فصل: قال ابن العربي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لا يقال هذا عام دخله التخصيص، لأنا نقول هذا كلام لابد من البحث عنه فنقول: ثبت بحسب العرف المشهور أنهم يقيمون الأكثر مقام الكل، ويقيمون الشاذ النادر مقام العدم.
إذا ثبت هذا فنقول: إنه إذا حصل الأكثر الأغلب وكان الغالب الشاذ الخارج نادرًا، ألحقوا ذلك الأكثر بالكل، وألحقوا ذلك النادر بالمعدوم، وأطلقوا لفظ الكل عليه، وجعلوا ذلك الشاذ النادر من باب تخصيص العموم.
وإذا عرفت هذا فنقول: إن بتقدير أن يصدق على الله تعالى اسم الشيء كان أعظم الأشياء هو الله تعالى، وإدخال التخصيص في مثل هذا المسمى يكون من باب الكذب، فوجب أن يعتقد أنه تعالى ليس مسمى باسم الشيء حتى لا يلزمنا هذا المحذور.
الحجة الثالثة: هذا الاسم ما ورد في كتاب الله ولا سنة رسوله، وما رأينا أحدًا من السلف قال في دعائه ياشيء، فوجب الامتناع منه، والدليل على أنه غير وارد في كتاب الله أن الآية التي يتوهم اشتمالها على هذا الاسم قوله تعالى: {قُلْ أي شَيْء أَكْبَرُ شهادة قُلِ الله شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام: 19] وقد بينا في سورة الأنعام أن هذه الآية لا تدل على المقصود، فسقط الكلام فيه.
فإن قال قائل: فقولنا: موجود ومذكور وذات ومعلوم، ألفاظ لا تدل على الشرف والجلال فوجب أن تقولوا إنه لا يجوز إطلاقها على الله تعالى.
فنقول: الحق في هذا الباب التفصيل، وهو أنا نقول: ما المراد من قولك: إنه تعالى شيء، وذات، وحقيقة؟ إن عنيت أنه تعالى في نفسه ذات وحقيقة وثابت وموجود وشيء، فهو كذلك من غير شك ولا شبهة، وإن عنيت به أنه هل يجوز أن ينادى بهذه الألفاظ أم لا؟ فنقول لا يجوز.
لأنا رأينا السلف يقولون: يا الله يا رحمن يا رحيم إلى سائر الأسماء الشريفة، وما رأينا ولا سمعنا أن أحدًا يقول: يا ذات يا حقيقة يا مفهوم ويا معلوم، فكان الامتناع عن مثل هذه الألفاظ في معرض النداء والدعاء واجبًا لله تعالى.
والله أعلم.
المسألة الرابعة:
قوله تعالى: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا} يدل على أنه تعالى حصلت له أسماء حسنة، وأنه يجب على الإنسان أن يدعو الله بها، وهذا يدل على أن أسماء الله توقيفية لا اصطلاحية.
ومما يؤكد هذا أنه يجوز أن يقال: يا جواد، ولا يجوز أن يقال: يا سخي، ولا أن يقال يا عاقل يا طبيب يا فقيه.
وذلك يدل على أن أسماء الله تعالى توقيفية لا اصطلاحية.
المسألة الخامسة:
دلت الآية على أن الاسم غير المسمى لأنها تدل على أن أسماء الله كثيرة لأن لفظ الأسماء لفظ الجمع، وهي تفيد الثلاثة فما فوقها، فثبت أن أسماء الله كثيرة ولا شك أن الله واحد، فلزم القطع بأن الاسم غير المسمى وأيضًا قوله: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى} يقتضي إضافة الأسماء إلى الله، وإضافة الشيء إلى نفسه محال.
وأيضًا فلو قيل: ولله الذوات لكان باطلًا.
ولما قال: {وَللَّهِ الأسماء} كان حقًا وذلك يدل على أن الاسم غير المسمى.
المسألة السادسة:
قوله: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا} يدل على أن الإنسان لا يدعو ربه إلا بتلك الأسماء الحسنى، وهذه الدعوة لا تتأتى إلا إذا عرف معاني تلك الأسماء، وعرف بالدليل أن له إلهًا وربًا خالقًا موصوفًا بتك الصفات الشريفة المقدسة، فإذا عرف بالدليل ذلك فحينئذ يحسن أن يدعو ربه بتلك الأسماء والصفات، ثم إن لتلك الدعوة شرائط كثيرة مذكورة بالاستقصاء في كتاب المنهاج لأبي عبد الله الحليمي، وأحسن ما فيه أن يكون مستحضرًا لأمرين: أحدهما: عزة الربوبية.
والثانية: ذلة العبودية.
فهناك يحسن ذلك الدعاء ويعظم موقع ذلك الذكر.
فأما إذا لم يكن كذلك كان قليل الفائدة، وأنا أذكر لهذا المعنى مثالًا، وهو أن من أراد أن يقول في تحريمة صلاته الله أكبر، فإنه يجب أن يستحضر في النية جميع ما أمكنه من معرفة آثار حكمة الله تعالى في تخليق نفسه وبدنه وقواه العقلية والحسية أو الحركية، ثم يتعدى من نفسه إلى استحضار آثار حكمة الله في تخليق جميع الناس، وجميع الحيوانات، وجميع أصناف النبات والمعادن، والآثار العلوية من الرعد والبرق والصواعق التي توجد في كل أطراف العالم، ثم يستحضر آثار قدرة الله تعالى في تخليق الأرضين والجبال والبحار والمفاوز، ثم يستحضر آثار قدرة الله تعالى في تخليق طبقات العناصر السفلية والعلوية، ثم يستحضر آثار قدرة الله تعالى في تخليق أطباق السموات على سعتها وعظمها، وفي تخليق أجرام النيرات من الثوابت والسيارات، ثم يستحضر آثار قدرة الله تعالى في تخليق الكرسي وسدرة المنتهى، ثم يستحضر آثار قدرته في تخليق العرش العظيم المحيط بكل هذه الموجودات، ثم يستحضر آثار قدرته في تخليق الملائكة من حملة العرش والكرسي وجنود عالم الروحانيات، فلا يزال يستحضر من هذه الدرجات والمراتب أقصى ما يصل إليه فهمه وعقله وذكره وخاطره وخياله، ثم عند استحضار جميع هذه الروحانيات والجسمانيات على تفاوت درجاتها وتباين منازلها ومراتبها، ويقول الله أكبر، ويشير بقوله الله إلى الموجود الذي خلق هذه الأشياء وأخرجها من العدم إلى الوجود، ورتبها بما لها من الصفات والنعوت، وبقوله أكبر أي أنه لا يشبه لكبريائه وجبروته وعزه وعلوه وصمديته هذه الأشياء بل هو أكبر من أن يقال: إنه أكبر من هذه الأشياء.
فإذا عرفت هذا المثال الواحد فقس الذكر الحاصل مع العرفان والشعور، وعند هذا ينفتح على عقلك نسمة من الأسرار المودعة تحت قوله: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا}.
أما قوله تعالى: {وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ في أسمائه} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ حمزة {يُلْحِدُونَ} ووافقه عاصم والكسائي في النحل.
قال الفراء: {يُلْحِدُونَ} و{يُلْحِدُونَ} لغتان: يقال: لحدت لحدًا وألحدت، قال أهل اللغة: معنى الإلحاد في اللغة الميل عن القصد.
قال ابن السكيت: الملحد العادل عن الحق المدخل فيه ما ليس منه.
يقال: قد ألحد في الدين ولحد، وقال أبو عمرو من أهل اللغة: الإلحاد: العدل عن الاستقامة والانحراف عنها.
ومنه اللحد الذي يحفر في جانب القبر.
قال الواحدي رحمه الله: والأجود قراءة العامة لقوله تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} [الحج: 25] والإلحاد أكثر في كلامهم لقولهم: ملحد، ولا تكاد تسمع العرب يقولون لاحد.
المسألة الثانية:
قال المحققون: الإلحاد في أسماء الله يقع على ثلاثة أوجه: الأول: إطلاق أسماء الله المقدسة الطاهرة على غير الله، مثل أن الكفار كانوا يسمون الأوثان بآلهة، ومن ذلك أنهم سموا أصنامًا لهم باللات والعزى والمناة، واشتقاق اللات من الإله، والعزى من العزيز، واشتقاق مناة من المنان.
وكان مسيلمة الكذاب لقب نفسه بالرحمن.
والثاني: أن يسموا الله بما لا يجوز تسميته به، مثل تسمية من سماه أبًا للمسيح.
وقول جمهور النصارى: أب، وابن، وروح القدس، ومثل أن الكرامية يطلقون لفظ الجسم على الله سبحانه ويسمونه به، ومثل أن المعتزلة قد يقولون في أثناء كلامهم، لو فعل تعالى كذا وكذا لكان سفيهًا مستحقًا للذم، وهذه الألفاظ مشعرة بسوء الأدب.
قال أصحابنا: وليس كل ما صح معناه جاز إطلاقه باللفظ في حق الله، فإنه ثبت بالدليل أنه سبحانه هو الخالق لجميع الأجسام، ثم لا يجوز أن يقال: يا خالق الديدان والقرود والقردان، بل الواجب تنزيه الله عن مثل هذه الأذكار، وأن يقال: يا خالق الأرض والسموات يا مقيل العثرات يا راحم العبرات إلى غيرها من الأذكار الجميلة الشريفة.
والثالث: أن يذكر العبد ربه بلفظ لا يعرف معناه ولا يتصور مسماه، فإنه ربما كان مسماه أمرًا غير لائق بجلال الله، فهذه الأقسام الثلاثة هي الإلحاد في الأسماء.
فإن قال قائل: هل يلزم من ورود الأول في إطلاق لفظه على الله تعالى أن يطلق عليه سائر الألفاظ المشتقة منه على الإطلاق؟
قلنا: الحق عندي أن ذلك غير لازم لا في حق الله تعالى، ولا في حق الملائكة والأنبياء وتقريره: أن لفظ {علم} ورد في حق الله تعالى في آيات منها قوله: {وَعَلَّمَ ءادَمَ الأسماء كُلَّهَا} [البقرة: 31] {عَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء: 113] {وعلمناه مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65] {الرحمن عَلَّمَ القرءان} [الرحمن: 1، 2] ثم لا يجوز أن يقال في حق الله تعالى يا معلم، وأيضًا ورد قوله: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] ثم لا يجوز عندي أن يقال يا محب.
وأما في حق الأنبياء، فقد ورد في حق آدم عليه السلام: {وعصى ءادَمَ رَبَّهُ فغوى} [طه: 121] ثم لا يجوز أن يقال إن آدم كان عاصيًا غاويًا، وورد في حق موسى عليه السلام {ياأبت استجره} [القصص: 26] ثم لا يجوز أن يقال إنه عليه السلام كان أجيرًا، والضابط أن هذه الألفاظ الموهمة يجب الاقتصار فيها على الوارد، فأما التوسع بإطلاق الألفاظ المشتقة منها فهي عندي ممنوعة غير جائزة.
ثم قال تعالى: {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فهو تهديد ووعيد لمن ألحد في أسماء الله.
قالت المعتزلة: الآية قد دلت على إثبات العمل للعبد، وعلى أن الجزاء مفرع على عمله وفعله. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
هَذِهِ آيَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ الْآيِ الَّتِي جَمَعَتْ الْعَقَائِدَ وَالْأَعْمَالَ، وَقَدْ كُنَّا تَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا فِي مَجَالِسِ أَنْوَارِ الْفَجْرِ أَزْمِنَةً كَثِيرَةً، ثُمَّ أَنْعَمَ اللَّهُ بِأَنْ أَخْرَجْنَا نُكَتَهَا الْمَقْصُودَةَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فِي كِتَابِ الْأَمَدِ الْأَقْصَى، وَفِيهَا سَبْعُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْله تَعَالَى: {الْأَسْمَاءُ}: حَقِيقَةُ الِاسْمِ كُلُّ لَفْظٍ جُعِلَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى إنْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَقًّا، فَإِنْ كَانَ مُشْتَقًّا فَلَيْسَ بِاسْمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ، هَذَا قَوْلُ النُّحَاةِ.
أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ الرَّئِيسُ الْأَجَلُّ الْمُعَظَّمُ فَخْرُ الرُّؤَسَاءِ أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ لَفْظًا قَالَ: سَمِعْت الْأُسْتَاذَ الْمُعَظَّمَ عَبْدَ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيَّ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا الْحَسَنِ ابْنَ أُخْتِ أَبِي عَلِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْت خَالِي أَبَا عَلِيٍّ يَقُولُ: كُنْت بِمَجْلِسِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ بِحَلَبٍ، وَبِالْحَضْرَةِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فِيهِمْ ابْنُ خَالَوَيْهِ إلَى أَنْ قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: أَحْفَظُ لِلسَّيْفِ خَمْسِينَ اسْمًا.
فَتَبَسَّمَ أَبُو عَلِيٍّ، وَقَالَ: مَا أَحْفَظُ لَهُ إلَّا اسْمًا وَاحِدًا، وَهُوَ السَّيْفُ.
فَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: فَأَيْنَ الْمُهَنَّدُ؟ وَأَيْنَ الصَّارِمُ؟ وَأَيْنَ الرَّسُوبُ؟ وَأَيْنَ الْمِخْذَمُ وَجَعَلَ يُعَدِّدُ.
فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: هَذِهِ صِفَاتٌ.
وَكَأَنَّ الشَّيْخَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ.
وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ أَسَّسَهَا سِيبَوَيْهِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهَا قَانُونًا مِنْ الصِّنَاعَةِ فِي التَّصْرِيفِ وَالْجَمْعِ وَالتَّصْغِيرِ، وَالْحَذْفِ وَالزِّيَادَةِ وَالنِّسْبَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ؛ إذْ لَحَظَ ذَلِكَ فِي مَجَارِي الْعَرَبِيَّةِ، وَهُوَ أَمْرٌ لَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الشَّرِيعَةُ بِعَضُدٍ، وَلَا تَرُدُّهُ بِقَصْدٍ؛ فَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِهَا لِلْقَوْمِ أَوْ إقْرَارِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ سَخِيفٌ مِنْ جُمْلَةِ الْمَغَارِبَةِ: عَدَدْت أَسْمَاءَ اللَّهِ فَوَجَدْتهَا ثَمَانِينَ، وَجَعَلَ يُعَدِّدُ الصِّفَاتِ النَّحْوِيَّةَ، وَيَا لَيْتَنِي أَدْرَكْته؛ فَلَقَدْ كَانَتْ فِيهِ حُشَاشَةٌ لَوْ تَفَاوَضْت مَعَهُ فِي الْحَقَائِقِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ قَبُولِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.