فصل: في رياض آيات السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



سورة الفاتحة:
باسم الله خير الأسماء. باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء.. {بسم الله الرحمن الرحيم}. سورة الحمد من قصار السور ولكنها أم الكتاب، وأعظم سوره. تضمنت خلاصة وجيزة لعقائد الإسلام، وعهدا وثيقا بين الناس وربهم يحقق رسالتهم في الوجود، ورجاء في الله أن يهدى الطريق، ويمنح التوفيق، وينعم بالرضا... ولننظر في الآية الأولى: {الحمد لله رب العالمين}. الحمد لفظ تلتقى فيه معان ثلاثة، فهو ثناء يكشف عن أمجاد الذات العليا من جلال وجمال وكمال، وهو مديح على ما ننال من عطاء ونعماء، جاد بها ولى النعم، وهو شكر يقابل الخير النازل والفضل المسدى. وعندما نصبح فنقول مثلا «الحمد لله الذي أحيانا من مماتنا وإليه النشور» فنحن نثنى ونمدح ونشكر. و: {رب العالمين} سيد العوالم كلها من العرش إلى الفرش، من السماء إلى الأرض، من الحيوان إلى النبات، من الملائكة إلى البشر. والعالم ما عدا الله من خلق، وما عدا الله مربوب له فقير إليه.. نعم كل ماعدا الله عبد له، صنيعة نعمته،: {فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} {الرحمن الرحيم} نحن في رحمته نعيش، والرحمة والعلم يسعان كل شيء، ولولا أن الله غفور رحيم لفتكت بنا معاصينا وقضى علينا جحودنا وطغياننا.: {مالك يوم الدين} المقصود بالدين الجزاء، وهو بداية العالم الآخر هو المقابل لعالمنا المعاصر. والحضارة المادية المسيطرة على الحياة الآن قلما تذكره، بل لعلها ترى من الهزل ذكره.
وهى تتعمد نسيانه في ميادين التربية والتشريع والسياسة الدولية والمحلية مع أنه الحقيقة العظمى، الأجدر بالرعاية والحساب..: {إياك نعبد وإياك نستعين} نعبدك وحدك يا الله، ونستعين بك لا بغيرك، فكل غير محتاج إليك، كما جاء في السنة «اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» «إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله».: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم} الخط المستقيم أقصر طريق بين نقطتين، ولذلك لا يتعدد، ومن استقام اهتدى إلى الله: {إن ربى على صراط مستقيم}. ودين الله واحد، بلغه الأنبياء على اختلاف الأعصار والأمصار، أساسه إله واحد، له الولاء، وله الثناء، يفتقر إليه أهل الأرض وأهل السماء. ولعل هذه النقطة مثار الخلاف بين أتباع الأديان المعاصرة، فالمسلمون يوقنون بأن ماعدا الله عبد له خاضع لحكمه عان لأمره في الدنيا والآخرة. ويستحيل أن يتجاوز هذه الحقيقة بشر أو ملك.. فمن لزمها نجا ومن زاغ عنها هلك.. وكل من أحسن طاعة الله ورسله بلغ هذه الغاية: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} أما من أشرك بالله شيئا، أو رفض الانقياد لأمره، فهو بين الضلال والغضب لا أمل له ولا خير فيه...: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} على الإنسان أن يكون صائب الفكر صادق النظر، فإذا اهتدى إلى الحق فعليه أن يعمل به ويتواضع لربه، ويرفق بعباده.. وهذه السورة فرض الله قراءتها في جميع الصلوات، لتكون مناجاة متجددة مقبولة بين الناس ورب الناس، فهى حقائق علمية، وهى في الوقت نفسه، ضراعة عبد ينشد رضا مولاه... وقد جاء في السنة «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال: {الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} قال الله: حمدني عبدي! وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال الله أثنى علي عبدي.! فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال الله: مجدني عبدي، أو فوض إلي عبدي! فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال الله: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل».
ونحن نكرر الدعاء لأنفسنا، كما نكرر غسل أعضائنا لأن أسباب هذا التكرار قائمة، فالجسم الإنساني لا يكفي في تطهيره أن يغسل مرة أو مرتين، لابد من تكرار الغسل مدى الحياة!! والطبع البشري لا تصقله دعوة أو دعوتان لابد من تكرار الوقوف بين يدي الله لأن رعونات النفس ووساوس الشيطان لا تنتهي، فلابد من تكرار الدعاء، واستدامة التضرع: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا}. وهكذا في سطور قلائل تم تصوير العلاقة الوحيدة الممكنة بين الناس ورب الناس. الاعتراف به، والثناء عليه، والاستعداد للقائه والتعهد بعبوديته ثم الرجاء إليه أن يجعلنا كما يحب... اهـ.

.في رياض آيات السورة الكريمة:

.تفسير الآية رقم (1):

{بسم الله الرحمن الرحيم}.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

الكتاب الثاني في مباحث: {بسم اللّه الرحمن الرحيم}:
وفيه أبواب:

.الباب الأول: في مسائل جارية مجرى المقدمات:

وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: متعلق باء البسملة:

قد بينا أن الباء من {بسم الله الرحمن الرحيم} متعلقة بمضمر، فنقول: هذا المضمر يحتمل أن يكون اسمًا، وأن يكون فعلًا، وعلى التقديرين فيجوز أن يكون متقدمًا، وأن يكون متأخرًا، فهذه أقسام أربعة، أما إذا كان متقدمًا وكان فعلًا فكقولك: أبدأ باسم الله، وأما إذا كان متقدمًا وكان اسمًا فكقولك: ابتداء الكلام باسم الله، وأما إذا كان متأخرًا وكان فعلًا فكقولك: باسم الله أبدأ، وأما إذا كان متأخرًا وكان اسمًا فكقولك: باسم الله ابتدائي ويجب البحث هاهنا عن شيئين: الأول: أن التقديم أولى أم التأخير؟ فنقول كلاهما وارد في القرآن، أما التقديم فكقوله: {باسم الله مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: 41] وأما التأخير فكقوله: {اقرأ باسم رَبّكَ} [العلق: 1] وأقول: التقديم عندي أولى، ويدل عليه وجوه: الأول: أنه تعالى قديم واجب الوجود لذاته، فيكون وجوده سابقًا على وجود غيره، والسابق بالذات يستحق السبق في الذِّكر، الثاني: قال تعالى: {هُوَ الأول والآخر} [الحديد: 3] وقال: {لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} [الروم: 4] الثالث: أن التقديم في الذكر أدخل في التعظيم، الرابع: أنه قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}.
فهاهنا الفعل متأخر عن الاسم، فوجب أن يكون في قوله: {بسم الله} كذلك، فيكون التقدير باسم الله ابتدئ، الخامس: سمعت الشيخ الوالد ضياء الدين عمر رضي الله عنه يقول: سمعت الشيخ أبا القاسم الأنصاري يقول: حضر الشيخ أبو سعيد بن أبي الخير الميهني مع الأستاذ أبي القاسم القشيري فقال الأستاذ القشيري: المحققون قالوا ما رأينا شيئًا إلا ورأينا الله بعده، فقال الشيخ أبو سعيد بن أبي الخير: ذاك مقام المريدين أما المحققون فإنهم ما رأوا شيئًا إلا وكانوا قد رأوا الله قبله، قلت: وتحقيق الكلام أن الانتقال من المخلوق إلى الخالق إشارة إلى برهان الإنّ، والنزول من الخالق إلى المخلوق برهان الله، ومعلوم أن برهان الله أشرف، وإذا ثبت هذا فمن أضمر الفعل أولًا فكأنه انتقل من رؤية فعله إلى رؤية وجوب الاستعانة باسم الله ومن قال: باسم الله ثم أضمر الفعل ثانيًا فكأنه رأى وجوب الاستعانة بالله ثم نزل منه إلى أحوال نفسه.

.المسألة الثانية: إضمار الفعل أولى أم إضمار الاسم:

قال الشيخ أبو بكر الرازي: نسق تلاوة القرآن يدل على أن المضمر هو الفعل، وهو الأمر، لأنه تعالى قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 4] والتقدير قولوا {إياك نعبد وإياك نستعين}، فكذلك قوله: {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم}.
التقدير قولوا بسم الله، وأقول: لقائل أن يقول: بل إضمار الاسم أولى، لأنا إذا قلنا تقدير الكلام بسم الله ابتداء كل شيء كان هذا إخبارًا عن كونه مبدأ في ذاته لجميع الحوادث وخالقًا لجميع الكائنات، سواء قاله قائل أو لم يقله، وسواء ذكره ذاكر أو لم يذكره، ولا شك أن هذا الاحتمال أولى، وتمام الكلام فيه يجيء في بيان أن الأولى أن يقال قولوا الحمد لله أو الأولى أن يقال الحمد لله؛ لأنه إخبار عن كونه في نفسه مستحقًا للحمد سواء قاله قائل أو لم يقله.

.المسألة الثالثة: حصول الجر بشيئين:

أحدهما: بالحرف كما في قوله: {باسم} والثاني: بالإضافة كما في {الله} من قوله: {باسم الله} وأما الجر الحاصل في لفظ {الرحمن الرحيم} فإنما حصل لكون الوصف تابعًا للموصوف في الإعراب، فهاهنا أبحاث: أحدها: أن حروف الجر لم اقتضت الجر؟ وثانيها: أن الإضافة لم اقتضت الجر؟ وثالثها: أن اقتضاء الحرف أقوى أو اقتضاء الإضافة، ورابعها: أن الإضافة على كم قسم تقع، قالوا إضافة الشيء إلى نفسه محال، فبقي أن تقع الإضافة بين الجزء والكل، أو بين الشيء والخارج عن ذات الشيء المنفصل عنه، أما القسم الأول فنحو: باب حديد، وخاتم ذهب لأن ذلك الباب بعض الحديد وذلك الخاتم بعض الذهب، وأما القسم الثاني فكقولك: غلام زيد فإن المضاف إليه مغاير للمضاف بالكلية، وأما أقسام النسب والإضافات فكأنها خارجة عن الضبط والتعديد؛ فإن أنواع النسب غير متناهية.

.المسألة الرابعة: الاسم والذات المخصوصة:

كون الاسم اسمًا للشيء نسبة بين اللفظة المخصوصة التي هي الاسم وبين الذات المخصوصة التي هي المسمى، وتلك النسبة معناها أن الناس اصطلحوا على جعل تلك اللفظة المخصوصة معرفة لذلك الشيء المخصوص، فكأنهم قالوا متى سمعتم هذه اللفظة منا فافهموا أنا أردنا بها ذلك المعنى الفلاني، فلما حصلت هذه النسبة بين الاسم وبين المسمى لا جرم صحت إضافة الاسم إلى المسمى، فهذا هو المراد من إضافة الاسم إلى الله تعالى.

.المسألة الخامسة: ذكر الاسم في قوله: {بسم الله}:

قال أبو عبيد: ذكر الاسم في قوله: {بسم الله} صلة زائدة، والتقدير بالله قال، وإنما ذكر لفظة الاسم: إما للتبرك، وإما ليكون فرقًا بينه وبين القسم، وأقول والمراد من قوله: {بسم الله} قوله: ابدؤا بسم الله، وكلام أبي عبيد ضعيف؛ لأنا لما أمرنا بالابتداء فهذا الأمر إنما يتناول فعلًا من أفعالنا، وذلك الفعل هو لفظنا وقولنا، فوجب أن يكون المراد أبدأ بذكر الله، والمراد أبدأ ببسم الله، وأيضًا فالفائدة فيه أنه كما أن ذات الله تعالى أشرف الذوات فكذلك ذكره أشرف الأذكار، واسمه أشرف الأسماء، فكما أنه في الوجود سابق على كل ما سواه وجب أن يكون ذكره سابقًا على كل الأذكار، وأن يكون اسمه سابقًا على كل الأسماء، وعلى هذا التقدير فقد حصل في لفظ الاسم هذه الفوائد الجليلة.

.الباب الثاني فيما يتعلق بهذه الكلمة من القراءة والكتابة:

.النوع الأول: المباحث المتعلقة بالقراءة:

أما المباحث المتعلقة بالقراءة فكثيرة:

.المسألة الأولى: الوقف على كلمات البسملة:

أجمعوا على أن الوقف على قوله: {بسم} ناقص قبيح، وعلى قوله: {بسم الله} أو على قوله: {بسم الله الرحمن} كاف صحيح، وعلى قوله: {بسم الله الرحمن الرحيم} تام واعلم أن الوقف لابد وأن يقع على أحد هذه الأوجه الثلاثة، وهو أن يكون ناقصًا، أو كافيًا أو كاملًا، فالوقف على كل كلام لا يفهم بنفسه ناقص، والوقف على كل كلام مفهوم المعاني إلا أن ما بعده يكون متعلقًا بما قبله يكون كافيًا، والوقف على كل كلام تام ويكون ما بعده منقطعًا عنه يكون وقفًا تامًا.
ثم لقائل أن يقول: قوله: {الحمد لله رب العالمين} كلام تام، إلا أن قوله: {الرحمن الرحيم ملك} متعلق بما قبله، لأنها صفات، والصفات تابعة للموصوفات، فإن جاز قطع الصفة عن الموصوف وجعلها وحدها آية فلم لم يقولوا بسم الله الرحمن آية؟ ثم يقولوا الرحيم آية ثانية، وإن لم يجز ذلك فكيف جعلوا الرحمن الرحيم آية مستقلة، فهذا الإشكال لابد من جوابه.

.المسألة الثانية: حكم لام الجلالة:

أطبق القراء على ترك تغليظ اللام في قوله: {بسم الله} وفي قوله: {الحمد لله} والسبب فيه أن الانتقال من الكسرة إلى اللام المفخمة ثقيل؛ لأن الكسرة توجب التسفل، واللام المفخمة حرف مستعل، والانتقال من التسفل إلى التصعد ثقيل، وإنما استحسنوا تفخيم اللام وتغليظها من هذه الكلمة في حال كونها مرفوعة أو منصوبة كقوله: {الله لَطِيف بِعِبَادِهِ} [الشورى: 19]: {قُلْ هُوَ الله أَحَد} [الإخلاص: 1] وقوله: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ} [التوبة: 111].

.المسألة الثالثة: المقصود من تفخيم لام الجلالة:

قالوا المقصود من هذا التفخيم أمران: الأول: الفرق بينه وبين لفظ اللام في الذكر، الثاني: أن التفخيم مشعر بالتعظيم، وهذا اللفظ يستحق المبالغة في التعظيم، الثالث: أن اللام الرقيقة إنما تذكر بطرف اللسان، وأما هذه اللام المغلظة فإنما تذكر بكل اللسان فكان العمل فيه أكثر فوجب أن يكون أدخل في الثواب؛ وأيضًا جاء في التوراة يا موسى أجب ربك بكل قلبك، فهاهنا كان الإنسان يذكر ربه بكل لسانه، وهو بدل على أنه يذكره بكل قلبه، فلا جرم كان هذا أدخل في التعظيم.