فصل: (سورة الأعراف: آية 154)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأعراف: آية 154]

{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)}.
{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} هذا مثل، كأن الغضب كان يغريه على ما فعل ويقول له: قل لقومك كذا وألق الألواح، وجرّ برأس أخيك إليك، فترك النطق بذلك وقطع الإغراء، ولم يستحسن هذه الكلمة ولم يستفصحها كل ذى طبع سليم وذوق صحيح إلا لذلك، ولأنه من قبيل شعب البلاغة. وإلا فما لقراءة معاوية بن قرة: {ولما سكن عن موسى الغضب}، لا تجد النفس عندها شيئًا من تلك الهمزة، وطرفا من تلك الروعة. وقرئ: {ولما سكت}. و{أسكت}: أي أسكته اللّه، أو أخوه باعتذاره إليه وتنصله، والمعنى: ولما طفئ غضبه {أَخَذَ الْأَلْواحَ} التي ألقاها {وَفِي نُسْخَتِها} وفيما نسخ منها، أي كتب. والنسخة فعلة بمعنى مفعول كالخطبة {لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} دخلت اللام لتقدم المفعول، لأن تأخر الفعل عن مفعوله يكسبه ضعفًا. ونحوه {لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ} وتقول: لك ضربت.

.[سورة الأعراف: الآيات 155- 157]

{وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)}.
{وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ} أي من قومه، فحذف الجار وأوصل الفعل، كقوله:
ومنّا الذي اختير الرّجال سماحة

قيل اختار من اثنى عشر سبطا، من كل سبط ستة حتى تناموا اثنين وسبعين، فقال: ليتخلف منكم رجلان، فتشاحوا، فقال: إن لمن قعد منكم مثل أجر من خرج، فقعد كالب ويوشع.
وروى أنه لم يصب إلا ستين شيخنا، فأوحى اللّه تعالى إليه أن تختار من الشبان عشرة، فاختارهم فأصبحوا شيوخا. وقيل: كانوا أبناء ما عدا العشرين، ولم يتجاوزوا الأربعين، قد ذهب عنهم الجهل والصبا، فأمرهم موسى أن يصوموا ويتطهروا ويطهروا ثيابهم، ثم خرج بهم إلى طور سينا لميفات ربه، وكان أمره ربه أن يأتيه في سبعين من بنى إسرائيل، فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله، ودنا موسى ودخل فيه وقال للقوم: ادنوا، فدنوا، حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجدا، فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه: افعل، ولا تفعل.
ثم انكشف الغمام فأقبلوا إليه، فطلبوا الرؤية فوعظهم وزجرهم وأنكر عليهم، فقالوا: يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة. فقال: رب أرنى أنظر إليك، يريد: أن يسمعوا الردّ والإنكار من جهته، فأجيب بلن تراني، ورجف بهم الجبل فصعقوا. ولما كانت الرجعة قالَ موسى {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ} وهذا تمنّ منه للإهلاك قبل أن يرى ما رأى من تبعة طلب الرؤية، كما يقول النادم على الأمر إذا رأى سوء المغبة: لو شاء اللّه لأهلكنى قبل هذا {أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا} يعنى أتهلكنا جميعًا. يعنى نفسه وإياهم، لأنه إنما طلب الرؤية زجرًا للسفهاء، وهم طلبوها سفها وجهلا {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} أي محنتك وابتلاؤك حين كلمتنى وسمعوا كلامك، فاستدلوا بالكلام على الرؤية استدلالا فاسدًا، حتى افتتنوا وضلوا {تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ} تضلّ بالمحنة الجاهلين غير الثابتين في معرفتك، وتهدى العالمين بك الثابتين بالقول الثابت. وجعل ذلك إضلالا من اللّه وهدى منه، لأن محنته لما كانت سببًا لأن ضلوا واهتدوا فكأنه أضلهم بها وهداهم على الاتساع في الكلام {أَنْتَ وَلِيُّنا} مولانا القائم بأمورنا {وَاكْتُبْ لَنا} وأثبت لنا واقسم {فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً عافية} وحياة طيبة وتوفيقًا في الطاعة {وَفِي الْآخِرَةِ} الجنة {هُدْنا إِلَيْكَ} تبنا إليك. وهاد اليه يهود إذا رجع وتاب. والهود: جمع هائد، وهو التائب. ولبعضهم:
يا راكب الذّنب هدهد ** واسجد كأنّك هدهد

وقرأ أبو وجرة السعدي: {هدنا إليك}، بكسر الهاء، من هاده يهيده إذا حرّكه وأماله. ويحتمل أمرين، ان يكون مبنيا للفاعل والمفعول بمعنى حركنا إليك أنفسنا وأملناها أو حرّكنا إليك وأملنا على تقدير: فعلنا، كقولك: عدت يا مريض بكسر العين، فعلت من العيادة. ويجوز: عدت بالإشمام.
وعدت، بإخلاص الضمة فيمن قال: عود المريض. وقول القول. ويجوز على هذه اللغة أن يكون {هُدْنا} بالضم فعلنا من هاده يهيده {عَذابِي} من حاله وصفته أنى {أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ} أي من وجب علىّ في الحكمة تعذيبه، ولم يكن في العفو عنه مساغ لكونه مفسدة. وأمّا {رَحْمَتِي} فمن حالها وصفتها أنها واسعة تبلغ كل شيء، ما من مسلم ولا كافر ولا مطيع ولا عاص إلا وهو متقلب في نعمتي. وقرأ الحسن: {من أساء}، من الإساءة. فسأكتب هذه الرحمة كتبة خاصة منكم يا بنى إسرائيل للذين يكونون في آخر الزمان من أمّة محمد صلى اللّه عليه وسلم، الذين هم بجميع آياتنا وكتبنا يؤمنون، لا يكافرون بشيء منها {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ} الذي نوحى إليه كتابًا مختصًا به وهو القرآن {النَّبِيَّ} صاحب المعجزات {الَّذِي يَجِدُونَهُ} يجد نعته أولئك الذين يتبعونه من بنى إسرائيل {مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيل...... وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ} ما حرّم عليهم من الأشياء الطيبة، كالشحوم وغيرها. أو ما طاب في الشريعة والحكم، مما ذكر اسم اللّه عليه من الذبائح، وما خلى كسبه من السحت {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ} ما يستخبث من نحو الدم والميتة ولحم الخنزير، وما أهلّ لغير اللّه به أو ما خبث في الحكم، كالربا والرشوة وغيرهما من المكاسب الخبيئة. الإصر: الثقل الذي يأصر صاحبه، أي يحبسه من الحراك لثقله أو واتبعوا القرآن كما اتبعه مصاحبين له في اتباعه. فإن قلت: كيف انطبق هذا الجواب على قول موسى عليه السلام ودعائه؟ قلت: لما دعا لنفسه ولبنى إسرائيل، أجيب بما هو منطو على توبيخ بنى إسرائيل على استجازتهم الرؤية على اللّه تعالى وعلى كفرهم بآيات اللّه العظام التي أجراها على يد موسى، وعرّض بذلك في قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ} وأريد أن يكون استماع أوصاف أعقابهم الذين آمنوا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وما جاء به كعبد اللّه بن سلام وغيره من أهل الكتابين، لطفًا لهم وترغيبًا في إخلاص الإيمان والعمل الصالح، وفي أن يحشروا معهم ولا يفرّق بينهم وبين أعقابهم عن رحمة اللّه التي وسعت كل شيء.

.[سورة الأعراف: آية 158]

{قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)}.
{إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} قيل: بعث كل رسول إلى قومه خاصة وبعث محمد صلى اللّه عليه وسلم إلى كافة الإنس وكافة الجن. وجميعًا: نصب على الحال من إليكم. فإن قلت: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} ما محله؟ قلت: الأحسن أن يكون منتصبًا بإضمار أعنى، وهو الذي يسمى النصب على المدح. ويجوز أن يكون جرا على الوصف، وإن حيل بين الصفة والموصوف بقوله: {إليكم}. {إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} وقوله: {لا إِلهَ إِلَّا هُوَ} بدل من الصلة التي هي له ملك غير اللّه. فإن قلت: أين ما تقتضيه {بئس} من الفاعل والمخصوص بالذم؟ قلت: الفاعل مضمر يفسره {ما خلفتموني}. والمخصوص بالذم محذوف تقديره: بئس خلافة خلفتمونيها من بعد خلافتكم. فإن قلت: أي معنى لقوله: {مِنْ بَعْدِي} بعد قوله: {خَلَفْتُمُونِي}؟ قلت: معناه من بعد ما رأيتم منى، من توحيد اللّه، ونفى الشركاء عنه، وإخلاص العبادة له. أو من بعد ما كنت أحمل بنى إسرائيل على التوحيد، وأكفهم عما طمحت نحوه أبصارهم من عبادة البقر، حين قالوا: {اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ} ومن حق الخلفاء أن يسيروا بسيرة المستخلف من بعده ولا يخالفوه. ونحوه {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} أي من بعد أولئك الموصوفين بالصفات الحميدة يقال: عجل عن الأمر إذا تركه غير تام، ونقيضه تم عليه وأعجله عنه غيره، ويضمن معنى سبق فيعدّى تعديته، فيقال عجلت الأمر، والمعنى أعجلتم عن أمر ربكم، وهو انتظار موسى حافظين لعهده وما وصاكم به، فبنيتم الأمر على أن الميعاد قد بلغ آخره ولم أرجع إليكم، فحدَّثتم أنفسكم بموتى، فغيرتم كما غيرت الأمم بعد أنبيائهم. وروى أنّ السامري قال لهم- حين أخرج لهم العجل وقال هذا إلهكم وإله موسى-: إن موسى لن يرجع، وإنه قد مات وروى أنهم عدّوا عشرين يوما بلياليها فجعلوها أربعين، ثم أحدثوا ما أحدثوا وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وطرحها لما لحقه من فرط الدهش وشدّة الضجر عند استماعه حديث العجل، غضبا للّه وحمية لدينه، وكان في نفسه حديداً شديد الغضب، وكان هارون ألين منه جانبا ولذلك كان أحب إلى بنى إسرائيل من موسى.
وروى أن التوراة كانت سبعة أسباع، فلما ألقى الألواح تكسرت فرفع منها ستة أسباعها وبقي منها سبع واحد، وكان فيما رفع تفصيل كل شيء وفيما بقي الهدى والرحمة {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ} أي بشعر رأسه {يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} بذؤابته، وذلك لشدّة ما ورد عليه من الأمر الذي استفزه وذهب بفطنته، وظنا بأخيه أنه فرط في الكف {ابْنَ أُمَّ} قرئ بالفتح تشبيها بخمسة عشر، وبالكسر على طرح ياء الإضافة. {وابن أمي}، بالياء. و{ابن إمِّ} بكسر الهمزة والميم. وقيل: كان أخاه لأبيه وأمّه، فإن صح فإنما أضافه إلى الأم، إشارة إلى أنهما من بطن واحد. وذلك أدعى إلى العطف والرقة، وأعظم للحق الواجب، ولأنها كانت مؤمنة فاعتدّ بنسبها، ولأنها هي التي قاست فيه المخاوف والشدائد فذكره بحقها {إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي} يعنى أنه لم يأل جهدا في كفهم بالوعظ والإنذار. وبما بلغته طاقته من بذل القوة في مضادّتهم حتى قهروه واستضعفوه ولم يبق إلا أن يقتلوه {فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ} فلا تفعل بى ما هو أمنيتهم من الاستهانة بى والإساءة إلىّ، وقرئ {فلا يشمت بى الأعداء} على نهى الأعداء عن الشماتة. والمراد أن لا يحل به ما يشمتون به لأجله {وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} ولا تجعلني في موجدتك علىّ وعقوبتك لي قرينا لهم وصاحبا. أو ولا تعتقد أنى واحد من الظالمين مع براءتي منهم ومن ظلمهم. لما اعتذر إليه أخوه وذكر له شماتة الأعداء قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي} ليرضى أخاه ويظهر لأهل الشماتة رضاه عنه فلا تتم لهم شماتتهم، واستغفر لنفسه مما فرط منه إلى أخيه، ولأخيه أن عسى فرط في حسن الخلافة. وطلب أن لا يتفرقا عن رحمته، ولا تزال منتظمة لهما في الدنيا والآخرة. اهـ.

.قال ابن جزي في الآيات السابقة:

{واتخذ قَوْمُ موسى} هم بنو إسرائيل {مِن بَعْدِهِ} أي من بعد غيبته في الطور {مِنْ حُلِيِّهِمْ} بضم الحال والتشديد جمع حلى نحو ثدي وثدي، وقرئ بكسر الحاء للإتباع وقرئ بفتح الحاء وإسكان اللام، والحلي هو اسم ما يتزين به من الذهب والفضة {جَسَدًا} أي جسمًا دون روح، وانتصابه على البدل {لَّهُ خُوَارٌ} الخوار هو: صوت البقر، وكان السامري قد قبض قبضة من تراب أثر فرس جبريل يوم قطع البحر، فقذفه في العجل فصار له خوار، وقيل: كان إبليس يدخل في جوف العجل فيصيح فيه فيسمع له خوار {أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ} ردّ عليهم، وإبطال لمذهبهم الفاسد في عبادته {اتخذوه} أي اتخذوه إلهًا، فحذف لمفعول الثاني للعلم به، وكذلك حذف من قوله: {واتخذ قوم موسى} {سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ} أي ندموا يقال: سقط في يد فلان إذا عجز عما يريد أو وقع فيما يكره {أَسِفًا} شديد الحزن على ما فعلوه، وقيل: شديد الغضب كقوله: {فَلَمَّا آسَفُونَا ا} [الزخرف: 55] {بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي} أي قمتم مقامي، وفاعل بئس مضمر يفسره ما واسم المذموم محذوف، والمخاطب بذلك أما القوم الذين عبدوا العجل مع السامري حيث عبدوا غير الله في غيبة موسى عنهم، أو رؤساء بني إسرائيل كهارون عليه السلام، حيث لم يكفوا الذين عبدوا العجل: {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} معناه: أعجلتم عن أمر ربكم، وهو انتظار موسى حتى يرجع من الطور، فإنهم لما رأوا أنّ الأمر قد تم ظنوا أن موسى عليه السلام قد مات فعبدوا العجل: {وَأَلْقَى الألواح} طرحها لما لحقه من الدهش والضجر غضبًا لله من عبادة العجل: {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ} أي شعر رأسه {يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} لأنه ظن أنه فرَّط في كف الذين عبدوا العجل: {ابن أُمَّ} كان هارون شقيق موسى، وإنما دعاه بأمّه، لأنه أدعى إلى العطف والحنوّ، وقرئ {ابن أم} بالكسر على الإضافة إلى ياء المتكلم، وحذفت الياء بالفتح تشبيهًا بخمسة عشر جعَل الاسمان اسما واحدًا فبنى {وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ القوم الظالمين} أي لا تظن أني منهم أو لا تجد عليَّ في نفسك ما تجدُ عليهم يعني أصحاب العجل: {غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ} أي: غضب في الآخرة وذلة في الدنيا {وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى الغضب} أي سكن، وكذلك قرأ بعضهم، وقال الزمخشري: قوله: سكت مثل كأن الغضب كان يقول له ألق الألواح وجُرّ برأس أخيك، ثم سكت عن ذلك {وَفِي نُسْخَتِهَا} أي فيما ينسخ منها، والنسخة فعلة بمعنى مفعول {لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} أي يخافون، ودخلت اللام لتقدّم المفعول كقوله: {لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43]، وقال المبرِّد: تتعلق بمصدر تقديره رهبتهم لربهم.