فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والمعنى لا يكشف عنها ولا يظهر للناس أمرها الذي تسألون عنه إلا الرب سبحانه بالذات من غير أن يشعر به أحد من المخلوقين فيتوسط في إظهاره لهم لكن لا بأن لا يخبرهم بوقتها كما هو المسؤول بل بأن يقيمها فيعلموها على أتم وجه، والجار والمجرور متعلق بالتجلية وهو قيد لها بعد ورود الاستثناء كأنه قيل: لا يجليها إلا هو في وقتها إلا أنه قدم للتنبيه من أول الأمر على أن تجليها ليس بطريق الأخبار بوقتها بل باظهار عينها في وقتها الذي يسألون عنه، وقوله تعالى: {ثَقُلَتْ في السماوات والأرض} استئناف كما قبله مقرر لما سبق، والمراد كبرت وعظمت على أهلهما حيث لم يعلموا وقت وقوعها.
وعن السدى أن من خفي عليه علم شيء كان ثقيلًا عليه، وعن قتادة أن المعنى عظمت على أهل السموات والأرض حيث يشفقون منها ويخافون شدائدها، وفي رواية أخرى عنه أن المراد ثقل علمها عليهم فلا يعلمونها، ويرجع إلى ما ذكر أولا، وقيل: المعنى ثقلت عنذ الوقوع على نفس السموات حتى انشقت وانتثرت تجومها وكورت شمسها وعلى نفس الأرض حتى سيرت جبالها وسجرت بحارها وكان ما كان فيها، وإلى ذلك يشير ما روي عن ابن جريج وعليه فلا يحتاج إلى تقدير مضاف، وكلمة في على سائر الأوجه استعارة منبهة على تمكن الفهل كما لا يخفى {لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} أي إلا فجأة على حين غفلة، أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لتقومن الساعة وقد نشر رجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها» {يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا} أي عالم بها كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيما أخرجه عنه ابن المنذر وغيره {فحفي} فعيل من حفي عن الشيء إذا بحث عن تعرف حاله، وذكر بعضهم أن الحفاوة في الأصل الاستقصاء في الأمر للاعتناء به قال الأعشى:
فإن تسألوا عني فيا رب سائل ** حفي عن الأعشى به حيث أصعدا

ومنه احفاء الشارب، وتطلق أيضًا على البر واللطف كما قال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيًّا} [مريم: 47]، والمعنى المراد هنا متفرع على المعنى الأول لأن من بحث عن شيء وسأل منه استحكم علمه به فاريد به لازم معناه مجازًا أو كناية وعدى الوصف بعن اعتبارًا لأصل معناه وهو السؤال والبحث، وقيل: لأنه ضمن معنى الكشف ولولا ذلك لعدي بالباء، وجوز أبو البقاء أن تكون عن بمعنى الباء، وروي عن الحبر وابن مسعود أنهما قرآ بها.
والجملة التشبيهية في محل نصب على أنها حال من مفعول يسألونك أي مشبها حالك عندهم بحال من هو حفي، وقيل: إن عنها متعلق بيسألونك، والجملة التشبيهية معترضة وصلة {حَفِىٌّ} محذوفة أي بها أو بهم بناء على ما قيل: إن حفي من الحفاوة بمعنى الشفقة فإن قريشًا قالوا له عليه الصلاة والسلام: إن بيننا وبينك قرابة فقل لنا متى الساعة؟ وروى ذلك عن قتادة وترجمات القرآن أيضًا، والمعنى عليهم أنهم يظنون أن عندك علمها لكن تكتمه فلشفقتك عليهم طلبوا منك أن تخصهم به وتعلق {عَنْ} على هذا الوجه بمحذوف كتخبرهم وتكشف لهم عنها بعيد، وقيل: هو من حفي بالشيء إذا فرح به، وروي ذلك عن مجاهد.
والضحاك وغيرهما، والمعنى كأنك فرح بالسؤال عنها تحبه، و{عَنْ} على هذا متعلقة بحفى كما قيل: لتضمنه معنى السؤال، والكلام على ما قال شيخ الإسلام استئناف مسوق لبيان خطئهم في توجيه السؤال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بناء على زعمهم أنه عليه الصلاة والسلام عالم بالمسؤول عنه أو أن العلم بذلك من مقتضيات الرسالة أثر بيان خطئهم في أصل السؤال باعلام بيان المسؤول عنه، وفي الانتصاف في تويجه تكرير يسألونك أن المعهود في أمثال ذلك أن الكلام إذا بني على مقصد وعرض في أثنائه عارض فأريد الرجوع لتتمة المقصد الأول وقد بعد عهده طرى ذكره لتتصل النهاية بالبداية، وهنا لما ابتدأ الكلام بقوله سبحانه: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مرساها} ثم اعترض ذكر الجواب بقل إلى بغتة أريد تتمة سؤالهم عنها بوجه من الإنكار عليهم وهو المضمن في قوله سبحانه: {كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا} وهو شديد التعلق بالسؤال وقد بعد عهده فطرى ذكره ليليه تمامه، ولا تراه أبدًا يطري إلا بنوع من الإجمال، ومن ثم لم يذكر المسؤول عنه وهو الساعة اكتفاء بما تقدم، ثم لما كرر جل وعلا السئال لهذه الفائدة كرر الجواب أيضًا مجملًا فقال عز من قائل: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله} ومنه يعلم وجه ذكر الاسم الجليل هنا، وذكر المحقق الأول أنه عليه الصلاة والسلام أمر باعادة الجواب الأول تأكيدًا للحكم وتقريرًا له واسعارًا بعلته على الطريق البرهانية بإيراد اسم الذات المنبئ عن استتباعها لصفات الكمال التي من جملتها العلم وتمهيدًا للتعريض بجهلهم بقوله تعالى: {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} وزعم الجبائي أن السؤال الأول كان عن وقت قيام الساعة وهذا السؤال كان عن كيفيتها وتفصيل ما فيها من الشدائد والأحوال قيل: ولذلك خص جوابه باسم الذات إذ هو أعظم الأسماء مهابة، وإلى ذلك ذهب النيسابوري ونقل عن الإمام وغيره، ولا أرى لهم مسندًا في ذلك، ومفعول العلم على ما يشير إليه كلام بعضهم محذوف أي لا يعلمون ما ذكر من اختصاص علمها به تعالى فبعضهم ينكرها رأسًا فلا يسأل عنها إلا متلاعبًا، وبعضهم يعلم أنها واقعة البتة ويزعم أنك واقف على وقت وقوعها فيسأل جهلًا، وبعضهم يزعم أن العلم بذلك من مقتضيات الرسالة فيتخذ السؤال ذريعة إلى القدح فيها، والواقف على جلية الحال ويسأل امتحانا ملحق بالجاهلين لعدم عمله بعلمه هذا، وإنما أخفي سبحانه أمر الساعة لاقتضاء الحكم التشريعية ذلك فإنه أدعي إلى الطاعة وأزجر عن المعصية كما أن إخفاء الأجل الخاص للإنسان كذلك، ولو قيل بأن الحكمة التكوينية تقتضي ذلك أيضًا لم يبعد، وظاهر الآيات أنه عليه الصلاة والسلام لم يعلم وقت قيامها.
نعم علم عليه الصلاة والسلام قربها على الإجمال وأخبر صلى الله عليه وسلم به.
فقد أخرج الترمذي وصححه عن أنس مرفوعًا «بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى» وفي الصحيحين عن ابن عمر مرفوعًا أيضًا «إنما أجلكم فيمن مضى قبلكم من الأمم من صلاة العصر إلى غروب الشمس» وجاء في غير ما أثر أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة وأنه عليه الصلاة والسلام بعث في أواخر الألف السادسة ومعظم الملة في الألف السابعة.
وأخرج الجلال السيوطي عدة أحاديث في أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة وذكر أن مدة هذه الأمة تزيد على ألف سنة ولا تبلغ الزيادة عليها خمسمائة سنة، واستدل على ذلك بأخبار وآثار ذكرها في رسالته المسماة بالكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف وسمي بعضهم لذلك هذه الألف الثانية بالمخضرمة لأن نصفها دنيا ونصفها الآخر أخرى، وإذا لم يظهر المهدي على رأس المائة التي نحن فيها بنهدم جميع ما بناه كما لا يخفى على من راجعه، وكأني بك تراه منهدماف، ونقل السفاريني عن الفلاسفة أنهم زعموا أن تدبير العالم الذي نحن فيه للسنبلة فإذا تم دورها وقع الفساد والدثور في العالم فإذا عاد الأمر إلى الميزان تجتمع المواد ويقدر النشور عودا، وقال البكري: إن سلطان الحمل عندهم اثنا عشر ألف سنة وسلطان الثور دونه بألف وهكذا ينقص ألف ألف إلى الحوت فيكون سلطانه ألف سنة ومجموع ذلك ثمانية وسبعون ألف سنة فإذا كملت انقضى عالم الكون والفساد، ونقل ذلك عن عرمس وادعى أنه قال: إنه لم يكن في حكم الحمل والثور والجوزاء على الأرض حيوان فلما كان حكم السرطان تكونت دواب الماء وهو أم الأرض ولما كان حكم الاسد تكونت الدواب ذوات الأربع ولما كان حكم السنبلة تولد الإنسانان الأولان آدم نوس وحوا نوس؛ وزعم بعضهم أن مدة العالم مقدار قطع الكواكب الثابتة لدرج الفلك، والكوكب منها يقطع البرج بزعمه في ثلاثة آلاف سنة فذلك ست وثلاثون ألف سنة انتهى.
ولا يخفى على من اطلع على كتب الأرصاد والزيجات أن الادوار عندهم ثلاثة أكبر وأوسط وأصغر ويسمونها التسييرات، وهي على السوية في جميع البروج فالدور الأكبر ما يكون فيه قطع كل درجة بمائة سنة والأوسط ما يكون فيه قطع كل درجة بعشر سنين والأصغر ما يكون فيه قطع كل درجة بسنة، وعدنهم دور أعظم ويسمونه أيضًا التسيير الأعظم وهو ما يكون فيه قطع كل درجة بألف سنة والتسيير اليوم في الميزان وقد مضى منه أربع درجات وست وخمسون دقيقة وإحدى وثلاثون ثانية واثنتا عشرة ثالثة، وإذا اعتبرت مدة ذلك من نقطة رأس الحمل إلى هنا بلغت مائة ألف سنة وأربعًا وثمانين ألف سنة وتسعمائة وثلاثًا وأربعين سنة، وأن مدة حركة الثواب على ما نقل عن بطليموس في كل برج ألفان ومائة واثنتان وستون سنة وثمانية أشهر وستة عشر يومًا وتسع عشرة ساعة، وإذا ضرب ذلك في اثني عشر عدّة البروح خرج مدة قطعها الفلك كله وهو أقل مما ذكره بكثير، ولعل المراد بدور البرج ما أريد بسلطانه من حكم تأثيره والتأثر العادي على ما يفهم من بعض كتب القوم بحكم الأصالة للبرج وهو الذي يفيض على الكوكب النازل فيه، وكل ذلك مما لم ينزل الله تعالى به سلطانًا، والحق الذي لا ينبغي المحيص عنه القول بحدوث العالم حدوثًا زمانيًا ولا يعلم أوله إلا الله تعالى، وكذلك عمر الدنيا وأول النشأة الإنسانية ومدة بقائها في هذا العالم وقدر زمان لبثها في البرزخ كل ذلك لا يعلمه ءلا الله تعالى، وجيمع ما ورد في هذا الباب أمور ظنية لا سند يعول عليه لأكثرها، ووراء هذا أقوال لأهل الصين وغيرهم هي أدهى وأمر مما تقدم، وبالجملة الباقي من عمر الدنيا عند من يقول بفنائها أقل قليل بالنسبة إلى الماضي من ذلك والله تعالى أعلم بحقيقة ما هنالك. اهـ.

.قال القاسمي:

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ} أي: عن قيامها وحينها {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} أي: متى إرساؤها أو وقت إرسائها، أي: إثباتها وإقرارها.
والرسو يستعمل في الأجسام الثقلية، وإطلاقه على المعاني، تشبيهًا لها بالأجسام.
{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} أي:
لا يظهرها في وقتها إلا هو.
{ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي: عظمت وكبرت على أهلها لهولها وما فيها من المحاسبة والمجازاة، أو ثقل علم وقتها على أهلهما، أو عظم وصفها على أهل السموات والأرض، من انتشار النجوم، وتكوير الشمس، وتسيير الجبال: {لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} أي: فجأة على حين غفلة منكم.
{يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} أي: عالم بها: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} أي: أن علمها عند الله، لم يؤته أحدًا من خلقه.
لطيفة:
قال الزمخشري: فإن قلت: لم كرر: {يَسْأَلُونَكَ} و: {إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ}؟ قلت: للتأكيد، وما جاء به من زيادة قوله: {كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} وعلى هذا تكرير العلماء الحذاق في كتبهم، لا يُخلون المكرر من فائدة زائدة. انتهى.
وقال الناصر في الانتصاف: وفي هذا النوع من التكرير نكتة لا تلفى إلى في الكتاب العزيز، وهو أجل من أن يشارك فيها، وذلك أن المعهود في أمثال هذا التكرير، أن الكلام إذا بُني على مقصد، واعتراض في أثنائه عارض، فأريد الرجوع لتتميم المقصد الأول، وقد بعد عهده، طُرِّي بذكر المقصد الأول، لتتصل نهايته ببدايته.
وقد تقدم لذلك في الكتاب العزيز أمثال، وسيأتي، وهذا منها.
فإنه لما ابتدأ الكلام بقوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} ثم اعترض ذكر الجواب المضمن في قوله: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي} إلى قوله: {بَغْتَةً} أريد تتميم سؤالهم عنها بوجه من الإنكار عليهم، وهو المضمن في قوله: {كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} وهو شديد التعلق بالسؤال، وقد بعد عهده، فَطُرِّيَ ذكره تطرية عامة، ولا نراه أبدًا يطرى إلا بنوع من الإجمال، كالتذكرة للأول، مستغنى عن تفصيله بما تقدم.
فمن ثم قيل: {يَسْأَلُونَكَ}.
ولم يذكر المسؤول عنه، وهوالساعة اكتفاء بما تقدم فلما كرر السؤال لهذا الفائدة كرر الجواب أيضًا مجملًا، فقال: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ}.