فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمى} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي لا يكتب ولا يقرأ الكتب قال الزجاج: الأُمِّيُّ الذي هو على خِلْقَةِ أمه لم يتعلم الكتابة وهو على جبلته.
ويقال: إنما سمي محمد صلى الله عليه وسلم أمِّيًّا لأنه كان من أم القرى وهي مكة.
ثم قال: {الذى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ} يعني: يجدون نعته وصفته {فِى التوراة والإنجيل يَأْمُرُهُم بالمعروف} يعني: شرائع الإسلام بالتوحيد يرخص لهم الحلالات من الشحوم واللحوم وأشباهها {وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الخبئث} يعني: ويبيّن لهم الحرام الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} يعني: ثقلهم من العهود قرأ ابن عامر {آصَارَهُمْ} على معنى الجماعة.
وأصل الإصر الثقل.
فسمي العهد إصْرًا لأن حفظ العهد يكون ثقيلًا.
ويقال: يعني الأمور التي كانت عليهم في الشرائع.
ويقال: هو ما عهد عليهم من تحريم الطيبات.
ثم قال: {إِصْرَهُمْ والاغلال التي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} وهي كناية عن أمور شديدة لأن في الشريعة الأولى كان الواحد منهم إذا أصابه البول في ثوبه وجب قطعه، وكان عليهم ألا يعملوا في السبت، وغير ذلك من الأعمال الشديدة فوضع عنهم ذلك.
ثم قال: {فالذين ءامَنُواْ بِهِ} يعني: صدقوه وأقروا بنبوته {وَعَزَّرُوهُ} يعني: عظموه وشرفوه.
ويقال: أعانوه {وَنَصَرُوهُ} بالسيف {واتبعوا النور} يعني: القرآن {الذى أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ} يعني: أهل هذه الصفة {هُمُ المفلحون} أي والناجون في الآخرة وهم في الرحمة التي قال الله تعالى: {واكتب لَنَا في هذه الدنيا حَسَنَةً وَفِي الآخرة إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عذابى أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزكواة والذين هُم بأاياتنا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 156]. اهـ.

.قال الثعلبي:

{الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي} الآية.
قال نوف البكالي الحميري: لما اختار موسى قومه سبعين رجلًا لميقات ربه قال الله تعالى لموسى أجعل لكم في الأرض مسجدًا وطهورًا تصلّون حيث أدركتكم الصلاة إلاّ عند مرحاض أو حمام أو قبر وأجعل السكينة في قلوبكم وأجعلكم تقرأون التوراة عن ظهور قلوبكم، يقرأها الرجل منكم والمرأة والحر والعبد والصغير والكبير.
فقال ذلك موسى لقومه فقالوا: لا نريد أن نصلي في الكنائس ولا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا، ونريد أن تكون كما كانت في التابوت، ولا نستطيع أن نقرأ التوراة عن ظهور قلوبنا، ولا نريد أن نقرأها إلاّ نظرًا، فقال الله: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} إلى قوله: {المفلحون} فجعلها الله لهذه الأمة، فقال موسى: رب اجعلني نبيهم، فقال: نبيهم منهم، قال: رب اجعلني منهم، قال: إنك لن تدركهم، فقال موسى: يارب أتيتك بوفد بني إسرائيل فجعلت وفادتنا لغيرنا فأنزل الله تعالى: {وَمِن قَوْمِ موسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ} أنفسهم {بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} فرضي موسى، قال نوف: إلا تحمدون ربًّا حفظ غيّكم وأجزل لكم سهمكم وجعل وفادة بني إسرائيل لكم.
واختلف العلماء في معنى الأُمّي.
فقال ابن عباس: هو منكم كان أميًّا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحاسب قال الله تعالى: {وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: 48] وقال صلى الله عليه وسلم: «إنا أُمة أُميّة لا نكتب ولا نحاسب».
وقيل: هو منسوب إلى أُمّته كأن أصله أُمتي فسقطت التاء من النسبة كما سقطت من اليكي والمدى.
وقيل: منسوب إلى أُم القرى وهي مكّة أُم القرى {الذي يَجِدُونَهُ} أي صفته ونبوّته ونعته وأمره {مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التوراة والإنجيل} قال عطاء بن يسار: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله في التوراة فقال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة كصفته في القرآن. {يا أيها النبي إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45] وحرزًا للأُميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب بالاسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ولن أقبضه حتّى يقيم الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلاّ الله فيفتح به قلوبًا غلفًا وآذنًا صُمًا وأعينًا عميًا.
قال عطاء: ثمّ لقي كعبًا فسأله عن ذلك فما اختلفا حرفًا إلاّ أن كعبًا قال: بلغته قلوبًا غلوفيًا وآذانًا صمويًا وأعينًا عموميًّا.
وروى كعب في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مولده مكة وهجرته بطيبة وملكه بالشام وأمته الحمادون يحمدون الله على كل حال وفي كل منزلة، يُوَضِئون أطرافهم وويتورّون إلى الجهاد وفيهم وعاة الشمس ويصلون الصلاة حيث أدركتهم ولو على ظهر الكناسة، صفهم في القول مثل صفهم في الصلاة ثمّ قرأ {الذين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [الصف: 4].
وقال الواقدي: حدّثني عثمان بن الضحاك عن يزيد بن الهادي عن ثعلبة بن مالك أن عمر بن الخطاب أنه سأل أبا مالك عن صفة النبيّ صلى الله عليه وسلم في التوراة وكان من علماء اليهود، فقال: صفته في كتاب بني هارون الذي لم يغير ولم يبدّل أحد من ولد إسماعيل بن إبراهيم ومن آخر الأنبياء وهو النبي العربي الذي يأتي بدين إبراهيم الحنيف، يأتزر على وسطه ويغسل أطرافه في عينيه حمرة وبين كتفية خاتم النبوّة مثل زر الحجلة، ليس بالقصير ولا بالطويل، يلبس الشملة ويجرى بالبلغة ويركب الحمار ويمشي في الأسواق، معه حرب وقتل وسبي سيفه على عاتقه لا يبالي مَن لقي مِن الناس، معه صلاة لو كانت في قوم نوح ما أهلكوا بالطوفان ولو كانت في عاد ما أهلكوا بالريح ولو كانت في ثمود ما أهلكوا بالصيحة.
مولده بمكّة ومنشأه بها وبدء نبوّته بها ودار هجرته يثرب بين جرّة ونخل وسبخة وهو أُمّي لا يكتب بيده، هو بجهاد، يحمد الله على كل شدة ورخاء، سلطانه الشام، صاحبه من الملائكة جبرئيل يلقى من قومه أذىً شديدًا. ويحبّونه حبًّا شديدًا ثمّ يدال على قومه يحصرهم حصر الجرين، يكون له وقعات في يثرب، منها له ومنها عليه، ثمّ يكون له العاقبة يعدّ معه أقوام هم إلى الموت أسرع من الماء من رأس الجبل إلى أسفله، صدورهم أناجيلهم قربانهم دماؤهم ليوث النهار ورهبان بالليل يرعب منه عدوه بمسيرة شهر، يباشر القتال بنفسه حتّى يخرج ويكلم لا شرطة معه ولا حرس يحرسه.
{يَأْمُرُهُم بالمعروف} أي بالايمان {وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المنكر} يعني الشرك، وقيل: المعروف والشريعة والسنة والمنكر ما لا يعرف في شريعة ولا سنّة.
وقال عطاء: يأمرهم بالمعروف وبخلع الأنداد ومكارم الأخلاق وصلة الأرحام ينهاهم عن المنكر عن عبادة الأصنام وقطع الأرحام {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطيبات} يعني الحلالات التي كانت أهل الجاهلية تحرمها: البحائر السوائب والوصائل والحوامي {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبائث} يعني لحم الخنزير والدم والميتة والربا وغيرها من المحرمات. {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} ابن عباس والحسن والضحاك والسدي ومجاهد يعني: جهدهم الذي كان يأخذ على بني إسرائيل بالعمل بما في التوراة. وقال ابن زيد وقتادة: يعني الشدائد الذي كان عليهم في الدين {والأغلال} يعني الأثقال: {التي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} بما أُمروا به من قتل الأنفس في التوراة وقطع الأبهاء، شبّه ذلك بالأغلال كما قال الشاعر:
فليس لعهد الدار يا أم مالك ** ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل

وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل ** سوى العدل شيئًا واستراح العواذل

فشبه حدود الإسلام وموانعه عن التخطّي إلى المحذورات بالسلاسل المحيطات بالرقاب {فالذين آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ} أعانوه ووقّروه {وَنَصَرُوهُ واتبعوا النور الذي أُنزِلَ مَعَهُ} يعني القرآن {أولئك هُمُ المفلحون}. اهـ.

.قال الماوردي:

{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمّيَّ} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم وفي تسميته بالأمي ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه لا يكتب.
الثاني: لأنه من أم القرى وهي مكة.
الثالث: لأن من العرب أمة أمية.
{الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ} لأن في التوراة في السفر الخامس: إني سأقيم لهم نبيًا من إخوتهم مثلك، واجعل كلامي في فيه فيقول لهم كل ما أوصيته به. وفيها: وأما ابن الأمة فقد باركت عليه جدًّا جدًّا وسأدخره لأمة عظيمة.
وفي الإنجيل بشارة بالفارقليط في مواضع: يعطيكم فارقليط آخر يكون معكم الدهر كله.
وفيها قول المسيح للحواريين: أنا أذهب وسيأتيكم الفارقليط روح الحق الذي لا يتكلم من قبل نفسه، إنه نذيركم يجمع بين الحق ويخبركم بالأمور المزمعة ويمدحني ويشهد لي. فهذا تفسير {يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ}.
ثم قال: {يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ}. وهو الحق.
{وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الُْنكَرِ} وهو الباطل وإنما سمي الحق معروفًا لأنه معروف الصحة في العقول، وسمي الباطل منكرًا لأنه منكر الصحة في العقول.
ثم قال: {وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّباتِ} يعني ما كانت الجاهلية تحرمه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام.
{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} يعني ما كانوا يستحلونه من لحم الخنزير والدماء.
{وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} فيه تأويلان:
أحدهما: أنه عهدهم الذي كان الله تعالى أخذه على بني إسرائيل.
والثاني: أنه التشديد على بني إٍسرائيل الذي كان في دينهم من تحريم السبت وتحريم الشحوم والعروق وغير ذلك من الأمور الشاقة، قاله قتادة.
{والأَغْلاَلَ التَّي كَانَتْ عَلَيهِمْ} فيها تأويلان:
أحدهما: أنه الميثاق الذي أخذه عليهم فيما حرمه عليهم، قاله ابن أبي طلحة.
والثاني: يعني ما بيَّنه الله تعالى في قوله: {غُلَّتْ أَيْدِيِهِمْ} [المائدة: 64].
{فَالَّذِينَ أَمَنُوا بِهِ وعَزَّرُوهُ...} فيه وجهان:
أحدهما: يعني عظموه، قاله علي بن عيسى.
والثاني: منعوه من أعدائه، قاله أبو جعفر الطبري. ومنه تعزير الجاني لأنه يمنعه من العود إلى مثله.
{وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ} يعني القرآن، آمنوا به من بعده فروى قتادة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: «أَيُّ الخَلْقِ أَعْجَبُ إِلَيكُم إِيمانًا؟» قالوا: الملائكة فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «المَلائِكةُ عِندَ رَبِّهم فَمَا لَهُم لاَ يُؤْمِنُونَ». فقالوا: النبيون، فقال: «يُوحَى إِلَيهِم فَمَا لَهُم لاَ يُؤْمِنُونَ» قالوا: نحن يا نبي الله. فقال: «أَنَا فِيكُم فَمَا لَكُم لاَ تُؤْمِنونَ،» فقالوا: يا نبي الله فمن هم؟ قال: «هُم قَومٌ يَكُونُونَ بَعْدَكُم يَجِدُونَ كِتابًا فِي وَرَقٍ فَيُؤُمِنُونَ بِهِ» فهو معنى قوله: {وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ}. اهـ.