فصل: فصول ثلاثة مهمة للغزالي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



التاسع عشر: أن من أسمائه الحسنى ما يكون دالا على عدة صفات ويكون ذلك الاسم متناولا لجميعها تناول الاسم الدال على الصفة الواحدة لها كما تقدم بيانه كاسمه العظيم والمجيد والصمد كما قال ابن عباس: فيما رواه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره: الصمد: السيد الذي قد كمل في سؤدده والشريف: الذي قد كمل في شرفه والعظيم: الذي قد كمل في عظمته والحليم الذي قد كمل في حلمه والعليم الذي قد كمل في علمه والحكيم الذي قد كمل في حكمته وهو الذي قد كمل في أنواع شرفه وسؤدده وهو الله سبحانه إسناده ضعيف هذه صفته لا تنبغي إلا له ليس له كفوا أحد وليس كمثله شيء سبحان الله الواحد القهار هذا لفظه وهذا مما خفي على كثير ممن تعاطى الكلام في تفسير الأسماء الحسنى ففسر الاسم بدون معناه ونقصه من حيث لا يعلم فمن لم يحط بهذا علما بخس الاسم الأعظم حقه وهضمه معناه فتدبره.
العشرون: وهي الجامعة لما تقدم من الوجوه وهي معرفة الإلحاد في أسمائه حتى لا يقع فيه قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأسماء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} والإلحاد في أسمائه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها وهو مأخوذ من الميل كما يدل عليه مادته ل ح د فمنه اللحد وهو الشق في جانب القبر الذي قد مال عن الوسط ومنه الملحد في الدين المائل عن الحق إلى الباطل قال ابن السكيت: الملحد المائل عن الحق المدخل فيه ما ليس منه ومنه الملتحد وهو مفتعل من ذلك وقوله تعالى: {وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} أي من تعدل إليه وتهرب إليه وتلتجئ إليه وتبتهل فتميل إليه عن غيره تقول العرب التحد فلان إلى فلان إذا عدل إليه إذا عرف هذا فالإلحاد في أسمائه تعالى أنواع أحدها: أن يسمى الأصنام بها كتسميتهم اللات من الإلهية والعزى من العزيز وتسميتهم الصنم إلها وهذا إلحاد حقيقة فإنهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة الثاني: تسميته بما لا يليق بجلاله كتسمية النصارى له أبا وتسمية الفلاسفة له موجبا بذاته أو علة فاعلة بالطبع ونحو ذلك وثالثها: وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص كقول أخبث اليهود إنه فقير وقولهم إنه استراح بعد أن خلق خلقه وقولهم: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} وأمثال ذلك مما هو إلحاد في أسمائه وصفاته ورابعها: تعطيل الأسماء عن معانيها وجحد حقائقها كقول من يقول من الجهمية وأتباعهم إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معاني فيطلقون عليه اسم السميع والبصير والحي والرحيم والمتكلم والمريد ويقولون لا حياة له ولا سمع ولا بصر ولا كلام ولا إرادة تقوم به وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلا وشرعا ولغة وفطرة وهو يقابل إلحاد المشركين فإن أولئك أعطوا أسماءه وصفاته لآلهتهم وهؤلاء سلبوه صفات كماله وجحدوها وعطلوها.
فكلاهما ملحد في أسمائه ثم الجهمية وفروخهم متفاوتون في هذا الإلحاد فمنهم الغالي والمتوسط والمنكوب وكل من جحد شيئا عما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله فقد ألحد في ذلك فليستقل أو ليستكثر وخامسها: تشبيه صفاته بصفات خلقه تعالى الله عما يقول المشبهون علوا كبيرا فهذا الإلحاد في مقابلة إلحاد المعطلة فإن أولئك نفوا صفة كماله وجحدوها وهؤلاء شبهوها بصفات خلقه فجمعهم الإلحاد وتفرقت بهم طرقه وبرأ الله أتباع رسوله وورثته القائمين بسنته عن ذلك كله فلم يصفوه إلا بما وصف به نفسه ولم يجحدوا صفاته ولم يشبهوها بصفات خلقه ولم يعدلوا بها عما أنزلت عليه لفظا ولا معنى بل أثبتوا له الأسماء والصفات ونفوا عنه مشابهة المخلوقات فكان إثباتهم بريئا من التشبيه وتنزيههم خليا من التعطيل لا كمن شبه حتى كأنه يعبد صنما أو عطل حتى كأنه لا يعبد إلا عدما وأهل السنة وسط في النحل كما أن أهل الإسلام وسط في الملل توقد مصابيح معارفهم من: {شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} فنسأل الله تعالى أن يهدينا لنوره ويسهل لنا السبيل إلى الوصول إلى مرضاته ومتابعة رسوله إنه قريب مجيب فهذه عشرون فائدة مضافة إلى القاعدة التي بدأنا بها في أقسام ما يوصف به الرب تبارك وتعالى فعليك بمعرفتها ومراعاتها ثم اشرح الأسماء الحسنى إن وجدت قلبا عاقلا ولسانا قائلا ومحلا قابلا وإلا فالسكوت أولى بك فجناب الربوبية أجل وأعز مما يخطر بالبال أو يعبر عنه المقال: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} حتى ينتهي العلم إلى من أحاط بكل شيء علما وعسى الله أن يعين بفضله على تعليق شرح الأسماء الحسنى مراعيا فيه أحكام هذه القواعد بريئا من الإلحاد في أسمائه وتعطيل صفاته فهو المان بفضله والله ذو الفضل العظيم. اهـ.

.فصول ثلاثة مهمة للغزالي:

قال عليه سحائب الرحمة:

.الفصل الأول في بيان أن أسماء الله تعالى من حيث التوقيف غير مقصورة على تسعة وتسعين:

بل ورد التوقيف بأسام سواها إذ في رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه إبدال لبعض هذه الأسامي بما يقرب منها وإبدال بما لا يقرب فأما الذي يقرب فالأحد بدل الواحد والقاهر بدل القهار والشاكر بدل الشكور والذي لا يقرب كالهادي والكافي والدائم والبصير والنور والمبين والجميل والصادق والمحيط والقريب والقديم والوتر والفاطر والعلام والملك والأكرم والمدبر والرفيع وذي الطول وذي المعارج وذي الفضل والخلاق.
وقد ورد أيضا في القرآن ما ليس متفقا عليه في الروايتين جميعا كالمولى والنصير والغالب والقريب والرب والناصر ومن المضافات كقوله تعالى: {شديد العقاب}، {وقابل التوب}، {وغافر الذنب} ومولج الليل في النهار ومولج النهار في الليل ومخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي.
وقد ورد في الخبر أيضا السيد إذ قال رجل لرسول الله يا سيد فقال السيد هو الله عز وجل وكأنه قصد المنع من المدح في الوجه وإلا فقد قال: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» والديان أيضا قد ورد وكذا الحنان والمنان وغير ذلك مما لو تتبع في الأحاديث لوجد.
ولو جوز اشتقاق الأسامي من الأفعال فستكثر هذه الأسامي المشتقة لكثرة الأفعال المنسوبة إلى الله تعالى في القرآن كقوله تعالى: {يكشف السوء} 27 سورة النمل الآية 62 و{يقذف بالحق} 34 سورة سبأ الآية 38 و{يفصل بينهم} 22 سورة الحج الآية 17 و32 سورة السجدة الآية 25 {وقضينا إلى بني إسرائيل} 17 سورة الإسراء الآية 4 فيشتق له من ذلك الكاشف والقاذف بالحق والفاصل والقاضي.
ويخرج ذلك عن الحصر وفيه نظر سيأتي.
والغرض أن نبين أن الأسامي ليست هي التسعة والتسعين التي عددناها وشرحناها ولكنا جرينا على العادة في شرح تلك الأسامي فإنها هي الرواية المشهورة وليست هذه التعديدات والتفصيلات المروية عن أبي هريرة في الصحيحين إنما الذي تشتمل عليه الصحاح قوله إن لله سبحانه وتعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة أما بيان ذلك وتفصيله فلا.
ومما وقع عليه الاتفاق بين الفقهاء والعلماء من الأسامي المريد والمتكلم والموجود والشيء والذات والأزلي والأبدي وإن ذلك مما يجوز إطلاقه في حق الله سبحانه وتعالى وورد في الحديث لا تقولوا جاء رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى لكن قولوا جاء شهر رمضان وكذلك ورد عن رسول الله أنه قال ما أصاب أحدا هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن.
ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله عز وجل همه وحزنه وأبدل مكانه فرحا وقوله استأثرت به في علم الغيب عندك يدل على أن الأسماء غير محصورة فيما وردت به الروايات المشهورة وعند هذا ربما يخطر ببالك طلب الفائدة في الحصر في تسعة وتسعين ولابد من ذكرها.

.الفصل الثاني في بيان فائدة الإحصاء والتخصيص بتسعة وتسعين:

وفي هذا الفصل أنظار في أمور فلنوردها في معرض الأسئلة فإن قال قائل أسماء الله سبحانه وتعالى هل تزيد على تسعة وتسعين أم لا فإن زادت فما معنى هذا التخصيص ومن يملك ألف درهم لا يجوز أن يقول القائل إن له تسعة وتسعين درهما لأن الألف وإن اشتمل على ذلك ولكن تخصيص العدد بالذكر يفهم نفي ما وراء المعدود وإن كانت الأسامي غير زائدة على هذا العدد فما معنى قوله أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك فإن هذا صريح في أنه استأثر ببعض الأسامي وكذلك قال في رمضان إنه من أسماء الله تعالى وكذلك كان السلف يقولون فلان أوتي الاسم الأعظم وكان ينسب ذلك إلى بعض الأنبياء والأولياء وذلك يدل على أنه خارج عن التسعة والتسعين.
فنقول إن الأشبه أن الأسامي زائدة على تسعة وتسعين لهذه الأخبار وأما الحديث الوارد في الحصر فإنه يشتمل على قضية واحدة لا على قضيتين وهو كالملك الذي له ألف عبد مثلا فيقول القائل إن للملك تسعة وتسعين عبدا من استظهر بهم لم يقاومه الأعداء فيكون التخصيص لأجل حصول الاستظهار بهم إما لمزيد قوتهم وإما لكفاية ذلك العدد في دفع الأعداء من غير حاجة إلى زيادة لا لاختصاص الوجود بهم.
ويحتمل أن تكون الأسامي غير زائدة على هذا العدد ويكون لفظ الخبر مشتملا على قضيتين إحداهما أن لله تعالى تسعة وتسعين اسما والثاني أن من أحصاها دخل الجنة حتى لو اقتصر على ذكر القضية الأولى كان الكلام تاما وعلى المذهب الأول لا يمكن الاقتصار على ذكر القضية الأولى.
وذا هو الأسبق إلى الفهم من ظاهر هذا الحصر ولكنه بعيد من وجهين:
أحدهما أن هذا يمنع أن يكون من الأسامي ما استأثر الله به في علم الغيب عنده وفي الحديث إثبات ذلك.
والثاني أنه يؤدي إلى أن يختص بالإحصاء نبي أو ولي ممن أوتي الاسم الأعظم حتى يتم العدد به وإلا فيكون ما أحصى وراء ذلك ناقصا عن العدد أو كان الاسم خارجا عن العدد فيبطل به الحصر.
والأظهر أن رسول الله ذكر هذا في معرض الترغيب للجماهير في الإحصاء والاسم الأعظم لا يعرفه الجماهير.
فإن قيل فإذا كان الأظهر أن الأسامي زائدة على تسعة وتسعين فلو قدرنا مثلا أن الأسامي ألف وأن الجنة تستحق بإحصاء تسعة وتسعين منها فهي تسعة وتسعون بأعيانها أو تسعة وتسعون أيها كان حتى إن من بلغ ذلك المبلغ في الإحصاء استحق دخول الجنة وحتى إن من أحصى ما رواه أبو هريرة مرة دخل الجنة ولو أحصى أيضا ما اشتملت الرواية الثانية عليه أيضا دخل الجنة إذا قدرنا أن جميع ما في الروايتين من أسماء الله تعالى.
فتقول الأظهر أن المراد به تسعة وتسعون بأعيانها فإنها إذا لم تتعين لم تظهر فائدة الحصر والتخصيص فإن قول القائل إن للملك مئة عبد من استظهر بهم لم يقاومه عدو إنما يحسن مع كثرة عبيد الملك إذا اختص مئة من بينهم بمزيد قوة وشوكة فأما إذا حصل ذلك بأي مئة كان من جملة العبيد لم يحسن نظم الكلام.
فإن قيل فما بال تسعة وتسعين من الأسماء اختصت بهذه القضية مع أن الكل أسماء الله سبحانه وتعالى.
فنقول الأسامي يجوز أن تتفاوت فضيلتها لتفاوت معانيها في الجلالة والشرف فيكون تسعة وتسعون منها تجمع أنواعا من المعاني المنبئة عن الجلال لا يجمع ذلك غيرها فتختص بزيادة شرف.
فإن قيل فاسم الله الأعظم داخل فيها أم لا فإن لم يدخل فكيف يختص مزيد الشرف بما هو خارج عنها وإن كان داخلا فيها فكيف ذلك وهي مشهورة والاسم الأعظم يختص بمعرفته نبي أو ولي وقد قيل إن آصف إنما جاء بعرش بلقيس لأنه كان قد أوتي الاسم الأعظم وهو سبب كرامات عظيمة لمن عرفه.