فصل: أسئلة وأجوبة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.أسئلة وأجوبة:

.السؤال الأول: انتفاء إتيانهم بالسورة واجب، فهلا جيء بإذا الذي للوجوب دون إن الذي للشك؟

الجواب فيه وجهان:
أحدهما: أن يساق القول معهم على حسب حسبانهم، فإنهم كانوا بعد غير جازمين بالعجز عن المعارضة لاتكالهم على فصاحتهم واقتدارهم على الكلام.
الثاني: أن يتهكم بهم كما يقول الموصوف بالقوة الواثق من نفسه بالغلبة على من يقاومه: إن غلبتك، وهو يعلم أنه غالبه تهكمًا به.

.السؤال الثاني: لم قال: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ} ولم يقل فإن لم تأتوا به؟

الجواب:
لأن هذا أخصر من أن يقال فإن لم تأتوا بسورة من مثله ولن تأتوا بسورة من مثله.

.السؤال الثالث: {وَلَن تَفْعَلُواْ} ما محلها؟

الجواب:
لا محل لها لأنها جملة اعتراضية.

.السؤال الرابع: ما حقيقة لن في باب النفي؟

الجواب:
لا ولن أختان في نفي المستقبل إلا أن في {لن} توكيدًا وتشديدًا تقول لصاحبك: لا أقيم غدًا عندك، فإن أنكر عليك قلت لن أقيم غدًا، ثم فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أصله لا أن، وهو قول الخليل.
وثانيها: لا، أبدلت ألفها نونًا، وهو قول الفراء.
وثالثها: حرف نصب لتأكيد نفي المستقبل وهو قول سيبويه، وإحدى الروايتين عن الخليل.

.السؤال الخامس: ما معنى اشتراطه في اتقاء النار انتفاء إتيانهم بسورة من مثله؟

الجواب:
إذا ظهر عجزهم عن المعارضة صح عندم صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا صح ذلك ثم لزموا العناد استوجبوا العقاب بالنار، فاتقاء النار يوجب ترك العناد، فأقيم المؤثر مقام الأثر، وجعل قوله: {فاتقوا النار} قائمًا مقام قوله: فاتركوا العناد، وهذا هو الإيجاز الذي هو أحد أبواب البلاغة وفيه تهويل لشأن العناد؛ لإنابة اتقاء النار منابه متبعًا ذلك بتهويل صفة النار.

.السؤال السادس: ما الوقود؟

الجواب:
هو ما يوقد به النار وأما المصدر فمضموم وقد جاء فيه الفتح، قال سيبويه: وسمعنا من العرب من يقول وقدنا النار وقودًا عاليًا، ثم قال والوقود أكثر، والوقود الحطب وقرأ عيسى بن عمر بالضم تسمية بالمصدر كما يقال فلان فخر قومه وزين بلده.

.السؤال السابع: صلة الذي يجب أن تكون قضية معلومة فكيف علم أولئك أن نار الآخرة توقد بالناس والحجارة؟

الجواب:
لا يمنع أن يتقدم لهم بذلك سماع من أهل الكتاب، أو سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سمعوا من قبل هذه الآية قوله في سورة التحريم: {نَارًا وَقُودُهَا الناس والحجارة} [التحريم: 6].

.السؤال الثامن: لم جاءت النار الموصوفة بهذه الجملة منكرة في سورة التحريم وههنا معرفة؟

الجواب:
تلك الآية نزلت بمكة فعرفوا منها نارًا موصوفة بهذه الصفة ثم نزلت هذه بالمدينة مستندة إلى ما عرفوه أولًا.

.السؤال التاسع: ما معنى قوله: {وَقُودُهَا الناس والحجارة}؟

الجواب:
أنها نار ممتازة من النيران بأنها لا تتقد إلا بالناس والحجارة، وذلك يدل على قوتها من وجهين:
الأول: أن سائر النيران إذا أريد إحراق الناس بها أو إجماء الحجارة أوقدت أولًا بوقود ثم طرح فيها ما يراد إحراقه أو إحماؤه، وتلك أعاذنا الله منها برحمته الواسعة توقد بنفس ما تحرق.
الثاني: أنها لإفراط حرها تتقد في الحجر.

.السؤال العاشر: لم قرن الناس بالحجارة وجعلت الحجارة معهم وقودًا؟

الجواب:
لأنهم قرنوا بها أنفسهم في الدنيا حيث نحتوها أصنامًا وجعلوها لله أندادًا وعبدوها من دونه قال تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] وهذه الآية مفسرة لها فقوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} في معنى الناس والحجارة وحصب جهنم في معنى وقودها ولما اعتقد الكفار في حجارتهم المعبودة من دون الله أنها الشفعاء والشهداء الذين يستشفعون بهم ويستدفعون المضار عن أنفسهم تمسكًا بهم، وجعلها الله عذابهم فقرنهم بها محماة في نار جهنم إبلاغًا وإغرابًا في تحسرهم، ونحوه ما يفعله بالكافرين الذين جعلوا ذهبهم وفضتهم عدة وذخيرة فشحوا بها ومنعوها من الحقوق حيث يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباهم وجنوبهم وظهورهم، وقيل هي حجارة الكبريت، وهو تخصيص بغير دليل، بل فيه ما يدل على فساده.
وذلك لأن الغرض هاهنا تعظيم صفة هذه النار والإيقاد بحجارة الكبريت أمر معتاد فلا يدل الإيقاد بها على قوة النار، أما لو حملناه على سائر الأحجار دل ذلك على عظم أمر النار فإن سائر الأحجار تطفأ بها النيران فكأنه قال تلك النيران بلغت لقوتها أن تتعلق في أول أمرها بالحجارة التي هي مطفئة لنيران الدنيا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا} أخبر أنهم قطعًا لا يقدرون على ذلك ولا يفعلون فقال: {وَلَن تَفْعَلُوا} فكان كما قال- فانظروا لأنفسكم، واحذروا الشِّرْكَ الذي يوجب لكم عقوبة النار التي من سطوتها بحيث وقودها الناس والحجارة، فإذا كانت تلك النار التي لا تثبت لها الحجارة مع صلابتها فكيف يطيقها الناس مع ضعفهم، وحين أشرفت قلوب المؤمنين على غاية الإشفاق من سماع ذكر النار تداركها بحكم التثبيت فقال: {أُعِدَّتْ للكَافِرِينَ} ففي ذلك بشارة للمؤمنين. وهذه سُنَّةٌ من الحق سبحانه إذا خوَّف أعداءه بَشَّر مع ذلك أولياءه.
وكما أنَّ كيد الكافرين يضمحل في مقابلة معجزات الرسل عليهم السلام فكذلك دعاوى المُلْبِسين تتلاشى عند ظهور أنوار الصديقين، وأمارةُ المُبْطِل في دعواه رجوعٌ الزجر منه إلى القلوب، وعلامة الصادق في معناه وقوع القهر منه على القلوب. وعزيزٌ من فصّل وميَّز بين رجوع الزجر وبين وقوع القهر. اهـ.

.من فوائد ابن كثير في الآيتين:

قال رحمه الله:
ثم شرع تعالى في تقرير النبوة بعد أن قرر أنه لا إله إلا هو، فقال مخاطبًا للكافرين: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم {فَأْتُوا بِسُورَةٍ} من مثل ما جاء به إن زعمتم أنه من عند غير الله، فعارضوه بمثل ما جاء به، واستعينوا على ذلك بمن شئتم من دون الله، فإنكم لا تستطيعون ذلك.
قال ابن عباس: {شُهَدَاءَكُمْ} أعوانكم أي: قومًا آخرين يساعدونكم على ذلك.
وقال السدي، عن أبي مالك: شركاءكم أي استعينوا بآلهتكم في ذلك يمدونكم وينصرونكم.
وقال مجاهد: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} قال: ناس يشهدون به يعني: حكام الفصحاء.
وقد تحداهم الله تعالى بهذا في غير موضع من القرآن، فقال في سورة القصص: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [القصص: 49] وقال في سورة سبحان: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] وقال في سورة هود: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود: 13]، وقال في سورة يونس: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس: 37، 38] وكل هذه الآيات مكية.
ثم تحداهم الله تعالى بذلك- أيضًا- في المدينة، فقال في هذه الآية: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} أي: في شك {مِمَّا نزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم.
{فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} يعني: من مثل هذا القرآن؛ قاله مجاهد وقتادة، واختاره ابن جرير. بدليل قوله: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ} [هود: 13] وقوله: {لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء: 88] وقال بعضهم: من مثل محمد صلى الله عليه وسلم، يعني: من رجل أمي مثله. والصحيح الأول؛ لأن التحدي عام لهم كلهم، مع أنهم أفصح الأمم، وقد تحداهم بهذا في مكة والمدينة مرات عديدة، مع شدة عداوتهم له وبغضهم لدينه، ومع هذا عجزوا عن ذلك؛ ولهذا قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} ولن: لنفي التأبيد أي: ولن تفعلوا ذلك أبدًا. وهذه- أيضًا- معجزة أخرى، وهو أنه أخبر أن هذا القرآن لا يعارض بمثله أبدا وكذلك وقع الأمر، لم يعارض من لدنه إلى زماننا هذا ولا يمكن، وَأنَّى يَتَأتَّى ذلك لأحد، والقرآن كلام الله خالق كل شيء؟ وكيف يشبه كلام الخالق كلام المخلوقين؟!
ومن تدبر القرآن وجد فيه من وجوه الإعجاز فنونًا ظاهرة وخفية من حيث اللفظ ومن جهة المعنى، قال الله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1]، فأحكمت ألفاظه وفصلت معانيه أو بالعكس على الخلاف، فكل من لفظه ومعناه فصيح لا يجارى ولا يدانى، فقد أخبر عن مغيبات ماضية وآتية كانت ووقعت طبق ما أخبر سواء بسواء، وأمر بكل خير، ونهى عن كل شر كما قال: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا} [الأنعام: 115] أي: صدقًا في الأخبار وعدلا في الأحكام، فكله حق وصدق وعدل وهدى ليس فيه مجازفة ولا كذب ولا افتراء، كما يوجد في أشعار العرب وغيرهم من الأكاذيب والمجازفات التي لا يحسن شعرهم إلا بها، كما قيل في الشعر: إن أعذبه أكذبه، وتجد القصيدة الطويلة المديدة قد استعمل غالبها في وصف النساء أو الخيل أو الخمر، أو في مدح شخص معين أو فرس أو ناقة أو حرب أو كائنة أو مخافة أو سبع، أو شيء من المشاهدات المتعينة التي لا تفيد شيئًا إلا قدرة المتكلم المعبر على التعبير على الشيء الخفي أو الدقيق أو إبرازه إلى الشيء الواضح، ثم تجد له فيها بيتًا أو بيتين أو أكثر هي بيوت القصيد وسائرها هذر لا طائل تحته.
وأما القرآن فجميعه فصيح في غاية نهايات البلاغة عند من يعرف ذلك تفصيلا وإجمالا ممن فهم كلام العرب وتصاريف التعبير، فإنه إن تأملت أخباره وجدتها في غاية الحلاوة، سواء كانت مبسوطة أو وجيزة، وسواء تكررت أم لا وكلما تكرر حلا وعلا لا يَخلق عن كثرة الرد، ولا يمل منه العلماء، وإن أخذ في الوعيد والتهديد جاء منه ما تقشعر منه الجبال الصم الراسيات، فما ظنك بالقلوب الفاهمات، وإن وعد أتى بما يفتح القلوب والآذان، ويشوق إلى دار السلام ومجاورة عرش الرحمن، كما قال في الترغيب: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] وقال: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف: 71]، وقال في الترهيب: {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ} [الإسراء: 68]، {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك: 16، 17] وقال في الزجر: {فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} [العنكبوت: 40]، وقال في الوعظ: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء: 205- 207] إلى غير ذلك من أنواع الفصاحة والبلاغة والحلاوة، وإن جاءت الآيات في الأحكام والأوامر والنواهي، اشتملت على الأمر بكل معروف حسن نافع طيب محبوب، والنهي عن كل قبيح رذيل دنيء؛ كما قال ابن مسعود وغيره من السلف: إذا سمعت الله تعالى يقول في القرآن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فأوعها سمعك فإنه خير ما يأمر به أو شر ينهى عنه. ولهذا قال تعالى: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} الآية [الأعراف: 157]، وإن جاءت الآيات في وصف المعاد وما فيه من الأهوال وفي وصف الجنة والنار وما أعد الله فيهما لأوليائه وأعدائه من النعيم والجحيم والملاذ والعذاب الأليم، بشرت به وحذرت وأنذرت؛ ودعت إلى فعل الخيرات واجتناب المنكرات، وزهدت في الدنيا ورغبت في الأخرى، وثبتت على الطريقة المثلى، وهدت إلى صراط الله المستقيم وشرعه القويم، ونفت عن القلوب رجس الشيطان الرجيم.
ولهذا ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعْطِيَ من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة» لفظ مسلم. وقوله: «وإنما كان الذي أوتيته وحيًا» أي: الذي اختصصت به من بينهم هذا القرآن المعجز للبشر أن يعارضوه، بخلاف غيره من الكتب الإلهية، فإنها ليست معجزة عند كثير من العلماء والله أعلم. وله عليه الصلاة والسلام من الآيات الدالة على نبوته، وصدقه فيما جاء به ما لا يدخل تحت حصر، ولله الحمد والمنة.
وقد قرر بعض المتكلمين الإعجاز بطريق يشمل قول أهل السنة وقول المعتزلة في الصوفية، فقال: إن كان هذا القرآن معجزًا في نفسه لا يستطيع البشر الإتيان بمثله ولا في قواهم معارضته، فقد حصل المدعى وهو المطلوب، وإن كان في إمكانهم معارضته بمثله ولم يفعلوا ذلك مع شدة عداوتهم له، كان ذلك دليلا على أنه من عند الله؛ لصرفه إياهم عن معارضته مع قدرتهم على ذلك، وهذه الطريقة وإن لم تكن مرضية لأن القرآن في نفسه معجز لا يستطيع البشر معارضته، كما قررنا، إلا أنها تصلح على سبيل التنزل والمجادلة والمنافحة عن الحق وبهذه الطريقة أجاب فخر الدين في تفسيره عن سؤاله في السور القصار كالعصر و{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}.
وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} أما الوَقُود، بفتح الواو، فهو ما يلقى في النار لإضرامها كالحطب ونحوه، كما قال: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 15] وقال تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98].
والمراد بالحجارة هاهنا: هي حجارة الكبريت العظيمة السوداء الصلبة المنتنة، وهي أشد الأحجار حرا إذا حميت، أجارنا الله منها.
قال عبد الملك بن ميسرة الزرّاد عن عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود، في قوله تعالى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} قال: هي حجارة من كبريت، خلقها الله يوم خلق السماوات والأرض في السماء الدنيا، يعدها للكافرين. رواه ابن جرير، وهذا لفظه. وابن أبي حاتم، والحاكم في مستدركه وقال: على شرط الشيخين.
وقال السدي في تفسيره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} أما الحجارة فهي حجارة في النار من كبريت أسود، يعذبون به مع النار.
وقال مجاهد: حجارة من كبريت أنتن من الجيفة. وقال أبو جعفر محمد بن علي: هي حجارة من كبريت. وقال ابن جريج: حجارة من كبريت أسود في النار، وقال لي عمرو بن دينار: أصلب من هذه الحجارة وأعظم.
وقيل: المراد بها: حجارة الأصنام والأنداد التي كانت تعبد من دون الله كما قال: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} الآية [الأنبياء: 98]، حكاه القرطبي وفخر الدين ورجحه على الأول؛ قال: لأن أخذ النار في حجارة الكبريت ليس بمنكر فجعلها هذه الحجارة أولى، وهذا الذي قاله ليس بقوي،؛ وذلك أن النار إذا أضرمت بحجارة الكبريت كان ذلك أشد لحرها وأقوى لسعيرها، ولاسيما على ما ذكره السلف من أنها حجارة من كبريت معدة لذلك، ثم إن أخذ النار في هذه الحجارة- أيضا- مشاهد، وهذا الجص يكون أحجارًا فتعمل فيه بالنار حتى يصير كذلك. وكذلك سائر الأحجار تفخرها النار وتحرقها. وإنما سيق هذا في حر هذه النار التي وعدوا بها، وشدة ضرامها وقوة لهبها كما قال: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء: 97]. وهكذا رجح القرطبي أن المراد بها الحجارة التي تسعر بها النار لتحمى ويشتد لهبها قال: ليكون ذلك أشد عذابًا لأهلها، قال: وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل مؤذ في النار» وهذا الحديث ليس بمحفوظ ولا معروف ثم قال القرطبي: وقد فسر بمعنيين، أحدهما: أن كل من آذى الناس دخل النار، والآخر: كل ما يؤذي فهو في النار يتأذى به أهلها من السباع والهوام وغير ذلك.
وقوله تعالى: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} الأظهر أنّ الضمير في {أُعِدَّتْ} عائد إلى النار التي وقودها الناس والحجارة، ويحتمل عوده على الحجارة، كما قال ابن مسعود، ولا منافاة بين القولين في المعنى؛ لأنهما متلازمان.
و{أُعِدَّتْ} أي: أرصدت وحصلت للكافرين بالله ورسوله، كما قال محمد بن إسحاق، عن محمد، عن عكرمة، أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} أي: لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر.
وقد استدل كثير من أئمة السنة بهذه الآية على أن النار موجودة الآن لقوله: {أُعِدَّتْ} أي: أرصدت وهيئت وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك منها: «تحاجت الجنة والنار» ومنها: «استأذنت النار ربها فقالت: رب أكل بعضي بعضًا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف»، وحديث ابن مسعود سمعنا وجبة فقلنا ما هذه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا حجر ألقي به من شفير جهنم منذ سبعين سنة الآن وصل إلى قعرها» وهو عند مسلم وحديث صلاة الكسوف وليلة الإسراء وغير ذلك من الأحاديث المتواترة في هذا المعنى وقد خالفت المعتزلة بجهلهم في هذا ووافقهم القاضي منذر بن سعيد البلوطي قاضي الأندلس.