فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

{وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)}.
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة} يقول: رفعناه وهو قوله: {ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم} [النساء: 154] فقال: {خذوا ما آتيناكم بقوة} وإلا أرسلته عليكم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وإذ نتقنا الجبل} قال: رفعته الملائكة فوق رؤوسهم فقيل لهم {خذوا ما آتيناكم بقوة} فكانوا إذا نظروا إلى الجبل قالوا: سمعنا وأطعنا، وإذا نظروا إلى الكتاب قالوا: سمعنا وعصينا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: إني لأعلم لم تسجد اليهود على حرف قال الله: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم} قال: لتأخذن أمري أو لأرمينكم به، فسجدوا وهم ينظرون إليه مخافة أن يسقط عليهم، فكانت سجدة رضيها الله تعالى فاتخذوها سنة.
وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال: أتى ابن عباس يهودي ونصراني فقال لليهودي:
ما دعاكم أن تسجدوا بجباهكم؟ فلم يدر ما يجيبه، فقال: سجدتم بجباهكم لقول الله: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة} فخررتم لجباهكم تنظرون إليه، وقال للنصراني: سجدتم إلى الشرق لقول الله: {انتبذت به مكانًا شرقيًا} [مريم: 16].
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: إن هذا الجبل، جبل الطور، هو الذي رفع على بني إسرائيل.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وإذ نتقنا الجبل} قال: كما تنتق الزبدة أخرجنا الجبل.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ثابت بن الحجاج قال: جاءتهم التوراة جملة واحدة، فكبر عليهم فأبوا أن يأخذوه حتى ظلَّل الله عليهم الجبل، فأخذوه عند ذلك.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة {وإذ نتقنا الجبل} قال: انتزعه الله من أصله ثم جعله فوق رؤوسهم، ثم قال: لتأخذن أمري أو لأرمينكم به.
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن الكلبي قال: كتب هرقل ملك الروم إلى معاوية يسأله عن الشيء ولا شيء، وعن دين لا يقبل الله غيره، وعن مفتاح الصلاة، وعن غرس الجنة، وعن صلاة كل شيء، وعن أربعة فيهم الروح ولم يركضوا في اصلاب الرجال ولا ارحام النساء، وعن رجل لا أب له، وعن رجل لا قوم له، وعن قبر جرى بصاحبه، وعن قوس قزح، وعن بقعة طلعت عليها الشمس مرة لم تطلع عليها قبلها ولا بعدها، وعن ظاعن ظعن مرة لم يظعن قبلها ولا بعدها، وعن شجرة نبتت بغير ماء، وعن شيء يتنفس لا روح له، وعن اليوم وأمس وغد وبعد غد ما أجزاؤها في الكلام، وعن الرعد والبرق وصوته، وعن المجرة، وعن المحو الذي في القمر؟ فقيل له: لست هناك وإنك متى تخطىء شيئًا في كتابك إليه يغتمزه فيك، فاكتب إلى ابن عباس.
فكتب إليه فأجابه ابن عباس: أما الشيء: فالماء، قال الله: {وجعلنا من الماء كل شيء حي} واما لا شيء: فالدنيا تبيد وتفنى، وأما الدين الذي لا يقبل الله غيره: فلا إله إلا الله، وأما مفتاح الصلاة: فالله أكبر، وأما غرس الجنة. فلا حول ولا قوة إلا بالله، وأما صلاة كل شيء: فسبحان الله وبحمده، وأما الأربعة التي فيها الروح ولم يرتكضوا في أصلاب الرجال ولا أرحام النساء: فآدم، وحواء، وعصا موسى، والكبش الذي فدى الله به إسحق، واما الرجل الذي لا أب له: فعيسى ابن مريم، وأما الرجل الذي لا قوم له: فآدم، وأما القبر الذي جرى بصاحبه: فالحوت حيث سار بيونس في البحر، وأما قوس قزح: فأمان الله لعباده من الغرق، وأما البقعة التي طلعت عليها الشمس ولم تطلع عليها قبلها ولا بعدها: فالبحر حيث انفلق لبني إسرائيل، وأما الظاعن الذي ظعن مرة لم يظعن قبلها ولا بعدها: فجبل طور سيناء، كان بينه وبين الأرض المقدسة أربع ليال، فلما عصت بنو إسرائيل أطاره الله بجناحين من نور فيه ألوان العذاب، فأظله الله عليهم وناداهم مناد إن قبلتم التوراة كشفته عنكم وإلا ألقيته عليكم، فأخذوا التوراة معذورين فرده الله إلى موضعه، فذلك قوله: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة...} الآية، وأما الشجرة التي نبتت من غير ماء: فاليقطينة التي أنبتت على يونس، وأما الذي تنفس بلا روح فالصبح. قال الله: {والصبح إذا تنفس} [التكوير: 18]، وأما اليوم: فعمل، وأما أمس: فمثل، وأما غد: فأجل وبعد غد فأمل، وأما البرق: فمخاريق بأيدي الملائكة تضرب بها السحاب، وأما الرعد: فاسم الملك الذي يسوق السحاب وصوته زجره، وأما المجرة: فأبواب السماء ومنها تفتح الأبواب، وأما المحو الذي في القمر فقول الله: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل} [الإِسراء: 12] ولولا ذلك المحو لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل.
فبعث بها معاوية إلى قيصر، وكتب إليه جواب مسائله. فقال قيصر: ما يعلم هذا إلا نبي أو رجل من أهل بيت نبي. والله تعالى أعلم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {وَإِذ نَتَقْنَا الجبل} الآية.
قال أبو عبيدة: النَّتْقُ: قلعُ الشيء من موضعه، والرَّمْيُ به، ومنه: نَتَقَ ما في الجراب إذا نفضه فرمى ما فيه، وامرأة ناتِقٌ، ومِنْتَاقٌ: إذا كانت كثيرة الولادة، وفي الحديث: «عليْكُمْ بزواج الأبْكارِ، فإنَّهُنَّ أطْيَبُ أفواهًا، وأنْتَقُ أرْحامًا، وأرضى باليسَيرِ».
وقيل: النتَّق: الجَذْبُ بشدة.
ومنه: نتقْتُ السِّقَاءِ إذا جذبْتَهُ لتقتلعَ الزُّبدْةَ من فم القرية.
قال الفرَّاءُ: هو الرفعُ وقال ابن قتيبة: الزَّعْزَعَةُ، وبه فَسَّرَهُ مجاهد.
وقال النَّابغة: [الكامل]
لَمْ يُحْرَمُوا حُسنَ الغذَاءِ وأمَّهُمْ ** طَفَحَتْ عليْكَ بِنَاتِقٍ مِذْكَارِ

وكلُّها معانٍ متقاربة.
قوله: {فَوقَهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: هو متعلِّقٌ بمحذوف، على أنَّه حال من الجَبَل وهي حالٌ مقدرة؛ لأنَّ حالةَ النَّتْق لم تكن فوقهم، لكن بالنَّتْق صار فوقهم.
والثاني: أنه ظرفٌ لـ: نَتَقْنَا قاله الحوفيُّ وأبو البقاءِ.
قال أبو حيان: ولا يمكن ذلك، إلاَّ أن يُضَمَّن معنى فِعْلِ يمكن أن يعمل في فَوقَهُمْأي: رفعنا بالنَّتْقِ الجبل فوقهم، فيكون كقوله: {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطور} [النساء: 154].
فعلى هذا يكون فَوقَهُمْ منصوبًا بنتق لا بمعنى رفع.
قوله: {كأنَّهُ ظُلَّةٌ} في محل نصبٍ على الحالِ من {الجَبَل} أيضًا فتتعدَّد الحال.
وقال مكيٌّ: هي خبر مبتدأ محذوف، أي: هو كأنه ظُلَّة وفيه بُعد.
والظُّلَّة: كل ما أظلك.
قال عطاءٌ: سقيفة.
قوله وَظَنُّوا فيه أوجه:
أحدها: أنَّهُ في محل جرٍّ نسقًا على نَتَقْنَا المخفوض بالظَّرف تقديرًا.
والثاني: أنه حال وقد مقدرةٌ عند بعضهم، وصاحبُ الحالِ إمَّا: الجبل أي: كأنَّهُ ظُلَّةٌ في حال كونه مظنونًا وقوعه بهم، ويضعف أن يكون صاحبُ الحال: هُمْ في: فَوْقَهُمْ.
الثالث: أنه مستأنف، فلا محلَّ له، والظنُّ هنا على بابه.
قال أهل المعاني: قوي في نفوسهم ويجوز أن يكون بمعنى اليقين.
قال المفسِّرُون: علموا وأيقنوا أنَّهُ واقع بهم والباء على بابها أيضًا.
قيل: ويجوز أن تكون بمعنى على.
قوله: {واذكُرُوا} العامَّةُ على التخفيف أمْرًا من: ذَكَرَ يَذْكُرَ: والأعمش واذَّكَرُوا بتشديد الذال من الأذّكار، والأصل: اذتكرُوا، والاذتكار، تقدم تصريفه.
وقرأ ابن مسعود {تذكَّرُوا} من: تذكَّر بتشديد الكاف.
وقرئ {وتذَّكَّرُوا} بتشديد الذال والكاف والأصل: ولتتذكَّرُوا فأدغمت التاء في الذال، وحُذِفِتْ لامُ الجزم كقوله: [الوافر]
مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ

اهـ. باختصار.