فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله: {الذي جعل لكم الأرض فراشًا} قال: هي فراش يمشي عليها، وهي المهاد، والقرار، {والسماء بناء} قال بنى السماء على الأرض كهيئة القبة، وهي سقف على الأرض.
وأخرج أبو داود وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن جبير بن مطعم قال جاء اعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس، وضاعت العيال، ونهكت الأموال، وهلكت المواشي. استسق لنا ربك، فإنا نستشفع بالله عليك، وبك على الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله!» فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه فقال: «ويحك أتدري ما الله؟ إن شأنه أعظم من ذاك، وإنه لا يستشفع به على أحد، إنه لفوق سمواته على عرشه، وعرشه على سمواته، وسمواته على أرضيه هكذا وقال بأصابعه مثل القبة وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب».
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة عن أياس بن معاوية قال: السماء مقببة على الأرض مثل القبة.
وأخرج أبو الشيخ عن وهب بن منبه قال: شيء من أطراف السماء محدق بالأرضين، والبحار كأطراف الفسطاط.
وأخرج ابن أبي حاتم عن القاسم بن أبي برة قال: ليست السماء مربعة، ولكنها مقبوّة يراها الناس خضراء.
أما قوله تعالى: {وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقًا لكم}.
أخرج أبو الشيخ في العظمة عن الحسن. أنه سئل المطر من السماء أم من السحاب؟ قال: من السماء، إنما السحاب علم ينزل عليه الماء من السماء.
وأخرج أبو الشيخ عن وهب قال: لا أدري المطر أنزل قطرة من السماء في السحاب، أم خلق في السحاب فأمطر؟
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن كعب قال: السحاب غربال المطر، ولولا السحاب حين ينزل الماء من السماء لأفسد ما يقع عليه من الأرض، والبذر ينزل من السماء.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن خالد بن معدان قال: المطر ماء يخرج من تحت العرش، فينزل من سماء إلى سماء حيث يجمع في السماء الدنيا، فيجتمع في موضع يقال له الايرم، فتجيء السحاب السود، فتدخله فتشربه مثل شرب الاسفنجة، فيسوقها الله حيث يشاء.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال: ينزل الماء من السماء السابعة، فتقع القطرة منه على السحابة مثل البعير.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن خالد بن يزيد قال: المطر منه من السماء، ومنه ماء يسقيه الغيم من البحر، فيعذبه الرعد والبرق.
فأما ما كان من البحر فلا يكون له نبات، وأما النبات فما كان من السماء.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال: ما أنزل الله من السماء قطرة إلا أنبت بها في الأرض. عشبة، أو في البحر لؤلؤة.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب المطر عن ابن عباس قال: إذا جاء القطر من السحاب تفتحت له الأصداف فكان لؤلؤًا.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: يخلق الله اللؤلؤ في الأصداف من المطر، تفتح الأصداف أفواهها عند المطر، فاللؤلؤة العظيمة من القطرة العظيمة، واللؤلؤة الصغيرة من القطرة الصغيرة.
وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي الدنيا في كتاب المطر عن المطلب بن حنطب. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها، يصرفه الله حيث يشاء».
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: ما نزل مطر من السماء إلا ومعه البذر. أما انكم لو بسطتم نطعًا لرأيتموه.
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: المطر مزاجه من الجنة، فإذا عظم المزاج عظمت البركة وإن قل المطر، وإذا قل المزاج قلت البركة وإن كثر المطر.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال: ما من عام بأمطر من عام، ولكن الله يصرفه حيث شاء، وينزل مع المطر كذا وكذا من الملائكة، يكتبون حيث يقع ذلك المطر، ومن يرزقه، وما يخرج منه مع كل قطرة.
أما قوله تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون}.
أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {فلا تجعلوا لله أندادًا} أي لا تشركوا به غيره من الأنداد التي لا تضر ولا تنفع {وأنتم تعلمون} أنه لا رب لكم يرزقكم غيره.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: {الأنداد} هو الشرك.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {الأنداد} قال: أشباهًا. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله: {فلا تجعلوا لله أندادًا} قال: أكفاء من الرجال تطيعونهم في معصية الله.
وأخرج الطستي عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قول الله عز وجل: {أندادًا} قال: الأشباه والأمثال قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول لبيد:
أحمد الله فلا ندّ له ** بيديه الخير ما شاء فعل

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {أندادًا} قال: شركاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عوف بن عبدالله قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم من المدينة فسمع مناديًا ينادي للصلاة فقال: الله أكبر الله أكبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على الفطرة» فقال: أشهد أن لا إله إلا الله فقال: «خلع الأنداد».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي وابن ماجة وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت فقال: جعلتني لله ندًا، «ما شاء الله وحده».
وأخرج ابن سعد عن قتيلة بنت صيفي قالت جاء حبر من الأحبار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون قال: «وكيف؟» قال: يقول أحدكم: لا والكعبة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه قد قال فمن حلف فليحلف برب الكعبة» فقال: يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم {تجعلون لله أندادًا} قال: «وكيف ذاك؟!» قال: يقول أحدكم ما شاء الله وشئت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحبر: «إنه قد قال فمن قال منكم فليقل ما شاء ثم شئت».
وأخرج أحمد وابن ماجة والبيهقي عن طفيل بن سخبرة أنه رأى فيما يرى النائم كأنه مرّ برهط من اليهود فقال: أنتم نعم القوم لولا أنكم تزعمون أن عزيرًا ابن الله فقالوا: وأنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد. ثم مرَّ رهط من النصارى فقال: أنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون المسيح ابن الله قالوا: وأنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد. فلما أصبح أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فخطب فقال: «إن طفيلًا رأى رؤيا، وإنكم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم، فلا تقولوها ولكن قولوا: ما شاء الله وحده لا شريك له».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان. قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان».
وأخرج ابن جريج عن قتادة في قوله: {فلا تجعلوا لله أندادًا} أي عدلاء {وأنتم تعلمون} قال: إن الله خلقكم وخلق السموات والأرض.
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {فلا تجعلوا لله أندادًا} أي عدلاء {وأنتم تعلمون} قال تعلمون أنه إله واحد في التوراة والإِنجيل لا ند له. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {الذي جَعَلَ لَكُمُ} يحتمل النصب والرَّفع، فالنصب من خمسة أوجه:
أحدها: أن يكون نصبه على القطع.
الثاني: أنه نعت لربكم.
الثالث: أنه بدل منه.
الرابع: أنه مفعول ل {تتقون} وبه قال أبو البقاء.
الخامس: أنه نعت النعت، أي: الموصول الأول، لكن المختار أن النعت لا ينعت، بل إن جاء ما يوهم ذلك جعل نعتًا للأول، إلا أن يمنع مانع فيكون نعتًا للنعت، نحو قولهم: يا أيها الفارس ذو الجمة فذو الجمة نعت للفارس لا لأي؛ لأنها لا تنعت إلا بما تقدم ذكره.
والرَّفع من وجهين:
أحدهما وهو الأصح: أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هو الذي جعل.
والثاني: أنه مبتدأ، وخبره قوله بعد ذلك: {فلا تجعلوا لله} وهذا فيه نظر من وجهين:
أحدها: أنّ صلته ماضية فلم يشبه الشرط، فلا يزاد في خبره الفاء.
الثاني: عدم الرابط، إلا أن يقال بمذهب الأخفش، وهو أن يجعل الربط مكرر الاسم الظَّاهر إذا كان بمعناه نحو: زيد قام أبو عبد الله إذا كان أبو عبد الله كنية لزيد، وكذلك هنا أقام الجلالة مقام الضَّمير، كأنه قال: الذَّي جعل لكم، فلا تجعلوا له أندادًا.
و{الذي} كلمة موضوعة للإشارة إلى المفرد عند محاولة تعريفه بقضية معلومة كقولك: ذهب الرجل الذي أبوه منطلق، فأبوه منطلق قضية معلومة، فإذا حاولت تعريف الرجل بهذه القضية المعلومة أدخلت عليه الَّذي، وهو يحقّق قولهم: إنه مستعمل لوصف المعارف بالجمل.
وإذا ثبت هذا فقوله: {الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشًا} يقتضي أنهم كانوا عالمين بوجود شيء جعل الأرض فراشًا، والسّماء بناءً، وذلك تحقيق قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} [لقمان: 25].
و{جعل} فيها وجهان:
أحدهما: أن تكون بمعنى صَيَّر فتتعدى لمفعولين فيكون {الأرض} مفعولًا أول، و{فراشًا} مفعولًا ثانيًا.
والثاني: أن يكون بمعنى خلق فيتعدّى لواحد وهو {الأرض} ويكون {فراشًا} حالًا.
و{السماء بناء} عطف على {الأرض فراشًا} ونظيره قوله: {أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَارًا وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَارًا} [النمل: 61] وقوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} [طه: 53].
والبناء: مصدر بنيت، وإنما قلبت الياء همزة لتطرُّفها بعد ألف زائدة، وقد يراد به المفعول، و{أنزل} عطف على {جعل} و{من السماء} متعلّق به، وهي لابتداء الغاية، ويجوز أن يتعلّق بمحذوف على أن تكون حالًا من ما؛ لأن صفة النكرة إذا قدمت عليها نصيب حالًا، وحينئذ معناها التبعيض، وثَمَّ مضاف محذوف أي: من مياه السماء ماء.
وأصل {ماء} موه بدليل قولهم: مَاهَتِ الرَّكِيَّةُ تَمُوهُ وفي جمعه مياه وأمواه، وفي تصغيره: مويه، فتحركت الياء وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفًا، فاجتمع حرفان خفيفان: الأف والهاء، فأبدلوا من الهاء أختها وهي الهمزة؛ لأنها أجلد منها.
فإن قيل: كيف قال: {وَأَنزَلَ مِنَ السماء مَاءً} [البقرة: 22] وإنما ينزل من السَّحاب؟
فالجواب أن يقال: ينزل من السَّماء إلى السحاب، ومن السحاب إلى الأرض.
فَصْلٌ في أوجه ورود لفظ الماء:
قال أبو العباس المقري: ورد لفظ الماء في القُرْآن على ثلاثة أوجه:
الأوّل: بمعنى الماء المُطْلَق كهذه الآية.
الثاني: بمعنى النّطفة قال تعالى: {خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6].
وقوله: {مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ} [السجدة: 8].
الثالث: بمعنى القرآن، قال تعالى: {أَنَزَلَ مِنَ السماء مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: 17] بمعنى القرآن، احتمله الناس على قَدَرٍ.
قوله: {فاخرج} عطف على أنزل مرتب عليه، و{به} متعلق به، والباء فيه للسببية، و{من الثمرات} متعلّق به أيضًا، و{من} هنا للتبعيض، كأنه قصد بتنكير الماء والرزق معنى البعضِيّة، كأنه قيل: وأنزل من السماء بعض الماء، فأخرج به بعض الثمرات ليكون بعض رزقكم؛ إذ ليس جميع رزقهم هو بعض الثمرات، إنما ذكر بعض رزقهم.
وأبعد من جعلها زائدة لوجهين:
أحدهما: زيادتها في الواجب، وكون المجرور بها معرفةً، وهذا لا يقول به بَصْرِيّ ولا كُوفِيّ إلاّ أبا الحسن الأَخْفَشَ.
والثاني: أن يكون جميع الثمرات رزقًا لنا.
وهذا يخالف الواقع؛ إذ كثير من الثمرات ليس رزقًا لنا.
وجعلها الزمخشري لبيان الجنس، وفيه نظر؛ إذ لم يتقدم ما يبين هذا، وكأنه يعني أنه بيان ل {رزقًا} من حيث المعنى.
و{رزقًا} ظاهره أنه مفعول به ناصبه {أخرج} ويجوز أن يكون {من الثمرات} في موضع المفعول به، والتقدير: فأخرج ببعض الماء بعض الثمرات، وفي {رزقًا} حينئذ وجهان:
أحدهما: أن يكون حالًا على أن الرزق بمعنى المرزوق كالطَّحْن والرَّعْي.
والثاني: أن يكون مصدرًا منصوبًا على المفعول من أجله، وفيه شروط النصب موجودة.
وأجاز أبو البقاء أن يكون {من الثمرات} حالًا من {رزقًا}؛ لإنه لو تأخر لكان نعتًا، فعلى هذا يتعلق بمحذوف.
وجعل الزمخشري {من الثمرات} واقعًا موقع الثمر، أو الثمار، يعني مما ناب فيه جمع قلّة عن جمع الكَثْرة نحو: {كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ} [الدخان: 25] و{ثَلاَثَةَ قرواء} [البقرة: 228]، ولا حاجة تدعو إلى هذا؛ لأن جمع السَّلامة المحلَّى بأل الَّتي للعموم يقع للكثرة، فلا فَرْقَ إذن بين الثَّمَرَات والثِّمَار، ولذلك ردَّ المحقِّقون قول من رَدَّ على حَسَّان بن ثابت رضي الله عنه: الطويل:
لَنَا الجَفَنَاتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ في الضُّحَى ** وَأَسْيَافُنَا يَقْطُرْنَ مَنْ نَجْدَةٍ دَمَا

قالوا: كان ينبغي أن يقول: الجِفَان، وسيوفنا؛ لأنه أمدح، وليس بصحيح؛ لما ذكرت قبل ذلك.
و{لكم} يحتمل التعلّق ب {أخرج} ويحتمل التعلّق بمحذوف، على أن يكون صفة ل {رزقًا}.
هذا إن أريد بالرزق المرزوق، وإن أريد به المصدر، فيتحمل أن تكون الكاف في {لكم} مفعولًا بالمصدر واللام مقوية له نحو: ضربت ابني تأديبًا له. أي: تأديبه.
قوله: {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَادًا} الفاء للتسبب أي: تسبب عن إيجاد هذه الآيات الباهرة النهي عن اتخاذكم الأنداد، ولا ناهية، وتجعلوا مجزوم بها، علامة جزمه حذف النون، وهي هنا بمعنى تُصَيِّرُوا.
وأجاز أبو البَقَاءِ أن تكون بمعنى: تُسَمُّوا، وعَلَى القولين فيتعدى لاثنين.
أولهما: أندادًا.
وثانيهما: الجار والمجرور قبله، هو واجب التقديم، وأندادًا جمع نِدّ.
وقال أبو البقاء: أندادًا جمع نِدّ ونديد، وفي جعله نديد نظر؛ لأنّ أفعالًا يحفظ في فعيل بمعنى فاعل، نحو: شريف وأشراف، ولا يقاس عليه.
فإن قيل: بم تعلّق قوله: {فلا تجعلوا}؟
فالجواب فيه وجوه:
أحدها: أن يتعلّق بالأمر أي: اعبدوا، ولا تجعلوا لله أندادًا، فإن أصل العبادة التوحيد.
وثانيها: بلعل على أن ينتصب بتجعلوا انتصاب فَاطَّلِع في قراءة حَفْصٍ.
قال الزمخشري: والمعنى خلقكم لكي تتقوا، وتخافوا عقابه فلا تثبتوا له ندًّا، فإنه من أعظم موجبات العقاب، فعلى هذا تكون لا نافية، والفعل بعدها منصوب بإضمار أن في جواب الترجي، وهذا لا يجيزه البصريون، وسيأتي تأويل {فَاطَّلِعَ} ونظائِرِه في موضعه إنْ شَاءَ الله تعالى.
وثالثها: بقوله: {الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشًا}.
إذا جعلت {الذي} خبر مبتدأ محذوف، أي: هو الذي خلق لكم هذه الدلائل الباهرة فلا تتخذوا له شريكًا.
والنِّدُّ المقاوم المُضاهي، سواءٌ كان مِثْلًا، أو ضدًّا، أو خلافًا.
وقيل: هو الضِّدُّ عن أبي عُبَيْدة.
وقيل: الكُفْء والمِثْلُ؛ قَال حَسَّان: الوافر:
أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِنِدٍّ ** فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الفِدَاءُ

أي: وَلَسْتُ لَهُ بِكُفْءٍ.
وقد رُوِيَ ذلك؛ وقال آخر: الرمل:
نَحْمَدُ اللهَ وَلاَ نِدَّ لَهُ ** عِنْدَهُ الخَيْرَ وَمَا شاءَ فَعَلْ

وقال الزمخشري: النِّدُّ المِثْلُ: ولا يقال إلا للنِّدِّ المخالف؛ قال جرير: الوافر:
أَتَيْمًا تَجْعَلُونَ إِلَيَّ نِدًّا ** وَمَا تَيْمٌ لِذِي حَسَبٍ نَدِيدُ

ونَادَدْتُ الرّجل: خالفته ونافرته، من: نَدَّ يَنِدُّ نُدُودًا، أي: نَفَر.
ومنه الحديث: «أيّ بعيرٍ نَدّ فأعياهم».
ويقال: نَدِيدَة على المبالغة؛ قال لَبِيد: الطويل:
لِكَيْلاَ يَكُونَ السَّنْدَرِيُّ نَدِيدَتِي ** وَأَجْعَلَ أَقَوَامًا عُمُومًا عَمَاعِمَا

وأما النِّد بفتح النون فهل التَّلُّ المرتفع، والنِّدُّ الطيب أيضًا، ليس بعربي.
وقرأ محمد بن السَّمَيْفَع: {فلا تَجْعَلُوا للهِ نِدًّا}.
فإن قيل: إنهم بم يقولوا: إن الأصنام تنازع الله.
قلنا: لما عبدوها وسموها آلهة أشبهت حالهم حَالَ من يعتقد أنها آلهة قادرة على منازعته فقيل لهم ذلك على سبيل التهكُّم بهم.
قوله: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} جملة من مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال، ومفعول العلم متروك، لأن المعنى، وأنتم من أهل العلم، أو حذف اختصارًا أي: وأنتم تعلمون بطلاق ذلك، والاسم من أنتم قيل: أن والتاء حرف خطاب يتغير بحسب المخاطب، وقيل: بل التاء هي الاسم، وأن عماد قبلها.
وقيل: بل هو ضمير برمته وهو ضمير رفع منفصل وحكم ميمه بالنسبة إلى السكون والحركة والإشباع والاختلاس حكم ميم هم، وقد تقدّم جميع ذلك.
والمعنى: إنكم لكمال عقولكم تعلمون أن هذه الأشياء لا يصح جعلها أندادًا لله- تعالى- فلا تقولوا ذلك؛ فإن القول القبيح ممن علم قبحه يكون أقبح. اهـ. باختصار.