فصل: قال صاحب روح البيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال صاحب روح البيان:

{وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى}.
تأنيث الأحسن أي الأسماء التي هي أحسن الأسماء وأجلها لأنها دالة على معاني هي أحسن المعاني وأشرفها والمراد بها الألفاظ الدالة الموضوعة على المعاني المختلفة دل على أن الاسم غير المسمى ولو كان هو المسمى لكان المسمى عدد الأسماء وهو محال.
قال الإمام الغزالي: الحق أن الاسم غير التسمية وغير المسمى فإن هذه ثلاثة أسماء متباينة غير مترادفة {فَادْعُوا وَمَا دُعَاؤُا الْكَافِرِينَ إِلا في ضَلَالٍ} فسموه بتلك الأسماء واذكروه بها وفي الحديث: «إن تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة، هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن، الرحيم الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارىء، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصى، المبدىء، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرؤوف، مالك، الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغنى، المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور».
واستحسن المشايخ المتقدمون أن يبدأ أولًا ويقول اللهم إني أسألك يا رحمن يا رحيم إلى آخره فيجيء بجميع الأسماء بحرف النداء ثم يقول في آخر الكل أن تصلي على محمد وآله وأن ترزقني.
وجميع من يتعلق بي بتمام نعمك ودوام عافيتك يا أرحم الراحمين كما في الأسرار المحمدية قال عبد الرحمن البسطامي في ترويح القلوب: إن العارفين يلاحظون في الأسماء آلة التعريف وأصل الكلمة.
والملامية يطرحون منها آلة التعريف لأنها زائدة على أصل الكلمة ومن السر المكنون في الدعاء أن تأخذ حروف الأسماء التي تذكر بها مثل قولك الكبير المتعال ولا تأخذ الألف واللام، بل تأخذ كبير متعال وتنظر كم لها من الأعداد بالجمل الكبير فتذكر ذلك العدد في موضع خال من الأصوات بالشرائط المعتبرة عند أهل الخلوات لا تزيد على العدد ولا تنقص منه، فإنه يستجلب لك للوقت وهو الكبريت الأحمر بإذن الله تعالى فإن الزيادة على العدد المطلوب إسراف والنقص منه إخلال والعدد في الذكر بالأسماء كأسنان المفتاح لأنها إن زادت أو نقصت لا تفتح باب الإجابة البتة فافهم السر وحسن الدر.
واعلم: أنه لما كانت المقامات الدنية ثلاثة، مقام الإسلام ومقام الإيمان، ومقام الإحسان، ومراتب الجنان المرتبة على الإحصاء لأهل الدين ثلاثًا، جنة الأعمال.
وجنة الميراث، وجنة الامتنان لا جرم كانت أنواع الإحصاء ثلاثة.
التعلق في مقام الإسلام، والتخلق في مقام الإيمان، والتحقق في مقام الإحسان، فإحصاؤها بالتعلق في مقام الإسلام هو أن يتطلب السالك آثار كل اسم منها في نفسه وبدنه وجميع فواه وأعضائه وأجزائه وجزئياته في جميع حالاته وهيئاته النفسانية والجسمانية وفي جملة تطوراته وأنواع ظهوراته، فيرى جميع ذلك من أحكام هذه الأسماء وآثارها فيقابل كل أثر بما يليق به كمقابلة الأنعام بالشكر والبلاء بالصبر وغير ذلك فبمثل هذا الإحصاء يدخل جنة الأعمال التي هي محل ستر الأغراض الزائلة بالأعيان الثابتة الباقية، وهي التي أخبر عنها إبراهيم الخليل عليه السلام بأنها قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد، وإحصاؤها بالتخلق في مقام الإيمان يكون بتطلع الروح الروحانية إلى حقائق هذه الأسماء ومعانيها ومفهوماتها، والتخلق بكل اسم منها على نحو ما أمر به من قوله عليه السلام: «تخلقوا بأخلاق الله» بحيث يكون المتخلق هو عين ذلك الاسم أي ينفعل عنه ما ينفعل عن ذلك الاسم فبمثل هذا الإحصاء يدخل هذا المتخلق جنة الميراث التي هي أعلى من الجنة الأولى بل هي باطنها المنزل منها بمنزلة عالم الملكوت من عالم الملك وهي المشار إليها بقوله عليه السلام: «ما منكم من أحد إلا وله منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإذا مات ودخل النار ورث منزله أهل الجنة وإن شئتم فاقرؤوا أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون» وإحصاؤها بالتحقق في مقام الإحسان يكون بالتقوى والانخلاع عما قام بك أو ظهر فيك من الصور والمعاني المتسمة بسمة الحدوث والاستتار بسبحات الخضرة الحقية والاحتجاب بسجف أستارها وأعيانها.
كما قال:
تسترت عن دهري بظل جناحه ** بحيث أرى دهري وليس يراني

فلو تسأل الأيام ما أسمى ما درت ** وأين مكاني ما درين مكاني

فبمثل هذا الإحصاء يدخل المتحقق جنة الامتنان التي هي محل سرغيب الغيب المشار إليها بقوله عليه الصلاة والسلام: «ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» وإليها الإشارة أيضًا بقوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ في جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * في مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر} (القمر: 54، 55) قال ابن ملك: من أحصاها أي من أطاق القيام بحق هذه الأسماء وعمل بمقتضاها بأن وثق بالرزق إذا قال الرزاق وعلم أن الخير والشر من الله تعالى إذا قال الضار النافع فشكر على المنفعة وصبر على المضرة وعلى هذا سائر الأسماء وقيل معناه من عقل معانيها وصدقها وقيل معناه من عدها كلمة كلمة تبركًا وإخلاصًا.
وقال البخاري: المراد به حفظها وهذا هو الأظهر لأنه جاء في الرواية الأخرى من حفظها مكان من أحصاها انتهى ولا يظن أن أسماء الله تعالى منحصرة في هذا المقدار بل هي أشهر الأسماء ويجوز أن تتفاوت فضيلة أسماء الله تعالى بتفاوت معانيها كالجلال والشرف ويكون التسعة والتسعون منها تجمع أنواعًا للمعاني المنبئة عن الجلال لا يجمع ذلك غيرها فتختص بزيادة شرف ويدل على أن أسماء الله تعالى كثيرة قوله عليه السلام: «ما أصاب أحدًا همّ ولا حزن فقال اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماضضٍ فيّ حكمك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله عنه كل همه وحزنه وأبدل مكانه فرج» وعن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سمع رجلًا يقول: اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد فقال صلى الله عليه وسلّم: «دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطي وإذا دعى به أجاب».
واعلم: أن اسم الله أعظم الأسماء التسعة والتسعين لأنه دال على الذات الجامعة لصفات الإلهية كلها حتى لا يشذ منها شيء وسائر الأسماء لا يدل آحادها إلا على آحاد المعاني من علم أو قدرة أو فعل أو غيره، ولأنه أخص الأسماء إذ لا يطلقه أحد على غيره لا حقيقة ولا مجازًا وسائر الأسماء قد يسمى بها غيره كالقادر والعليم والرحيم وغيرها وقد جعل العلماء من خصائص هذا الاسم أنه ينسب جميع أسماء الحق إليه، كما قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى} (الأعراف: 180). اهـ.

.قال القاسمي:

{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [180].
{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} روى مقاتل أن رجلًا دعا الله في صلاته، ودعا الرحمن، فقال بعض المشركين: إن محمدًا وأصحابه يزعمون أنهم يعبدون ربًا واحدًا، فما بال هذا يدعو اثنين؟ فنزلت الآية.
والحسنى تأنيث الأحسن، والمعنى: لله الأسماء التي هي أحسن الأسماء وأجلها، لإنبائها عن أحسن المعاني وأشرفها: {فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} أي: يميلون عن الإقرار بها ويجحدونها، ويعدلون عنها كفرًا بها.
كقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} أي: زادهم ذكر الرحمن نفورًا، ولذا قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ} وقوله تعالى: {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} يعني في الآخرة، من جحدهم إياها ونفورهم عن الإيمان بها.
تنبيهات:
الأول: قال السيد محمد بن المرتضى اليماني في إيثار الحق: مقام معرفة كمال هذا الرب الكريم، وما يجب له من نعوته وأسمائه الحسنى، من تمام التوحيد، الذي لابد منه، لأن كمال الذات بأسمائها الحسنى، ونعوتها الشريفة، ولا كمال لذات لا نعت لها ولا اسم.
ولذلك عد مذهب الملاحدة في مدح الرب بنفيها، من أعظم مكائدهم للإسلام، فإنهم عكسوا المعلوم عقلًا وسمعًا، فذموا الأمر المحمود ومدحوا الأمر المذموم، القائم مقام النفي والجحد المحض، وضادوا كتاب الله ونصوصه الساطعة.
قال الله جل جلاله: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} الآية.
وقال: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَن} الآية، فما كان منها منصوصًا في كتاب الله، وجب الإيمان به على الجميع، والإنكار على من جحده، أو زعم أن ظاهره اسم ذم لله سبحانه، وما كان في الحديث وجب الإيمان به على من عرف صحته، وما نزل عن هذه المرتبة، أو كان مختلفًا في صحته، لم يصح استعماله، فإن الله أجل من أن يسمى باسم لم يتحقق أنه تسمى به. انتهى.
الثاني: روى الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا، من حفظها دخل الجنة، والله وتر يحب الوتر»، وفي رواية: «من أحصاها»، ثم قال: ولا نعلم في كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث. ورواه ابن ماجة أيضًا. فسرد الأسماء بزيادة ونقصان.
قال الحافظ ابن كثير: والذي عول عليه جماعة من الحفاظ، أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه، وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني، عن زهير بن محمد بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك، أي: أنهم جمعوها من القرآن، كما روي عن جعفر بن محمد وسفيان بن عيينة وأبي زيد اللغوي. انتهى. وقال النووي: اتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى. وليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما المقصود من الحديث الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبار بحصرها. ولهذا جاء في الحديث الآخر: «أسألك بكل اسم سميت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك». وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي عن بعضهم، أن لله ألف اسم. انتهى.
وقال السيد اليماني في إيثار الحق: عادة المتكلمين أن يقتصروا هنا على اليسير من الأسماء، لا ينبغي ترك شيء منها، ولا اختصاره! فإن ذلك كالإختصار للقرآن الكريم، ولو كان منها شيء لا ينبغي اعتقاده ولا ذكره، ما ذكره الله تعالى في القرآن العظيم.
وعادة بعض المحدثين أن يوردوا جميع ما ورد في الحديث المشهور في تعدادها، مع الإختلاف الشهير في صحته. وحسبك أن البخاري ومسلمًا تركا تخريجه مع رواية أوله. واتفاقهما على ذلك يشعر بقوة العلة فيه، ولكن الأكثرين اعتمدوا ذلك تعرضًا لفضل الله العظيم في وعده، من أحصاها بالجنة كما اتفق على صحته.
وليس يستيقن إحصاؤها بذلك إلا لو لم يكن لله سبحانه إسم غير تلك الأسماء.
فأما إذا كانت أسماؤه سبحانه أكثر من أن تحصى، بطل اليقين بذلك، وكان الأحسن الاقتصار على ما في كتاب الله، وما اتفق على صحته بعد ذلك، وهو النادر وقد ثبت أن أسماء الله تعالى أكثر من ذلك المروي بالضرورة والنص. أما الضرورة، فإن في كتاب الله أكثر من ذلك، وأما النص، فحديث ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما قال عبد أصابه همّ أو حَزْن: اللهم إني عبد وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، إلا أذهب الله همه وغمه، وأبدله مكان حزنه فرحًا»- رواه أحمد، وأبو عوانة في صحيحه وأبو يعلى والبزار.
ثم أخذ اليمانيّ يذكر ما وجده من الأسماء منصوصًا، غير معرَّج على التقليد. فانظره في إيثار الحق فإنه جوّد البحث بمنزع شريف.
الثالث: قال بعض مفسري الزيدية في قوله تعالى: {فادعوه بها}: المعنى سموه بها، وفي ذلك أمر بدعائه بالأسماء الحسنى، وهو أمر ندب إذا حمل على التلاوة بالتسعة والتسعين، وحث على ذلك في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، وإن أريد بالتسمية بما فيه مدح، دون ما فيه إلحاد، فذلك وجوب.
الرابع: قال السيد اليماني في إيثار الحق: هل يجوز تسمية محامد الرب تعالى وأسمائه الحسنى صفات له سبحانه وتعالى؟
قال الله: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى}، وذكر أهل التفسير واللغة أنه الوصف الأعلى، وكذلك جاء في كلام علي عليه السلام أنه قال: فعليك أيها السائل بما دل عليه القرآن من صفته- ذكره السيد أبو طالب في الأمالي بإسناده، والسيد الرضي في النهج كلاهما في جوابه عليه السلام، على الذي قال له: صف لنا نار ربنا.
وهذا لا يعارض قوله عز وجل: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُون}، لأنه لم ينزه ذاته عن الوصف مطلقًا، حتى يعم الوصف الحسن، وإنما ينزه عن وصفهم له بالباطل القبيح. انتهى. اهـ.