فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192)}.
إذن فلا أحد من الأصنام قادر على أن ينصر نفسه أو يضمن نصر غيره.
وهكذا نجد الترقي في الحوار على أربع مراحل، أولاَ: لا يخلقون، ثانيًا: هم يُخلَقون، ثالثًا: لا ينصرونكم، ورابعًا: ولا ينصرون أنفسهم. ثم تأتي المرحلة الخامسة في قوله الحق: {وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ...}. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الساعة} السائلون: هم اليهود.
وقيل: قريش.
والساعة: القيامة.
وهي من الأسماء الغالبة، وإطلاقها على القيامة لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها.
و{أيان} ظرف زمان مبني على الفتح.
قال الراجز:
أيان تقضي حاجتي أيانا ** أما ترى لنجحها أوانا

ومعناه معنى متى، واشتقاقه من أيّ.
وقيل من أين.
وقرأ السلمي {إيان} بكسر الهمزة وهو في موضع رفع على الخبر.
و{مرساها} المبتدأ عند سيبويه.
و{مرساها} بضم الميم، أي وقت إرسائها من أرساها الله، أي أثبتها، وبفتح الميم من رست، أي ثبتت، ومنه: {وَقُدُورٍ راسيات} [سبأ: 13]، ومنه رسا الجبل.
والمعنى: متى يرسيها الله، أي يثبتها ويوقعها.
وظاهر {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الساعة} أن السؤال عن نفس الساعة، وظاهر {أَيَّانَ مرساها} أن السؤال عن وقتها، فحصل من الجميع أن السؤال المذكور هو عن الساعة.
باعتبار وقوعها في الوقت المعين لذلك، ثم أمره الله سبحانه بأن يجيب عنهم بقوله: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي} أي: علمها باعتبار وقوعها عند الله، لا يعلمها غيره ولا يهتدي إليها سواه {لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} أي: لا يظهرها لوقتها، ولا يكشف عنها إلا الله سبحانه.
والتجلية: إظهار الشيء، يقال جلى لي فلان الخبر: إذا أظهره وأوضحه، وفي استئثار الله سبحانه بعلم الساعة حكمة عظيمة، وتدبير بليغ كسائر الأشياء التي أخفاها الله واستأثر بعلمها.
وهذه الجملة مقررة لمضمون التي قبلها.
قوله: {ثَقُلَتْ في السموات والأرض} قيل معنى ذلك: أنه لما خفي علمها على أهل السموات والأرض كانت ثقيلة، لأن كل ما خفي علمه ثقيل على القلوب.
وقيل المعنى: لا تطيقها السموات والأرض لعظمها، لأن السماء تنشق، والنجوم تتناثر، والبحار تنضب.
وقيل: عظم وصفها عليهم.
وقيل: ثقلت المسألة عنها.
وهذه الجملة مقرّرة لمضمون ما قبلها أيضًا.
{لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} إلا فجأة على غفلة.
والبغتة مصدر في موضع الحال.
وهذه الجملة كالتي قبلها في التقرير.
قوله: {يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا}.
قال ابن فارس: الحفيّ العالم بالشيء، والحفي المستقصى في السؤال، ومنه قول الأعشى:
فإن تسألي عني فيارب سائل ** حفيّ عن الأعشى به حيث أصعدا

يقال أحفى في المسألة وفي الطلب فهو محف، وحفيّ على التكثير مثل مخصب وخصيب.
والمعنى: يسألونك عن الساعة كأنك عالم بها، أو كأنك مستقص للسؤال عنها ومستكثر منه.
والجملة التشبيهية في محل نصب على الحال، أي: يسألونك مشبهًا حالك حال من هو حفيّ عنها.
وقيل المعنى: يسألونك عنها كأنك حفيّ بهم، أي حفيّ ببرهم وفرح بسؤالهم.
والأوّل: هو معنى النظم القرآني على مقتضى المسلك العربي.
قوله: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي} أمره الله سبحانه بأن يكرّر ما أجاب به عليهم سابقًا لتقرير الحكم وتأكيده.
وقيل: ليس بتكرير، بل أحدهما معناه الاستئثار بوقوعها، والآخر الاستئثار بكنهها نفسها {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} باستئثار الله بهذا، وعدم علم خلقه به، لم يعلمه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل.
قوله: {قُل لا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرّا إِلاَّ مَا شَاء الله} هذه الجملة متضمنة لتأكيد ما تقدّم من عدم علمه بالساعة أيان تكون ومتى تقع، لأنه إذا كان لا يقدر على جلب نفع له، أو دفع ضرّ عنه إلا ماشاء الله سبحانه من النفع له والدفع عنه، فبالأولى أن لا يقدر على علم ما استأثر الله بعلمه، وفي هذا من إظهار العبودية والإقرار بالعجز عن الأمور التي ليست من شأن العبيد، والاعتراف بالضعف عن انتحال ما ليس له صلى الله عليه وسلم ما فيه أعظم زاجر، وأبلغ واعظ لمن يدّعي لنفسه ما ليس من شأنها، وينتحل علم الغيب بالنجامة أو الرمل أو الطرق بالحصا أو الزجر.
ثم أكّد هذا وقرّره بقوله: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير} أي: لو كنت أعلم جنس الغيب لتعرّضت لما فيه الخير فجلبته إلى نفسي، وتوقيت ما فيه السوء حتى لا يمسني، ولكني عبد لا أدري ما عند ربي، ولا ما قضاه فيَّ وقدره لي، فكيف أدري غير ذلك وأتكلف علمه؟ وقيل المعنى: لو كنت أعلم ما يريد الله عزّ وجلّ مني من قبل أن يعرفنيه لفعلته.
وقيل: لو كنت أعلم متى يكون لي النصر في الحرب، لقاتلت فلم أغلب.
وقيل: لو كنت أعلم الغيب لأجبت عن كل ما أسأل عنه، والأولى حمل الآية على العموم، فتندرج هذه الأمور وغيرها تحتها.
وقد قيل: إن {وَمَا مَسَّنِىَ السوء} كلام مستأنف، أي: ليس بي ما تزعمون من الجنون والأولى: أنه متصل بما قبله.
والمعنى: لو علمت الغيب ما مسني السوء، ولحذرت عنه كما قدّمنا ذلك.
قوله: {إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي: ما أنا إلا مبلغ عن الله لأحكامه أنذر بها قومًا، وأبشر بها آخرين، ولست أعلم بغيب الله سبحانه.
واللام في {لِقَوْمٍ} متعلق بكلا الصفتين: أي بشير لقوم.
ونذير لقوم، وقيل: هو متعلق ببشير، والمتعلق بنذير محذوف، أي نذير لقوم يكفرون، وبشير لقوم يؤمنون.
قوله: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحدة} هذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر نعم الله على عباده وعدم مكافأتهم لها، مما يجب من الشكر والاعتراف بالعبودية، وأنه المنفرد بالإلهية.
قال جمهور المفسرين: المراد بالنفس الواحدة.
آدم، وقوله: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} معطوف على {خَلَقَكُمْ} أي: هو الذي خلقكم من نفس آدم، وجعل من هذه النفس زوجها، وهي حواء، خلقها من ضلع من أضلاعه.
وقيل المعنى {جَعَلَ مِنْهَا} من جنسها، كما في قوله: {جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: 72] والأوّل: أولى.
{لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} علة للجعل، أي جعله منها لأجل: {يسكن إليها} يأنس إليها.
ويطمئن بها، فإن الجنس بجنسه أسكن وإليه آنس.
وكان هذا في الجنة، كما وردت بذلك الأخبار.
ثم ابتدأ سبحانه بحالة أخرى كانت بينهما في الدنيا بعد هبوطهما، فقال: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا}، والتغشي كناية عن الوقاع، أي فلما جامعها {حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا} علقت به بعد الجماع، ووصفه بالخفة لأنه عند إلقاء النطفة أخفّ منه عند كونه علقة، وعند كونه علقة أخفّ منه عند كونه مضغة، وعند كونه مضغة أخفّ مما بعده.
وقيل: إنه خفّ عليها هذا الحمل من ابتدائه إلى انتهائه، ولم تجد منه ثقلًا.
كما تجده الحوامل من النساء، لقوله: {فَمَرَّتْ بِهِ} أي: استمرت بذلك الحمل تقوم وتقعد، وتمضى في حوائجها لا تجد به ثقلًا، والوجه الأوّل، لقوله: {فَلَمَّا أَثْقَلَت} فإن معناه: فلما صارت ذات ثقل لكبر الولد في بطنها.
وقرئ {فمرت به} بالتخفيف، أي فجزعت لذلك، وقرئ {فمارت به} من المور، وهو المجيء والذهاب.
وقيل المعنى: فاستمرّت به.
وقد رويت قراءة التخفيف عن ابن عباس، ويحيى بن يعمر.
ورويت قراءة {فمارت} عن عبد الله بن عمر.
وروي عن ابن عباس أنه قرأ {فاستمرت به}.
قوله: {دَّعَوَا الله رَبَّهُمَا} جواب لما، أي: دعا آدم وحواء ربهما ومالك أمرهما {لَئِنْ ءاتَيْتَنَا صالحا} أي: ولدًا صالحًا، واللام جواب قسم محذوف، و{لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين} جواب القسم سادّ مسدّ جواب الشرط، أي من الشاكرين لك على هذه النعمة.
وفي هذا الدعاء دليل على أنهما قد علما أن ما حدث في بطن حواء من أثر ذلك الجماع هو من جنسهما، وعلما بثبوت النسل المتأثر عن ذلك السبب {فَلَمَّا ءاتاهما} ما طلباه من الولد الصالح، وأجاب دعاءهما {جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا ءاتاهما} قال كثير من المفسرين: إنه جاء إبليس إلى حواء وقال لها: إن ولدت ولدًا فسميه باسمى فقالت: وما اسمك؟ قال: الحارث ولو سمى لها نفسه لعرفته، فسمته عبد الحارث، فكان هذا شركًا في التسمية، ولم يكن شركًا في العبادة.
وإنما قصدا أن الحارث كان سبب نجاة الولد، كما يسمى الرجل نفسه عبد ضيفه، كما قال حاتم الطائي:
وإني لعبد الضيف مادام ثاويا ** وما فيّ إلا تلك من شيمة العبد

وقال جماعة من المفسرين: إن الجاعل شركًا فيما آتاهما هم جنس بني آدم، كما وقع من المشركين منهم، ولم يكن ذلك من آدم وحواء، ويدلّ على هذا جمع الضمير في قوله: {فتعالى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} وذهب جماعة من المفسرين إلى أن معنى {مّن نَّفْسٍ واحدة} من هيئة واحدة وشكل واحد {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} أي: من جنسها {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} يعني جنس الذكر جنس الأنثى.
وعلى هذا لا يكون لآدم وحوّاء ذكر في الآية، وتكون ضمائر التثنية راجعة إلى الجنسين.
وقد قدّمنا الإشارة إلى نحو هذا، وذكرنا أنه خلاف الأولى لأمور منها {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} بأن هذا إنما هو لحواء.
ومنها {دَّعَوَا الله رَبَّهُمَا} فإن كل مولود يولد بين الجنسين، لا يكون منهما عند مقاربة وضعه هذا الدعاء.
وقد قرأ أهل المدينة وعاصم {شركًا} على التوحيد.