فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا}.
وذلك أن رجلًا دعا الله في صلاته، ودعا الرحمن.
فقال أبو جهل: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربًا واحدًا فما بال هذا يدعو ربين اثنين؟ فأنزل الله تعالى: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا} الرحمن الرحيم الملك القدوس ونحوه.
فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الرجل فقال: «ادْعُ الله أَوْ ادْعُ الرحمن رَغْمًا لأَنْفِ المُشْرِكِينَ» ويقال: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى} يعني: الصفات العلى {فادعوه بِهَا}.
وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ لله تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مائَةً إلاَّ وَاحِدَةً مَنْ أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ وَمِنْ أسْمَائِهِ عَزَّ وَجَلَّ الرحمن الرَّحِيمُ» وقد ذكرنا تفسيرها ومن أسمائه الأحد وأصله الوحد بمعنى الواحد، وهو الذي ليس كمثله شيء، ومنها الصمد وهو السيد الذي صمد إليه كل شيء أي قصده.
ومنها القيوم وهو البالغ في القيام بكل ما خلق.
ومنها الولي يعني: المتولي أمور المؤمنين.
ومنها اللطيف وهو الذي يلطف بالخلق من حيث لا يعلمون، ولا يقدرون ومنها الودود المحب الشديد المحبة.
ومنها الظاهر والباطن الذي يعلم ما ظهر وما بطن.
ومنها البديع الذي ابتدع الخلق على غير مثال.
ومنها القدوس أي ذو البركة.
ويقال: الطاهر ومنها الشهيد الذي لا يغيب عنه شيء.
ومنها الحنان أي ذو الرحمة والعطف.
ومنها المنان الكثير المنّ على عباده.
ومنها الفتاح يعني: الحاكم.
ومنها الديان يعني: المجازي.
ومنها الرقيب: يعني الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء.
ومنها ذو القوة المتين يعني الشديد القوة على أمره.
ومنها الوكيل الذي يتوكل بالقيام بجميع ما خلق.
ومنها السبوح الذي تنزه عن كل سوء ومنها السلام يعني: الذي سَلِم الخلق من ظلمه.
ومنها المؤمن الذي أمن الخلق من ظلمه.
ومنها العزيز أي: المنيع الذي لا يغلبه شيء.
ومنها المهيمن يعني: الشهيد.
ومنها الجبار الذي جبر الخلق على ما أراد.
ومنها المتكبر الذي تكبر عن ظلم العباد.
ومنها الباري يعني: الخالق وسائر الأسماء التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة رضي الله عنهم.
وقال الزجاج: لا ينبغي لأحد أن يدعوه بما لم يصف به نفسه، ولم يسم به نفسه، فيقول: يا جواد ولا ينبغي له أن يقول: يا سخي، لأنه لم يسم به نفسه.
وكذلك يقول: يا قوي ولا يقول: يا جلد.
ثم قال: {وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ في أَسْمَئِهِ} قرأ حمزة {يُلْحِدُونَ} بنصب الياء والحاء.
وقرأ الباقون بضم الياء وكسر الحاء {يُلْحِدُونَ} فمن قرأ بالنصب فمعناه: وذروا الذين يميلون في أسمائه يعني: يُحَوِّرون ويمارون في أسمائه ويعدلون، فسموا اللات والعزى.
ومن قرأ بالضم فمعناه: وذروا الذين يجادلون ويمارون في أسمائه.
ويقال: إن الله تعالى قد احتج على الكفار بأربعة أشياء بالخلق.
وهو قوله تعالى: {هذا خَلْقُ الله فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ الذين مِن دُونِهِ بَلِ الظالمون في ضلال مُّبِينٍ} [لقمان: 11] وقال: {إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا ولو اجتمعوا له} [لقمان: 11] وقال: {يا أيها الناس ضُرِبَ مَثَلٌ فاستمعوا لَهُ إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَن يَخْلُقُواْ ذُبَابًا وَلَوِ اجتمعوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطالب والمطلوب} [الحج: 73] والثاني في الملك وهو قوله: {وَقَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا سبحانه بَل لَّهُ مَا فِي السماوات والأرض كُلٌّ لَّهُ قانتون} [البقرة: 116].
وقال في الأوثان {أَمِ اتخذوا مِن دُونِ الله شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلاَ يَعْقِلُونَ} [الزمر: 43] والثالث في القوة وهو قوله: {يَكَادُ البرق يَخْطَفُ أبصارهم كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبصارهم إِنَّ الله على كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ} [البقرة: 20] {فَاطِرُ السماوات والأرض جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أزواجا وَمِنَ الأنعام أزواجا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ السميع البصير} [الشورى: 11] {وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحا قَالَ يا قوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض واستعمركم فِيهَا فاستغفروه ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} [هود: 61] {إِنَّ الله هُوَ الرزاق ذُو القوة المتين} [الذاريات: 58] وقال في الأوثان: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادعوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ} [الأعراف: 195] فوصفهم بالعجز.
والرابع بالأسماء فقال: {وَللَّهِ الاسماء الحسنى} وقال في الأوثان {وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ في أَسْمَئِهِ} ويقال: إن الكفار أرادوا أن يسموا آلهتهم الله فجرى على لسانهم اللات وقال أهل اللغة: إنما سمي اللات لأنه كان عنده رجل كان يلت السويق.
وأرادوا أن يسموا العزيز فجرى على لسانهم العزى.
وأرادوا أن يسموا منان فجرى على لسانهم مناة.
وبقيت تلك الأسماء للأصنام.
وأصل الإلحاد هو الميل ولهذا سمي اللحد لحدًا لأنه في ناحية.
ثم قال: {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} يعني: وسيهانون ويعاقبون بما كانوا يعملون من الشرك والإلحاد في الأسماء. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا}.
قال مقاتل: وذلك أن رجلًا دعا الله في صلاته ودعا الرحمن، فقال رجل من مشركي مكة: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربًا واحدًا فما بال هذا يدعو ربين اثنين، فأنزل الله: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى} وهو تأنيث الأحسن كالكبرى والأكبر والصغرى والأصغر، والأسماء الحسنى هي الرحمن الرحيم. الملك القدوس السلام ونحوها.
الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسمًا، مائة غير واحدة، من أحصاها كلّها دخل الجنّة».
{وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ في أَسْمَائِهِ}. قال ابن عباس: يكذبون، وقال قتادة: يشركون، وقال عطاء: ظامئون، زيد بن أسلم: يميلون عن الحق. ابن عباس ومجاهد: هم المشركون. وإلحادهم في أسماء الله عز وجل أنهم عدلوا بها عمّا هي عليه فسموا بها أوثانهم وزادوا فيها ونقصوا منها فاشتقوا اللات من الله تعالى والعزّى من العزيز ومنات من المنّان.
وقال أهل المعاني: الإلحاد في أسماء الله تعالى يسميه بما لم يسم به ولا ينطق به كتاب ولا دعا إليه رسول، وأصل الإلحاد الميل والعدول عن القصد ومنه لحد القبر. فيقال: ألحد يلحد إلحادًا ولحد يلحد لحدًا ولحودًا إذا مال.
وقد قرئ بهما جميعًا فقرأ يحيى بن رئاب والأعمش وحمزة: بفتح الياء والحاء هاهنا وفي النحل رحم. وقرأ الباقون: بضم الياء وكسر الحاء وهما لغتان صحيحتان.
وأمّا الكسائي فإنّه قرأ التي في النحل بفتح الياء والحاء وفي الأعراف رحم بالضم وكل يفرق بين الإلحاد واللحود فيقول: الالحاد العديل عن القصد واللحد واللحود الركون، ويزعم أن التي في النحل يعني الركون {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} في الآخرة. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَلِلَّهِ الأَسْماءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}.
قال ابن عباس: كل أسمائه حسنى وفي المراد بالحسنى هاهنا وجهان:
أحدهما: ما مالت إليه القلوب من ذكره بالعفو والرحمة دون السخط والنقمة.
والثاني: أسماؤه التي يستحقها لنفسه ولفعله ومنها صفات هي طريقة المعرفة به، وهي تسعة:
القديم الأول قبل كل شيء. والباقي بعد فناء كل شيء. والقادر الذي لا يعجزه شيء والعالم الذي لا يخفى عليه شيء. والحي الذي لا يموت. والواحد الذي ليس كمثله شيء والسميع البصير الذي لا يعزب عنه شيء والغني بنفسه عن كل شيء.
وفي دعائه بها وجهان:
أحدهما: نداؤه بها عند الرغبة إليه في الدعاء والطلب.
والثاني: تعظيمه بها تعبدًا له بذكرها.
{وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: معناه يكذبون، قاله ابن عباس.
والثاني: يشركون، قاله قتادة.
والثالث: يحوّرون، قاله الأخفش.
وفي إلحادهم فيها قولان:
أحدهما: اشتقاقهم آلهتهم من أسماء الله، كما سموا بعضها باللات اشتقاقًا من الله، وبعضها بالعزى اشتقاقًا من العزيز، قاله ابن عباس، ومجاهد.
والثاني: تسميتهم الأوثان آلهة والله عز وجل أبا المسيح وعزير. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى} الآية، السبب في هذه الآية على ما روي، أن أبا جهل سمع بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فيذكر الله في قراءته ومرة يقرأ فيذكر الرحمن ونحو هذا فقال: محمد يزعم أن الإله واحد وهو إنما يعبد لآهلة كثيرة فنزلت هذه و{الأسماء} هنا بمعنى التسميات إجماعًا من المتأولين لا يمكن غيره، و{الحسنى}: مصدر وصف به، ويجوز أن تقدر {الحسنى} فعلى مؤنثه أحسن، فأفرد وصف جميع ما لا يعقل كما قال: {مآرب أخرى} [طه: 18] وكما قال: {يا جبال أوبي معه} [سبأ: 10] وهذا كثير، وحسن الأسماء إنام يتوجه بتحسين الشرع لإطلاقها، والنص عليها، وانضاف إلى ذلك أيضًا أنها إنما تضمنت معاني حسانًا شريفة.