فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والجواب الثاني أن السيف إذا كان لطلب الحق كان خيرا واللطف إذا كان مع إقرار الباطل كان شرا لأن الشرع موضوع لإقرار الفضائل الإلهية والحقوق الدينية ولذلك جاء الشرع بالقتل والحدود ليستقر به الخير وينتفي به الشر لأن النفوس الأشرة لا يكفها إلا الرهبة فكان القهر لها أبلغ في انقيادها من الرغبة وكانت العرب أكثر الناس شرا وعتوا لكثرة عددهم وقوة شجاعتهم فلذلك كان السيف فيهم أنفع من اللطف.
والجواب الثالث أنه لم يكن في جهاده بالسيف بدعا من الرسل ولا أول من أثخن في أعداء الله تعالى.
وقبل هذا إبراهيم عليه السلام جاهد الملوك الأربعة الذين ساروا إلى بلاد الجزيرة للغارة على أهلها وحاربهم حتى هزمهم بأحزابه وأتباعه.
وهذا يوشع بن نون قتل نيفا وثلاثين ملكا من ملوك الشام وأباد من مدنها ما لم يبق له أثر ولا من أهلها صافر من غير أن يدعوهم إلى دين أو يطلب منهم أتاوة وساق الغنائم.
وغزا داود من بلاد الشام ما لم يدع فيها رجلا ولا امرأة إلا قتلهم وهو موجود في كتبهم.
ومحمد صلى الله عليه وسلم بدأ بالاستدعاء وحارب بعد الآباء.
روى ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا من مظلمة ظلمها قط ما لم ينتهك من محارم الله تعالى شيء فإذا انتهك من محارم الله تعالى شيء كان أشدهم في ذلك غضبا وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن مأثما وقد كان صلى الله عليه وسلم أحث الناس على الصفح والتعاطف روى أسيد بن عبد الرحمن عن فروة بن مجاهد عن عقبة بن عامر قال لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي يا عقبة صل من قعطعك وأعط من حرمك واعف عمن ظلمك فهل يكون أحنى على الخلق ممن يأمرهم بمثل هذا وإنما تطلبت الملحدة بمثل هذا الاعتراض القدم في النبوات فإنهم لم يعفوا نبيا من القدح في معجزاته والطعن على سيرته حتى قال منهم في عصرنا ما طعن به على موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم عليهم بشعر نظمه فقال:
وفالق البحر لم يفلق جوانبه ** إذ ضاع فيه ضياع الحر في السفل

ومدع يدعي الأشياء خلقته ** ما باله زال والأشياء لم تزل

وآخر يدعي بالسيف حجته ** هل حجة السيف إلا حجة البطل

فحضرني حين وردت هذه الأبيات إلي بعض أهل العلم فأجاب عنها فقال:
قل للذي جاء بالتكذيب للرسل ** ورد معجزهم بالزيغ والدغل

وقال في ذاك أبياتا مزخرفة ** ليوقع الناس في شك من الملل

ضياع موسى دليل من أدلته ** من بعد ما صار فرق البحر كالجبل

ليعلم الناس أن الله فالقه ** وأن موسى ضعيف تاه في السبل

والمعجز الحق في فلق المياه له ** وجعله البر ما يحتاط بالحيل

وابن البتول فإن الله نزهه ** عما ذكرت من الدعوى على الجمل

ما كان منه سوى طير يقدره ** طينا وربي أحياه ولم يزل

وقال إني بإذن الله فاعله ** وإذن ربي يحيي الخلق لا عملي

وصاحب السيف كان السيف حجته ** بعد البيان عن الإعجاز والمثل

وجاء مبتديا بالنصح مجتهدا ** بمعجزات لها حارت أولو النحل

منها كتاب مبين نظمه عجب ** فيه من الغيب ما أوحى إلى الرسل

فأفحم الشعراء المفلقين به ** لما تحداهم بالرفق في مهل

وأنبع الماء عذبا من أنامله ** من غير صخرة كانت ولا وشل

وشارف القوم وافاه وكلمه ** وقال أنى من قتلي على وجل

والذئب قد أخبر الراعي بمبعثه ** فجاء يشهد في الإسلام في عجل

والجذع حن إليه حين فارقه ** حنين ذات جؤار ساعة الهبل

وأخبر الناس عما في ضمائرهم ** مفصلا بجواب غير محتمل

ونبأ الروم من نصر يكون لها ** من بعد سبعة أعوام على جدل

والفرس أخبرها عن قتل صاحبها ** برويز إذ جاءه فيروز في شغل

وإن تقصيت ما جاء النبي به ** طال النشيد ولم آمن من الملل

. اهـ.

.التفسير المأثور:

{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}.
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس في قوله: {واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة} قال: فلم يعطها موسى {قال عذابي أصيب به من أشاء} إلى قوله: {المفلحون}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة} قال: فكتب الرحمة يومئذ لهذه الأمة.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جرير {واكتب لها في هذه الدنيا حسنه} قال: مغفرة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عن ابن عباس في قوله: {إنا هدنا إليك} قال: تبنا إليك.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير في قوله: {إنا هدنا إليك} قال: تبنا.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي وجزة السعدي وكان من أعلم الناس بالعربية قال: لا والله لا أعلمها في كلام أحد من العرب {هدنا} قيل: فكيف قال: هدنا بكسر الهاء؟ يقول: ملنا.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن وقتادة في قوله: {ورحمتي وسعت كل شيء} قالا: وسعت في الدنيا البر والفاجر، وهي يوم القيامة للذين اتقوا خاصة.
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء في قوله: {ورحمتي وسعت كل شيء} قال: رحمته في الدنيا على خلقه كلهم يتقلبون فيها.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سماك بن الفضل. أنه ذكر عنده أي شيء أعظم، فذكروا السموات والأرض وهو ساكت فقالوا: ما تقول يا أبا الفضل؟ فقال: ما من شيء أعظم من رحمته، قال الله تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء}.
وأخرج أحمد وأبو داود عن جندب بن عبد الله البجلي قال: جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم عقلها، ثم صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نادى: اللهمَّ ارحمني ومحمدًا ولا تشرك في رحمتنا أحدًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد حظرت رحمة واسعة، أن الله خلق مائة رحمة، فأنزل رحمة يتعاطف بها الخلق جنّها وإنسها وبهائمها، وعنده تسعة وتسعون».
وأخرج أحمد ومسلم عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله مائة رحمة، فمنها رحمة يتراحم بها الخلق، وبها تعطف الوحوش على أولادها، وأخر تسع وتسعون إلى يوم القيامة».
وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان موقوفًا وابن مردويه عن سلمان قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أن الله خلق مائة رحمة يوم خلق السموات والأرض، كل رحمة منها طباق ما بين السماء والأرض، فأهبط منها رحمة إلى الأرض، فيها تراحم الخلائق، وبها تعطف الوالدة على ولدها، وبها يشرب الطير والوحوش من الماء، وبها تعيش الخلائق، فإذا كان يوم القيامة انتزعها من خلقه ثم أفاضها على المتقين، وزاد تسعًا وتسعين رحمة، ثم قرأ {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون}».
وأخرج الطبراني عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الفاجر في دينه، الأحمق في معيشته، والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الذي قد محشته النار بذنبه، والذي نفسي بيده ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه».
وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده وأبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «افتخرت الجنة والنار، فقالت النار: يا رب، يدخلني الجبابرة والملوك والأشراف. وقالت الجنة: يا رب، يدخلني الفقراء والضعفاء والمساكين. فقال الله للنار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء، وقال للجنة: أنت رحمتي وسعت كل شيء، ولكل واحدة منكما ملؤها».
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي بكر الهذلي قال: لما نزلت: {ورحمتي وسعت كل شيء} قال إبليس: يا رب، وأنا من الشيء. فنزلت: {فسأكتبها للذين يتقون...} الآية. فنزعها الله من إبليس.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال: لما نزلت: {ورحمتي وسعت كل شيء} قال: إبليس: وأنا من الشيء. فنسخها الله، فأنزل {فسأكتبها للذين يتقون} إلى آخر الآية.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج قال: لما نزلت: {ورحمتي وسعت كل شيء} قال: إبليس: أنا من كل شيء. قال الله: {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة} قالت يهود: فنحن نتقي ونؤتي الزكاة. قال الله: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي} فعزلها الله عن إبليس وعن اليهود، وجعلها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة نحوه.
وأخرج البيهقي في الشعب عن سفيان بن عيينة قال: لما نزلت هذه الآية: {ورحمتي وسعت كل شيء} مد إبليس عنقه فقال: أنا من الشيء. فنزلت: {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} فمدت اليهود والنصارى أعناقها فقالوا: نحن نؤمن بالتوراة والإِنجيل، ونؤدي الزكاة. فاختلسها الله من إبليس واليهود والنصارى، فجعلها لهذه الأمة خاصة فقال: {الذين يتبعون...} الآية.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبزار في مسنده وابن مردويه عن ابن عباس قال: سأل موسى ربه مسألة فأعطاها محمدًا صلى الله عليه وسلم. قوله: {واختار موسى قومه} إلى قوله: {فسأكتبها للذين يتقون} فأعطى محمدًا صلى الله عليه وسلم كل شيء. سأل موسى ربه في هذه الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فسأكتبها للذين يتقون} قال: كتبها الله لهذه الأمة.
وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال: دعا موسى فبعث الله سبعين، فجعل دعاءه حين دعاه آمن بمحمد، واتبعه قوله: {فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين... فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين يتبعون محمدًا}.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {فسأكتبها للذين يتقون} قال يتقون الشرك.
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير {فسأكتبها للذين يتقون} قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال موسى: يا ليتني أخرت في أمة محمد. فقالت اليهود لموسى: أيخلق ربك خلقًا ثم يعذبهم؟ فأوحى الله إليه: يا موسى ارزع. قال: قد زرعت. قال: أحصد. قال: قد حصدت. قال: دس. قال: قد دست. قال: ذر. قال: قد ذريت. قال: فما بقي؟ قال: ما بقي شيء فيه خير. قال: كذلك لا أعذب من خلقي إلا من لا خير فيه.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. أنه سئل عن أبي بكر وعمر فقال: إنهما من السبعين الذين سألهم موسى بن عمران فاخرًا حتى أعطيهما محمدًا صلى الله عليه وسلم. قال: وتلا هذه الآية: {واختار موسى قومه سبعين رجلًا لميقاتنا...} الآية.
وأخرج ابن مردويه عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم الجمعة نزل جبريل عليه السلام إلى المسجد الحرام، فركز لواءه بالمسجد الحرام وغدا بسائر الملائكة إلى المساجد التي يجمع فيها يوم الجمعة، فركزوا ألويتهم وراياتهم بأبواب المساجد، ثم نشروا قراطيس من فضة وأقلامًا من ذهب، ثم كتبوا الأول فالأول من بكَّر إلى الجمعة، فإذا بلغ من في المسجد سبعين رجلًا قد بكروا طووا القراطيس، فكان أولئك السبعون كالذين اختارهم موسى من قومه، والذين اختارهم موسى من قومه كانوا أنبياء».