فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة} يعني بالنفس: آدم، وبزوجها: حواء.
ومعنى: {ليسكن إليها} ليأنس بها ويأوي إليها.
{فلما تغشَّاها} أي: جامعها.
قال الزجاج: وهذا أحسن كناية عن الجماع.
والحمل، بفتح الحاء: ما كان في بطن، أو أخرجتْه شجرة.
والحمل، بكسر الحاء: ما يُحمل.
والمراد بالحمل الخفيف: الماء.
قوله تعالى: {فمرَّتْ به} أي: استمرَّت به، قعدت وقامت ولم يُثقلها.
وقرأ سعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وابن عباس، والضحاك: {فاستمرت به}.
وقرأ أُبَيُّ بن كعب، والجوني: {استمارَّت به} بزيادة ألف.
وقرأ عبد الله ابن عمرو، والجحدري: {فمارَّت به} بألف وتشديد الراء.
وقرأ أبو العالية، وأيوب، ويحيى بن يعمر: {فَمَرَتْ به} خفيفة الراء، أي: شكّت وتمارت أحملت، أم لا؟ {فلما أثقلت} أي: صار حملها ثقيلًا.
وقال الأخفش: صارت ذا ثقل.
يقال: أثمرنا، أي: صرنا ذوي ثمر.
قوله تعالى: {دعَوا الله ربهما} يعني آدم وحواء {لئن آتيتنا صالحًا} وفي المراد بالصالح قولان:
أحدهما: أنه الإنسان المشابه لهما، وخافا أن يكون بهيمة، هذا قول الأكثرين.
والثاني: أنه الغلام، قاله الحسن، وقتادة.
شرح السبب في دعائهما ذكر أهل التفسير أن إبليس جاء حواء، فقال: ما يدريك ما في بطنكِ، لعله كلب أو خنزير أو حمار؛ وما يدريك من أين يخرج، أيشق بطنك أم يخرج من فيك، أو من منخريك؟ فأحزنها ذلك، فدعوا الله حينئذ، فجاء إبليس: فقال: كيف تجدينك؟ قالت: ما أستطيع القيام إذا قعدت، قال: أفرأيت إن دعوت الله، فجعله إنسانًا مثلك، ومثل آدم، أتسمينه باسمي؟ قالت: نعم.
فلما ولدته سويًّا، جاءها إبليس فقال: لم لا تُسمِّينه بي كما وعدتني؟ فقالت: وما اسمك؟ قال: الحارث، وكان اسم إبليس في الملائكة الحارث، فسمته: عبد الحارث، وقيل: عبد شمس برضى آدم، فذلك قوله: {فلما آتاهما صالحًا جعلا له شركاء}. اهـ.

.قال القرطبي:

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ}.
فيه سبع مسائل:
الأُولى قوله تعالى: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} قال جمهور المفسرين: المراد بالنفس الواحدة آدم.
{وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} يعني حوّاء.
{لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} ليأنس بها ويطمئن، وكان هذا كله في الجنة.
ثم ابتدأ بحالة أُخرى هي في الدنيا بعد هبوطهما فقال: {فَلَماَّ تَغَشَّاهَا} كناية عن الوِقاع.
{حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا} كلّ ما كان في بطن أو على رأس شجرة فهو حَملٌ بالفتح.
وإذا كان على ظهر أو على رأس فهو حِمل بالكسر.
وقد حكى يعقوب في حِمل النخلة الكَسْر.
وقال أبو سعيد السيرافيّ: يقال في حمل المرأة حَمل وحِمل، يشبه مرّة لاستبطانه بحَمل المرأة، ومرّة لبُروزه وظهوره بحمل الدّابّة.
والْحَمل أيضًا مصدر حَمَل عليه يحمِل حَملًا إذا صال.
{فَمَرَّتْ بِهِ} يعني المنيّ؛ أي استمرت بذلك الحمل الخفيف.
يقول: تقوم وتقعد وتَقَلَّب، ولا تكترث بحمله إلى أن ثقل؛ عن الحسن ومجاهد وغيرهما.
وقيل: المعنى فاستمر بها الحمل، فهو من المقلوب؛ كما تقول: أدخلت القَلَنْسوة في رأسي.
وقرأ عبد الله ابن عمر {فَمَارَتْ بِهِ} بألف والتخفيف؛ من مَار يَمُور إذا ذهب وجاء وتصرّف.
وقرأ ابن عباس ويحيى ابن يَعْمَر {فَمَرَتْ بِهِ} خفيفة من المِرْيَة، أي شكّت فيما أصابها؛ هل هو حمل أو مرض، أو نحو ذلك.
الثانية قوله تعالى: {فَلَمَّا أَثْقَلَتْ} صارت ذات ثقل؛ كما تقول: أثمر النخل.
وقيل: دخلت في الثقل؛ كما تقول: أصبح وأمسى.
{دَّعَوَا الله رَبَّهُمَا} الضمير في {دَعَوَا} عائد على آدم وحوّاء.
وعلى هذا القول ما رُوي في قصص هذه الآية أن حوّاء لما حملت أوّل حمل لم تدرِ ما هو.
وهذا يقوِّي قراءة من قرأ {فَمَرَتْ بِهِ} بالتخفيف.
فجزِعت لذلك؛ فوجد إبليس السبيل إليها.
قال الكلبيّ: إن إبليس أتى حوّاء في صورة رجل لما أثقلت في أوّل ما حملت فقال: ما هذا الذي في بطنك؟ قالت: ما أدري! قال: إني أخاف أن يكون بهيمة.
فقالت ذلك لآدم عليه السلام.
فلم يزالا في هَمٍّ من ذلك.
ثم عاد إليها فقال: هو مِن الله بمنزلةٍ، فإن دعوتُ الله فولدتِ إنسانًا أفتسمّينه بي؟ قالت نعم.
قال: فإني أدعو الله.
فأتاها وقد ولدت فقال: سمِّيه باسمي.
فقالت: وما اسمك؟ قال: الحارث ولو سَمَّى لها نفسه لعرفته فسمته عبد الحارث.
ونحو هذا مذكور من ضعيف الحديث، في الترمذِيّ وغيره.
وفي الإسرائيليات كثير ليس لها ثبات؛ فلا يعوِّل عليها من له قَلْبٌ، فإن آدم وحوّاء عليهما السلام وإن غرَّهما بالله الغَرُور فلا يُلدغ المؤمن من جُحْرٍ مرّتين، على أنه قد سُطِّر وكُتب.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خدعهما مرتين خدعهما في الجنة وخدعهما في الأرض» وعُضِد هذا بقراءة السلمِيّ {أتشركون} بالتاء.
ومعنى {صَالِحًا} يريد ولدًا سويًا. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة} يعني آدم عليه السلام {وجعل منها زوجها} يعني وخلق منها زوجها حواء قد تقدم كيفية خلق حواء من ضلع آدم في أول سورة النساء {ليسكن إليها} يعني ليأنس بها ويأوي {فلما تغشاها} يعني واقعها وجامعها كنى به عن الجماع أحسن كناية لأن الغشيان إتيان الرجل المرأة وقد غشيها وتغشاها إذا علاها وتجللها {حملت حملًا خفيفًا} يعني النطفة والمني لأن أول ما تحمل النطفة وهي خفيفة عليها {فرمت به} يعني أنها استمرت بذلك الحمل فقامت وقعدت وهو خفيف عليها {فلما أثقلت} أي صارت إلى حال الثقل وكبر ذلك الحمل ودنت مدة ولادتها {دعوا الله ربهما} يعني أن آدم وحواء دعوا الله ربهما {لئن آتيتنا صالحًا} يعني لئن أعطيتنا بشرًا سويًا مثلنا {لنكونن من الشاكرين} يعني لك على إنعامك علينا.
قال المفسرون: لما هبط آدم وحواء إلى الأرض ألقيت الشهوة في نفس آدم فأصاب حواء فحلمت من ساعتها فلما ثقل الحمل وكبر الولد أتاها إبليس فقال لها: ما الذي في بطنك؟ قالت: ما أدري قال: إني أخاف أن يكون بهيمة أو كلبًا أو خنزيرًا أترين في الأرض إلا بهيمة أو نحوها قالت: إني أخاف بعض ذلك قال وما يدريك من أين خرج أمن دبرك أم فن فيك أو يشق بطنك فيقتلك فخافت حواء من ذلك وذكرته لآدم فلم يزالا في غم من ذلك ثم عاد إليها إبليس فقال لها إني من الله بمنزلة فإن دعوت الله أن يجعله خلقًا سويًا مثلك ويسهل عليك خروجه تسميه عبد الحارث وكان اسم إبليس في الملائكة الحارث فذكرت ذلك حواء لآدم عليه السلام فقال لعله صاحبنا الذي قد علمت فعاودها إبليس فلم يزل بهما حتى غرهما فلما ودلت سمياه عبد الحارث.
وقال ابن عباس: كانت حواء تلد لآدم فيسميه عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن فيصيبهم الموت فأتاهما إبليس فقال: إن سركما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحارث فولدت فسمياه عبد الحارث فولدت فسمياه عبد الحارث فعاش.
عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما حملت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحارث فسمته فعاش وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره». أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم عن قتادة وقال وقد رواه بعضهم ولم يرفعه وقوله وذلك من وحي الشيطان يعني من وسوسته وحديثه كما جاء أنه خدعهما مرتين مرة في الجنة ومرة في الأرض.
قال ابن عباس: لما ولد له أول ولد آتاه إبليس فقال إني أنصح لك في شأن ولدك هذا تسميه عبد الحارث وكان اسمه في السماء الحارث فقال آدم: أعوذ بالله من طاعتك إني أطعتك في أكل الشجرة فأخرجتي من الجنة فلن أطيعك فمات ولده ثم ولد له بعد ذلك ولد آخر فقال أطعني وإلا مات كما مات أول الأول فعصاه فمات ولده، فقال لا أزال أقتلهم حتى تسميه عبد الحارث فلم يزل به حتى سماه عبد الحارث. اهـ.

.قال أبو حيان:

{هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها}.
مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما تقدم سؤال الكفار عن الساعة ووقتها وكان فيهم من لا يؤمن بالبعث ذكر ابتداء خلق الإنسان وإنشائه تنبيهًا على أن الإعادة ممكنة، كما أن الإنشاء كان ممكنًا وإذا كان إبرازه من العدم الصرف إلى الوجود واقعًا بالفعل وإعادته أحرى أن تكون واقعة بالفعل، وقيل: وجه المناسبة أنه لما بين الذين يلحدون في أسمائه ويشتقون منها أسماء لآلهتهم وأصنامهم وأمر بالنظر والاستدلال المؤدي إلى تفرده بالإلهية والربوبية بين هنا أن أصل الشرك من إبليس لآدم وزوجته حين تمنيا الولد الصالح وأجاب الله دعاءهما فأدخل إبليس عليهما الشرك بقوله سمياه عبد الحرث فإنه لا يموت ففعلا ذلك، وقال أبو عبد الله الرازي ما ملخصه لما أمر بالنظر في الملكوت الدال على الوحدانية وقسم خلقه إلى مؤمن وكافر ونفى قدرة أحد من خلقه على نفع نفسه أو ضرّها رجع إلى تقرير التوحيد انتهى، والجمهور على أن المراد بقوله: {من نفس واحدة} آدم عليه السلام فالخطاب بخلقكم عام والمعنى أنكم تفرعتم من آدم عليه السلام وأن معنى وجعل منها زوجها هي حواء و{منها} إما من جسم آدم من ضلع من أضلاعه وإما أن يكون من جنسها كما قال تعالى: {جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} وقد مرّ هذان القولان في أول النساء مشروحين بأكثر من هذا ويكون الإخبار بعد هذه الجملة عن آدم وحواء ويأتي تفسيره إن شاء الله تعالى، وعلى هذا القول فسّر الزمخشري الآية وقد رد هذا القول أبو عبد الله الرازي وأفسده من وجوه.
الأول {فتعالى الله عما يشركون} فدل على أن الذين أتوا بهذا الشرك جماعة.
الثاني أنه قال بعده {أيشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون} وهذا ردّ على من جعل الأصنام شركاء ولم يجر لإبليس في هذه الآية ذكر، الثالث لو كان المراد إبليس لقال أيشركون من لا يخلق ثم ذكر الرازي ثلاثة وجوه أخر من جهة النظر يوقف عليها من كتابه.
وقال الحسن وجماعة الخطاب لجميع الخلق والمعنى في هو {الذي خلقكم من نفس واحدة} من هيئة واحدة وشكل واحد {وجعل منها زوجها} أي من جنسها ثم ذكر حال الذكر والأنثى من الخلق ومعنى {جعلا له شركاء} أي حرفاه عن الفطرة إلى الشرك كما جاء: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه هما اللذان يهوّدانه وينصرانه ويمجسانه».