فصل: تفسير الآية رقم (173):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (173):

قوله تعالى: {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{أو تقولوا} أي لو لم نرسل إليهم الرسل {إنما أشرك آباؤنا من قبل} أي من قبل أن نوجد {وكنا ذرية من بعدهم} فلم نعرف لنا مربيًا غيرهم فكنا لهم تبعًا فشغلنا اتباعهم عن النظر ولم يأتنا رسول منبه، فيتسبب عن ذلك إنكارهم في قولهم: {أفتهلكنا بما فعل المبطلون} أي من آبائنا؛ قال أبو حيان: والمعنى أن الكفرة لو لم يؤخذ عليهم عهد ولا جاءهم رسول بما تضمنه العهد من توحيد الله وعبادته لكانت لهم حجتان: إحدهما كنا غافلين والأخرى كنا تبعًا لأسلافنا فكيف والذنب إنما هو لمن طرّق لنا وأضلنا- انتهى.
ومما يؤيد معنى التمثيل حديث أنس في الصحيح «يقول الله لأهون أهل النار عذابًا: لو أن لك ما في الأرض من شيء كنت تفتدي به؟ قال: نعم، قال: فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك شيئًا، فأبيت إلا الشرك» وذلك لأن التصريح بالآباء ينافي كون الإقرار على حقيقته، والأخذ وهو في الصلب إنما هو بنصب الأدلة وتقرير الحق على وجه مهيىء للاستدلال بتركيب العقل على القانون الموصل إلى المقصود عند التخلي من الحظوظ والشوائب، وهذا الذي وقع تأويل الآية به لا يعارضه حديث الاستنطاق في عالم الذر على تقدير صحته، فإنه روي من طرق كثيرة جدًّا ذكرتها في كتابي سر الروح، منها في الموطأ ومسند أحمد وإسحاق بن راهويه ومحمد بن نصر المروزي وأبي يعلى الموصلي ومستدرك الحاكم وكتاب المائتين لأبي عثمان الصابوني عن صحابة وتابعين مرفوعًا وموقوفًا- منهم عمر وأبيّ بن كعب وأبو هريرة وحكيم بن حزام وعبدالله بن سلام وعبد الله بن عمرو وابن عباس وابن مسعود- رضي الله عنهم- م، وعن محمد بن كعب وعطاء بن يسار وسعيد بن المسيب وأبي العالية رحمهم الله، وإنما كان لا يعارضه لأن في بعض طرقه عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنهم- أنه سبحانه قال بعد أن استنطقهم: «فإني أشهد عليكم السماوات السبع والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين، فلا تشركوا بي شيئًا، فإني أرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي، فقالوا: نشهد أنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك» فالاستنطاق في الحديث على بابه، عبرة لأبينا آدم عليه السلام ومن حضر ذلك من الخلق، وإيقافًا لهم على بديع قدرته وعظيم علمه، وإشهاد ما أشهد من المخلوقات بمعنى أنه نصب فيها من الأدلة ما يكون إقامة الحجة به عليهم بالنقض إن أشركوا كشهادة الشاهد الذي لا يرد، وليس في شيء من الروايات ما ينافي هذا؛ والحاصل أنه أخذ علينا عهدان: أحدهما حالي تهدى إليه العقول، وهو نصب الأدلة، والآخر مقالي أخبرت به الرسل، كل ذلك للإعلام بمزيد الاعتناء بهذا النوع البشري لما له من الشرف الكريم ويراد به من الأمر العظيم- والله الموفق. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله: {أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ ءَابَاؤُنَا مِن قَبْلُ}.
قال المفسرون: المعنى أن المقصود من هذا الإشهاد أن لا يقول الكفار إنما أشركنا، لأن آباءنا أشركوا، فقلدناهم في ذلك الشرك، وهو المراد من قوله: {أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ المبطلون} والحاصل: أنه تعالى لما أخذ عليهم الميثاق امتنع عليهم التمسك بهذا القدر.
وأما الذين حملوا الآية على أن المراد منه مجرد نصب الدلائل.
قالوا: معنى الآية إنا نصبنا هذه الدلائل، وأظهرناها للعقول كراهة أن يقولوا يوم القيامة {إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافلين} فما نبهنا عليه منبه أو كراهة أن يقولوا إنما أشركنا على سبيل التقليد لأسلافنا، لأن نصب الأدلة على التوحيد قائم معهم، فلا عذر لهم في الإعراض عنه، والإقبال على التقليد والاقتداء بالآباء. اهـ.

.قال السمرقندي:

{أَوْ تَقُولُواْ} أي: لكيلا تقولوا: {أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ ءابَاؤُنَا} ونقضوا العهد {وَكُنَّا ذُرّيَّةً مّن بَعْدِهِمْ} لم نعلم به {أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ المبطلون} يعني: آباؤنا المشركون.
فإن قيل: هل كان إقرارهم إيمانًا منهم؟ قيل له: أما المؤمنون كان إقرارهم إيمانًا.
وأما الكافرون فلم يكن إقرارهم إيمانًا.
لأن إقرارهم كان تقية.
ولم يكن حقيقة.
قرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو {ذرياتهم} بلفظ الجماعة.
وقرأ الباقون {واتبعتهم ذُرّيَّتُهُم} بلفظ واحد لأن الذرية قد أضافها إلى الجماعة فاستغنى عن لفظ الجمع.
وقرأ أبو عمرو {أَن يَقُولُواْ} بالياء وكذلك في قوله: {أَوْ يَقُولُواْ}.
وقرأ الباقون كليهما بالتاء على معنى الخطاب. اهـ.

.قال ابن عطية:

{أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}.
قال القاضي أبو محمد: المعنى في هذه الآيات أن الكفرة لو لم يؤخذ عليهم عهد ولا جاءهم رسول مذكرو بما تضمنه العهد من توحيد الله وعبادته لكانت لهم حجتان، إحداهما كنا غافلين، والأخرى كنا تباعًا لأسلافنا فكيف نهلك، والذنب إنما هو لمن طرق لنا وأضلنا فوقعت شهادة بعضهم على بعض أو شهادة الملائكة عليهم لتنقطع لهم هذه الحجج، والاختلاف في {يقولوا} أو {تقولوا} بحسب الأول. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ}.
فاتبَّعنا منهاجهم على جهلٍ منَّا بآلهيتك {أفتهلكنا بما فعل المبطلون} في دعواهم أن معك إلهًا، فقطع الله احتجاجهم بمثل هذا، إذ أذكرهم أخذ الميثاق على كل واحد منهم.
وجماعة أهل العلم على ما شرحنا من أنه استنطق الذر، وركَّب فيهم عقولًا وأفهامًا عرفوا بها ما عرض عليهم.
وقد ذكر بعضهم أن معنى أخذ الذرية: إخراجهم إلى الدنيا بعد كونهم نطفًا.
ومعنى إشهادهم على أنفسهم: اضطرارهم إلى العلم بأنه خالقهم بما أظهر لهم من الآيات والبراهين.
ولما عرفوا ذلك ودعاهم كلُّ ما يرون ويشاهدون إلى التصديق، كانوا بمنزلة الشاهدين والمشهِدين على أنفسهم بصحته، كما قال: {شاهدين على أنفسهم بالكفر} [التوبة: 17] يريدهم: بمنزلة الشاهدين، وإن لم يقولوا نحن كفرة، كما يقول الرجل: قد شهدتْ جوارحي بصدقك، أي: قد عرفْته.
ومن هذا الباب قوله: {شهد الله} [آل عمران: 19] أي: بيَّن وأعلم.
وقد حكى نحو هذا القول ابن الأنباري، والأول أصح، لموافقة الآثار. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {أو تقولوا} يعني الذرية {إنما أشرك آباؤنا من قبل} يعني إنما أخذ المثاق عليهم لئلا يقول المشركون إنما أشرك آباؤنا من قبل {وكنا ذرية من بعدهم} يعني وكنا أتباعًا لهم فاقتدينا بهم في الشرك {أفتهلكنا} يعني أفتعذبنا {بما فعل المبطلون} قال المفسرون: هذا قطع لعذر الكفار فلا يستطيع أحد من الذرية أن يقول يوم القيامة إنما أشرك آباؤنا من قبلنا ونقضوا العهد والميثاق وكنا نحن الذرية من بعدهم فقلدناهم واقتدينا بهم وكنا في غفلة عن هذا الميثاق فلا ذنب لنا فلا يمكنهم أن يحتجوا بمثل ذلك وقد أخذ عليهم جميعًا الميثاق وجاءتهم الرسل وذكروهم به وثبتت الحجة عليهم بذلك يوم القيامة، وأما الذين حملوا معنى الآية على أن المراد منه مجرد نصب الدلائل وهو مذهب أهل النظر قالوا معناه إن الله نصب هذه الدلائل وأظهرها للعقول لئلا يقولوا إنما أشركنا على سبيل التقليد لآبائنا لأن نصب أدلة التوحيد قائم معهم فلا عذر لهم في الإعراض عنه والإقبال على تقليد الآباء في الشرك. اهـ.

.قال أبو حيان:

{أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم}.
المعنى أن الكفرة لو لم يؤخذ عليهم عهد ولا جاءهم رسول مذكر بما تضمنه العهد من توحيد الله وعبادته لكانت لهم حجتان إحداهما: كنا غافلين والأخرى: كنا أتباعًا لأسلافنا فكيف نهلك والذنب إنما هو لمن طرّق لنا وأضلّنا فوقعت الشهادة لتنقطع عنهم الحجج، وقرأ أبو عمرو إن يقولوا بالياء على الغيبة وباقي السبعة بالتاء على الخطاب.
{أفتهلكنا بما فعل المبطلون}.
هذا من تمام القول الثاني أي كانوا السبب في شركنا لتأسيسهم الشرك وتقدمهم فيه وتركه سنة لنا والمعنى أنه تعالى أزال عنهم الاحتجاج بتركيب العقول فيهم وتذكيرهم ببعثة الرسل إليهم فقطع بذلك أعذارهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

قوله تعالى: {أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ ءابَاؤُنَا}.
عطفٌ على تقولوا و{أو} لمنع الخلوّ دون الجمعِ، أي هم اخترعوا الإشراكَ وهم سنّوه {مِن قَبْلُ} أي من قبل زمانِنا {وَكُنَّا} نحن {ذُرّيَّةً مّن بَعْدِهِمْ} لا نهتدي إلى السبيل ولا نقدِر على الاستدلال بالدليل {أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ المبطلون} من آبائنا المُضلّين بعد ظهور أنهم المجرمون ونحن عاجزون عن التدبير والاستبدادِ بالرأي، أو أتؤاخذنا فتهلكنا الخ، فإن ما ذكر من استعدادهم الكاملِ يسُدّ عليهم بابَ الاعتذار بهذا أيضًا فإن التقليدَ عند قيامِ الدلائلِ والقدرةِ على الاستدلال بها مما لا مساغَ له أصلًا.
هذا وقد حُملت هذه المقاولة على الحقيقة كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما من أنه لما خلق الله تعالى آدم عليه السلام مسحَ ظهرَه فأخرج منه كلَّ نسَمةٍ هو خالقُها إلى يوم القيامة فقال: ألستُ بربكم قالوا: بلى فنودي يومئذ جَفّ القلمُ بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة. وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه سئل عن الآية الكريمة فقال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سُئل عنها فقال: «إن الله تعالى خلق آدمَ ثم مسحَ ظهرَه بيمينه فاستخرج منه ذريةً فقال: خلقتُ هؤلاء للجنة وبعمل أهلِ الجنة يعملون، ثم مسح ظهرَه فاستخرج منه ذريةً فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهلِ النار يعملون»، وليس المعنى أنه تعالى أخرج الكلَّ من ظهره عليه الصلاة والسلام بالذات بل أخرج من ظهره عليه السلام أبناءَه الصُّلبية ومن ظهرهم أبناءَهم الصلبية وهكذا إلى آخر السلسلة لكن لما كان المظهرُ الأصليُّ ظهرَه عليه الصلاة والسلام وكان مَساقُ الحديثين الشريفين بيانَ حال الفريقين إجمالا من غير أن يتعلق بذكر الوسائطِ غرضٌ على نسب إخراجِ الكلِّ إليه، وأما الآيةُ الكريمة فحيث كانت مسوقةً للاحتجاج على الكفرة المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبيانِ عدمِ إفادةِ الاعتذارِ بإسناد الإشراكِ إلى آبائهم اقتضى الحالُ نسبةَ إخراجِ كل واحدٍ منهم إلى ظهر أبيهم من غير تعرّضٍ لإخراج الأبناءِ الصلبيةِ لآدم عليه السلام من ظهره قطعًا، وعدمُ بيان الميثاقِ في حديث عمرَ رضى الله تعالى عنه ليس بيانًا لعدمه ولا مستلزِمًا له، وأما ما قالوا من أن أخذَ الميثاق لإسقاط عذرِ الغفلةِ حسبما ينطِق به قوله تعالى: {أَن تَقُولُواْ يَوْمَ القيامة إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافلين} ومعلوم أنه غيرُ دافع لغفلتهم في دار التكليفِ إذ لا فرْدَ من أفراد البشر يذكُر ذلك فمردودٌ لكن لا بما قيل من أن الله عز وجل قد أوضح الدلائلَ على وحدانيته وصدقِ رسلهِ فيما أَخبروا به فمن أنكره كان معاندًا ناقضًا للعهد ولزِمتْه الحُجة، ونسيانُهم وعدمُ حفظهم لا يُسقط الاحتجاجَ بعد إخبار المخبِرِ الصادقِ بل بأن قوله تعالى: {أَن تَقُولُواْ} الخ، ليس مفعولًا له لقوله تعالى: {وَأَشْهَدَهُمْ} وما يتفرع عليه من قولهم: {بلى شهِدنا} حتى يجب كونُ ذلك الإشهادِ والشهادة محفوظًا لهم في إلزامهم بل لفعل مضمر ينسحب عليه الكلامُ والمعنى فعلنا ما فعلنا من الأمر بذكر الميثاقِ وبيانِه كراهةَ أن تقولوا أو لئلا تقولوا أيها الكفرةُ يوم القيامة: إنا كنا غافلين عن ذلك الميثاقِ لم نُنَبَّه عليه في دار التكليفِ وإلا لعمِلنا بموجبه.
هذا على قراءة الجمهور، وأما على القراءة بالياء فهو مفعول له لنفس الأمر المضمر العاملِ في إذ أخذ، والمعنى اذكُرْ لهم الميثاقَ المأخوذَ منهم فيما مضى لئلا يعتذروا يوم القيامة بالغفلة عنه أو بتقليد الآباءِ، هذا على تقدير كونِ قوله تعالى: {شَهِدْنَا} من كلام الذرية وهو الظاهرُ، فأما على تقدير كونِه من كلامه تعالى فهو العامل في أن تقولوا ولا محذور أصلًا، إذ المعنى شهِدنا قولَكم هذا لئلا تقولوا يوم القيامة إلخ لأنا نردكم ونكذبكم حينئذ. اهـ.