فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)}.
اعلم أنه تعالى لما وصف المخلوقين لجهنم بقوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الغافلون} أمر بعده بذكر الله تعالى فقال: {وَللَّهِ الاسماء الحسنى فادعوه بِهَا} وهذا كالتنبيه على أن الموجب لدخول جهنم هو الغفلة عن ذكر الله.
والمخلص عن عذاب جهنم هو ذكر الله تعالى وأصحاب الذوق والمشاهدة يجدون من أرواحهم أن الأمر كذلك فإن القلب إذا غفل عن ذكر الله، وأقبل على الدنيا وشهواتها وقع في باب الحرص وزمهرير الحرمان، ولا يزال ينتقل من رغبة إلى رغبة ومن طلب إلى طلب، ومن ظلمة إلى ظلمة، فإذا انفتح على قلبه باب ذكر الله ومعرفة الله تخلص عن نيران الآفات وعن حسرات الخسارات، واستشعر بمعرفة رب الأرض والسموات. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قوله تعالى: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى} مذكور في سور أربعة: أولها: هذه السورة.
وثانيها: في آخر سورة بني إسرائيل في قوله: {قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن أَيَّامًا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسماء الحسنى} [الإسراء: 110] وثالثها: في أول طه وهو قوله: {الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَهُ الأسماء الحسنى} [طه: 8] ورابعها: في آخر الحشر وهو قوله: {هُوَ الله الخالق البارئ المصور لَهُ الأسماء الحسنى} [الحشر: 24].
إذا عرفت هذا فنقول: {الاسماء} ألفاظ دالة على المعاني فهي إنما تحسن بحسن معانيها ومفهوماتها، ولا معنى للحسن في حق الله تعالى إلا ذكر صفات الكمال ونعوت الجلال، وهي محصورة في نوعين: عدم افتقاره إلى غيره، وثبوت افتقار غيره إليه.
واعلم أن لنا في تفسير أسماء الله كتابًا كبيرًا كثير الدقائق شريف الحقائق سميناه بلوامع البينات في تفسير الأسماء والصفات، من أراد الاستقصاء فيه فليرجع إليه، ونحن نذكر هاهنا لمعًا ونكتًا منها.
فنقول: إن أسماء الله يمكن تقسيمها من وجوه كثيرة.
الوجه الأول: أن نقول: الاسم إما أن يكون اسمًا للذات، أو لجزء من أجزاء الذات، أو لصفة خارجة عن الذات قائمة بها.
أما اسم الذات فهو المسمى بالاسم الأعظم، وفي كشف الغطاء عما فيه من المباحثات أسرار.
وأما اسم جزء الذات فهو في حق الله تعالى محال، لأن هذا إنما يفعل في الذات المركبة من الأجزاء، وكل ما كان كذلك فهو ممكن، فواجب الوجود يمتنع أن يكون له جزء.
وأما اسم الصفة فنقول: الصفة إما أن تكون حقيقية أو إضافية أو سلبية، أو ما يتركب عن هذه الثلاثة، وهي أربعة، لأنه إما أن يكون صفة حقيقية مع إضافة أو مع سلب أو صفة سلبية مع إضافة أو مجموع صفة حقيقية وإضافة وسلبية.
أما الصفة الحقيقية العارية عن الإضافة فكقولنا موجود عند من يقول: الوجود صفة، أو قولنا واحد، عند من يقول: الوحدة صفة ثانية، وكقولنا حي، فإن الحياة صفة حقيقية عارية عن النسب والإضافات، وأما الصفة الإضافية المحضة فكقولنا: مذكور ومعلوم، وأما الصفة السلبية، فكقولنا: القدوس السلام.
وأما الصفة الحقيقية مع الإضافة، فكقولنا: عالم وقادر، فإن العلم صفة حقيقية، وله تعلق بالمعلوم والقادر، فإن القدرة صفة حقيقية، ولها تعلق بالمقدور، وأما الصفة الحقيقية مع السلبية.
فكقولنا: قديم أزلي، لأنه عبارة عن موجود لا أول له.
وأما الصفة الإضافية مع السلبية، فكقولنا: أول.
فإنه هو الذي سبق غيره وما سبقه غيره، وأما الصفة الحقيقية مع الإضافة والسلب، فكقولنا: حكيم، فإنه هو الذي يعلم حقائق الأشياء، ولا يفعل ما لا يجوز فعله فصفة العلم صفة حقيقية، وكون هذه الصفة متعلقة بالمعلومات، نسب وإضافات، وكونه غير فاعل لما لا ينبغي سلب.
إذا عرفت هذا فنقول: السلوب، غير متناهية، والإضافات أيضًا غير متناهية، فكونه خالقًا للمخلوقات صفة إضافية، وكونه محييًا ومميتًا إضافات مخصوصة، وكونه رازقًا أيضًا إضافة أخرى مخصوصة.
فيحصل بسبب هذين النوعين من الاعتبارات أسماء لا نهاية لها لله تعالى، لأن مقدوراته غير متناهية، ولما كان لا سبيل إلى معرفة كنه ذاته، وإنما السبيل إلى معرفته بمعرفة أفعاله فكل من كان وقوفه على أسرار حكمته في مخلوقاته أكثر، كان علمه بأسماء الله أكثر.
ولما كان هذا بحرًا لا ساحل له ولا نهاية له، فكذلك لا نهاية لمعرفة أسماء الله الحسنى.
النوع الثاني: في تقسيم أسماء الله ما قاله المتكلمون: وهو أن صفات الله تعالى ثلاثة أنواع: ما يجب، ويجوز، ويستحيل على الله تعالى.
ولله تعالى بحسب كل واحد من هذه الأقسام الثلاثة أسماء مخصوصة.
والنوع الثالث: في تقسيم أسماء الله أن صفات الله تعالى إما أن تكون ذاتية، أو معنوية، أو كانت من صفات الأفعال.
والنوع الرابع: في تقسيم أسماء الله تعالى إما أن يجوز إطلاقها على غير الله تعالى، أو لا يجوز.
أما القسم الأول: فهو كقولنا: الكريم الرحيم العزيز اللطيف الكبير الخالق، فإن هذه الألفاظ يجوز إطلاقها على العباد، وإن كان معناها في حق الله تعالى مغايرًا لمعناها في حق العباد.
وأما القسم الثاني فهو كقولنا: الله الرحمن.
أما القسم الأول: فإنها إذا قيدت بقيود مخصوصة صارت بحيث لا يمكن إطلاقها إلا في حق الله تعالى كقولنا: يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين، ويا خالق السموات والأرضين.
النوع الخامس: في تقسيم أسماء الله أن يقال: من أسماء الله ما يمكن ذكره وحده، كقولنا: يا الله يا رحمن يا حي يا حكيم، ومنها ما لا يكون كذلك، كقولنا: مميت وضار، فإنه لا يجوز إفراده بالذكر، بل يجب أن يقال: يا محيي يا مميت يا ضار يا نافع.
النوع السادس: في تقسيم أسماء الله تعالى أن يقال: أول ما يعلم من صفات الله تعالى كونه محدثًا للأشياء مرجحًا لوجودها على عدمها، وذلك لأنا إنما نعلم وجوده سبحانه بواسطة الاستدلال بوجود الممكنات عليه، فإذا دل الدليل على أن هذا العالم المحسوس ممكن الوجود والعدم لذاته، قضى العقل بافتقاره إلى مرجح يرجح وجوده على عدمه، وذلك المرجح ليس إلا الله سبحانه، فثبت أن أول ما يعلم منه تعالى هو كونه مرجحًا ومؤثرًا، ثم نقول ذلك المرجح إما أن يرجح على سبيل الوجوب أو على سبيل الصحة والأول باطل، وإلا لدام العالم بدوامه، وذلك باطل، فبقي أنه إنما رجح على سبيل الصحة وكونه مرجحًا على سبيل الصحة، ليس إلا كونه تعالى قادرًا، فثبت أن المعلوم منه بعد العلم بكونه مرجحًا، هو كونه قادرًا.
ثم إنا بعد هذا نستدل بكون أفعاله محكمة متقنة على كونه عالمًا، ثم إنا إذا علمنا كونه تعالى قادرًا عالمًا، وعلمنا أن العالم القادر يمتنع أن يكون إلا حيًا، علمنا من كونه قادرًا عالمًا، كونه حيًا.
فظهر بهذا أنه ليس العلم بصفاته تعالى وبأسمائه واقعًا في درجة واحدة، بل العلم بها علوم مترتبة يستفاد بعضها من بعض.
المسألة الثانية:
قوله تعالى: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى} يفيد الحصر، ومعناه أن الأسماء الحسنى ليست إلا لله تعالى، والبرهان العقلي قد يدل على صحة هذا المعنى، وذلك لأن الموجود إما واجب الوجود لذاته، وإما ممكن لذاته، والواجب لذاته ليس إلا الواحد وهو الله سبحانه، وأما ما سوى ذلك الواحد، فهو ممكن لذاته، وكل ممكن لذاته، فهو محتاج في ماهيته وفي وجوده وفي جميع صفاته الحقيقية والإضافية والسلبية إلى تكوين الواجب لذاته، ولولاه لبقي على العدم المحض والسلب الصرف، فالله سبحانه كامل لذاته، وكمال كل ما سواه فهو حاصل بجوده وإحسانه، فكل كمال وجلال وشرف، فهو له سبحانه بذاته ولذاته وفي ذاته، ولغيره على سبيل العارية، والذي لغيره من ذاته، فهو الفقر والحاجة والنقصان والعدم، فثبت بهذا البرهان البين أن الأسماء الحسنى ليست إلا لله، والصفات الحسنى ليست إلا لله، وأن كل ما سواه، فهو غرق في بحر الفناء والنقصان.
المسألة الثالثة:
دلت هذه الآية على أن أسماء الله ليست إلا لله، والصفات الحسنى ليست إلا لله، فيجب كونها موصوفة بالحسن والكمال فهذا يفيد أن كل اسم لا يفيد في المسمى صفة كمال وجلال فإنه لا يجوز إطلاقه على الله سبحانه، وعند هذا نقل عن جهم بن صفوان أنه قال: لا أطلق على ذات الله تعالى اسم الشيء.
قال: لأن اسم الشيء يقع على أخس الأشياء وأكثرها حقارة وأبعدها عن درجات الشرف، وإذا كان كذلك وجب القطع بأنه لا يفيد في المسمى شرفًا ورتبة وجلالة.
وإذا ثبت هذا فنقول: ثبت بمقتضى هذه الآية أن أسماء الله يجب أن تكون دالة على الشرف والكمال، وثبت أن اسم الشيء ليس كذلك فامتنع تسمية الله بكونه شيئًا.
قال ومعاذ الله أن يكون هذا نزاعًا في كونه في نفسه حقيقة وذاتًا وموجودًا، إنما النزاع وقع في محض اللفظ، وهو أنه هل يصح تسميته بهذا اللفظ أم لا؟ فأما قولنا إنه منشيء الأشياء، فهو اسم يفيد المدح والجلال والشرف، فكان إطلاق هذا الاسم على الله حقًا، ثم أكد هذه الحجة بأنواع أخر من الدلائل.
فالأول: قوله تعالى: {لَّيْسَ كمثله مِن شَيْء} [الشورى: 11] معناه ليس مثل مثله شيء، ولا شك أن عين الشيء مثل لمثل نفسه.
فلما ثبت بالعقل أن كل شيء فهو مثل مثل نفسه، ودل الدليل القرآني على أن مثل مثل الله ليس بشيء، كان هذا تصريحًا بأنه تعالى غير مسمى باسم الشيء، وليس لقائل أن يقول الكاف في قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ} حرف زائد لا فائدة فيه، لأن حمل كلام الله على اللغو والعبث وعدم الفائدة بعيد.
الحجة الثانية: قوله تعالى: {خالق كُلّ شَيْء} [الأنعام: 102 الرعد: 16 غافر: 62] ولو كان تعالى داخلًا تحت اسم الشيء لزم كونه تعالى خالقًا لنفسه وهو محال.