فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال أيضا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني، فلم يؤمن بي، لم يدخل الجنة».
وهذا الحديث في صحيح مسلم من وجه آخر، عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لا يسمع بي رجل من هذه الأمة: يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار».
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا أبو يونس- وهو سليم بن جبير- عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي أو نصراني، ثم يموت ولا يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار». تفرد به أحمد.
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بُرْدَة، عن أبي موسى، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت خمسًا: بعثت إلى الأحمر والأسود، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لمن كان قبلي، ونصرت بالرعب شهرًا وأعطيت الشفاعة- وليس من نبي إلا وقد سأل الشفاعة، وإني قد اختبأت شفاعتي، ثم جعلتها لمن مات من أمتي لم يشرك بالله شيئا».
وهذا أيضا إسناد صحيح، ولم أرهم خرجوه، والله أعلم، وهذا الحديث ثابت في الصحيحين أيضا، من حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الناس عامة».
وقوله: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ} صفة الله تعالى، في قوله (9) {رَسُولُ اللَّهِ} أي: الذي أرسلني هو خالق كل شيء وربه ومليكه، الذي بيده الملك والإحياء والإماتة، وله الحكم.
وقوله: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأمِّيِّ} أخبرهم أنه رسول الله إليهم، ثم أمرهم باتباعه والإيمان به، {النَّبِيِّ الأمِّيِّ} أي: الذي وعدتم به وبشرتم به في الكتب المتقدمة، فإنه منعوت بذلك في كتبهم؛ ولهذا قال: {النَّبِيِّ الأمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ} أي: يصدق قوله عمله، وهو يؤمن بما أنزل إليه من ربه {وَاتَّبِعُوهُ} أي: اسلكوا طريقه واقتفوا أثره، {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} أي: إلى الصراط المستقيم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت}.
لما ذكر تعالى لموسى عليه السلام صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأخبر أن من أدركه وآمن به أفلح أمر تعالى نبيه بإشهار دعوته ورسالته إلى الناس كافة والدعاء إلى الإيمان بالله ورسوله وكلماته واتباعه ودعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عامّة للإنس والجنّ قاله الحسن، وتقتضيه الأحاديث و{الذي} في موضع نصب على المدح أو رفع وأجاز الزمخشري أن يكون مجرورًا صفة لله قال وإنْ حيل بين الصفة والموصوف بقوله: {إليكم}، وقال أبو البقاء: ويبعد أن يكون صفةً لله أو بدلًا منه لما فيه من الفصل بينهما بإليكم وبالحال وإليكم متعلّق برسول وجميعًا حال من ضمير {إليكم} وهذا الوصف يقتضي الإذعان والانقياد لمن أرسله إذ له الملك فهو المتصرف بما يريد وفي حصر الإلهية له نفي الشركة لأن من كان له ملك هذا العالم لا يمكن أن يشركه أحد فهو المختص بالإلهية وذكر الإحياء والإماتة إذ هما وصفان لا يقدر عليهما إلا الله وهما إشارة إلى الإيجاد لكلّ شيء يريده الإعدام والأحسن أن تكون هذه جملًا مستقلة من حيث الإعراب وإن كانت متعلقًا بعضها ببعض من حيث المعنى.
وقال الزمخشري: {لا إله إلا هو} بدل من الصلة التي هي {له ملك السموات والأرض} وكذلك {يحيي ويميت} وفي {لا إله إلا هو} بيان للجملة قبلها لأن من ملك العالم كان هو الإله على الحقيقة وفي {يحيي ويميت} بيان لاختصاصه بالإلهية لأنه لا يقدر على الإحياء والإماتة غيره انتهى، وإبدال الجمل من الجمل غير المشتركة في عامل لا نعرفه، وقال الحوفي: {يحيي ويميت} في موضع الخبر لأن {لا إله} في موضع رفع بالابتداء {وإلا هو} بدل على الموضع قال: والجملة أيضًا في موضع الحال من اسم الله تعالى انتهى، يعني من ضمير اسم الله وهذا إعراب متكلف.
{فآمنوا بالله ورسوله النبي الأميّ الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون}.
لما ذكر أنه رسول الله أمرهم بالإيمان بالله وبه عدل عن ضمير المتكلم إلى الظاهر وهو الالتفات لما في ذلك من البلاغة بأنه هو النبي السابق ذكره في قوله: {الذين يتبعون الرسول النبي الأميّ} وأنه هو المأمور باتباعه الموجود بالأوصاف السابقة والظاهر أن كلماته هي الكتب الإلهية التي أنزلت على من تقدمه وعليه ولما كان الإيمان بالله هو الأصل يتفرع عنه الإيمان بالرسول والنبي بدأ به ثم أتبعه بالإيمان بالرسول ثم أتبع ذلك بالإشارة إلى المعجز الدّال على نبوّته وهو كونه أمّيًّا وظهر عنه من المعجزات في ذاته ما ظهر من القرآن الجامع لعلوم الأوّلين والآخرين مع نشأته في بلد عار من أهل العلم لم يقرأ كتابًا ولم يخطّ ولم يصحب عالمًا ولا غاب عن مكة غيبة تقتضي تعلمًا.
وقيل: و{كلماته} المعجزات التي ظهرت من خارج ذاته مثل انشقاق القمر ونبع الماء من بين أصابعه وهي تسمى بكلمات الله لما كانت أمورًا خارقة غريبة كما سمّي عيسى عليه السلام لما كان حدوثه أمرًا غريبًا خارقًا كلمة، وقرأ مجاهد وعيسى: وكلمة وحد وأراد به الجمع نحو أصدق كلمة قالتها العرب قول لبيد وقد يقولون للقصيدة كلمة وكلمة فلان، وقال مجاهد والسدّي: المراد بكلماته وكلمته أي بعيسى لقوله: {وكلمته ألقاها إلى مريم}، وقيل: كلمة كن التي تكون بها عيسى وسائر الموجودات، وقرأ الأعمش: الذي يؤمن بالله وآياته بدل كلماته ولما أمروا بالإيمان بالله ورسوله وذلك هو الاعتقاد أمروا بالاتباع له فيما جاء به وهو لفظ يدخل تحته جميع التزامات الشريعة وعلق رجاء الهداية باتباعه. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قُلْ يا أيها الناس إِنّى رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ}.
لما حُكي ما في الكتابين من نعوت رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وشرف مَنْ يتّبعه من أهلهما ونيلِهم لسعادة الدارين أُمر عليه الصلاة والسلام ببيان أن تلكَ السعادةَ غيرُ مختصةٍ بهم بل شاملةٌ لكل من يتبعه كائنًا مَنْ كان ببيان عمومِ رسالتِه للثقلين مع اختصاص رسالةِ سائرِ الرسلِ عليهم السلام بأقوامهم وإرسالِ موسى عليه السلام إلى فرعونَ وملئِه بالآيات التسعِ إنما كان لأمرهم بعبادة ربِّ العالمين عز سلطانُه وتركِ العظيمةِ التي كان يدّعيها الطاغيةُ ويقبلها منه فئتُه الباغيةُ وبإرسال بني إسرائيلَ من الأسر والقسرِ، وأما العملُ بأحكام التوراةِ فمختصٌّ ببني إسرائيل {جَمِيعًا} حالٌ من الضمير في إليكم {الذى لَهُ مُلْكُ السموات والأرض} منصوبٌ أو مرفوعٌ على المدح أو مجرورٌ على أنه صفةٌ للجلالة وإن حيل بينهما بما هو متعلقٌ بما أضيف إليه فإنه في حكم المتقدّمِ عليه وقوله تعالى: {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} بيانٌ لما قبله فإن مَنْ ملَك العالمَ كان هو الإله لا غيرُه وقوله تعالى: {يُحْيِي وَيُمِيتُ} لزيادة ألوهيتِه والفاءُ في قوله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ} لتفريع الأمرِ على ما تمهّد وتقرّر من رسالته عليه الصلاة والسلام، وإيرادُ نفسِه عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالةِ على طريقة الالتفاتِ إلى الغَيْبة للمبالغة في إيجاب الامتثالِ بأمره، وصفُ الرسول بقوله: {النبي الأمى} لمدحه عليه الصلاة والسلام بهما ولزيادة تقريرِ أمرِه وتحقيقِ أنه المكتوبُ في الكتابين، ووصفُه بقوله تعالى: {الذى يُؤْمِنُ بالله وكلماته} أي ما أنزل إليه وإلى سائر الرسلِ عليهم السلام من كُتُبه ووحيِه لحمل أهلِ الكتابين على الامتثال بما أُمروا به، والتصريحُ بإيمانه بالله تعالى للتنبيه على أن الإيمانَ به تعالى لا ينفك عن الإيمان بكلماته ولا يتحقق إلا به، وقرئ {وكلمتِه} على إرادة الجنسِ أو القرآنِ تنبيهًا على أن المأمورَ به هو الإيمانُ به عليه الصلاة والسلام من حيث أنزل عليه القرآنُ لا من حيثيةٍ أخرى، أو على أن المرادَ بها عيسى عليه الصلاة والسلام تعريضًا باليهود وتنبيهًا على أن من لم يؤمن به لم يُعتدَّ بإيمانه {واتبعوه} أي في كل ما يأتي وما يذر من أمور الدين {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} علةٌ للفعلين أو حالٌ من فاعليها أي رجاءً لاهتدائكم إلى المطلوب أو راجين له، وفي تعليقه بهما إيذانٌ بأن من صدّقه ولم يتبعْه بالتزام أحكام شريعتِه فهو بمعزل من الاهتداء مستمرٌّ على الغي والضلالة. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلْ يا أَيُّهَا الناس إِنّى رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}.
لما حكى ما في الكتابين من نعوته صلى الله عليه وسلم وشرف من يتبعه على ما عرفت، أمر عليه الصلاة والسلام بأن يصدع بما فيه تبكيت لليهود الذين حرموا اتباعه وتنبيه لسائر الناس على افتراء من زعم منهم أنه صلى الله عليه وسلم مرسل إلى العرب خاصة، وقيل: إنه أمر له عليه الصلاة والسلام ببيان أن سعادة الدارين المشار إليهما فيما تقدم غير مختصة بمن اتبعه من أهل الكتابين بل شاملة لكل من يتبعه كائنًا من كان وذلك ببيان عموم رسالته صلى الله عليه وسلم وهي عامة للثقلين كما نطقت به النصوص حتى صرحوا بكفر منكره وما هنا لا يأبى ذلك، والمفهوم فيه غير معتبر عند القائل به لفقد شرطه وهو ظاهر {الذى لَهُ مُلْكُ السموات والأرض} في موضع نصب باضمار أعني أو نحوه أو رفع على إضمار هو.
وجوز أن يكون في موضع جر على أنه صفة للاسم الجليل أو بدل منه، واستبعد ذلك أبو البقاء لما فيه من الفصل بينهما، وأجيب بأنه مما ليس بأجنبي وفي حكم ما لا يكون فيه فصل ورجح الأول بالفخامة إذ يكون عليه جملة مستقلة مؤذنة بأن المذكور علم في ذلك أي اذكر من لا يخفى شأنه عند الموافق والمخالف، وقيل: هو مبتدأ خبره {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} وهو على الوجوه الأول بيان لما قبله وجعله الزمخشري مع ذلك بدلًا من الصلة وقد نص على جواز هذا النحو سيبويه وذكر العلامة أن سوق كلامه يشعر بأنه بدل اشتمال، ووجه البيان أن من ملك العالم علويه وسفليه هو الإله فبينهما تلازم يصحح جعل الثاني مبينًا للأول وليس المراد بالبيان الإثبات بالدليل حتى يقال الظاهر العكس لأن الدليل على تفرده سبحانه بالألوهية ملكه للعالم بأسره مع أنه يصح أن يجعل دليلًا عليه أيضًا فيقال الدليل على أنه جل شأنه المالك المتصرف في ذلك انحصار الألوهية فيه إذ لو كان إنه غيره لكان له ذلك، واعترض أبو حيان القول بالبدلية بأن إبدال الجمل من الجمل غير المشتركة في عامل لا يعرف، وتعقب بأن أهل المعاني ذكروه وتعريف التابع بكل ثان أعرب بإعراب سابقه ليس بكلي، وقوله سبحانه: {يُحْيىِ وَيُمِيتُ} لزيادة تقرير إلهيته سبحانه، وقيل: لزيادة اختصاصه تعالى بذلك وله وجه وجيه والفاء في قوله عز شأنه: {قُلْ يا أيها الناس} لتفريع الأمر على ما تقرر من رسالته صلى الله عليه وسلم وإيراد نفسه الكريمة عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة على طريق الالتفات إلى الغيبة للمبالغة في إيجاب الامتثال ووصف الرسول بقوله تعالى: {النبي الامى} لمدحه ولزيادة تقرير أمره وتحقيق أنه المكتوب في الكتابين {الذى يُؤْمِنُ بالله وكلماته} ما أنزل عليه وعلى سائر الرسل عليهم السلام من كتبه ووحيه، وقرئ {وَكَلِمَتُهُ} على أرادة الجنس أو القرآن أو عيسى عليه السلام كما روى ذلك عن مجاهد تعريضًا لليهود وتنبيهًا على أن من لم يؤمن به عليه السلام لم يعتبر إيمانه، والاتيان بهذا الوصف تحمل أهل الكتابين على الامتثال بما أمروا به والتصريح بالايمان بالله تعالى للتبيه على أن الأيمان به سبحانه لا ينفك عن الايمان بكلماته ولا يتحقق إلا به ولا يخفى ما في ههذ الآية من إظهار النصفة والتفادي عن العصبية للنفس وجعلوا ذلك نكتة للالتفات وإجراء هاتيك الصفات {واتبعوه} أي في كل ما يأتي وما يذر من أمور الدين.
{لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} علة للفعلين أو حال من فاعليهما أي رجاء لاهتدائكم إلى المطلوب أو زاجين له، وفي تعليقه بهما إيذان بأن من صدقة ولم يتبعه بالتزام شرعه فهو بعد في مهامه الضلال. اهـ.