فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والحسنى مصدر وصف به.
ويجوز أن يقدّر {الْحُسْنَى} فُعْلَى، مؤنث الأحسن؛ كالكبرى تأنيث الأكبر، والجمع الكُبَر والحُسَن.
وعلى الأوّل أفرد كما أفرد وصف ما لا يعقل؛ كما قال تعالى: {مَآرِبُ أخرى} [طه: 18] و{ياجبال أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ: 10].
الخامسة قوله تعالى: {فادعوه بِهَا} أي اطلبوا منه بأسمائه؛ فيطلب بكل اسم ما يليق به، تقول: يا رحيم ارحمني، يا حكيم احكم لي، يا رازق ارزقني، يا هادي اهدني، يا فتاح افتح لي، يا توّاب تب عليّ؛ هكذا.
فإن دعوت باسم عام قلت: يا مالك ارحمني، يا عزيز احكم لي، يا لطيف ارزقني.
وإن دعوت بالأعمّ الأعظم فقلت: يا أللَّه؛ فهو متضمن لكل اسم.
ولا تقول: يا رزاق اهدني؛ إلا أن تريد يا رزاق ارزقني الخير.
قال ابن العربيّ: وهكذا، رتب دعاءك تكن من المخلصين.
وقد تقدّم في البقرة شرائط الدعاء، وفي هذه السورة أيضًا.
والحمد لله.
السادسة أدخل القاضي أبو بكر ابن العربيّ عدّة من الأسماء في أسمائه سبحانه، مثل متِم نوره، وخير الوارثين، وخير الماكرين، ورابع ثلاثة، وسادس خمسة، والطيّب، والمعلِّم؛ وأمثال ذلك.
قال ابن الحصار: واقتدى في ذلك بابن بَرّجَان، إذ ذكر في الأسماء النظيف وغير ذلك مما لم يرد في كتاب ولا سنة.
قلت: أمّا ما ذكر من قوله مما لم يرد في كتاب ولا سنة فقد جاء في صحيح مسلم «الطيب».
وخرج الترمذِيّ «النظيف».
وخرج عن ابن عباس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: «رب أعنِي ولا تعِن عليّ وانصرني ولا تنصر عليّ وامكر لي ولا تمكر عليّ» الحديث.
وقال فيه: حديث حسن صحيح.
فعلى هذا جائز أن يقال: يا خير الماكرين امكر لي ولا تمكر عليّ.
والله أعلم.
وقد ذكرنا الطيب، والنظيف في كتابنا وغيره مما جاء ذكره في الأخبار، وعن السلف الأخيار، وما يجوز أن يسمى به ويدعى، وما يجوز أن يسمى به ولا يدعى، وما لا يجوز أن يسمى به ولا يدعى.
حسب ما ذكره الشيخ أبو الحسن الأشعريّ.
وهناك يتبين لك ذلك إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: {وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ في أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فيه مسألتان:
الأُولى قوله تعالى: {يُلْحِدُونَ} الإلحاد: الميل وترك القصد؛ يقال: ألحد الرجل في الدين.
وألحد إذا مال.
ومنه اللحد في القبر؛ لأنه في ناحيته.
وقرئ {يَلْحَدُونَ} لغتان والإلحاد يكون بثلاثة أوجه: أحدها بالتغيير فيها كما فعله المشركون، وذلك أنهم عدلوا بها عما هي عليه فسمَّوا بها أوثانهم؛ فاشتقوا اللاَّتَ من الله، والعزى من العزيز، ومَنَاةَ من المنان قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني بالزيادة فيها.
الثالث بالنقصان منها؛ كما يفعله الجهال الذين يخترعون أدعية يسمون فيها الله تعالى بغير أسمائه، ويذكرونه بغير ما يذكر من أفعاله؛ إلى غير ذلك مما لا يليق به.
قال ابن العربيّ: فَحَذَارِ منها، ولا يدعونّ أحدكم إلا بما في كتاب الله والكتب الخمسة؛ وهي البخارِيّ ومسلم والترمذِيّ وأبو داود والنسائي.
فهذه الكتب التي يدور الإسلام عليها، وقد دخل فيها ما في الموطأ الذي هو أصل التصانيف، وذَرُوا ما سواها، ولا يقولَنّ أحدكم أختار دعاء كذا وكذا؛ فإن الله قد اختار له وأرسل بذلك إلى الخلق رسوله صلى الله عليه وسلم.
الثانية معنى الزيادة في الأسماء التشبيه، والنقصان التعطيل.
فإن المشبهة وصفوه بما لم يأذن فيه، والمعطلة سلبوه ما اتصف به، ولذلك قال أهل الحق: إن ديننا طريق بين طريقين، لا بتشبيه ولا بتعطيل.
وسئل الشيخ أبو الحسن البوشَنْجِيّ عن التوحيد فقال: إثبات ذات غيرِ مشبَّهة بالذوات، ولا معطلة من الصفات.
وقد قيل في قوله تعالى: {وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ} معناه اتركوهم ولا تحاجّوهم ولا تعرضوا لهم.
فالآية على هذا منسوخة بالقتال؛ قاله ابن زيد.
وقيل: معناه الوعيد؛ كقوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر: 11] وقوله: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ} [الحجر: 3].
وهو الظاهر من الآية؛ لقوله تعالى: {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}. والله أعلم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {ولله الأسماء الحسنى}.
قال مقاتل: إن رجلًا دعا الله في صلاته ودعا الرحمن فقال بعض مشركي مكة قال ابن الجوزي: هو أبو جهل إن محمدًا وأصحابه يزعمون أنهم يعبدون ربًا واحد فما بال هذا يدعو اثنين فأنزل الله هذه الآية: {ولله الأسماء الحسنى} والحسنى تأنيث الأحسن، ومعنى الآية أن أسماء الله سبحانه وتعالى المقدسة كلها حسنى وليس المراد أن فيها ما ليس بحسن والمعنى أن الأسماء الحسنى ليس إلا لله لأن هذا اللفظ يفيد الحصر.
وقيل إن الأسماء ألفاظ دالة على معان فهي إنما تحسن بمعانيها ولا معنى للحسن في حق الله تبارك وتعالى إلا ذكره بصفات الكمال ونعوت الجلال وهي محصورة في نوعين:
أحدهما: عدم افتقاره إلى غيره.
الثاني: افتقار غيره إليه وإنه هو المسمى بالأسماء الحسنى ق.
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا من حفظها دخل الجنة، والله وتر يحب الوتر» وفي رواية: «من أحصاها» وفي رواية أخرى «لله تسعة وتسعين اسمًا من حفظها دخل الجنة، والله وتر يحب الوتر» وفي رواية: «من أحصاها» وفي رواية أخرى «لله تسعة وتسعون اسمًا مائة إلا واحدًا لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة وهو وتر يحب الوتر» قال البخاري: احصاها حفظها.
وفي رواية عن الترمذي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيّوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المعدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور» قال الترمذي: حدثنا به غير واحد عن صفوان بن صالح ولا نعرفه إلا من حديث صفوان بن صالح وهو ثقة عند أهل الحديث قال وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا نعلم في كثير من الروايات ذكر الأسماء التي في هذا الحديث.
قال ابن الأثير: وفي رواية ذكرها رزين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قوله ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون فقال: «إن لله تبارك وتعالى تسع وتسعين اسمًا» الحديث.
قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله تعالى: اتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى وليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين وإنما المقصود من الحديث أن هذه التسعة والتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة فالمراد عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء ولهذا جاء في الحديث الآخر: «أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك» وقد ذكر الحافظ أبو بكر العربي المالكي عن بعضهم أن لله ألف اسم.
قال ابن العربي: وهذا قليل.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «من أحصاها دخل الجنة» تقدم فيه قول البخاري أن معناه حفظها وهو قول أكثر المحققين ويعضده الرواية الأخرى من حفظها دخل الجنة.
وقيل: المراد من الإحصاء العدد أي عدها في الدعاء بها.
وقيل معناه من أطاقها وأحسن المراعاة لها والمحافظة على ما تقتضيه وصدق بمعانيها وعمل بمقتضاها دخل الجنة وقيل معنى أحصاها أحضر بباله عند ذكرها معناه وتفكر في مدلولها معتبرًا متدبرًا ذاكرًا راغبًا راهبًا معظمًا لها ولمسماها ومقدسًا لذات الله سبحانه وتعالى وأن يخطر بباله عند ذكر كل اسم الوصف الدال عليه، وقوله والله وتر يحب الوتر الوتر الفرد ومعناه في وصف الله تعالى أنه الواحد الذي لا شريك له ولا نظير فيه تفضيل الوتر في الأعمال لأن أكثر الطاعات وتر وفيه دليل على أن أشهر أسمائه سبحانه وتعالى الله لإضافة الأسماء إليه فيقال الرؤوف والكريم واللطيف من أسماء الله ولا يقال من أسماء الله الرؤوف والكريم واللطيف الله وقد قيل إن لفظة الله هو الاسم الأعظم.
قال أبو القاسم القشيري: فيه دليل على أن الاسم هو المسمى إذ لو كان غيره لكانت الأسماء لغيره وقد قال: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} وقال الإمام فخر الدين الرازي: دلت الآية على أن الاسم غير المسمى لا تدل على أن أسماء الله كثيرة لأن لفظ الأسماء الجمع وهو يفيد الثلاثة فما فوقها فثبت أن أسماء الله كثيرة ولا شك أن الله واحد فلزم القطع بأن الاسم غير المسمى وأيضًا قوله سبحانه وتعالى: ولله الأسماء يقتضي إضافة الأسماء إلى الله وإضافة الشيء إلى نفسه محال.
وقال غيره: الاسم عبارة عن اللفظ الدال على الشيء المسمى به فهو غيره.
وقال أهل اللغة: إنما جعل الاسم تنويهًا على المعنى لأن المعنى تحت الاسم والتسمية غير الاسم لأن التسمية عبارة عن وضع اللفظ المعين لتعريف ذات الشيء والاسم عبارة عن تلك اللفظة المعينة والفرق ظاهر.
قال العلماء: وكما يجب تنزيه الله عن جميع النقائص فكذلك يجب تنزيه أسمائه أيضًا وقوله سبحانه وتعالى: {فادعوه بها} يعني ادعوا الله بأسمائه التي سمى بها نفسه أو سماه بها رسوله ففيه دليل على أن أسماء الله تعالى توقيفية لا اصطلاحية ومما يدل على صحة هذا القول ويؤكده أنه يجوز أن يقال يا جواد ولا يجوز أن يقال يا سخي ويجوز أن يقال يا عالم ولا يجوز أن يقال يا عاقل ويجوز أن يقال يا حكيم ولا يجوز أن يقال يا طبيب وللدعاء شرائط منها أن يعرف الداعي معاني الأسماء التي يدعو بها ويستحضر في قلبه عظمة المدعوّ سبحانه وتعالى ويخلص النية في دعائه مع كثرة التعظيم والتبجيل والتقديس لله ويعزم المسألة مع رجاء الإجابة ويعترف الله سبحانه وتعالى بالربوبية وعلى نفسه بالعبودية فإذا فعل العبد ذلك عظم موضع الدعاء وكان له تأثير عظيم {وذروا الذين يلحدون في أسمائه} معنى الإلحاد في اللغة الميل عن القصد والعدول عن الاستقامة.
وقال ابن السكيت: الملحد العادل عن الحق المدخل في ما ليس منه يقال ألحد في الدين إلحادًا إذا عدل عنه ومال إلى غيره.
قال المحققون: الإلحاد يقع في أسماء الله تعالى على وجوه:
أحدها: إطلاق أسماء الله على غيره وذلك أن المشركين سموا أصنامهم بالآلهة واشتقوا لها أسماء من أسماء الله تعالى فسموا اللات والعزى ومناة واشتقاق اللات من الإله والعزى من العزيز ومناة من المنان وهذا معنى قول ابن عباس ومجاهد.
الوجه الثاني: وهو قول أهل المعاني أن الإلحاد في أسماء الله هو تسميته بما لم يسمّ به نفسه ولم يرد فيه نص من كتاب ولا سنة لأن أسماء الله سبحانه وتعالى كلها توقيفية كما تقدم فلا يجوز فيها غير ما ورد في الشرع بل ندعو الله بأسمائه التي وردت في الكتاب والسنة على وجه التعظيم.
الوجه الثالث: مراعاة حسن الأدب في الدعاء فلا يجوز أن يقال يا ضارّ يا مانع يا خالق القردة على انفراد بل يقال يا ضرا يا نافع يا خالق الخلق.
الوجه الرابع: أن لا يسمي الله العبد باسم لا يعرف معناه فإنه ربما سماه باسم لا يليق إطلاقه على جلال الله سبحانه وتعالى ولا يجوز أن يسمى به لما فيه من الغرابة.
وقوله سبحانه وتعالى: {سيجزون ما كانوا يعملون} يعني في الآخرة ففيه وعيد وتهديد لمن ألحد في أسماء الله. اهـ.