فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الساعة}.
استئنافٌ مَسوقٌ لبيان بعضِ أحكامِ ضلالِهم وطغيانِهم أي عن القيامة، وهي من الأسماء الغالبة وإطلاقُها عليها إما لوقوعها بغتةً أو لسرعة ما فيها من الحساب، أو لأنها ساعةٌ عند الله تعالى مع طولها في نفسها. قيل: إن قومًا من اليهود قالوا: يا محمدُ أخبرنا متى الساعةُ إن كنت نبيًا؟ فإنا نعلم متى هي، وكان ذلك امتحانًا منهم مع علمهم أنه تعالى قد استأثر بعلمها، وقيل: السائلون قريشٌ وقوله تعالى: {أَيَّانَ مرساها} بفتح الهمزة وقد قرئ بكسرها وهو ظرفُ زمانٍ متضمِّنٌ لمعنى الاستفهام، ويليه المبتدأُ أو الفعلُ المضارِعُ دون الماضي بخلاف متى حيث يليها كلاهما، قيل: اشتقاقُه من أيّ فَعْلانَ منه لأن معناه أيّ وقتٍ وهو من أويتُ إلى الشيء لأن البعضَ آو إلى الكل متساندٌ إليه، ومحلُّه الرفعُ على أنه خبرٌ مقدمٌ ومرساها مبتدأٌ مؤخرٌ أي متى إرساؤُها أي إثباتُها وتقريرُها، فإنه مصدرٌ ميميٌّ من أرساه إذا أثبته وأقره، ولا يكاد يُستعمل إلا في الشيء الثقيل كما في قوله تعالى: {والجبال أرساها} ومنه مرساةُ السفن، ومحلُّ الجملة قيل: الجرُّ على البدلية من الساعة، والتحقيقُ أن محلها النصبُ بنزع الخافضِ لأنها بدلٌ من الجار والمجرور لا من المجرور فقط كأنه قيل: يسألونك عن الساعة عن أيان مُرساها، وفي تعليق السؤالِ بنفس الساعةِ أولًا وبوقت وقوعِها ثانيًا تنبيهٌ على أن المقصِدَ الأصليَّ من السؤال نفسُها باعتبار حلولِها في وقتِها المعين لا وقتُها باعتبار كونِه محلًا لها وقد سُلك هذا المسلكُ في الجواب الملقن أيضًا حيث أُضيف العلمُ المطلوبُ بالسؤال إلى ضميرها فأخبرها باختصاصه به عز وجل حيث قيل: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا} أي علمُها بالاعتبار المذكور {عِندَ رَبّى} ولم يقل إنما علمُ وقتِ إرسائِها ومن لم يتنبّه لهذه النُكتهِ حمل النظمَ الكريمَ على حذف المضافِ، والتعرضُ لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام للإيذان بأن توفيقه عليه الصلاة والسلام للجواب على الوجه المذكور من باب التربية والإرشاد، ومعنى كونِه عنده تعالى خاصة أنه تعالى قد استأثر به بحيث لم يخبِرْ به أحدًا من ملك مقرّبٍ أو نبيَ مرسل وقوله تعالى: {لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} بيانٌ لاستمرار تلك الحالةِ إلى حين قيامِها وإقناطٌ كليٌّ عن إظهار أمرها بطريق الإخبارِ من جهته تعالى أو من جهة غيرِه لاقتضاء الحكمةِ التشريعيةِ إياه فإنه أدعى إلى الطاعة وأزجرُ عن المعصية، كما أن إخفاءَ الأجل الخاصِّ للإنسان كذلك، والمعنى لا يَكِشفُ عنها ولا يُظهر للناس أمرَها الذي تسألونني عنه إلا هو بالذات من غير أن يُشعِرَ به أحدًا من المخلوقين فيتوسّط في إظهاره لهم لكن لا بأن يُخبرَهم بوقتها قبل مجيئِه كما هو المسؤولُ بل بأن يُقيمَها فيشاهدوها عِيانًا كما يفصح عنه التجليةُ المُنبئةُ عن الكشف التامِّ المزيلِ للإبهام بالكلية، وقوله تعالى: {لِوَقْتِهَا} أي في وقتها، قيْدٌ للتجلية بعد ورودِ الاستثناء عليها لا قبلَه كأنه قيل: لا يجلّيها إلا هو في وقتها إلا أنه قُدّم على الاستثناء للتنبيه من أول الأمرِ على أن تجليتَها ليست بطريق الإخبارِ بوقتها، بل بإظهار عينِها في وقتها الذي يسألون عنه وقوله تعالى: {ثَقُلَتْ في السموات والأرض} استئنافٌ كما قبله مقررٌ لمضمون ما قبله أي كبُرت وشقتْ على أهلهما من الملائكة والثقلين كلٌّ منهم أهمّه خفاؤُها وخروجُها عن دائرة العقولِ وقيل: عظُمت عليهم حيث يُشفقون منها ويخافون شدائدَها وأهوالَها وقيل: ثقلت فيهما إذ لا يُطيقها منهما ومما فيهما شيءٌ أصلًا والأولُ هو الأنسبُ بما قبله وبما بعده من قوله تعالى: {لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} فإنه أيضًا استئنافٌ مقررٌ لمضمون ما قبله فلابد من اعتبار الثِقَل من حيث الخفاءُ أي لا تأتيكم إلا فجأةً على غفلة كما قال عليه الصلاة والسلام: «إن الساعةَ تهيجُ بالناس والرجلُ يُصلح حَوضَه والرجلُ يسقي ماشيتَه والرجلُ يقوّم سلعتَه في سوقه والرجلُ يخفِض ميزانه ويرفَعُه» {يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} استئنافٌ مَسوقٌ لبيان خطئِهم في توجيه السؤالِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بناءً على زعمهم أنه عليه الصلاة والسلام عالمٌ بالمسؤول عنه أو أن العلمَ بذلك من مواجب الرسالةِ إثرَ بيانِ خطِئهم في أصل السؤال بإعلام شأنِ المسؤولِ عنه، والجملةُ التشبيهيةُ في محل النصبِ على أنها حالٌ من الكاف جيء بها بيانًا لما يدعوهم إلى السؤال على زعمهم وإشعارًا بخطئهم في ذلك أي يسألونك مُشبّهًا حالُك عندهم بحال من هو حفيٌّ عنها أي مبالِغٌ في العلم بها فعيلٌ من حِفيَ، وحقيقتُه كأنك مبالغٌ في السؤال عنها فإن ذلك في حكم المبالغةِ في العلم بها لِما أن مَنْ بالغ في السؤال عن الشيء والبحثِ عنه استحكم علمُه به، ومبنى التركيبِ على المبالغة والاستقصاءِ، ومنه إحفاءُ الشاربِ واحتفاءُ البقل أي استئصالُه والإحفاءُ في المسألة أي الإلحافُ فيها، وقيل: عن متعلقةٌ بيسألونك وقولُه تعالى: {كَأَنَّكَ حَفِىٌّ} معترض، وصلةُ حفيٌّ محذوفة أي حفي بها وقد قرئ كذلك وقيل: هو من الحَفاوة بمعنى البِرِّ والشفقة فإن قريشًا قالوا له عليه الصلاة والسلام: إن بيننا وبينك قرابةً فقل لنا متى الساعة؟ والمعنى يسألونك كأنك حفيٌّ تتحفّى بهم فتخصّهم بتعليم وقتِها لأجل القرابة وتَزْوي أمرَها عن غيرهم، ففيه تخطئةٌ لهم من جهتين، وقيل: هو من حفِيَ بالشيء بمعنى فرح به والمعنى كأنك فرِحٌ بالسؤال عنها تحبّه مع أنك كارِهٌ له، لِما أنه تعرُّضٌ لحُرَم الغيبِ الذي استأثر الله عز وجل بعلمه.
{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله} أُمر صلى الله عليه وسلم بإعادة الجوابِ الأول تأكيدًا للحكم وتقريرًا له وإشعارًا بعلته على الطريقة البرهانيةِ بإيراد اسمِ الذات المنبئ عن استتباعها لصفات الكمالِ التي من جملتها العلمُ وتمهيدًا للتعريض بجهلهم بقوله تعالى: {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} أي لا يعلمون ما ذُكر من اختصاص علمِها به تعالى فبعضُهِم ينكرونها رأسًا فلا يعلمون شيئًا مما ذكر قطعًا وبعضُهم يعلمون أنها واقعةٌ ألبتةَ ويزعُمون أنك واقفٌ على وقت وقوعِها فيسألونك عنه جهلًا، وبعضُهم يدّعون أن العلم بذلك من مواجب الرسالةِ فيتخذون السؤالَ عنه ذريعةً إلى القدح في رسالتك، والمستثنى من هؤلاء هم الواقفون على جلية الحالِ من المؤمنين، وأما السائلون عنها من اليهود بطريق الامتحانِ فهم منتظِمون في سلك الجاهلين حيث لم يعمَلوا بعلمهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا}.
ثم لما تقدم ذكر اقتراب أجلهم عقبه سبحانه بذكر سؤالهم عن الساعة فقال تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الساعة} وقيل هو استئناف مسوق لبيان بعض طغيانهم وضلالهم، والساعة في الأصل اسم لمقدار قليل من الزمان غير معين، وهي عند المنجمين جزء من أربعة وعشرين جزءًا من الليل والنهار، وتنقسم إلى معوجة ومستوية، وتطلق في عرف الشرع على يوم موت الخلق وعلى يوم قيام الناس لرس العالمين، وفسروها بيوم القيامة، ولعل المراد منه أحد ذينك اليومين وإن كان المشهور فيه اليوم الآخر، والظاهر أن المسؤول عنه اليوم الأول، وإليه ذهب الزجاج، والساعة في ذلك من الأسماء الغالبة، ووجه إطلاقها عليه وكذا على وقت القيام ظاهر إن أريد زمان الموت أو زمان القيام بدون ملاحظة الامتداد لظهور أنه قدر يسير في نفسه، وإن أريد الزمان الممتد فاطلاقها عليه إما لمجيئه بغتة كما قيل، أو لأنه يدهش من يأتيهم فيقل عندهم أو يقلل ما قبله، أو لأنه على طوله قدر يسير عند الله تعالى، أو لسرعة حسابه، وجوز أن يكون تسميته بذلك من باب التسمية بالضد تمليحا كما يسمى الأسود كافورًا، والسائل عن ذلك أناس من اليهود، فقد أخرج ابن اسحق وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال: حمل بن أبي قشير.
وسمول بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيًا كما تقول فإنا نعلم متى هي؟ وكان ذلك امتحانًا منهم مع علمهم أنه تعالى قد استأثر بعلمها فأنزل الله تعالى الآية.
وذهب بعض إلى أن السائل قريش، فقد أخرج عبد بن حميد.
وابن جرير عن قتادة أن قريشًا قالوا: يا محمد أسر إلينا متى الساعة لما بيننا وبينك من القرابة؟ فنزلت.
وقوله سبحانه: {أَيَّانَ مرساها} بفتح همزة أيان.
وقرأ السلمي بكسرها وهو لغة فيها، وهي ظرف زمان متضمن لمعنى الاستفهام ويليها المبتدأ أو الفعل المضارع دون الماضي بخلاف متى حيث يليها كلاهما، والتحقيق أنها بسيطة مرتجلة، وقيل: اشتقاقها من أي وهي فعلان منه لأن معناه أي وقت، وأي فعل، وأي من أويت بمعنى رجعت لأن باب طويت وشويت أضعاف باب حييت ووعيت ولقربه منه معنى لأن البعض آو إلى الكل ومستند إليه.
وأصله على هذا أوي فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار أيا وإنما لم تجعل أيان فعلالا من أين لأنها ظرف زمان وأين ظرف مكان، ومن الناس من زعم أن أصلها أي أوان أو أي آن وليس بشيء.
وتعقب في الكشف حديث الاشتقاق من أي بأنه مخالف لما ذكره الزمخشري في سورة النمل ولو سمي به لكان فعالًا من آن يئين ولا تصرف، ثم قال: والوجه ما ذكره هناك لأن الاشتقاق في غير المتصرفة لا وجه له.
ثم إنه ليس اشتقاقه من أي أو لي من اشتقاقه من الأين بمعنى الحينونة لأن أيان زمان وكأنه غره الاستفهام وليس بشيء لأنه بالتضمين كما في متى ونحوه؛ وكذلك اشتقاق أي من أويت لا وجه له إلا أن الأظهر أنه يجوز الصرف وعدمه كما في حمار قبان.اهـ.
وأجيب بأن ما ذكر أمر قدروه للامتحان وليعلم حكمها إذا سمي بها فلا ينافي ما ذكره الزمخشري وكذا لا ينافي التحقيق فتأمل، وأيًا ما كان فهي في محل الرفع على أنها خبر مقدم ومرساها مبتدأ مؤخر؛ وهو مصدر ميمي من أرساه إذا أثبته وأقره أي متى إثباتها وتقريرها، ولا يكاد يستعمل الإرساء إلا في الشيء الثقيل كما في قوله تعالى: {والجبال أرساها} [النازعات: 32] ومنه مرساة السفن، ونسبته هنا إلى الساعة باعتبار تشبيه المعاني بالأجسام.
وجوز بعضهم أن يكون اسم زمان، ولا يرد عليه أنه يلزم أن يكون للزمان زمان، وفي جوازه خلاف الفلاسفة لأنه يؤول بمتى وقوع ذلك، والجملة قيل في محل النصب على المفعولية به لقول محذوف وقع حالا من ضمير يسألونك أي يسألونك قائلين أيان مرساها، وقيل في محل الجر على البدلية عن الساعة.
والتحقيق عند بعض جلة المحققين أن محلها النصب بنزع الخافض لأنها بدل من الجار والمجرور لا من الجرور فقط، وفي تعليق السؤال بنفس الساعة أولا وبوقت وقوعها ثانيًا تنبيه على أن المقصد الأصلي من السؤال نفسها باعتبار حلولها في وقتها المعين باعتبار كونه محلا لها، وما في الجواب أعني قوله سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبّى} مخرج على ذلك أيضًا أي إن علمها بالاعتبار المذكور عنده سبحانه لا غير فلا حاجة إلى أن يقال: إنما علم وقت إرسائها عنده عز وجل، وبعضهم حيث غفل عن النكتة المشار إليها حمل النظم الجليل على حذف المضاف، وإليه يشير كلام أبي البقاء، ومعنى كون ذلك عنده عز وجل خاصة أنه استأثر به حيث لم يخبر أحدًا به من ملك مقرب أو نبي مرسل، والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم قيل للإيذان بأن توفيقه عليه الصلاة والسلام للجواب على الوجه المذكور من باب التربية والإرشاد وهو أولى مما سنشير إليه إن شاء الله تعالى، وقوله سبحانه: {لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} بيان لاستمرار خفائها إلى حين قيامها واقناط كلي عن إظهار أمرها بطريق الأخبار، والتجلية الكشف والإظهار، واللام لام التوقيت واختلف فيها فقيل هي بمعنى في، وقال ابن جني: بمعنى عند، وقال الرضى: هي اللام المفيدة للاختصاص، وهو على ثلاثة أضرب أما أن يحتص الفعل بالزمان لوقوعه فيهوإلا فحسب القرينة، وفسرها هنا غير واحد بفي.