فصل: التَّعَارُضُ وَالْإِشْكَالَاتُ فِي أَحَادِيثِ الْمَهْدِيِّ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التَّعَارُضُ وَالْإِشْكَالَاتُ فِي أَحَادِيثِ الْمَهْدِيِّ:

وَأَمَّا التَّعَارُضُ فِي أَحَادِيثِ الْمَهْدِيِّ فَهُوَ أَقْوَى وَأَظْهَرُ؛ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فِيهِ أَعْسَرُ، وَالْمُنْكِرُونَ لَهَا أَكْثَرُ، وَالشُّبْهَةُ فِيهَا أَظْهَرُ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْتَدَّ الشَّيْخَانِ بِشَيْءٍ مِنْ رِوَايَاتِهَا فِي صَحِيحَيْهِمَا. وَقَدْ كَانَتْ أَكْبَرَ مَثَارَاتِ الْفَسَادِ وَالْفِتَنِ فِي الشُّعُوبِ الْإِسْلَامِيَّةِ؛ إِذْ تَصَدَّى كَثِيرٌ مِنْ مُحِبِّي الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ، وَمِنْ أَدْعِيَاءِ الْوِلَايَةِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ، لِدَعْوَى الْمَهْدَوِيَّةِ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، وَتَأْيِيدِ دَعْوَاهُمْ بِالْقِتَالِ وَالْحَرْبِ، وَبِالْبِدَعِ وَالْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ حَتَّى خَرَجَ أُلُوفُ الْأُلُوفِ عَنْ هِدَايَةِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، وَمَرَقَ بَعْضُهُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ.
وَقَدْ كَانَ مِنْ حَقِّ تَصْدِيقِ الْجَمَاهِيرِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ بِخُرُوجِ مَهْدِيٍّ يُجَدِّدُ الْإِسْلَامَ وَيَنْشُرُ الْعَدْلَ فِي جَمِيعِ الْأَنَامِ أَنْ يَحْمِلَهُمْ عَلَى الِاسْتِعْدَادِ لِظُهُورِهِ بِتَأْلِيفِ عُصْبَةٍ قَوِيَّةٍ تَنْهَضُ بِزَعَامَتِهِ، وَتُسَاعِدُهُ عَلَى إِقَامَةِ أَرْكَانِ إِمَامَتِهِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا، بَلْ تَرَكُوا مَا يَجِبُ لِحِمَايَةِ الْبَيْضَةِ وَحِفْظِ سُلْطَانِ الْمِلَّةِ بِجَمْعِ كَلِمَةِ الْأُمَّةِ، وَبِإِعْدَادِ مَا اسْتَطَاعُوا مِنْ حَوْلٍ وَقُوَّةٍ فَاتَّكَلُوا وَتَوَاكَلُوا، وَتَنَازَعُوا وَتَخَاذَلُوا، وَلَمْ يَعِظْهُمْ مَا نُزِعَ مَنْ مُلْكِهِمْ، وَمَا سُلِبَ مِنْ مَجْدِهِمْ، اتِّكَالًا عَلَى قُرْبِ الْمَهْدِيِّ، كَأَنَّهُ هُوَ الْمُعِيدُ الْمُبْدِئُ، فَهُوَ الَّذِي سَيَرُدُّ إِلَيْهِمْ مُلْكَهُمْ، وَيُجَدِّدُ لَهُمْ مَجْدَهُمْ، وَيُعِيدُ لَهُمْ عَدْلَ شَرْعِهِمْ، وَيَنْتَقِمُ لَهُمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ، وَلَكِنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِالْكَرَامَاتِ، وَمَا يُؤَيَّدُ بِهِ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ لَا بِالْبَوَارِيدِ أَوِ الْبُنْدُقِيَّاتِ الصَّارِخَاتِ وَلَا بِالْمَدَافِعِ الصَّاخَّاتِ، وَلَا بِالدَّبَّابَاتِ الْمُدَمِّرَاتِ، وَلَا بِأَسَاطِيلِ الْبِحَارِ السَّابِحَاتِ وَالْغَوَّاصَاتِ وَلَا أَسَاطِيلِ الْمَنَاطِيدِ وَالطَّيَّارَاتِ، وَلَا بِالْغَازَاتِ الْخَانِقَاتِ. وَقَدْ كَانَتِ الْحَرْبُ بَيْنَ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَالْمُشْرِكِينَ سِجَالًا، وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَنْفِرُونَ مِنْهُ خِفَافًا وَثِقَالًا، فَهَلْ يَكُونُ الْمَهْدِيُّ أَهْدَى مِنْهُ أَعْمَالًا وَأَحْسَنُ حَالًا وَمَآلًا؟ كَلَّا.
وَقَدْ جَاءَهُمُ النَّذِيرُ، ابْنُ خَلْدُونَ الشَّهِيرُ، فَصَاحَ فِيهِمْ إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى سُنَنًا فِي الْأُمَمِ وَالدُّوَلِ وَالْعُمْرَانِ، مُطَّرِدَةً فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، كَمَا ثَبَتَ فِي مُصْحَفِ الْقُرْآنِ، وَصُحُفِ الْأَكْوَانِ، وَمِنْهَا أَنَّ الدُّوَلَ لَا تَقُومُ إِلَّا بِعَصَبِيَّةٍ، وَأَنَّ الْأَعَاجِمَ قَدْ سَلَبُوا الْعَصَبِيَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْعِتْرَةَ النَّبَوِيَّةَ، فَإِنْ صَحَّتْ أَخْبَارُ هَذَا الْمَهْدِيِّ فَلَنْ يَظْهَرَ إِلَّا بَعْدَ تَجْدِيدِ عَصَبِيَّةٍ هَاشِمِيَّةٍ عَلَوِيَّةٍ، وَلَوْ سَمِعُوا وَعَقَلُوا، لَسَعَوْا وَعَمِلُوا، وَلَكَانَ اسْتِعْدَادُهُمْ لِظُهُورِ الْمَهْدِيِّ بِالِاهْتِدَاءِ بِسُنَنِ اللهِ تَعَالَى رَحْمَةً لَهُمْ، تِجَاهَ مَا كَانَ فِي أَخْبَارِهِ مِنَ الْفِتَنِ وَالنِّقَمِ فِيهِمْ، وَرُبَّمَا أَغْنَاهُمْ عَنْ بَعْضِ مَا يَرْجُونَ مِنْ زَعَامَتِهِ إِنْ لَمْ يُغْنِهِمْ عَنْهُ كُلَّهُ.
كَانَتِ الْيَهُودُ اغْتَرَّتْ مِثْلنَا بِظَوَاهِرِ مَا فِي كُتُبِ أَنْبِيَائِهِمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ بِظُهُورِ مَسِيحٍ فِيهِمْ يُعِيدُ لَهُمْ مَا فَقَدُوا مِنْ مُلْكِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ، فَاتَّكَلُوا عَلَى مَا فَهِمَ أَحْبَارُهُمْ مِنْهَا بِمَحْضِ التَّقْلِيدِ الْأَصَمِّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ، الْأَعْمَى الَّذِي لَا يُبْصِرُ، وَمَضَتِ الْقُرُونُ فِي إِثْرِ الْقُرُونِ وَهُمْ لَا يَزْدَادُونَ إِلَّا تَفَرُّقًا وَضَعْفًا، فَلَمَّا عَرَفَتْ أَجْيَالُهُمُ الْأَخِيرَةُ سُنَنَ اللهِ تَعَالَى فِي الْعُمْرَانِ طَفِقُوا يَسْتَعِدُّونَ لِاسْتِعَادَةِ ذَلِكَ الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ، بِالسَّعْيِ إِلَى إِنْشَاءِ وَطَنٍ يَهُودِيٍّ خَاصٍّ بِهِمْ يُقِيمُونَ فِيهِ قَوَاعِدَ الْعُمْرَانِ، بِإِرْشَادِ الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ الْعَصْرِيَّةِ، الَّتِي يَتَعَلَّمُونَهَا بِمَا يُحْيُونَ مِنْ لُغَتِهِمُ الْعِبْرَانِيَّةِ، وَقَدْ أَنْشَؤُوا لِذَلِكَ مَصْرَفًا مَالِيًّا خَاصًّا، وَمَا زَالُوا يَجْمَعُونَ لِأَجْلِهِ الْإِعَانَاتِ بِالْأُلُوفِ وَأُلُوفِ الْأُلُوفِ مِنَ الدَّنَانِيرِ، حَتَّى إِنَّهُمُ اسْتَمَالُوا لِمُسَاعَدَتِهِمْ فِي هَذَا الْعَهْدِ، أَقْوَى دُوَلِ الْأَرْضِ.
هَذَا- وَالْمُسْلِمُونَ لَا يَزَالُونَ يَتَّكِلُونَ عَلَى ظُهُورِ الْمَهْدِيِّ، وَيَزْعُمُ دَهْمَاؤُهُمْ أَنَّهُ سَيَنْقُضُ لَهُمْ سُنَنَ اللهِ تَعَالَى أَوْ يُبَدِّلُهَا تَبْدِيلًا، وَهُمْ يَتْلُونَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلًا} (35: 43) فَإِذَا كَانَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ آيَاتٌ، وَكَانَ زَمَنُهَا زَمَنَ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ، فَهَلْ يَضُرُّهُمْ أَنْ تَأْتِيَهُمْ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَإِقَامَةٍ لِشَرْعِهِمْ وَعِزَّةٍ وَسُلْطَانٍ فِي أَرْضِهِمْ؟.
عَلَى أَنَّهُمْ أَنْشَؤُوا فِي الْعُصُورِ الْأُولَى عَصَبِيَّاتٍ لِأَجْلِ الْمَهْدِيِّ، وَلَكِنَّهَا جَاهِلِيَّةٌ بَلْ أَنْشَؤُوا الْمَهْدِيَّ الْمُتَنَظَرَ عَجَّ نَفْسَهُ لِأَجْلِ تِلْكَ الْعَصَبِيَّاتِ الْمَجُوسِيَّةِ، الَّتِي كَانَتْ تَسْعَى لِإِزَالَةِ مُلْكِ الْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَإِفْسَادِ دِينِهِمُ الَّذِي أَعْطَاهُمُ الْمُلْكَ وَالْقُوَّةَ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ كَثُرَ الِاخْتِلَافُ فِي اسْمِ الْمَهْدِيِّ وَنَسَبِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَعْمَالِهِ، وَكَانَ لِكَعْبِ الْأَحْبَارِ جَوْلَةٌ وَاسِعَةٌ فِي تَلْفِيقِ تِلْكَ الْأَخْبَارِ.

.الِاخْتِلَافُ وَالِاضْطِرَابُ فِي أَحَادِيثِ الْمَهْدِيِّ:

منها أَنَّ أَشْهَرَ الرِّوَايَاتِ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَالشِّيعَةُ الْإِمَامِيَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيَّ وَهُمَا الْحَادِي عَشَرَ وَالثَّانِي عَشَرَ مِنْ أَئِمَّتِهِمُ الْمَعْصُومِينَ، وَيُلَقِّبُونَهُ بِالْحُجَّةِ وَالْقَائِمِ وَالْمُنْتَظَرِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ دَخَلَ السِّرْدَابَ فِي دَارِ أَبِيهِ فِي مَدِينَةِ سُرَّ مَنْ رَأَى الَّتِي تُسَمَّى الْآنَ سَامِرَّا سَنَةَ 265 وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ تِسْعُ سِنِينَ، وَأَنَّهُ لَا يَزَالُ فِي السِّرْدَابِ حَيًّا، وَقَدْ رَفَعَ إِلَيْهِ بَعْضُ عُلَمَائِهِمُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَسْئِلَةً شَرْعِيَّةً فِي رِقَاعٍ كَانُوا يُلْقُونَهَا، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ كَانُوا يَجِدُونَ فَتَاوَاهُ مُدَوَّنَةً فِيهَا، وَمَسَائِلُ هَذِهِ الرِّقَاعِ عِنْدَهُمْ أَصَحُّ الْمَسَائِلِ وَالْأَحْكَامِ وَهُمْ كُلَّمَا ذَكَرُوهُ يُقْرِنُونَ اسْمَهُ بِحَرْفَيِ الْعَيْنِ وَالْجِيمِ هَكَذَا عَجَّ وَهُمَا مُقْتَطَفَتَانِ مِنْ جُمْلَةِ: عَجَّلَ اللهُ خَلَاصَهُ.
وَزَعَمَتِ الْكَيْسَانِيَّةُ أَنَّ الْمَهْدِيَّ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَنَّهُ حَيٌّ مُقِيمٌ بِجَبَلِ رَضْوَى بَيْنَ أَسَدَيْنِ يَحْفَظَانِهِ، وَعِنْدَهُ عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ يُفِيضَانِ مَاءً وَعَسَلًا وَمَعَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَوْلُهُمْ فِيهِ كَقَوْلِ الْإِمَامِيَّةِ فِي الْمَهْدِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ، ورَضْوَى بِفَتْحِ الرَّاءِ جَبَلُ جُهَيْنَةَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمٍ مِنْ يَنْبُعَ، وَسَبْعِ مَرَاحِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ وَيُقَالُ: إِنَّ السُّنُوسِيَّةَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ شَيْخَهُمُ الْمَهْدِيَّ السُّنُوسِيَّ هُوَ الْإِمَامُ الْمُنْتَظَرُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ اخْتَفَى، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سُئِلُوا عَنْ مَوْتِهِ يَقُولُونَ الْحَيُّ يَمُوتُ. وَلَا يَقُولُونَ إِنَّهُ قَدْ مَاتَ.
وَرُوِيَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ بِالْمَهْدِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَهْدِي إِلَى أَمْرٍ خَفِيٍّ وَسَيُخْرِجُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا أَنْطَاكِيَّةُ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ إِنَّمَا سُمِّي الْمَهْدِيَّ: لِأَنَّهُ يَهْدِي إِلَى أَسْفَارِ التَّوْرَاةِ فَيُسْتَخْرِجُهَا مِنْ جِبَالِ الشَّامِ، وَيَدْعُو إِلَيْهَا الْيَهُودُ فَتُسْلِمُ عَلَى تِلْكَ الْكُتُبِ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ، رَوَاهُمَا أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ، وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ تَضْلِيلَاتِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ.
وَالْمَشْهُورُ فِي نَسَبِهِ: أَنَّهُ عَلَوِيٌّ فَاطِمِيٌّ مِنْ وَلَدِ الْحَسَنِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: وَلَدِ الْحُسَيْنِ، وَهُوَ يُوَافِقُ قَوْلَ الشِّيعَةِ الْإِمَامِيَّةِ، وَهُنَالِكَ عِدَّةُ أَحَادِيثَ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّهُ مِنْ وَلَدِ الْعَبَّاسِ.
منها مَا رَوَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْعَبَّاسِ: «أَلَا أُبَشِّرُكَ يَا عَمِّ؟ إِنَّ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ الْأَصْفِيَاءَ، وَمِنْ عَتْرَتِكِ الْخُلَفَاءَ، وَمِنْكَ الْمَهْدِيُّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، بِهِ يَنْشُرُ اللهُ الْهُدَى وَيُطْفِئُ نِيرَانَ الضَّلَالَةِ، إِنَّ اللهَ فَتَحَ بِنَا هَذَا الْأَمْرَ وَبِذُرِّيَّتِكَ يُخْتَمُ» وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَسَاكِرَ عَنْهُ مَرْفُوعًا أَيْضًا «اللهُمَّ انْصُرِ الْعَبَّاسَ وَوَلَدَ الْعَبَّاسِ ثَلَاث يَا عَمُّ أَمْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمَهْدِيَّ مِنْ وَلَدِكَ مُوَفَّقًا مَرْضِيًا» قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَفِي مَعْنَاهُمَا أَحَادِيثُ أُخْرَى لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَعَلِيٍّ، وَفِي حَدِيثِهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَهْدِيِّ ثَالِثُ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ.
وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ بِحَدِيثِ الرَّايَاتِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ خَلْدُونَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ اللهُ لَنَا الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا، وَإِنَّ أَهْلَ بَيْتِي سَيَلْقَوْنَ مِنْ بَعْدِي بَلَاءً وَتَشْرِيدًا حَتَّى يَأْتِيَ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَعَهُمْ رَايَاتٌ سُودٌ إِلَخْ. وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ مِنْ شِيعَةِ الْكُوفَةِ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَقَالَ شُعْبَةُ فِيهِ: كَانَ رَفَّاعًا، أَيْ يَرْفَعُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْأَحَادِيثَ الَّتِي لَا تُعْرَفُ مَرْفُوعَةً، وَصَرَّحُوا بِضَعْفِ حَدِيثِهِ هَذَا. وَهُنَالِكَ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي نِسْبَةِ الْمَهْدِيِّ إِلَى الْعَبَّاسِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ وَالْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ رِوَايَاتٌ فِي التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْمَهْدِيَّ الْمُنْتَظَرَ هُوَ الْعَبَّاسِيُّ، وَذَكَرَ قَبْلَهُ السَّفَّاحَ وَالْمَنْصُورَ. وَأَهْلُ الرِّوَايَةِ يَتَكَلَّفُونَ الْجَمْعَ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَمَا يُعَارِضُهَا بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ مِنَ الْعَبَّاسِ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فِيهِ وِلَادَةٌ بَعْضُهَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَبَعْضُهَا جِهَةِ الْأُمِّ، قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْقَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَتَبِعَهُ الشَّوْكَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَكِنَّ أَلْفَاظَ الْأَحَادِيثِ لَا تَتَّفِقُ مَعَ هَذَا الْجَمْعِ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي أُمِّ الْمَهْدِيِّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَلَى كَثْرَتِهَا.
وَسَبَبُ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ الشِّيعَةَ كَانُوا يَسْعَوْنَ لِجَعْلِ الْخِلَافَةِ فِي آلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَيَضَعُونَ الْأَحَادِيثَ تَمْهِيدًا لِذَلِكَ فَفَطِنَ لِهَذَا الْأَمْرِ الْعَبَّاسِيُّونَ فَاسْتَمَالُوا بَعْضَهُمْ، وَرَأَى أَبُو مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ وَعَصَبِيَّتُهُ أَنَّ آلَ عَلِيٍّ يَغْلِبُ عَلَيْهِمُ الزُّهْدُ، وَأَنَّ بَنِي الْعَبَّاسِ كَبَنِي أُمَيَّةَ فِي الطَّمَعِ فِي الْمُلْكِ فَعَمِلَ لَهُمْ تَوَسُّلًا بِهِمْ إِلَى تَحْوِيلِ عَصَبِيَّةِ الْخِلَافَةِ إِلَى الْفُرْسِ، تَمْهِيدًا لِإِعَادَةِ الْمُلْكِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَحِينَئِذٍ وُضِعَتْ أَحَادِيثُ الْمَهْدِيِّ مُشِيرَةً إِلَى الْعَبَّاسِيِّينَ مُصَرِّحَةً بِشَارَتِهِمْ السَّوَادِ وَأَشْهَرُهَا حَدِيثُ ثَوْبَانَ الْمَرْفُوعُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ هَذَا ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمُ ابْنُ خَلِيفَةَ، ثُمَّ لَا تَصِيرُ إِلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَيَقْتُلُونَهُمْ قَتْلًا لَمْ يَقْتُلْهُ قَوْمٌ- ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا لَا أَحْفَظُهُ- فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللهِ الْمَهْدِيُّ قَالَ السِّنْدِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى ابْنِ مَاجَهْ، وَفِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرِيطِ الشَّيْخَيْنِ اهـ. فَهُوَ مِثَالٌ لِأَصَحِّ مَا رَوَوْهُ فِي الْمَهْدِيِّ وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّازِقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ الشَّهِيرُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالتَّشَيُّعِ، وَعَمِّي فِي آخِرِ عُمْرِهِ فَخَلَطَ، وَكَانَ مِنْ مَشَايِخِهِ عَمُّهُ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَنَاهِيكَ بِهِ- وَفِي سَنَدِهِ إِلَى ثَوْبَانَ أَبُو قِلَابَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَهُمَا مُدَلِّسَانِ، وَقَدْ عَنْعَنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَقُولَا إِنَّهُمَا سَمِعَاهُ فَإِذَا أَضَفْتَ إِلَى هَذَا طَعْنَ الطَّاعِنِينَ فِي عَبْدِ الرَّازِقِ، وَمِنْهُمُ ابْنُ عَدِيٍّ الْقَائِلُ: إِنَّهُ حَدَّثَ بِأَحَادِيثَ فِي الْفَضَائِلِ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ، وَمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ رَمْيِ بَعْضِهِمْ إِيَّاهُ بِالْكَذِبِ عَلَى مَكَانَتِهِ مِنْ هَذَا الْفَنِّ.- وَإِذَا تَذَكَّرْتَ مَعَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْفِتَنِ وَالسَّاعَةِ عَامَّةٌ، وَأَحَادِيثَ الْمَهْدِيِّ خَاصَّةٌ، وَأَنَّهَا كَانَتْ مَهَبَّ رِيَاحِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ، وَمَيْدَانَ فُرْسَانِ الْأَحْزَابِ وَالشِّيَعِ،- تَبَيَّنَ لَكَ أَيْنَ تَضَعُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مِنْهَا.
وَلَمَّا انْقَضَى أَمْرُ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَكَانَتِ الْأَحَادِيثُ قَدْ دُوِّنَتْ، لَمْ يَسَعِ الْقَائِلِينَ بِظُهُورِ الْمَهْدِيِّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ الرَّايَاتِ السُّودَ الْمَرْوِيَّةَ فِيهَا غَيْرُ رَايَاتِ بَنِي الْعَبَّاسِ، عَلَى أَنَّ خُصُومَهُمْ كَانُوا قَدْ رَوَوْا فِي مُعَارَضَتِهَا رِوَايَاتٍ نَاطِقَةً بِأَنَّ رَايَاتِ الْمَهْدِيِّ تَكُونُ صُفْرًا، وَرِوَايَاتٍ فِي أَنَّ ظُهُورَهُ مِنَ الْمَغْرِبِ لَا مِنَ الْمَشْرِقِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّامِتِ: قُلْتُ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَمَا مِنْ عَلَامَةٍ بَيْنَ يَدَيْ هَذَا الْأَمْرِ؟- يَعْنِي ظُهُورَ الْمَهْدِيِّ- قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: هَلَاكُ بَنِي الْعَبَّاسِ وَخُرُوجُ السُّفْيَانِيِّ وَالْخَسْفُ بِالْبَيْدَاءِ. قُلْتُ: جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ، أَخَافُ أَنْ يَطُولَ هَذَا الْأَمْرُ. فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ كَنِظَامِ سِلْكٍ يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَرَوَوْا عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَكَرَّمَ وَجْهَهُ قَالَ: تَكُونُ فِي الشَّامِ رَجْفَةٌ يَهْلَكُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ يَجْعَلُهَا اللهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، وَعَذَابًا عَلَى الْمُنَافِقِينَ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَانْظُرُوا إِلَى أَصْحَابِ الْبَرَاذِينِ الشُّهُبِ وَالرَّايَاتِ الصُّفْرِ تُقْبِلُ مِنَ الْمَغْرِبِ حَتَّى تَحِلَّ بِالشَّامِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْجُوعِ الْأَكْبَرِ، وَالْمَوْتِ الْأَحْمَرِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَانْظُرُوا خَسْفَ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى دِمَشْقَ يُقَالُ لَهَا حَرَسْتَا فَإِذَا كَانَ خَرَجَ ابْنُ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ مِنَ الْوَادِي الْيَابِسِ حَتَّى يَسْتَوِيَ عَلَى مِنْبَرِ دِمَشْقَ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَانْظُرُوا خُرُوجَ الْمَهْدِيِّ. انْتَهَى الْأَثَرُ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ لَقَبُ مُعَاوِيَةَ؛ لِأَنَّ أُمَّهُ أَخْرَجَتْ قَلْبَ حَمْزَةَ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ. رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ يَوْمَ قُتِلَ فِي أُحُدٍ فَمَضَغَتْهُ، وَكَانَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ قَدْ وُضِعَتْ فِيمَا يَظْهَرُ بَعْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِلتَّبْشِيرِ بِانْتِقَامِ الْمَهْدِيِّ مِنْ مُعَاوِيَةَ؛ ثُمَّ حَمَلُوهَا عَلَى السُّفْيَانِيِّ الَّذِي كَثُرَتِ الرِّوَايَاتُ فِي خُرُوجِهِ قَبْلَ الْمَهْدِيِّ، وَقَالُوا: إِنَّهُ مِنْ وَلَدِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَإِنَّهُ أَحَدُ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَهُ بَلْ شَرُّهُمْ، وَالْآخَرُونَ هُمُ الْمُلَقَّبُونَ بِالْأَبْقَعِ وَالْأَصْهَبِ وَالْأَعْرَجِ وَالْكِنْدِيِّ وَالْجُرْهُمِيِّ وَالْقَحْطَانِيِّ، وَلِفَارِسِ مَيْدَانِ الْخُرَافَاتِ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ تَفْصِيلَاتٌ لِخُرُوجِ هَؤُلَاءِ، هِيَ كَالتَّفْسِيرِ لِلْأَثَرِ الْعُلْوِيِّ الْمَوْضُوعِ، تُرَاجَعُ فِي فَوَائِدِ الْفِكْرِ لِلشَّيْخِ مَرْعِي، وَعَقَائِدِ الْسَّفَارِينِيِّ وَغَيْرِهَا.