فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها}.
قال قتادة: قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن بيننا وبينك قرابة فأسرّ إلينا متى الساعة فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال ابن عباس: قال جبل بن أبي قبشير وشمول بن زيد، وهما من اليهود، لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيًا كما تقول فإنا نعلم متى الساعة فأنزل الله: يسألونك عن الساعة يعني عن خبر القيامة.
سميت ساعة لأنها تقوم في ساعة غفلة وبغتة أو لأن حساب الخلائق ينقضي فيها في ساعة واحدة أيان سؤال استفهام عن الوقت الذي تقوم فيه الساعة ومعناه متى مرساها.
قال ابن عباس: يعني منتهاها أي متى وقوعها.
قالوا والساعة الوقت الذي تموت فيه الخلائق وأصل الإرساء الثبات يقول رسا يرسو إذا ثبت {قل} أي قل لهم يا محمد {إنما علمها عند ربي} أي لا يعلم الوقت الذي تقوم فيه إلا الله استأثر الله بعلمها فلم يطلع عليه أحد ومر حديث الإيمان والإسلام والإحسان وسؤال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبرني عن الساعة قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل.
قال المحققون: وسبب إخفاء علم الساعة ووقت قيامها عن العباد ليكونوا على خوف وحذر منها لأنهم إذا لم يعلموا متى يكون ذلك الوقت كانوا على وجل وخوف وإشفاق منها فيكون ذلك أدعى لهم إلى الطاعة والتوبة وأزجر لهم عن المعصية {لا يجليها لوقتها إلا هو} قال مجاهد لا يأتي بها إلا هو، وقال السدي: لا يرسلها لوقتها إلا هو والتجلية إظهار الشيء بعد خفائه، والمعنى: لا يظهرها لوقتها المعين إلا الله ولا يقدر على ذلك غيره {ثقلت في السموات والأرض} يعني ثقل أمرها وخفي علمها على أهل السموات والأرض فكل شيء خفي فهو ثقيل شديد.
وقال الحسن: إذا جاءت ثقلت وعظمت على أهل السموات والأرض وإنما ثقلت عليهم لأن فيها فناءهم وموتهم وذلك ثقيل على القلوب {لا تأتيكم إلا بغتة} يعني فجأة على حين غفلة من الخلق ق عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها» اللَّقحة بفتح اللام وكسرها: الناقة القريبة العهد بالنتاج.
قوله: يليط حوضه ويروى يلوط حوضه يعني يطينه ويصلحه يقال لاط حوضه يليطه أو يلوطه إذا طينه وأصله من اللصوق.
الأُكلة: بضم الهمزة اللقمة.
وقوله سبحانه وتعالى: {يسألونك كأنك حفي عنها} يعني يسألونك قومك عن الساعة كأنك حفي بها بمعنى بارّ بهم شفيق عليهم فعلى هذا القول فيه تقديم وتأخير تقديره يسألونك عنها كأنك حفي بهم.
قال ابن عباس: يقول كأن بينك وبينهم مودة وكأنك صديق لهم.
قال ابن عباس لما سأل الناس محمدًا صلى الله عليه وسلم عن الساعة سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمدًا صلى الله عليه وسلم حفي بهم فأوحى الله إليه إنما علمها عند استأثر بعلمها فلم يطلع عليها ملكًا ولا رسولًا وقيل معناه يسألونك عنها كأنك حفي بها أي عالم بها من قولهم أحفيت في المسألة إذا بالغت في السؤال عنها حتى علمتها {قل} يعني يا محمد {إنما علمها عند الله} يعني استأثر الله بعلمها فلا يعلم متى الساعة إلا الله.
فإن قلت: قوله سبحانه وتعالى يسألونك عن الساعة أيان مرساها وقوله سبحانه وتعالى ثانيًا يسألونك كأنك حفي عنها فيه تكرار؟
قلت: ليس في تكرار لأن السؤال الأول سؤال عن وقت قيام الساعة والسؤال الثاني سؤال عن أحوالها من ثقلها وشدائدها فلم يلزم التكرار.
فإن قلت: عبر عن الجواب في السؤال الأول بقوله تعالى: {علمها عند ربي} وعن الجواب في السؤال الثاني بقوله تعالى: {علمها عند الله} فهل من فرق بين الصورتين في الجوابين.
قلت: فيه فرق لطيف وهو أنه لما كان السؤال الأول واقعًا عن قيام وقت الساعة عبر عن الجواب فيه بقوله تعالى علم وقت قيامها عند ربي.
ولما كان السؤال الثاني واقعًا عن أحوالها وشدائدها وثقلها عبر عن الجواب فيه بقوله سبحانه وتعالى عند الله لأنه أعظم الأسماء {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} يعني لا يعملون أن علمها عند الله وأنه استأثر بعلم ذلك حتى لا يسألوا عنه.
وقيل: ولكن أكثر الناس لا يعلمون السبب الي من أجله أخفى علم وقت قيامها المغيب عن الخلق. اهـ.

.قال أبو حيان:

{يسألونك عن الساعة أيان مرساها}.
الضمير في {يسألونك} لقريش قالوا يا محمد إنا قرابتك فأخبرنا بوقت الساعة، وقال ابن عباس: الضمير لليهود، قال حسل بن أبي بشير وشمويل بن زيدان ان كنت نبيًّا فأخبرنا بوقت الساعة فإنا نعرفها فإن صدقت آمنا بك فنزلت، ومناسبتها لما قبلها أنه لما ذكر التوحيد والنبوة والقضاء والقدر أتبع ذلك بذكر المعاد وأيضًا فلما تقدّم قوله: {وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم} وكان ذلك باعثًا على المبادرة إلى التوبة أتى بالسؤال عن الساعة ليعلم أنّ وقتها مكتوم عن الخلق فيكون ذلك سببًا للمسارعة إلى التوبة و{الساعة} القيامة موت من كان حينئذ حيًّا وبعث الجميع فيقع عليه اسم الساعة واسم القيامة و{الساعة} من الأسماء الغالبة كالنجم للثريا، وقرأ الجمهور {أيّان} بفتح الهمزة والسلمي بكسرها حيث وقعت وتقدم أنها لغة قومه سليم و{مرساها} مصدر أي متى إرساؤها وإثباتها إقرارها والرّسو ثبات الشيء الثقيل ومنه رسا الجبل وأرسيت السفينة والمرسا المكان الذي ترسو فيه، وقال الزمخشري: {مرساها} إرساؤها أو وقت إرسائها أي إثباتها وإقرارها انتهى، وتقديره أو وقت إرسائها ليس بجيد لأنّ {أيان} اسم استفهام عن الوقت فلا يصحّ أن يكون خبرًا عن الوقت إلا بمجاز لأنه يكون التقدير في أي وقت وقت إرسائها و{أيان مرساها} مبتدأ وحكى ابن عطية عن المبرّد أن {مرساها} مرتفع بإضمار فعل ولا حاجة إلى هذا الإضمار و{أيان مرساها} جملة استفهامية في موضع البدل من {الساعة} والبدل على نية تكرار العامل وذلك العامل معلق عن العمل لأنّ الجملة فيها استفهام ولما علق الفعل وهو يتعدى بعن صارت الجملة في موضع نصب على إسقاط حرف الجر فهو بدل في الجملة على موضع عن الساعة لأنّ موضع المجرور نصب ونظيره في البدل قولهم عرفت زيدًا أبو من هو على أحسن المذاهب في تخريج هذه المسألة أعني في كون الجملة الاستفهامية تكون في موضع البدل.
{قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو} أي الله استأثر بعلمها ولما كان السؤال عن الساعة عمومًا ثم خصص بالسؤال عن وقتها جاء الجواب عمومًا عنها بقوله: {قل إنما علمها عند ربي} ثم خصصت من حيث الوقت فقيل {لا يجليها لوقتها إلا هو} وعلم الساعة من الخمس التي نصّ عليها من الغيب أنه تعالى لا يعلمها إلا الله والمعنى لا يظهرها ويكشفها لوقتها الذي قدّر أن تكون فيه إلا هو قالوا: وحكمة إخفائها أنهم يكونون دائمًا على حذر فإخفاؤها أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية كما أخفى الأجل الخاص وهو وقت الموت لذلك، وقال الزمخشري: لا يجليها لوقتها إلا هو أي لا تزال خفية ولا يظهر أمرها ولا يكشف خفاء علمها إلا هو وحده إذا جاء بها في وقتها بغتة {لا يجليها} بالخبر عنها، قل: مجيئها أحد من خلقه لاستمرار الخفاء بها على غيره إلى وقت وقوعها انتهى، وهو كلام فيه تكثير وعجمة.
{ثقلت في السماوات والأرض} قال ابن جريج معناه {ثقلت} على {السموات والأرض} أنفسها لتفطر السماوات وتبدّل الأرض ونسف الجبال، وقال الحسن {ثقلت} لهيبتها والفزع منها على أهل السماوات والأرض، وقال السدي: معنى {ثقلت} خفيت {في السماوات والأرض} فلم يعلم أحد من الملائكة المقرّبين والأنبياء المرسلين متى تكون وما خفي أمره ثقل على النفوس انتهى، ويعبّر بالثقل عن الشدة والصعوبة كما قال: و{يذرون وراءهم يومًا ثقيلًا} أي شديدًا صعبًا وأصله أن يتعدى بعلى تقول ثقل عليّ هذا الأمر، وقال الشاعر:
ثقيل على الأعداء

فإما أن يدّعي أنّ في بمعنى على كما قال بعضهم في قوله: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} أي ويضمن ثقلت معنى يتعدى بفي، وقال الزمخشري: أي كل من أهلها من الملائكة والثقلين أهمه شأن الساعة وودّ أن يتجلى له علمها وشقّ عليه خفاؤها وثقل عليه أو ثقلت فيهما لأن أهلهما يتوقعونها ويخافون شدائدها وأهوالها ولأنّ كل شيء لا يطيقها ولا يقوم لها فهي ثقيلة فيهما.
{لا تأتيكم إلا بغتة} أي فجأة على غفلة منكم وعدم شعور بمجيئها وهذا خطاب عام لكل الناس وفي الحديث: «أن الساعة لتهجم والرجل يصلح حوضه والرجل يسقي ماشيته والرجل يسوم سائمته والرجل يخفض ميزانه ويرفعه» {يسألونك كأنك حفي عنها} قال ابن عباس والسدي ومجاهد: {كأنك حفي} بسؤالهم أي محبّ له وعن ابن عباس أيضًا: كأنك يعجبك سؤالهم عنها وعنه أيضًا كأنك مجتهد في السؤال مبالغ في الإقبال على ما تسأل عنه، وقال ابن قتيبة: كأنك طالب علمها، وقال مجاهد أيضًا والضحاك وابن زيد: معناه {كأنك حفي} بالسؤال {عنها} والاشتغال بها حتى حصلت عليها أي تحبه وتؤثرة أو بمعنى أنك تكره السؤال لأنها من علم الغيب الذي استأثر الله به ولم يؤته أحدًا.
وقال ابن عطية: أي محتف ومحتفل، وقال الزمخشري: كأنك عالم بها وحقيقته كأنك بليغ في السؤال عنها لأنّ من بالغ في السؤال عن الشيء والتنقير عنه استحكم علمه فيه وهذا التركيب معناه المبالغة ومنه إحفاء الشارب واحتفاء النعل استئصاله وأحفى في المسألة ألحف وحفي بفلان وتحفى به بالغ في البرّ به انتهى، وعنها إما أن يتعلق بيسألونك أي يسألونك عنها وتكون صلة {حفي} محذوفة والتقدير كأنك حفي بها أي معتن بشأنها حتى علمت حقيقتها ووقت مجيئها أو كأنك حفيّ بهم أو معتن بأمرهم فتجيبهم عنها لزعمهم أن علمها عندك وحفي لا يتعدى بعن قال تعالى: {إنه كان بي حفيًا} فعداه بالباء وإما أن يتعلق بحفي على جهة التضمين لأنّ من كان حفيًا بشيء أدركه وكشف عنه فالتقدير كأنك كاشف بحفاوتك عنها وإما أن تكون عن بمعنى الباء كما تكون الباء بمعنى عن في قوله، فإن تسألوني بالنساء فإنني، أي عن النساء، وقرأ عبد الله كأنك حفيّ بها بالباء مكان عن أي عالم بها بليغ في العلم بها.
{قل إنما علمها عند الله} أي علم مجيئها في علم الله وظرفية {عند} مجازية كما تقول النحو عند سيبويه أي في علمه وتكرير السؤال والجواب على سبيل التوكيد ولما جاء به من زيادة قوله: {كأنك حفي عنها}.
{ولكن أكثر الناس لا يعلمون} قال الطبري: {لا يعلمون} أن هذا الأمر لا يعلمه إلا الله بل يظنّ أكثرهم أنه مما يعلمه البشر، وقيل: {لا يعلمون} أن القيامة حق لأنّ أكثر الخلق ينكرون المعاد ويقولون {إن هي إلا حياتنا الدنيا} الآية.
وقيل: {لا يعلمون} أي أخبرتك أن وقتها لا يعلمه إلا الله.
وقيل {لا يعلمون} السبب الذي لأجله أخفيت معرفة وقتها والأظهر قول الطبري. اهـ.