدفع ضرر وأما أنت يا رب فتغفر ذنوب عبادك لا لطلب عوض ولا غرض بل لمحض الفضل والكرم فأنت خير الغافرين. اهـ.

.قال أبو حيان:

{واختار موسى قومه سبعين رجلًا لميقاتنا}.
{اختار} افتعل من الخير وهو التخير والانتقاء {واختار} من الأفعال التي تعدت إلى اثنين أحدهما بنفسه والآخر بوساطة حرف الجر وهي مقصورة على السماع وهي اختار واستغفر وأمر وكنّى ودعا وزوج وصدق، ثم يحذف حرف الجر ويتعدّى إليه الفعل فيقول اخترت زيدًا من الرجال واخترت زيدًا الرجال.
قال الشاعر:
اخترتك الناس إذ رثت خلائقهم ** واعتل من كل يرجى عنده السّول

أي اخترتك من الناس و{سبعين} هو المفعول الأوّل، و{قومه} هو المفعول الثاني وتقديره {من قومه} ومن أعرب {قومه} مفعولًا أوّل و{سبعين} بدلًا منه بدل بعض من كلّ وحذف الضمير أي {سبعين رجلًا} منهم احتاج إلى تقدير مفعول ثان وهو المختار منه فإعرابه فيه بعد وتكلف حذف في رابط البدل وفي المختار منه واختلفوا في هذا الميقات أهو ميقات المناجاة ونزول التوراة أو غيره، فقال نوف البكالي ورواه أبو صالح عن ابن عباس: وهو الأوّل بيّن فيه بعض ما جرى من أحواله وأنه اختار من كل سبط ستة رجال فكانوا اثنين وسبعين، فقال ليتخلف اثنان فإنما أمرت بسبعين فتشاحوا، فقال: من قعد فله أجر من حضر فقعد كالب بن يوقنا ويوشع بن نون واستصحب السبعين بعد أن أمرهم أن يصوموا ويتطهّروا ويطهروا ثيابهم ثم خرج بهم إلى طور سيناء لميقات ربه وكان أمره ربه أن يأتيه في سبعين من بني إسرائيل فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله ودنا موسى ودخل فيه وقال للقوم: ادنوا فدنوا حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجّدًا فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه افعل ولا تفعل، ثم انكشف الغمام فأقبلوا إليه فطلبوا الرؤية فوعظهم وزجرهم وأنكر عليهم فقالوا: {يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة}.
قال الزمخشري: فقال: {ربّ أرني أنظر إليك} يريد أن يسمعوا الردّ والإنكار من جهته، فأجيب: بلن تراني ورجف الجبل بهم وصعقوا انتهى، وقيل: هو ميقات آخر غير ميقات المناجاة ونزول التوراة، فقال وهب بن منبه: قال بنو إسرائيل لموسى إن طائفةً تزعم أنّ الله لا يكلمك فخذ منا من يذهب معك ليسمعوا كلامه فيؤمنوا فأوحى الله تعالى إليه أن يختار من قومه سبعين من خيارهم ثم ارتقِ بهم الجبل أنت وهارون واستخلف يوشع، ففعل فلما سمعوا كلامه سألوا موسى أن يريهم الله جهرة فأخذتهم الرجفة، وقال السدّي: هو ميقات وقته الله تعالى لموسى يلقاه في ناس من بني إسرائيل ليعتذروا إليه من عبادة العجل، وقال ابن عباس فيما روى عنه عليّ بن طلحة هو ميقات وقته الله لموسى وأمره أن يختار من قومه سبعين رجلًا ليدعوا ربهم فدعوا فقالوا يا الله أعطنا ما لم تعطِ أحدًا قبلنا ولا أحدًا بعدنا فكره الله ذلك فأخذتهم الرّجفة، وعن علي رضي الله عنه فيما روى ابن أبي شيبة أن موسى وهارون وابناه شبّر وشبير انطلقوا حتى انتهوا إلى جبل فيه سرير فقام عليه هارون فقبض روحه فرجع موسى إلى قومه فقالوا: أنت قتلته وحسدتنا على خلقه ولينه، فقال: كيف أقتله ومعي ابناه، قال: فاختاروا من شئتم فاختير سبعون فانتهوا إليه فقالوا من قتلك يا هارون قال ما قتلني أحد ولكنّ الله توفاني، قالوا: يا موسى ما نعصي بعد فأخذتهم الرّجفة فجعلوا يتردّون يمينًا وشمالًا انتهى، ولفظ {لميقاتنا} في هذا القول الذي روي عن عليّ لأنه يقتضي أنه كان عن توقيت من الله تعالى، وقال ابن السائب: كان موسى لا يأتي ربه إلا بإذن منه والذي يظهر أن هذا الميقات غير ميقات موسى الذي قيل طفيه: {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه} لظاهر تغاير القصتين وما جرى فيهما إذ في تلك أن موسى كلمه الله وسأله الرؤية وأحاله في الرؤية على تجليه للجبل وثبوته فلم يثبت وصار دكًّا وصعق موسى وفي هذه اختير السبعون لميقات الله وأخذتهم الرّجفة ولم تأخذ موسى، وللفصل الكثير الذي بين أجزاء الكلام لو كانت قصة واحدة.
{فلما أخذتهم الرّجفة قال ربِّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي}.