فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ}.
صَرِّحْ بما رقَّيْنَاكَ إليه من المقام، وأفصِحْ عما لقيناك به من الإكرام، قُلْ إني إلى جماعتكم مُرسلٌ، وعلى كافتكم مُفَضَّل، وديني- لِمَنْ نظر واعتبر، وفكَّر وسَبَرَ- مُفَصَّل. فإِلهي الذي لا شريكَ له ينازعه، ولا شبيهَ يُضَارِعه له حقُّ التصرف في مُلْكِه بما يريد من حكمه. ومن جملة ما حكم وقضى، ونفذ به التقدير وأَمْضى- إرسالي إليكم لتطيعوه فيما يأمركم، وتحذروا من ارتكاب ما يزجركم. وإِنَّ مما أَمَرَكُم به أنه قال لكم: آمِنوا بالنبي الأُمِّي، واتبعوه لتُفْلِحوا في الدنيا والعقبى، وتستوجبوا الزُّلفى والحسنى، وتتخلصوا من البلوى والهوى. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {قُلْ يا أيها الناس إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}.
هذه الآية الكريمة فيها التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم رسول إلى جميع الناس، وصرح بذلك في آيات كثيرة كقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ} [سبأ: 28]، وقوله: {تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1] وقوله: {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحزاب فالنار مَوْعِدُهُ} [هود: 17]، وقيد في موضع آخر: عموم رسالته ببلوغ هذا القرآن، وهو قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذا القرآن لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام: 19]، وصرح بشمول رسالته لأهل الكتاب مع العرب بقوله: {وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ الكتاب والأميين أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهتدوا وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ} [آل عمران: 20] إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: {فَآمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ النبي الأمي الذي يُؤْمِنُ بالله وَكَلِمَاتِهِ} الآية.
لم يبين هنا كثرة كلماته ولكنه بين ذلك في مواضع أخر كقوله: {قُل لَّوْ كَانَ البحر مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109]، وقوله: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله} [لقمان: 27]. اهـ.

.تفسير الآية رقم (159):

قوله تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كثر عد مثالب إسرائيل، وختم بتخصيص المتبع لهذا النبي الكريم بالهداية والرحمة المسببة عنها، وكان فيهم المستقيم على ما شرعه له ربه، المتمسك بما لزمه أهل طاعته وحزبه، سواء كان من صفات النبي صلى الله عليه وسلم أو غيرها، مع الإذعان لذلك كله؛ نبه عليه عائدًا إلى تتميم أخبارهم، ثم ما وقع في أيام موسى عليه السلام وبعدها من شرارهم، تعزية لهذا النبي الكريم وتسلية، وتطييبًا لنفسه الزكية وتأسية، وهو مع ما بعده من أدله {سأصرف عن آياتي} [الأعراف: 146] فقال تعالى عاطفًا على {واتخذ قوم موسى من بعده} [الأعراف: 148]: {ومن قوم موسى أمة} أي قوم يستحقون أن يؤموا لأنهم لا يتكبرون في الأرض بغير الحق، بل {يهدون} أي يوقعون الهداية وهي البيان {بالحق وبه} أي خاصه {يعدلون} أي يجعلون القضايا المختلفة المتنازع فيها معادلة ليقع الرضى بها، لا يقع منهم جور في شيء منها، ومنهم الذين اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن سلام ومخيريق رضي الله عنهما. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)}.
اعلم أنه تعالى لما وصف الرسول، وذكر أنه يجب على الخلق متابعته، ذكر أن من قوم موسى عليه السلام من اتبع الحق وهدى إليه، وبين أنهم جماعة، لأن لفظ الأمة ينبئ عن الكثرة، واختلفوا في أن هذه الأمة متى حصلت، وفي أي زمان كانت؟ فقيل هم اليهود الذين كانوا في زمان الرسول عليه الصلاة والسلام، وأسلموا مثل عبد الله بن سلام، وابن صوريا والاعتراض عليه بأنهم كانوا قليلين في العدد، ولفظ الأمة يقتضي الكثرة، يمكن الجواب عنه بأنه لما كانوا مختلفين في الدين، جاز إطلاق لفظ الأمة عليهم كما في قوله تعالى: {إِنَّ إبراهيم كَانَ أُمَّةً} [النحل: 120] وقيل: إنهم قوم مشوا على الدين الحق الذي جاء به موسى ودعوا الناس إليه وصانوه عن التحريف والتبديل في زمن تفرق بني إسرائيل وإحداثهم البدع، ويجوز أن يكونوا أقاموا على ذلك إلى أن جاء المسيح فدخلوا في دينه، ويجوز أن يكونوا هلكوا قبل ذلك، وقال السدي وجماعة من المفسرين: إن بني إسرائيل لما كفروا وقتلوا الأنبياء، بقي سبط في جملة الإثني عشر فما صنعوا وسألوا الله أن ينقذهم منهم، ففتح الله لهم نفقًا في الأرض فساروا فيه حتى خرجوا من وراء الصين ثم هؤلاء اختلفوا، منهم من قال: إنهم بقوا متمسكين بدين اليهودية إلى الآن ومنهم من قال إنهم الآن على دين محمد صلى الله عليه وسلم يستقبلون الكعبة، وتركوا السبت وتمسكوا بالجمعة، لا يتظالمون ولا يتحاسدون ولا يصل إليهم منا أحد ولا إلينا منهم أحد.
وقال بعض المحققين: هذا القول ضعيف لأنه إما أن يقال: وصل إليهم خبر محمد صلى الله عليه وسلم، أو ما وصل إليهم هذا الخبر.
فإن قلنا: وصل خبره إليهم، ثم إنهم أصروا على اليهودية فهم كفار، فكيف يجوز وصفهم بكونهم أمة يهدون بالحق وبه يعدلون؟ وإن قلنا بأنهم لم يصل إليهم خبر محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا بعيد، لأنه لما وصل خبرهم إلينا، مع أن الدواعي لا تتوفر على نقل أخبارهم، فكيف يعقل أن لا يصل إليهم خبر محمد عليه الصلاة والسلام مع أن الدنيا قد امتلأت من خبره وذكره؟
فإن قالوا: أليس إن يأجوج ومأجوج قد وصل خبرهم إلينا ولم يصل خبرنا إليهم؟
قلنا: هذا ممنوع، فمن أين عرف أنه لم يصل خبرنا إليهم، فهذا جملة ما قيل في هذا الباب.
إذا عرفت هذا فنقول: قوله: {يَهْدُونَ بالحق} أي يدعون الناس إلى الهداية بالحق {وَبِهِ يَعْدِلُونَ} قال الزجاج: العدل الحكم بالحق.
يقال: هو يقضي بالحق ويعدل؛ وهو حكم عادل، ومن ذلك قوله: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النساء} [النساء: 129] وقوله: {وَإِذَا قُلْتُمْ فاعدلوا} [الأنعام: 152]. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله: {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق} يعني جماعة يدعون إلى الحق {وَبِهِ يَعْدِلُونَ} يعني: وبالحق يعملون.
وقال بعضهم: يعني به مؤمني أهل الكتاب وهم عبد الله بن سلام وأصحابه وهذا كما قال في آية أخرى: {لَيْسُواْ سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ ءايات الله ءَانَاءَ الليل وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: 113] الآية.
وقال بعضهم: هم قوم من وراء الصين من أمة موسى ما وراء رمل عالج.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أُسري به إلى البيت المقدس ومعه جبريل فرفعه إليهم وكلّمهم وكلّموه.
فقال لهم جبريل: هل تعرفون من تكلمون؟ قالوا: لا.
قال: فإن هذا محمد النبي الأمي.
قال: يا جبريل وقد بعثه الله تعالى؟ قال نعم فآمنوا به وصدّقوه.
وقالوا: يا رسول الله إن موسى بن عمران أوصى إلينا أن من أدرك ذلك النبي منكم فليقرأ عليه السلام مني ومنكم ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم على موسى ورد عليهم السلام ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لِي أَرَى بُيُوتَكُمْ مُسْتَوِيَةً»؟ قالوا: لأنا قوم لا يبغي بعضنا على بعض.
قال: «فما لي لا أرى عليها أبوابًا؟» قالوا: إنّا لا يضر بعضنا بعضًا.
قال: «فَمَا لِي لا أَرَاكُمْ تَضْحَكُونَ؟» قالوا: ما ضحكنا قط لأن الله تعالى أخبرنا في كتابه أن جهنم عرضها ما بين الخافقين وقعرها الأرض السفلى، وقد أقسم الله تعالى ليملأنها من الجنة والناس أجمعين.
قال: «فَهَلْ تَبْكُونَ عَلَى المَيِّتِ؟» قالوا: يا رسول الله كيف نبكي على الميت وكلنا ميتون.وهو سبيل لابد منه.والله أعطانا والله أخذ منا.
قال: «فَهَلْ تَمْرَضُونَ؟» قالوا: يا رسول الله إنما يمرض أهل الذنوب والخطايا.فأما نحن فمعصومون بدعاء نبي الله موسى عليه السلام.
قال: «فَكَيْفَ تَمُوتُونَ إِذَا لَمْ تَمْرَضُوا؟» قالوا: إذا استوفى أحدنا رزقه جاءه ملك الموت فقبض روحه فندفنه حيث يموت.
قال: «فَهَلْ تَحْزَنُونَ إذَا وُلِدَ لأَحَدِكُمْ جَارِيَةٌ؟» قالوا: يا رسول الله، لا، ولكنا نصوم لله تعالى شهرًا شكرًا، فإذا ولد لأحدنا غلام نصوم لله شهرين شكرًا لله تعالى.
قال: «فَهَلْ فِيكُمْ حَيَّاتٌ وَعَقَارِبُ؟» قالوا: نعم.
قال: «كَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهِنَّ؟» قالوا: يا رسول الله نمشي عليهن ويمشين علينا، ولا نؤذيهن ولا تؤذينا، آمنات منا ونحن آمنون منهن.
قال: «فَهَلْ لَكُمْ مَاشِيَةٌ؟» قالوا: نعم، نجز أصوافها فنتخذ منه الأفنية والأكسية، ونأكل من لحومهن الكفاف، وكل أهل القرية فيها شرع أي سواء ليس أحد أحق به منا.
قال: «فَهَلْ تَزِنُونَ أَوْ يُوزَنُ عَلَيْكُمْ؟» قالوا: لا نزن ولا يوزن علينا ولا نكيل ولا يكال علينا ولا نشتري ولا نبيع.
قال: «فَمِنْ أيْنَ تَأْكُلُونَ؟» قالوا: يا رسول الله: نخرج فنزرع، ويرسل الله تعالى السماء علينا فينبته، ثم نخرج إليه فنحصده، ونضعه في أماكن من القرية، فيأخذ أهل القرية منها الكفاف ويدعون ما سواه.
قال: «فَهَلْ تُجَامِعُونَ النِّسَاءَ؟» قالوا: نعم يا رسول الله لنا بيوت مظلمة وثياب معلومة فإذا أردنا المجامعة لبسنا ثيابنا تلك ودخلنا تلك البيوت، لا يرى الرجل عورة امرأته ولا المرأة عورة زوجها.
قال: «فَهَلْ فِيكُمُ زِنًى؟» قالوا: يا رسول الله لا فإن فعل ذلك أحد منا لظننا أن الله تعالى يبعث عليه نارًا فيحرقه أو يخسف به الأرض، ولكن إذا كان للرجل منا ابنة طلبها منه رجل فيزوجه إياها إرادة الأجر والعفة.
قال: «فَهَلْ تَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ؟» قالوا: لا يا رسول الله، إنما يكنز الذهب والفضة من لا يثق بالله، ومن يرى أن الله تعالى لم يتكفل له برزقه. فأما نحن فلا نكنز الذهب والفضة.
فأقرأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سور من القرآن أنزلت بمكة، ولم تكن نزلت فريضة غير الصلاة والزكاة فعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم بالصلاة والزكاة ورجع من ليلته.
وقال قتادة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في قوله: {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} قال: «قَدْ أُعْطِيتُمْ مِثْلَهَا» {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} يعني: في هذه الأمة. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَمِن قَوْمِ موسى} يعني بني إسرائيل {أُمَّةٌ} جماعة {يَهْدُونَ بالحق} أي يرشدون إلى الحق، وقيل: خلفاء يهتدون ويستقيمون عليه ويعملون به {وَبِهِ يَعْدِلُونَ} أي ينصفون من أنفسهم ويحمدون.
وقال السدي: هم قوم بينكم وبينهم قوم من سهل.
وقال ابن جريج: بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا اثني عشر سبطًا تبرأ سبط منهم ممّا صنعوا واعتذروا وسألوا الله أن يفرق بينهم وبينه ففتح الله عليم نفقًا في الأرض فساروا فيه سنة ونصف حتّى خرجوا من وراء الصين، فهم هناك حقًا مسلمون يستقبلون قبلتنا.
قال الكلبي والربيع والضحاك وعطاء: هم قوم من قبل المغرب خلف الصين على نهر من الرمل يسمى نهر أودق وليس لأحد منهم مال دون صاحبه يمطرون بالليل ويصبحون بالنهار ويزرعون لا يصل إليهم منّا أحدٌ ولا منهم إلينا أحدٌ وهم على الحق وذكر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم «أن جبرئيل ذهب إليهم ليلة أُسري به فكلّمهم فقال لهم جبرئيل: هل تعرفون مَنْ تُكلّمون؟
قالوا: لا.
قال: هذا محمدٌ النبيّ فآمنوا به، وقالوا: يا رسول الله إنّ موسى أوصانا أن من أدرك منكم أحمد فليقرأ عليه منّي السلام.
فردّ محمد صلى الله عليه وسلم على موسى: فعليه السلام، ثمّ أقرأهم عشر سور من القرآن نزلت بمكة ولم يكن نزلت فريضة غير الصلاة والزكاة فأمرهم بالصلاة والزكاة وأمرهم أن يُقيموا مكانهم وكانوا يسبتون فأمرهم أن يجمعوا وأن يتركوا السبت»
. اهـ.