فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{وَسْئَلْهُمْ عَنِ القرية التي كَانَتْ حَاضِرَةَ البحر}.
واسمها أيلة وذلك أن اليهود قالوا: نحن من أبناء إبراهيم صلى الله عليه وسلم فلا يعذبنا الله تعالى إلا مقدار عبادة العجل فقال الله تعالى: {وَسْئَلْهُمْ عَنِ القرية} يعني: أهل القرية التي كانت حاضرة البحر كيف عذبهم الله تعالى بذنوبهم.
ثم أخبر عن ذنوبهم فقال تعالى: {إِذْ يَعْدُونَ في السبت} يعني: أنهم استحلوا الصيد في يوم السبت.
وقال: يعتدون في يوم السبت.
وأصل الاعتداء هو الظلم.
يقال: عدوت على فلان إذا ظلمته واعتديت عليه.
ثم قال: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا} يعني: يوم استراحتهم شوارع في الماء وهو جمع الشارع {وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ} يعني: إذا لم يكن يوم السبت ويوم الراحة لا تأتيهم.
وإنما تمّ الكلام عند قوله: {تَأْتِيَهُمُ} ثم ابتدأ فقال: {كذلك نَبْلُوهُم} يعني: هكذا نختبرهم.
وقال بعضهم: إنّما يتم الكلام عند قوله: {وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ} كذلك يعني: لا تأتيهم كما تأتيهم يوم السبت لأن في يوم السبت تأتيهم الحيتان شارعات من أسفل الماء إلى أعلاه وفي سائر الأيام يأتيهم القليل، ولا يأتيهم كما يأتيهم في يوم السبت.
ثم ابتداء الكلام فقال: {كذلك نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} يعني: نختبرهم بما كانوا يعصون الله تعالى. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَسْئَلْهُمْ} واسأل يا محمد هؤلاء اليهود الذين هم جيرانك سؤال تقرير وتوبيخ {عَنِ القرية التي كَانَتْ حَاضِرَةَ البحر} أي بقربه وعلى شاطئه، واختلفوا فيها فروى عكرمة عن ابن عباس قال: هي قرية يقال لها ايلديس مدين والطور.
وروى عليّ بن أبي طلحة عنه فقال: هي قرية على شاطئ البحر من مصر والمدينة يقال لها: ايله وقال ابن زيد: هي قرية يقال لها: مقنى بين مدين وعينونا، وقيل: هي الطبريّة {إِذْ يَعْدُونَ فِي السبت} أي يتجاوزون أمر الله وقرأ أبو نهيك إذ تعدون بضم الياء وكسر العين بتثقيل الدال من الأعداد يريد يهيبون الآلة لأخذها.
وقرأ ابن السميفع: في الاسبات، على جمع السبت {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا} قرأ ابن عبد العزيز يوم إسباتهم شرعًا الى شراع ظاهرة على الماء كثيرة، وقال الضحاك: متتابعة {وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ} أي لا يفعلون السبت. يقال سبت يسبت سبتًا وسبوتًا إذا أعظم السبت.
وقرأ الحسن: يُسبتون بضم الياء أي يدخلون في السبت كما يقال أجمعنا وأشهرنا أي دخلنا في الجمعة والشهر {لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم} نختبرهم {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} وسمعت الحسن بن محمد بن الحسن سمعت إبراهيم بن محارب بن إبراهيم سمعت أبي يقول: سألت الحسين بن الفضل هل تجد في كتاب الله الحلال لا يأتيك إلاّ قوتًا والحرام يأتيك جزفًا جزفًا؟ قال: نعم، في قصّة داود وتأويله: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ}.
قال عكرمة: جئت ابن عباس يومًا فإذا هو يبكي ووضع المصحف في حجرة فقلت: مايُبكيك جعلني الله فداك. قال: هؤلاء الورقات فإذا هو في سورة الأعراف، فقال: تعرف الآية؟ قلت: نعم، قال: فإنّه كان بها حي من اليهود في زمن داود حرم عليهم الحيتان في السبت، وذلك أنّ اليهود أمروا باليوم الذي أمرتهم به يوم الجمعة فتركوه واختاروا السبت فابتلوا به وحرّم عليهم فيه الصيد فأمروا بتعظيمه إن أطاعوا لم يؤجروا وإن عصوا عذبوا، وكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت شرعًا بيضاء سمانًا كأنها الماخض تنتطح ظهورها لبطونها بأفنيتهم حتّى لا يرى الماء من كثرتها ويوم لا يسبتون لا تأتيهم فكانوا كذلك برهة من الدهر.
ثمّ إنّ الشيطان أوحى إليهم فقال: إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت فأتّخذوا الحياض وكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم الجمعة فتسقي فيها ولا يمكنها الخروج منها لقلة الماء فيأخذونها يوم الأحد.
وقال ابن زيد: كانوا قد قرّبوا بحب الحيتان وكان في غير يوم السبت لا تأتيهم حوت واحد فأخذ رجل منهم حوتًا فربط في ذنبه خيطًا فأخذه وشواه فوجد جار له ريح الحوت. فقال له: يا فلان أنا أجد في بيتك ريح نون، قال: لا فتطلع في تنوره فإذا هو فيه فقال: إني أرى الله سيعذّبك، فلما لم يره عذب ولم يعجل عليهم بالعذاب أخذ في السبت الأُخرى حوتين اثنين.
فلما رأوا أن العذاب لا يعاجلهم أكلوا وملحوا وباعوا وأثروا وكثر مالهم، وكانوا نحوًا من سبعين ألف، فصارت أهل القرية ثلاثًا: ثلث نُهوا وكانوا نحوًا من اثني عشر ألفًا وثلث قالوا: لِمَ تعظون قومًا الله مهلكهم، وثلث أصحاب الخطيئة، فلما لم ينتهوا قال المسلمون: لا نسألهم فقسموا القرية بجدار للمسلمين باب وللمعتدين باب ولعنهم داود عليه السلام فأصبح الناهون ذات يوم في مجالسهم ولم يخرج من المعتدين أحد، فقالوا: إن للناس شأنًا لعل الخمر غلبتهم فعلوا على الجدار فنظروا فإذا بهم قردة ففتحوا الباب ودخلوا عليهم وعرفت القردة أنسابها من الأنس. ولا تعرف الأنس أنسابهم من القرود. فجعلت القردة تأتي نسيبها من الأنس وتشم ثيابه وتبكي فيقول: ألم ننهكم؟ فتقول برأسها: نعم.
قال قتادة: صار الشبان قردة والشيوخ خنازير فما نجا إلاّ الذين نهوا وهلك سائرهم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ الَّتِي كَانَتُ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ}.
فيها خمسة أقاويل:
أحدها: أنها أيلة، قاله ابن عباس، وعكرمة، والسدي.
والثاني: أنها بساحل مدين، قاله قتادة.
والثالث: أنها مدين قرية بين أيلة والطور، حكاه أبو جعفر الطبري.
والرابع: أنها قرية يقال لها مقتا بين مدين وعينونا، قاله ابن زيد.
والخامس: ما قاله ابن شهاب أن القرية التي كانت حاضرة البحر طبرية، والقرية التي قال فيها {وَاضْرِبْ لَهَم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} [يس: 13]. أنطاكية.
وسؤالهم عن هذه القرية إنما هو سؤال توبيخ على ما كان منهم فيها من سالف الخطيئة وقبيح المعصية.
{إذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} هو تعديهم فيه بفعل ما نهوا عنه.
{إِذْ تَأْتِيهِم حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِم شُرَّعًا} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن معنى {شُرَّعًا} أي طافية على الماء ظاهرة، قاله ابن عباس، ومنه شوارع البلد لظهورها.
والثاني: أنها تأتيهم من كل مكان، قاله عطية العوفي.
والثالث: أنها شرّع على أبوابهم كأنها الكباش البيض رافعة رؤوسها حكاه بعض المتأخرين فتعدَّوا فأخذوها في السبت، قاله الحسن. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر} الآية، قال بعض المتأولين: إن اليهود المعارضين لمحمد صلى الله عليه وسلم قالوا إن بني إسرائيل لم يكن فيهم عصيان ولا معاندة لما أمروا به فنزلت هذه الآية موبخة لهم ومقررة ما كان من فعل أهل هذه القرية، فسؤالهم إنما كان على جهة التوبيخ و{القرية} هنا مدين قاله ابن عباس، وقيل أيلة، قاله ابن عباس وعبد الله بن كثير وعكرمة والسدي والثوري، وقال قتادة هي مقنا بالقاف ساكنة، وقال ابن زيد هي مقناة ساحل مدين، ويقال فيها مغنى بالغين مفتوحة ونون مشددة، وقيل هي طبرية قاله الزهري، و{حاضرة} يحتمل أن يريد معنى الحضور أي البحر فيها حاضر، ويحتمل أن يريد معنى الحضارة على جهة التعظيم لها أي هي الحاضرة في مدن البحر، و{إذ يعدون} معناه يخالفون الشرع من عدا يعدو، وقرأ شهر بن حوشب وأبو نهيك {يعَدُّون}، قال أبو الفتح أراد يعتدون فأسكن التاء ليدغمها في الدال ونقل فتحها إلى العين فصار {يعَدُّون} بفتح العين وشد الدال المضمومة، والاعتداء منهم في السبت هو نفس العمل والاشتغال كان صيدًا أو غيره إلا أنه كان في هذه النازلة بالصيد وكان الله عز وجل ابتلاهم في أمر الحوت بأن يغيب عنهم سائر الجمعة فإذا كان يوم السبت جاءهم في الماء شارعًا أي مقبلًا إليهم مصطفًا كما تقول أشرعت الرماح إذا مدت مصطفة، وهذا يمكن أن يقع من الحوت بإرسال من الله كإرسال السحاب أو بوحي وإلهام كالوحي إلى النحل أو بإشعار في ذلك اليوم على نحو ما يشعر الله الدواب يوم الجمعة بأمر الساعة حسبما يقتضيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة حتى تطلع الشمس فرقًا من الساعة»، ويحتمل أن يكون ذلك من الحوت شعورًا بالسلامة في ذلك اليوم على نحو شعور حمام الحرم بالسلامة.
قال رواة هذا القصص: فيقرب الحوت ويكثر حتى يمكن أخذه باليد فإذا كان ليلة الأحد غاب بجملته وقيل غابت كثرته ولم يبق منه إلا القليل الذي يتعب صيده، قاله قتادة ففتنهم ذلك وأضر بهم فتطرقوا إلى المعصية بأن حفروا حفرًا يخرج إليها ماء البحر على أخدود فإذا جاء الحوت يوم السبت وحصل في الحفرة ألقوا في الأخدود حجرًا فمنعوه الخروج إلى البحر فإذا كان الأحد أخذوه فكان هذا أول التطرق.
وروى أشهب عن مالك قال: زعم ابن رومان أنهم كانوا يأخذ الرجل خيطًا ويصنع فيه وهقة وألقاها في ذنب الحوت، وفي الطرف الآخر من الخيط وتد مضروب، وتركه كذلك إلى الأحد، ثم تطرق الناس حين رأوا من صنع هذا لا يبتلى كثر صيد الحوت ومشي به في الأسواق، وأعلن الفسقة بصيده وقالوا ذهبت حرمة السبت فقامت فرقة من بني إسرائيل ونهت وجاهزت بالنهي واعتزلت، والعامل في قوله: {ويوم لا يسبتون} قوله: {لا تأتيهم} وهو ظرف مقدم، وقرأ عمر بن عبد العزيز {حيتانهم يوم أسباتهم}، وقرأ نافع وأبو عمرو والحسن وأبو جعفر والناس {يسبِتون} بكسر الباء، وقرأ عيسى بن عمر وعاصم بخلاف {يسبتُون} بضمها، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وعاصم بخلاف {يُسبتون} من أسبت إذا دَخل في السبت، ومعنى قوله: {كذلك} الإشارة إلى أمر الحوت وفتنتهم به، هذا على من وقف على {تأتيهم} ومن وقف على {كذلك} فالإشارة إلى كثرة الحيتان شرعًا، أي فما أتى منها فهو قليل، و{نبلوهم} أي نمتحنهم لفسقهم وعصيانهم.
قال القاضي أبو محمد: وفي قصص هذه الآية رواية وتطويل اختصرته واقتصرت منه على ما لا تفهم ألفاظ الآية إلا به. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {واسألهم} يعني أسباط اليهود، وهذا سؤال تقرير وتوبيخ يقرِّرهم على قديم كفرهم، ومخالفة أسلافهم الأنبياء، ويخبرهم بما لا يُعلم إلا بوحي.
وفي القرية خمسة أقوال:
أحدها: أنها أيلة، رواه مُرّة عن ابن مسعود، وأبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وسعيد بن جبير، وقتادة، والسدي.
والثاني: أنها مَدْيَن، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثالث: أنها ساحل مدين، روي عن قتادة.
والرابع: أنها طبرية، قاله الزهري.
والخامس: أنها قرية يقال لها: مقنا، بين مدين وعينونا، قاله ابن زيد.
ومعنى: {حاضرة البحر} مجاورة البحر وبقربه وعلى شاطئه.
{إذ يَعْدُون} قال الزجاج: أي: يظلمون، يقال: عدا فلان يعدو عُدْوانًا وعَداءً وعَدْوًا وعُدّوًا: إذا ظلم وموضع {إذ} نصب، والمعنى: سلهم عن وقت عَدْوِهم في السبت.
{إذ تأتيهم حيتانهم} في موضع نصب أيضًا ب {يَعْدُونَ} والمعنى: سلهم إذ عَدَوْا في وقت الإتيان.
{شُرَّعًا} أي: ظاهرة.
{كذلك نبلوهم} أي: مثل هذا الاختبار الشديد نختبرهم بفسقهم.
ويحتمل على بعد أن يكون المعنى: {ويوم لا يسبتون لا تأتيهم} كذلك، أي: لا تأتيهم شُرَّعًا؛ ويكون {نبلوهم} مستأنفًا.
وقرأ الحسن، والأعمش، وأبان، والمفضل عن عاصم: {يُسبِتون} بضم الياء. اهـ.