فصل: تفسير الآية رقم (182):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (182):

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بين حال الهادين المهديين، وكان أصل السياق الضالين المضلين، أتبعه بقية الحديث عنهم على وجه ملوح بأن علة الهداية التوفيق، فقال عاطفًا على تقديره: فنحن نعلي أمرهم ونطيب ذكرهم: {والذين كذبوا} أي نسبوا الرسل إلى الكذب بسبب إتيانهم {بآياتنا} على ما يشاهد من عظمتها {سنستدرجهم} أي نستنزلهم ونستدنيهم بوعد لا خلف فيه إلى ما نريد بهم من الشر العظيم درجة درجة بسبب أنهم كلما أحدثوا جريمة أسبغنا عليهم نعمة، وإذا عملوا طاعة قصرنا عنهم في الإنعام، أو ضربناهم بسوط الانتقام، فيظنون أن المعاصي سبب النعم فينسلخون من الدين، ولذلك قال: {من حيث لا يعلمون} أي فيرتكبون ما يتعجب من مداناته فضلًا عن مباشرته ومعاناته من له أدنى بصيرة حتى يكمل ما نريد منهم من المعاصي، وهو من أدلة {سأصرف عن آياتي} وأتى في الاستدراج بأداة العظمة وفي الإملاء بضمير الواحد فقال: {وأملي لهم}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ}.
اعلم أنه تعالى لما ذكر حال الأمة الهادية العادلة، أعاد ذكر المكذبين بآيات الله تعالى، وما عليهم من الوعيد، فقال: {والذين كَذَّبُواْ بئاياتنا} وهذا يتناول جميع المكذبين، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: المراد أهل مكة، وهو بعيد، لأن صفة العموم يتناول الكل، إلا ما دل الدليل على خروجه منه.
وأما قوله: {سَنَسْتَدْرِجُهُم} فالاستدراج الاستفعال من الدرجة بمعنى الاستصعاد أو الاستنزال، درجة بعد درجة، ومنه درج الصبي إذا قارب بين خطاه، وأدرج الكتاب طواه شيئًا بعد شيء ودرج القوم، مات بعضهم عقيب بعضهم، ويحتمل أن يكون هذا اللفظ مأخوذ من الدرج وهو لف الشيء وطيه جزأ فجزأ.
إذا عرفت هذا فالمعنى سنقربهم إلى ما يهلكهم، ونضاعف عقابهم من حيث لا يعلمون ما يراد بهم، وذلك لأنهم كلما أتوا بجرم أو أقدموا على ذنب فتح الله عليهم بابًا من أبواب النعمة والخير في الدنيا، فيزدادون بطرًا وانهماكًا في الفساد وتماديًا في الغي، ويتدرجون في المعاصي بسبب ترادف تلك النعم، ثم يأخذهم الله دفعة واحدة على غرتهم أغفل ما يكون، ولهذا قال عمر رضي الله عنه لما حمل إليه كنوز كسرى: «اللهم إني أعوذ بك أن أكون مستدرجًا فإني سمعتك تقول: {سَنَسْتَدْرِجُهُم مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ}». اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {والذين كَذَّبُواْ بآياتنا} يعني بمحمد والقرآن {سَنَسْتَدْرِجُهُم} يعني: سنأخذهم بالعذاب {مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} يعني: من حيث لا يشعرون.
وقال الكلبي: يعني نزيّن لهم فنهلكهم من حيث لا يعلمون.
يقول: سنأتيهم وهم المستهزئون فيقتل كل رجل منهم بغير قتلة صاحبه.
وقال القتبي: الاستدراج أن يذيقهم من بأسه قليلًا قليلًا.
ويقال: استدرج فلان فلانًا يعني: يعرف ما عنده وأصل هذا من الدرجة لأن الراقي يرقى درجة درجة.
فاستعير من هذا كقوله تعالى: {والمرسلات عُرْفًا} [المرسلات: 1] يعني: الملائكة يتابعون بعضهم بعضًا كعرف الفرس.
وكقوله تعالى: {المنافقون والمنافقات بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بالمنكر وَيَنْهَوْنَ عَنِ المعروف وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ إِنَّ المنافقين هُمُ الفاسقون} [التوبة: 67] يمسكون عن العطية.
وقال السدي: {سَنَسْتَدْرِجُهُم} يعني: كلما جددوا معصية جددنا لهم نعمة وأنسيناهم شكرها، ثم نأخذهم من حيث لا يعلمون، فذلك الاستدراج. اهـ.

.قال الثعلبي:

{والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ}.
قال بعضهم: سنأخذهم بالعذاب، وقال الكلبي: نزّين لهم أعمالهم فنهلكهم. وقال الضحاك: كلما جددوا لنا معصية جددنا لهم نعمة، وقال الخليل بن أحمد: سنطوي وإن أعمارهم في اغترار منهم.
وقال أبو عبيدة والمؤرخ: الاستدراج أن يأتيه من حيث لا يعلم.
وقال أهل المعاني: الاستدراج أن ندرج إلى الشيء في خفيّة قليلًا قليلًا ولا يباغت ولا يجاهر. يقال: استدرج فلانًا حتّى تعرف ما صنع أي لا يجاهر ولا يهجم عليه، قال: ولكن استخرج ما عنده قليلًا قليلًا وأصله من الدرج وذلك أن الراقي والنازل يرقى وينزل مرقاة مرقاة فاستعير هذا عنه. ومنه الكتاب إذا طوى شيئًا بعد شيء، ودرج القوم إذا مات بعضهم في دار بعض، ودرج الصبي إذا قارب من خطاه في المشي. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِأَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ}.
والاستدراج أن تنطوي على حالة منزلة بعد منزلة.
وفي اشتقاقه قولان:
أحدهما: أنه مشتق من الدرج لانطوائه على شيء بعد شيء.
والثاني: أنه مشتق من الدرجة لانحطاطه من منزلة بعد منزلة.
وفي المشار إليه باستدراجهم قولان:
أحدهما: استدراجهم إلى الهلكة.
والثاني: الكفر.
وقوله: {مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: لا يعلمون بالاستدراج.
والثاني: لا يعلمون بالهلكة. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {والذين كذبوا بآياتنا}.
الآية وعيد، والإشارة إلى الكفار و{سنستدرجهم} معناه سنسوقهم شيئًا بعد شيء ودرجة بعد درجة بالنعم عليهم والإمهال لهم حتى يغتروا ويظنوا أنهم لا ينالهم عقاب، وقوله: {من حيث لا يعلمون} معناه من حيث لا يعلمون أنه استدراج لهم، وهذه عقوبة من الله على التكذيب بالآيات، لما حتم عليهم بالعذاب أملى لهم ليزدادوا إثمًا وقرأ ابن وثاب والنخعي {سيستدرجهم} بالياء. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا}.
قال أبو صالح عن ابن عباس: هم أهل مكة.
وقال مقاتل: نزلت في المستهزئين من قريش.
قوله تعالى: {سنستدرجهم} قال الخليل بن أحمد: سنطوي أعمارهم في اغترار منهم.
وقال أبو عبيدة: الاستدراج: أن يُتدرج إلى الشيء في خُفية قليلًا قليلًا ولا يُهجم عليه، وأصله: من الدَّرَجة، وذلك أن الراقي والنازل يرقى وينزل مَرقاة مرقاة؛ ومنه: دَرَجَ الكتابَ: إذا طواه شيئًا بعد شيء؛ ودرج القوم: إذا ماتوا بعضُهم في إثر بعض.
وقال اليزيدي: الاستدراج: أن يأتيه من حيث لا يعلم.
وقال ابن قتيبة: هو ان يذيقهم من بأسه قليلًا قليلًا من حيث لا يعلمون، ولا يباغتهم به ولا يجاهرهم.
وقال الأزهري: سنأخذهم قليلًا قليلًا من حيث لا يحتسبون؛ وذلك أن الله تعالى يفتح عليهم من النعم ما يغتبطهم به ويركنون إليه، ثم يأخذهم على غرَّتهم أغفل ما يكونون.
قال الضحاك: كلما جددوا لنا معصية جددنا لهم نعمة.
وفي قوله: {من حيث لا يعلمون} قولان:
أحدهما: من حيث لا يعلمون بالاستدراج.
والثاني: بالهلكة. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182)}.
أخبر تعالى عمن كذّب بآياته أنه سيستدرجهم.
قال ابن عباس: هم أهل مكة.
والاستدراج هو الأخذ بالتدريج، منزلة بعد منزلة.
والدّرج: لَفُّ الشيء؛ يقال: أدرجته ودرّجته.
ومنه أدرج الميت في أكفانه.
وقيل: هو من الدّرجة؛ فالاستدراج أن يُحَطّ درجة بعد درجة إلى المقصود.
قال الضحاك: كلما جدّدوا لنا معصية جدّدنا لهم نعمة.
وقيل لذي النون: ما أقصى ما يخدع به العبد؟ قال: بالألطاف والكرامات؛ لذلك قال سبحانه: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} نسبغ عليهم النعم وننسيهم الشكر؛ وأنشدوا:
أحسنتَ ظنّك بالأيام إذ حَسُنتْ ** ولم تَخَفْ سوءَ ما يأتي به القَدَرُ

وسالمْتكَ اللَّيالي فاغتررْتَ بها ** وعند صَفْوِ الليالي يحدثُ الكَدَرُ

. اهـ.

.قال الخازن:

{والذين كذبوا بآياتنا}.
يريد به جميع المكذبين بآيات الله وهم الكفار.
وقيل: المراد بهم أهل مكة والأول أولى لأن صيغة العموم تتناول الكل إلا ما دل الدليل على خروجه منه {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} قال الأزهري: سنأخذهم قليلًا من حيث لا يحتسبون وذلك أن الله سبحانه وتعالى يفتح عليهم من النعيم ما يغتبطون به ويركنون إليه ثم يأخذهم على غرتهم أغفل ما يكونون وقيل معناه سنقربهم إلى ما يهلكهم ويضاعف عقابهم من حيث لا يعلمون ما يراد بهم لأنهم كانوا إذا أتوا بجرم أو أقدموا على ذنب فتح الله عليهم من أبواب الخير والنعمة في الدنيا فيزدادون تماديًا في الغيّ والضلال ويندرجون في الذنوب والمعاصي فيأخذهم الله أخذه واحدة أغفل ما يكونون عليه.
وقال الضحاك: معناه كلما جددوا معصية جددنا نعمة.
وقال الكلبي: نزين أعمالهم ثم نهلكهم بها، وقال سفيان الثوري: نسبغ عليهم النعم ثم نسلبهم الشكر.
روي أن عمر بن الخطاب لما حمل إليه كنوز كسرى قال: اللهم إني أعوذ بك أن أكون مستدرجًا فإني سمعتك تقول سنستدرجهم من حيث لا يعلمون.
قال أهل المعاني: الاستدراج أن يندرج الشيء إلى الشيء في خفية قليلًا ومنه درج الصبي إذا قارب بين خطاه في المشي ومنه درج الكتاب إذا أطواه شيئًا بعد شيء. اهـ.

.قال أبو حيان:

{والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}.
قال الخليل بن أحمد: سنطوي أعمارهم في اغترار منهم، وقال أبو عبيدة: الاستدراج أن تدرج إلى الشيء في خفية قليلًا قليلًا ولا تهجم عليه وأصله من الدرجة وذلك أنّ الراقي والنازل يرقى وينزل مرقاة مرقاة ومنه درج الكتاب طواه شيئًا بعد شيء ودرج القوم ماتوا بعضهم في أثر بعض، وقال ابن قتيبة: هو أن يذيقهم من بأسه قليلًا قليلًا من {حيث لا يعلمون} ولا يتابعهم به ولا يجاهرهم، وقال الأزهري سنأخذهم قليلًا قليلًا من حيث لا يحتسبون وذلك أن الله تعالى يفتح بابًا من النعة يغتبطون به ويركنون إليه ثم يأخذهم على غرّتهم أغفل ما يكون انتهى ومنه درج الصبي إذا قارب بين خطاه والمعنى سنسترقهم شيئًا بعد شيء ودرجة بعد درجة بالنعم عليهم والإمهال لهم حتى يغترّوا ويظنّوا أنهم لا ينالهم عقاب، وقال الجبائي {سنستدرجهم} إلى العقوبات حتى يقعوا فيها من حيث لا يعلمون استدراجًا لهم إلى ذلك فيجوز أن يكون هذا العذاب في الدنيا كالقتل ويجوز أن يكون عذاب الآخرة، وقال الزمخشري: ومعنى {سنستدرجهم} سنستدينهم قليلًا قليلًا إلى ما يهلكهم ويضاعف عقابهم من حيث لا يعلمون ما يراد بهم وذلك أن يواتر الله نعمه عليهم مع انهماكهم في الغيّ فكلما جدّد عليهم نعمة ازدادوا بطرًا وجدّدوا معصيةً فيتدرجون في المعاصي بسبب ترادف النعم ظانين أن مواترة النعم أثرة من الله وتقريب، وإنما هي خذلان منه وتبعيد فهذا استدراج الله نعوذ بالله تعالى منه، من حيث لا يعلمون قيل: بالاستدراج، وقيل: بالهلاك، وقرأ النخعي وابن وثاب: سيستدرجهم بالياء فاحتمل أن يكون من باب الالتفات واحتمل أن يكون الفاعل ضمير التكذيب المفهوم من {كذّبوا} أي سيستدرجهم هو أي التكذيب قال الأعشى: في الاستدراج:
فلو كنت في جبّ ثمانين قامة ** ورقيت أسباب السماء بسلم

ليستدرجنك القول حتى تهزه ** وتعلم أني عنكم غير مفحم

. اهـ.