فصل: (سورة الأعراف: الآيات 145- 147)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأعراف: الآيات 145- 147]

{وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (145) سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (147)}.
ذكروا في عدد الألواح وفي جوهرها وطولها أنها كانت عشرة ألواح. وقيل: سبعة. وقيل: لوحين، وأنها كانت من زمرّد جاء بها جبريل عليه السلام. وقيل: من زبر جدة خضراء وياقوتة حمراء. وقيل:
أمر اللّه موسى بقطعها من صخرة صماء لينها له، فقطعها بيده وشقها بأصابعه. وعن الحسن: كانت من خشب نزلت من السماء فيها التوراة، وأن طولها كان عشرة أذرع. وقوله: {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} في محل النصب مفعول {كتبنا}. و{مَوْعِظَةً وتفصيلا} بدل منه. والمعنى: كتبنا له كل شيء كان بنو إسرائيل محتاجين إليه في دينهم من المواعظ وتفصيل الأحكام. وقيل أنزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير، يقرأ الجزإ منه في سنة لم يقرأها إلا أربعة نفر: موسى، ويوشع، وعزير، وعيسى عليهم السلام. وعن مقاتل: كتب في الألواح: إنى أنا اللّه الرحمن الرحيم، لا تشركوا بى شيئا، ولا تقطعوا السبيل، ولا تحلفوا باسمي كاذبين، فإنّ من حلف باسمي كاذبا فلا أزكيه، ولا تقتلوا ولا تزنوا ولا تعقوا الوالدين فَخُذْها فقلنا له: خذها، عطفًا على كتبنا. ويجوز أن يكون بدلا من قوله: {فَخُذْ ما آتَيْتُكَ} والضمير في {فَخُذْها} للألواح، أو {لكل شيء}، لأنه في معنى الأشياء، أو الرسالات، أو للتوراة. ومعنى {بِقُوَّةٍ} بجدّ وعزيمة فعل أولى العزم من الرسل {يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها} أي فيها ما هو حسن وأحسن، كالاقتصاص، والعفو، والانتصار، والصبر. فمرهم أن يحملوا على أنفسهم في الأخذ بما هو أدخل في الحسن وأكثر للثواب، كقوله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} وقيل: يأخذوا بما هو واجب أو ندب، لأنه أحسن من المباح. ويجوز أن يراد: يأخذوا بما أمروا به، دون ما نهوا عنه، على قولك: الصيف أحرّ من الشتاء {سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ} يريد دار فرعون وقومه وهي مصر، كيف أقفرت منهم ودمّروا لفسقهم، لتعتبروا فلا تفسقوا مثل فسقهم فينكل بكم مثل نكالهم. وقيل منازل عاد وثمود والقرون الذين أهلكهم اللّه لفسقهم في ممرّكم عليها في أسفاركم. وقيل: {دار الفاسقين}: نار جهنم. وقرأ الحسن: {سأوريكم} وهي لغة فاشية بالحجاز. يقال: أورنى كذا، وأوريته. ووجهه أن تكون من أوريت الزند، كأن المعنى: بينه لي وأنره لأستبينه.
وقرئ: {سأورثكم}، وهي قراءة حسنة يصححها قوله: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ}. {سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ} بالطبع على قلوب المتكبرين وخذلانهم، فلا يفكرون فيها ولا يعتبرون بها، غفلة وانهما كا فيما يشغلهم عنها من شهواتهم. وعن الفضيل بن عياض: ذكر لنا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «إذا عظمت أمّتى الدنيا نزع عنها هيبة الإسلام، وإذا تركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر حرمت بركة الوحى». وقيل: سأصرفهم عن إبطالها وإن اجتهدوا كما اجتهد فرعون أن يبطل آية موسى، بأن جمع لها السحرة، فأبى اللّه إلا علو الحق وانتكاس الباطل. ويجوز: سأصرفهم عنها وعن الطعن فيها والاستهانة بها. وتسميتها سحرًا بإهلاكهم. وفيه إنذار للمخاطبين من عاقبة الذين يصرفون عن الآيات لتكبرهم وكفرهم بها، لئلا يكونوا مثلهم فيسلك بهم سبيلهم {بِغَيْرِ الْحَقِّ} فيه وجهان: أن يكون حالا بمعنى يتكبرون غير محقين، لأنّ التكبر بالحق للّه وحده. وأن يكون صلة لفعل التكبر، أي يتكبرون بما ليس بحق وما هم عليه من دينهم {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ} من الآيات المنزلة عليهم {لا يُؤْمِنُوا بِها} وقرأ مالك بن دينار: {وإن يروا} بضم الياء. وقرئ: {سبيل الرشد} و{الرشد} و{الرشاد}، كقولهم: السقم والسقم والسقام. وما أسفه من ركب المفازة، فإن رأى طريقًا مستقيما أعرض عنه وتركه، وإن رأى معتسفا مرديا أخذ فيه وسلكه، ففاعل نحو ذلك في دينه أسفه ذلِكَ في محل الرفع أو النصب على معنى: ذلك الصرف بسبب تكذيبهم أو صرفهم اللّه ذلك الصرف بسببه. وَ{لِقاءِ الْآخِرَةِ} يجوز أن يكون من إضافة المصدر إلى المفعول به، أي ولقائهم الآخرة ومشاهدتهم أحوالها، ومن إضافة المصدر إلى الظرف بمعنى: ولقاء ما وعد اللّه في الآخرة.

.[سورة الأعراف: الآيات 148- 149]

{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (149)}.
{مِنْ بَعْدِهِ} من بعد فراقه إياهم إلى الطور. فإن قلت: لم قيل: واتخذ قوم موسى عجلا، والمتخذ هو السامري؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن ينسب الفعل إليهم، لأن رجلا منهم باشره ووجد فيما بين ظهرانيهم، كما يقال: بنو تميم قالوا كذا وفعلوا كذا، والقائل والفاعل واحد، ولأنهم كانوا مريدين لاتخاذه راضين به، فكأنهم أجمعوا عليه. والثاني: أن يراد واتخذوه إلها وعبدوه. وقرئ {مِنْ حُلِيِّهِمْ} بضم الحاء والتشديد، جمع حلى، كثدي وثدىّ، {ومن حليهم}- بالكسر- للإتباع كدلى. {ومن حليهم}، على التوحيد. والحلي: اسم لما يتحسن به من الذهب والفضة. فإن قلت: لم قال: من حليهم، ولم يكن الحلىّ لهم، إنما كانت عوارى في أيديهم؟ قلت:
الإضافة تكون بأدنى ملابسة، وكونها عوارى في أيديهم كفى به ملابسة على أنهم قد ملكوها بعد المهلكين كما ملكوا غيرها من أملاكهم. ألا ترى إلى قوله عزّ وعلا: {فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ}، {جَسَدًا} بدنًا ذا لحم ودم كسائر الأجساد. والخوار: صوت البقر، قال الحسن: إنّ السامري قبض قبضة من تراب من أثر فرس جبريل عليه السلام يوم قطع البحر، فقذفه في فيِّ العجل، فكان عجلاً له خوار. وقرأ علي رضي الله عنه: {جؤار} بالجيم والهمزة، ومن جأر إذا صاح. وانتصاب جسداً على البدل من {عِجْلاً} {أَلَمْ يَرَوْاْ} حين اتخذوه إلها أنه لا يقدر على كلام ولا على هداية سبيل، حتى لا يختاروه على من لو كان البحر مداداً لكلماته لنفد البحر قبل أن تنفد كلماته، وهو الذي هدى الخلق إلى سبل الحقّ ومناهجه بما ركز في العقول من الأدلة، وبما أنزل في كتبه. ثم ابتدأ فقال: {اتخذوه} أي أقدموا على ما أقدموا عليه من الأمر المنكر {وَكَانُواْ ظالمين} واضعين كل شيء في غير موضعه، فلم يكن اتخاذ العجل بدعاً منهم، ولا أوّل مناكيرهم {وَلَمَّا سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ} ولما اشتدّ ندمهم وحسرتهم على عبادة العجل، لأنّ من شأن من اشتدّ ندمه وحسرته أن يعض يده غماً، فتصير يده مسقوطاً فيها، لأن فاه قد وقع فيها. و{سُقِطَ} مسند إلى {فَى أَيْدِيهِمْ} وهو من باب الكناية. وقرأ أبو السميفع: {سقط في أيديهم}، على تسمية الفاعل، أي وقع العض فيها، وقال الزجاج: معناه سقط الندم في أيديهم، أي في قلوبهم وأنفسهم، كما يقال: حصل في يده مكروه، وإن كان محالاً أن يكون في اليد، تشبيهاً لما يحصل في القلب وفي النفس، بما يحصل في اليد ويرى بالعين {وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ} وتبينوا ضلالهم تبيناً كأنهم أبصروه بعيونهم. وقرئ: {لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا}، بالتاء. وربنا، بالنصب على النداء، وهذا كلام التائبين، كما قال آدم وحواء عليهما السلام: وإن لم تغفر لنا وترحمنا.

.[سورة الأعراف: الآيات 150- 151]

{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)}
الأسِف: الشديد الغضب {فَلَمَّا ءاسَفُونَا انتقمنا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55] وقيل: هو الحزين {خَلَفْتُمُونِى} قمتم مقامي وكنتم خلفائي من بعدي. وهذا الخطاب إما أن يكون لعبدة العجل من السامري وأشياعه أو لوجوه بني إسرائيل وهم هارون عليه السلام والمؤمنون معه. ويدلّ عليه قوله: {اخلفنى في قَوْمِى} [الأعراف: 142] والمعنى: بئس ما خلفتموني حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله، أو حيث لم تكفوا من عبد غير الله. فإن قلت: أين ما تقتضيه بئس من الفاعل والمخصوص بالذم؟ قلت: الفاعل مضمر يفسره ما خلفتموني. والمخصوص بالذم محذوف تقديره: بئس خلافة خلفتمونيها من بعد خلافتكم. فإن قلت: أي معنى لقوله: {مِن بَعْدِى} بعد قوله: {خلفتموني}؟ قلت: معناه من بعدما رأيتم مني، من توحيد الله، ونفي الشركاء عنه، وإخلاص العبادة له. أو من بعد ما كنت أحمل بني إسرائيل على التوحيد. وأكفهم عما طمحت نحوه أبصارهم من عبادة البقر، حين قالوا: {اجعل لَّنَا إلها كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ} [الأعراف: 128] ومن حق الخلفاء أن يسيروا بسيرة المستخلف من بعده ولا يخالفوه. ونحوه: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} [الأعراف: 169] أي من بعد أولئك الموصوفين بالصفات الحميدة يقال: عجل عن الأمر إذا تركه غير تام، ونقيضه تم عليه وأعجله عنه غيره، ويضمن معنى سبق فيتعدّى تعديته، فيقال عجلت الأمر، والمعنى أعجلتم عن أمر ربكم، وهو انتظار موسى حافظين لعهده وما وصاكم به، فبنيتم الأمر على أن الميعاد قد بلغ آخره ولن أرجع إليكم فحدَّثتم أنفسكم بموتي، فغيّرتم كما غيرت الأمم بعد أنبيائهم. وروي: أنّ السامري قال لهم- حين أخرج لهم العجل وقال هذا إلهكم وإله موسى-: إنَّ موسى لن يرجع، وإنه قد مات وروي: أنهم عدّوا عشرين يوماً بلياليها فجعلوها أربعين، ثم أحدثوا ما أحدثوا {وَأَلْقَى الالواح} وطرحها لما لحقه من فرط الدهش وشدّة الضجر عند استماعه حديث العجل، غضباً لله وحمية لدينه، وكان في نفسه حديداً شديد الغضب، وكان هارون ألين منه جانباً ولذلك كان أحبّ إلى بني إسرائيل من موسى. وروي: أنّ التوراة كانت سبعة أسباع، فلما ألقى الألواح تكسرت فرفع منها ستة أسباعها وبقي منها سبع واحد، وكان فيما رفع تفصيل كل شيء، وفيما بقي الهدى والرحمة {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ} أي بشعر رأسه {يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} بذؤابته وذلك لشدّة ما ورد عليه من الأمر الذي استفزه وذهب بفطنته، وظناً بأخيه أنه فرط في الكف {ابن أُمَّ} قرئ بالفتح تشبيهاً بخمسة عشر، وبالكسر على طرح ياء الإضافة. (وابن أمي)، وبالياء. (وابن إمِّ)، بكسر الهمزة والميم. وقيل: كان أخاه لأبيه وأمّه، فإن صحّ فإنما أضافه إلى الأم، إشارة إلى أنهما من بطن واحد.
وذلك أدعى إلى العطف والرقة، وأعظم للحق الواجب، ولأنها كانت مؤمنة فاعتدّ بنسبها، ولأنها هي التي قاست فيه المخاوف والشدائد فذكره بحقها {إِنَّ القوم استضعفوني} يعني أنه لم يأل جهداً في كفهم بالوعظ والإنذار. وبما بلغته طاقته من بذل القوة في مضادّتهم حتى قهروه واستضعفوه ولم يبق إلاّ أن يقتلوه {يَقْتُلُونَنِى فَلاَ تُشْمِتْ بِىَ الاعداء} فلا تفعل بي ما هو أمنيتهم من الاستهانة بي والإساءة إليّ، وقرئ: {فلا يشمت بي الأعداء}، على نهي الأعداء عن الشماتة. والمراد أن لا يحل به ما يشمتون به لأجله {وَلاَ تَجْعَلْنِى مَعَ القوم الظالمين} ولا تجعلني في موجدتك عليّ وعقوبتك لي قريناً لهم وصاحباً. أو ولا تعتقد أني واحد من الظالمين مع براءتي منهم ومن ظلمهم. لما اعتذر إليه أخوه وذكر له شماتة الأعداء {قَالَ رَبّ اغفر لِى وَلأخِى} ليرضي أخاه ويظهر لأهل الشماتة رضاه عنه فلا تتم لهم شماتتهم، واستغفر لنفسه مما فرط منه إلى أخيه، ولأخيه أن عسى فرط في حسن الخلافة. وطلب أن لا يتفرقا عن رحمته، ولا تزال منتظمة لهما في الدنيا والآخرة.

.[سورة الأعراف: آية 152]

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152)}.
{غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ} الغضب ما أمروا به من قتل أنفسهم. والذلة: خروجهم من ديارهم لأنّ ذل الغربة مثل مضروب. وقيل: هو ما نال أبناءهم وهم بنو قريظة والنضير، من غضب اللّه تعالى بالقتل والجلاء، ومن الذلة بضرب الجزية {الْمُفْتَرِينَ} المتكذبين على اللّه، ولا فرية أعظم من قول السامري: هذا إلهكم وإله موسى. ويجوز أن يتعلق في الحياة الدنيا بالذلة وحدها ويراد: سينالهم غضب في الآخرة، وذلة في الحياة الدنيا، وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من اللّه.

.[سورة الأعراف: آية 153]

{وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)}.
{وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ} من الكفر والمعاصي كلها {ثُمَّ تابُوا} ثم رجعوا {مِنْ بَعْدِها} إلى اللّه واعتذروا إليه وَآمَنُوا وأخلصوا الإيمان {إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها} من بعد تلك العظائم {لَغَفُورٌ} لستور عليهم محاء لما كان منهم {رَحِيمٌ} منعم عليهم بالجنة. وهذا حكم عام يدخل تحته متخذو العجل ومن عداهم. عظم جنايتهم أولا ثم أردفها تعظيم رحمته، ليعلم أن الذنوب وإن جلت وعظمت فإن عفوه وكرمه أعظم وأجل، ولكن لابد من حفظ الشريطة: وهي وجوب التوبة والإنابة، وما وراءه طمع فارغ وأشعبية باردة، لا يلتفت إليها حازم.