فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ}.
فيه قولان:
أحدهما: أن السائل عنها اليهود، قاله ابن عباس.
والثاني: أن السائل عنها قريش، قاله الحسن، وقتادة.
{أَيَّانَ مُرْسَاهَا} أما {أَيَّانَ} فمعنى متى، ومنه قول الراجز:
أيان تقضي حاجتي أيانا ** أما ترى لنجحها أوانا

وأما {مُرْسَاهَا} ففيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: قيامها، قالها السدي.
والثاني: منتهاها، قاله ابن عباس.
والثالث: ظهورها، قاله الأخفش.
{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّيِ لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} لا يعلم وقتها إلا هو، نفيًا أن يعلمها غير الله: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: كبر على أهل السموات والأرض مجيء الساعة، قاله الحسن.
والثاني: ثقل عليهم قيام الساعة، قاله السدي.
والثالث: معناه عظم وصفها على أهل السموات والأرض، قاله ابن جريج.
{لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} يعني على غفلة لأنه لا يعلمها غير الله، ولم ترد الأخبار عنها من جهة الله فصار مجيئها بغتة وذلك أشد لها كما قال الشاعر:
وأنكأ شيء حين يفجؤك البغتُ... {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} فيه تأويلان:
أحدهما: معناه عالِمٌ بها، قاله مجاهد، والضحاك، وابن زيد، ومعمر.
والثاني: معنى الكلام يسألونك عنها كأن حفي بهم، على التقديم والتأخير، أي كأنك بينك وبينهم مودة توجب برهم، من قوله: {إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: 46] قاله ابن عباس. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {يسألونك عن الساعة} الآية، قال قتادة بن دعامة المراد يسألونك كفار قريش، وذلك ان قريشًا قالت يا محمد إنّا قرابتك فأخبرنا بوقت الساعة، قال ابن عباس: المراد بالآية اليهود، وذلك أن جبل بن أبي قشير وسمويل بن زيد قالا له إن كنت نبيًا فأخبرنا بوقت الساعة فإنّا نعرفها فإن صدقت آمنا بك، والساعة القيامة موت كل شيء كان حينئذ حيًا وبعث الجميع، هو كله يقع عليه اسم الساعة واسم القيامة، و{أيان} معناه متى وهو سؤال عن زمان ولتضمنها الوقت بنيت، وقرأ جمهور الناس {أيان} بفتح الهمزة، وقرأ السلمي {إيان} بكسر الهمزة، ويشبه أن يكون أصلها أي آن وهي مبنية على الفتح، وقال الشاعر: [الرجز]
أيان يقضي حاجتي أيانا ** أما ترى لفعلها إبانا

قال أبو الفتح وزن {أيان} بفتح الهمزة فَعلان وبكسرها فِعلان، والنون فيهما زائدة، و{مرساها} رفع بالابتداء والخبر، {أيان} ومذهب المبرد أن {مرساها} مرتفع بإضمار فعل ومعناه مثبتها ومنتهاها، مأخوذة من أرسى يرسي، ثم أمر الله عز وجل بالرد إليه والتسليم لعلمه، و{يجليها} معناه يظهرها والجلاء البينة الشهود وهو مراد زهير بقوله: [الوافر].
يمين أو نفار أو جلاء

وقوله: {ثقلت في السماوات والأرض} قال السدي ومعمر عن بعض أهل التأويل: معناه ثقل أن تعلم ويوقف على حقيقة وقتها، قال الحسن بن أبي الحسن معناه ثقلت هيئتها والفزع منها على أهل السماوات والأرض، كما تقول خيف العدو في بلد كذا وكذا، وقال قتادة وابن جريج: معناه ثقلت على السماوات والأرض أنفسها لتفطر السماوات وتبدل الأرض ونسف الجبال، ثم أخبر تعالى خبرًا يدخل فيه الكل أنها لا تأتي إلا بغتة أي فجأة دون أن يتقدم منها علم بوقتها عند أحد من الناس، و{بغتة} مصدر في موضع الحال.
وقوله تعالى: {يسألونك كأنك حفيّ عنها} الآية، قال ابن عباس وقتادة ومجاهد: المعنى يسألونك عنها كأنك حفي أي متحف ومهتبل، وهذا ينحو إلى ما قالت قريش إنّا قرابتك فأخبرنا، وقال مجاهد أيضًا والضحاك وابن زيد: معناه كأنك حفي في المسألة عنها والاشتغال بها حتى حصلت علمها، وقرأ ابن عباس فيما ذكر أبو حاتم {كأنك حفي بها}، لأن حفي معناه مهتبل مجتهد في السؤال مبالغ في الإقبال على ما يسأل عنه، وقد يجيء {حفي} وصفًا للسؤال ومنه قول الشاعر: [الطويل]
فلمّا التقينا بين السيف بيننا ** لسائلة عنا حفي سؤالها

ومن المعنى الأول الذي يجيء فيه {حفي} وصفًا لسائل قول الآخر: [الطويل]
سؤال حفي عن أخي كأنه ** بذكرته وسنان أو متواسن

ثم أمره ثانية بأن يسلم العلم تأكيدًا للأمر وتهممًا به إذ هو من الغيوب الخمسة التي في قوله عز وجل: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث} [لقمان: 34]، وقيل العلم الأول علم قيامها والثاني علم كنهها وحالها، وقوله: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} قال الطبري: معناه لا يعلمون أن هذا الأمر لا يعلمه إلا الله بل يظن أكثرهم أنه مما يعلم البشر. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {يسألونك عن الساعة}.
في سبب نزولها قولان:
أحدهما: أن قومًا من اليهود قالوا: يا محمد، أخبرنا متى الساعة؟ فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس.
والثاني: أن قريشًا قالت: يا محمد، بيننا وبينك قرابة، فبيِّن لنا متى الساعة؟ فنزلت هذه الآية، قاله قتادة.
وقال عروة: الذي سأله عن الساعة عتبة بن ربيعة.
والمراد بالساعة هاهنا: التي يموت فيها الخلق.
قوله تعالى: {أيان مرساها} قال أبو عبيدة: أي: متى مُرساها؟ أي: منتهاها.
ومرسا السفينة: حيث تنتهي.
وقال ابن قتيبة: {أيّان}: بمعنى: متى؛ ومتى بمعنى: أيّ حين، ونرى أن أصلها أيّ أوانٍ، فحذفت الهمزة والواو، وجعل الحرفان واحدًا، ومعنى الآية: متى ثبوتها؟ يقال: رسا في الأرض، أي: ثبت، ومنه قيل للجبال: رواسي.
قال الزجاج: ومعنى الكلام: متى وقوعها؟.
قوله تعالى: {قل إنما علمها عند ربي} أي: قد استأثر بعلمها {لا يُجَلِّيها} أي: لا يظهرها في وقتها {إلا هو}.
قوله تعالى: {ثقلت في السموات والأرض} فيه أربعة أقوال:
أحدها: ثَقُل وقوعها على أهل السموات والأرض، قاله ابن عباس، ووجهه أن الكلَّ يخافونها، محسنهم ومسيئهم.
والثاني: عظُم شأنها في السموات والأرض، قاله عكرمة، ومجاهد، وابن جريج.
والثالث: خفي أمرها، فلم يُعلم متى كونها، قاله السدي.
والرابع: أن {في} بمعنى على فالمعنى: ثقلت على السموات والأرض، قاله قتادة.
قوله تعالى: {لا تأتيكم إلا بغتة} أي: فجأة.
قوله تعالى: {كأنك حَفِيٌّ عنها} فيه أربعة أقوال:
أحدها: أنه من المقدَّم والمؤخَّر، فتقديره: يسألونك عنها كأنك حفي، أي: بَرٌّ بهم، كقوله: {إنه كان بي حفيًا} [مريم: 47].
قال العوفي عن ابن عباس، وأسباط عن السدي: كأنك صديق لهم.
والثاني: كأنك حفي بسؤالهم، مجيب لهم.
قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: كأنك يعجبك سؤالهم.
وقال خصيف عن مجاهد: كأنك تحبُّ أن يسألوك عنها.
وقال الزجاج: كأنك فَرِح بسؤالهم.
والثالث: كأنك عالم بها، قاله الضحاك عن ابن عباس، وهو قول ابن زيد، والفراء.
والرابع: كأنك استحفيت السؤال عنها حتى علمتها، قاله ابن ابي نجيح عن مجاهد.
وقال عكرمة: كأنك سؤول عنها.
وقال ابن قتيبة: كأنك معنيٌّ بطلب علمها.
وقال ابن الأنباري: فيه تقديم وتأخير، تقديره: يسألونك عنها كأنك حفيٌّ بها، والحفيُّ في كلام العرب: المعنيُّ.
قوله تعالى: {قل إنما علمها عند الله} أي: لا يعلمها إلا هو {ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون} قال مقاتل في آخرين: المراد بالناس هاهنا: أهل مكة.
وفي قوله: {لا يعلمون} قولان:
أحدهما: لا يعلمون أنها كائنة، قاله مقاتل.
والثاني: لا يعلمون أن هذا مما استأثر الله بعلمه، قاله أبو سليمان الدمشقي. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مُرْسَاهَا}.
{أَيَّانَ} سؤال عن الزمان؛ مثل متى.
قال الراجز:
أيّان تقضِي حاجتي أيّان ** أما ترى لِنجحِها أوَانَا

وكانت اليهود تقول للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إن كنت نبيًا فأخبرنا عن الساعة متى تقوم.
وروي أن المشركين قالوا ذلك لفرط الإنكار.
و{مُرْسَاهَا} في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه، والخبر {أيان}.
وهو ظرف مبني على الفتح؛ بني لأن فيه معنى الاستفهام.
و{مُرْسَاهَا} بضم الميم، من أرساها الله، أي أثبتها، أي متى مُثْبَتُها، أي متى وقوعها.
وبفتح الميم من رَسَتْ، أي ثبتت ووقفت؛ ومنه {وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ} [سبأ: 13].
قال قتادة: أي ثابتات.
{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} ابتداء وخبر، أي لم يبينها لأحد؛ حتى يكون العبد أبدًا على حذر {لاَ يُجَلِّيهَا} أي لا يظهرها.
{لِوَقْتِهَا} أي في وقتها {إِلاَّ هُوَ}.
والتجلِية: إظهار الشيء؛ يقال: جلا لي فلان الخبر إذا أظهره وأوضحه.
ومعنى {ثَقُلَتْ فِي السماوات والأرض} خفِي علمها على أهل السموات والأرض.
وكل ما خفِي علمه فهو ثقيل على الفؤاد.
وقيل: كبر مجيئها على أهل السموات والأرض؛ عن الحسن وغيره.
ابن جريج والسدي: عظم وصفها على أهل السموات والأرض.
وقال قتادة وغيره: المعنى لا تطيقها السموات والأرض لعظمها: لأن السماء تنشق والنجوم تتناثر والبحار تنضُب.
وقيل: المعنى ثقلت المسألة عنها.
{لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} أي فجأة، مصدر في موضع الحال {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} أي عالم بها كثير السؤال عنها.
قال ابن فارس: الحفِيّ العالِم بالشيء.
والحفِيّ: المستقصي في السؤال.
قال الأعشى:
فإن تسألي عنِّي فيا رب سائل ** حَفِيٍّ عن الأعشَى به حيثُ أصْعَدَا

يقال: أحفى في المسألة وفي الطلب، فهو محفٍ وحفِي على التكثير، مثل مخصِب وخصيب.
قال محمد ابن يزيد: المعنى يسألونك كأنك حفِي بالمسألة عنها، أي ملحٌّ.
يذهب إلى أنه ليس في الكلام تقديم وتأخير.
وقال ابن عباس وغيره: هو على التقديم والتأخير، والمعنى: يسألونك عنها كأنك حفِيّ بهم أي حفي ببرهم وفرِح بسؤالهم.
وذلك لأنهم قالوا: بيننا وبينك قرابة فأسِرّ إلينا بوقت الساعة.
{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} ليس هذا تكريرًا، ولكن أحد العِلمين لوقوعها والآخر لكنهها. اهـ.