فصل: الفصل الثالث في أن الأسامي والصفات المطلقة على الله عز وجل هل تقف على التوقيف أم تجوز بطريق العقل؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فنقول يحتمل أن يقال إن اسم الله الأعظم خارج عن هذا العدد الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه ويكون شرف هذه الأسامي المعدودة بالإضافة إلى جميع الأسماء المشهورة عند الجماهير لا بالإضافة إلى الأسماء التي يعرفها الأولياء والأنبياء ويحتمل أن يقال إنها تشتمل على اسم الله الأعظم ولكنه مبهم فيها لا يعرفه بعينه إلا ولي إذ ورد في الخبر عن النبي أنه قال اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم 2 سورة البقرة الآية 163 وفاتحة آل عمران آلم الله لا إله إلا هو الحي القيوم 3 سورة آل عمران الآية 1 وروي أن رسول الله سمع رجلا يدعو وهو يقول اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال والذي نفسي بيده لقد سأل الله تعالى باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى فإن قيل فما سبب تخصيص هذا العدد من بين سائر الأعداد ولم لم يبلغ مئة وقد قارب ذلك.
قلنا فيه احتمالان:
أحدهما أن يقال لأن المعاني الشريفة بلغت هذا المبلغ لا لأن العدد مقصود ولكن وافقت المعاني هذا العدد كما أن الصفات عند أهل السنة سبع وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام لا لأنها سبع ولكن صفات الربوبية لا تتم إلا بها.
والثاني وهو الأظهر أن السبب فيه بيان ما ذكره رسول الله حيث قال مئة إلا واحدة والله وتر يحب الوتر وإلا أن هذا يدل على أن هذه الأسامي هي بالتسمية الإرادية الاختيارية لا من حيث انحصار صفات الشرف فيها لأن ذلك يكون لذاته لا بالإرادة ولا يقول أحد إن صفات الله سبحانه وتعالى سبع لأنه وتر ويحب الوتر بل ذلك لذاته وإلهيته والعدد فيه غير مقصود بل ليس وجود ذلك بقصد قاصد وإرادة مريد حتى يقصد الوتر دون غيره وهذا يكاد يؤيد الاحتمال الذي ذكرناه وهو أن الأسامي التي سمى الله سبحانه وتعالى بها نفسه هي تسعة وتسعون لا غير وأنه إنما لم يجعلها مئة لأنه يحب الوتر وسنشير إلى ما يؤيد هذا الاحتمال.
فإن قيل فهذه الأسماء التسعة والتسعون هل عدها رسول الله وأحصاها قصدا إلى جمعها أو ترك جمعها إلى من يلتقطها من الكتاب والسنة والأخبار الدالة عليه.
فنقول الأظهر وهو الأشهر أن ذلك مما أحصاه رسول الله وجمعها قصدا إلى جمعها وتعليمها على ما نقله أبو هريرة رضي الله عنه إذ ظاهر الكلام هو الترغيب في الإحصاء وذلك مما يعسر على الجماهير إذا لم يذكره رسول الله على سبيل الجمع وهذا يدل على صحة رواية أبي هريرة رضي الله عنه وقد قبل الجماهير روايته المشهورة التي أجرينا شرحنا على منوالها.
وقد تكلم أحمد البيهقي على رواية أبي هريرة وذكر أنها من رواية من فيه ضعف وأشار أبو عيسى الترمذي في مسنده إلى شيء من ذلك ويدل على ضعف هذه الرواية سوى ما ذكره المحدثون ثلاثة أمور:
أحدها اضطراب الرواية عن أبي هريرة إذ عنه روايتان وبينهما تباين ظاهر في الإبدال والتغيير.
والثاني أن روايته ليست تشتمل على ذكر الحنان والمنان ورمضان وجملة من الأسامي التي وردت الأخبار بها.
والثالث أن الذي أورد في الصحيح هذا القدر وهو قوله إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة.
وأما ذكر الأسامي فلم تورد في الصحيح بل وردت به رواية غريبة وفي إسنادها ضعف وهذا القدر الظاهر يدل على أن الأسامي لا تزيد على هذا العدد وإنما حملنا على الميل عن الظاهر خروج بعض هذه الأسامي عن رواية أبي هريرة فإن ضعفنا الرواية التي فيها عدد الأسامي اندفع عنها جملة من الإشكالات.
فإنا نقول الأسامي هي تسعة وتسعون فقط سمى الله سبحانه وتعالى بها نفسه ولم يكملها مائة لأنه وتر يحب الوتر ويدخل في جملتها الحنان والمنان وغيرهما ولا يمكن معرفة جميعها إلا بالبحث في الكتاب والسنة إذ يصح جملة منها في كتاب الله سبحانه وتعالى وجملة في الأخبار ولم أعرف أحدا من العلماء اعتنى بطلب ذلك وجمعه سوى رجل من حفاظ المغرب يقال له علي بن حزم فإنه قال رحمه الله صح عندي قريب من ثمانين اسما يشتمل عليها الكتاب والصحاح من الأخبار والباقي ينبغي أن يطلب من الأخبار بطريق الاجتهاد وأظن أنه لم يبلغه الحديث الذي فيه عدد الأسامي وإن كان بلغه فكأنه استضعف إسناده إذ عدل عنه إلى الأخبار الواردة في الصحاح وإلى التقاط ذلك منها وعلى هذا فمن أحصاها أي جمعها وحفظها نال تعبا شديدا في اجتهاده فبالحري أن يدخل الجنة وإلا فإحصاء ما وردت الرواية به مرة واحدة سهل على اللسان نعم قد ورد في بعض الألفاظ الصحاح من حفظها دخل الجنة والحفظ يحوج إلى مزيد تعب.
فهذا ما يظهر لي من الاحتمالات في هذا الحديث وأكثر ذلك مما لم يتعرض له وهي أمور اجتهادية لا تعلم إلا بتخمين فإنها خارجة عن مجاري العقول والله أعلم.

.الفصل الثالث في أن الأسامي والصفات المطلقة على الله عز وجل هل تقف على التوقيف أم تجوز بطريق العقل؟

والذي مال إليه القاضي أبو بكر أن ذلك جائز إلا ما منع منه الشرع أو أشعر بما يستحيل معناه على الله سبحانه وتعالى فأما ما لا مانع فيه فإنه جائز والذي ذهب إليه الأشعري أن ذلك موقوف على التوقيف فلا يجوز أن يطلق في حق الله تعالى ما هو موصوف بمعناه إلا إذا أذن فيه والمختار عندنا أن نفصل ونقول كل ما يرجع إلى الاسم فذلك موقوف على الإذن وما يرجع إلى الوصف فذلك لا يقف على الإذن بل الصادق منه مباح دون الكاذب ولا يفهم هذا إلا بعد فهم الفرق بين الاسم والوصف.
فنقول الاسم هو اللفظ الموضوع للدلالة على المسمى فزيد مثلا اسمه زيد وهو في نفسه أبيض وطويل فلو قال له قائل يا طويل يا أبيض فقد دعاه بما هو موصوف به وصدق ولكنه عدل عن اسمه إذ اسمه زيد دون الطويل والأبيض وكونه طويلا أبيض لا يدل على أن الطويل اسمه بل تسميتنا الولد قاسما وجامعا لا يدل على أنه موصوف بمعاني هذه الأسماء بل دلالة هذه الأسماء وإن كانت معنوية عليه كدلالة قولنا زيد وعيسى وما لا معنى له بل إذا سميناه عبد الملك فلسنا نعني به أنه عبد الملك ولذلك نقول عبد الملك اسم مفرد كعيسى وزيد وإذا ذكر في معرض الوصف كان مركبا وكذلك عبد الله لذلك يجمع فيقال عبادلة ولا يقال عباد الله.
وإذا فهمت معنى الاسم فاسم كل أحد ما سمى به نفسه أو سماه به وليه من أبيه أو سيده والتسمية أعني وضع الاسم تصرف في المسمى ويستدعي ذلك ولاية والولاية للإنسان على نفسه أو على عبده أو على ولده فلذلك تكون التسميات إلى هؤلاء ولذلك لو وضع غير هؤلاء اسما على مسمى ربما أنكره المسمى وغضب على المسمي وإذا لم يكن لنا أن نسمي إنسانا أي لا نضع له اسما فكيف نضع لله تعالى اسما وكذلك أسماء رسول الله معدودة وقد عدها وقال إن لي أسماء أحمد ومحمد والمقفي والماحي والعاقب ونبي التوبة ونبي الرحمة ونبي الملحمة وليس لنا أن نزيد على ذلك في معرض التسمية بل في معرض الإخبار عن وصفه فيجوز أن نقول إنه عالم ومرشد ورشيد وهاد وما يجري مجراه كما نقول لزيد إنه أبيض طويل لا في معرض التسمية بل في معرض الإخبار عن وصفه فيجوز أن نقول إنه عالم ومرشد ورشيد وهاد وما يجري مجراه كما نقول لزيد إنه أبيض وطويل لا في معرض التسمية بل في معرض الإخبار عن صفته وعلى الجملة فهذه مسألة فقهية إذ هو نظر في إباحة لفظ وتحريمه.
فنقول أما الدليل على المنع من وضع اسم لله سبحانه وتعالى هو المنع من وضع اسم لرسول الله لم يسم به نفسه ولا سماه به ربه تعالى ولا أبواه وإذا منع في حق الرسول بل في حق آحاد الخلق فهو في حق الله أولى وهذا نوع قياس فقهي تبنى على مثله الأحكام الشرعية.
وأما دليل إباحة الوصف فهو أنه خبر عن أمر والخبر ينقسم إلى صدق وكذب والشرع قد دل على تحريم الكذب في الأصل فالكذب حرام إلا بعارض ودل على إباحة الصدق فالصدق حلال إلا بعارض وكما أنه يجوز لنا.
أن نقول في زيد إنه موجود فكذلك في حق الله تعالى ورد به الشرع أو لم يرد ونقول إنه قديم وإن قدرنا أن الشرع لم يرد به وكما أنا لا نقول لزيد إنه طويل أشقر لأن ذلك ربما يبلغ زيدا فيكرهه لأن فيه إيهام نقص فكذلك لا نقول في حق الله سبحانه وتعالى ما يوهم نقصا البتة فأما ما لا يوهم نقصا أو يدل على مدح فذلك مطلق ومباح بالدليل الذي أباح الصدق مع السلامة عن العوارض المحرمة.
ولذلك قد يمنع من إطلاق لفظ فإذا قرن به قرينة جوزناه فلا يجوز أن يقال لله سبحانه وتعالى يا زارع يا حارث ويجوز أن يقال من وطئ فأمنى فليس هو الحارث وإنما الله تعالى وتقدس هو الحارث ومن بث البذر فليس هو الزارع إنما الله هو الزارع ومن رمى فليس هو الرامي وإنما الله هو الرامي كما قال تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} 8 سورة الأنفال الآية 17 ولا نقول لله سبحانه وتعالى يا مذل ونقول يا معز يا مذل فإنه إذا جمع بينهما كان وصف المدح إذ يدل على أن طرفي الأمور بيديه.
وكذلك في الدعاء ندعو الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى كما أمرنا به وإذا جاوزنا الأسامي دعوناه بصفات المدح والجلال فلا نقول يا موجود يا محرك يا مسكن بل نقول يا مقيل العثرات يا منزل البركات يا ميسر كل عسير وما يجري مجراه كما أنا إذا نادينا إنسانا فإما أن نناديه باسمه أو بصفة من صفات المدح كما نقول يا شريف يا فقيه ولا نقول يا طويل يا أبيض إلا إذا قصدنا الاستحقار وأما إذا استخبرنا عن صفاته أخبرنا بأنه أبيض اللون أسود الشعر ولا يذكر ما يكرهه إذا بلغه وإن كان صدقا لعارض الكراهة وإنما يكره ما يقدر فيه نقصا.
فكذلك إذا استخبرنا عن محرك الأشياء ومسكنها ومسودها ومبيضها قلنا هو الله سبحانه وتعالى ولا نتوقف في نسبة الأفعال والأوصاف إليه إلى إذن وارد فيه على الخصوص بل الإذن قد ورد شرعا في الصدق إلا ما يستثنى عنه بعارض والله تعالى هو الموجود والموجد والمظهر والمخفي والمسعد والمشقي والمبقي والمفني وكل ذلك يجوز إطلاقه وإن لم يرد فيه توقيف.
فإن قيل فلم لا يجوز أن يقال له العارف والعاقل والفطن والذكي وما يجري مجراه.
قلنا إنما المانع من هذا وأمثاله ما فيه من إيهامات وما فيه إيهام لا يجوز إلا بالإذن كالصبور والحليم والرحيم فإن فيه إيهاما ولكن الإذن قد ورد به وأما هذا فلم يرد به الإذن والإيهام فيه أن العاقل هو الذي له معرفة تعقله أي تمنعه إذ يقال عقله عقله والفطنة والذكاء يشعران بسرعة الإدراك لما غاب عن المدرك والمعرفة قد تشعر بسبق نكرة فلا يمنع عن إطلاق شيء منه إلا شيء مما ذكرناه فإن حقق لفظ لا يوهم أصلا بين المتفاهمين ولم يرد الشرع بالمنع منه فإنا نجوز إطلاقه قطعا والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب. اهـ.

.تفسير الآية رقم (181):

قوله تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما أخبر تعالى عن ذرء جهنم من القبلتين، تشوف السامع إلى معرفة حال الباقين منهما، فقال مصرحًا بالخبر عنهم عاطفًا على {ولقد ذرأنا} [الأعراف: 179] مشيرًا بمن التبعيضية إلى قتلهم تصديقًا لقوله: {وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} [الأعراف: 102] {وممن خلقنا} أي بما لنا من العظمة {أمة} أي جماعة عرفت من هو أهل لأن يؤم ويهتدى به فقصدته فاقتبست من أنواره فصارت هي أهلًا لأن تقصد ويؤتم بها.
ولما أفهم لفظ الأمه هذا صرح به في قوله: {يهدون بالحق} أي الثابت الذي يطابقه الواقع {وبه} أي الحق خاصة {يعدلون} أي يجعلون الأمور متعادلة، لا زيادة في شيء منها على ما ينبغي ولا نقص، لأنا وفقناهم فكشفنا عن بصائرهم حجاب الغفلة التي ألزمناها أولئك، قال أكثر المفسرين: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ورواه بعضهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبهم الأمر بعد تعيين قوم موسى عليه السلام تعظيمًا لهم. اهـ.