فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والباقون بالتشديد، فقيل: هما لغتان، ولهذا جاء في قصة آدم: {فَمَن تَبِعَ} [البقرة: 385] وفي موضع {أَفَمَنِ اتبع} [طه: 132].
وقيل: تَبع اقتفى أثره، واتَّبعه بالتشديد: اقتدى به والأول أظهر.
ثُمَّ أكَّد الكلام فقال: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} والمعنى: سواء عليكم أدعوتموهم إلى الدِّين أم أنتم صامتون عن دعائهم، لا يؤمنون، كقوله: {عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6] وعطف قوله: {أَمْ أنْتُمْ صَامِتُونَ} وهي جملةٌ اسمية على أخرى فعلية؛ لأنَّها في معنى الفعليَّة، والتقدير: أمْ صَمَتُّم؟
وقال أبُو البقاءِ: جملة اسميَّة في موضع الفعليَّة، والتقديرُ: أدعوتموهم أم صَمَتُّم؟
وقال ابنُ عطيَّة: عطف الاسم على الفعل؛ إذ التقدير: أمْ صَمَتُّم؛ ومثله قول الشاعر: [الطويل]
سَوَاءٌ عَليْكَ النَّفْرُ أم بِتَّ لَيْلَةً ** بأهْلِ القبابِ مِنْ نُمَيْرِ بنِ عامرِ

قال أبُو حيَّان: وليس هذا من عطفِ الفعل على الاسم، إنَّما هو من عطف الاسميَّة على الفعليَّة، وأمَّا البيتُ فليس فيه عطف فعلٍ على اسم، بل هو من عطف الفعلية على اسم مُقدَّرٍ بالفعلية، إذ الأصل: سواءٌ عليك أنفرت أم بتَّ، وإنما أتى في الآية بالجملة الثانية اسمية؛ لأنَّ الفعل يُشْعِر بالحدوث ولأنها رأسُ فاصلة.
والصَّمْتُ: السُّكوت، يقال صَمَتَ يَصْمُتُ بالفَتْحِ، في الماضي، والضم في المضارع.
ويقال: صَمِتَ، بالكسرِ، يَصْمَتُ بالفتح والمصدر الصَّمْتُ والصُّمات، وإصمت، بكسر الهمزة والميم: اسمُ فلاة معروفة، وهو منقولٌ من فعل الأمر من هذه المادة، وقد ردَّ بعضهم هذا بأنَّه لو كان منقولًا من الأمر لكان ينبغي أن تكون همزته همزة وصل، ولكان ينبغي أن تكون ميمه مضمومة، إن كان من يَصْمُتُ أو مفتوحة إن كان من يَصْمَتُ؛ ولأنَّهُ ينبغي ألاَّ يؤنث بالتَّاءِ، وقد قالوا: إصْمِتَة.
والجوابُ أنَّ فعل الأمر يجبُ قطعُ همزته إذا سُمِّيَ به نحو: اسْرُب؛ لأنَّهُ ليس لنا من الأسماءِ ما همزته للوصل إلاَّ أسماءٌ عشرة، ونوع الانطلاق من كل مصدر زاد على الخمسة وهو قليلٌ، فالإلحاقُ بالكثير أولَى، وأمَّا كَسْرُ الميم فلأنَّ التغيير يُؤنِسُ بالتَّغيير وكذلك الجوابُ عن تأنيثه بالتَّاءِ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193)}.
المعبودُ هو القادر على هداية داعيه، وعِلْمُ العبد بقدرة معبوده يوجِبُ تَبَرِّيه عن حوْله وقوته، وإفراد الحق سبحانه بالقدرة على قضاء حاجته، وإزالة ضرورته فتتقاصر عن قصْدِ الخلْق خطاه، وتنقطع آماله عن غير مولاه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (194):

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان اتباع من يدعي أنه أعقل الناس وأبعدهم عن النقائص وأعرقهم في معالي الأخلاق وأرفعهم عن سفسافها لمن هذا سبيله أخزى الخزي وأقبح العار، وكانوا مع العلم بهذا الذي وصفت به- معبوداتهم يفعلون في الإشراك بهم وفي خوفهم ورجائهم ما هو عين الجهل؛ كرر تبكيتهم باتباعهم في أسلوب آخر أوضح مما قبله في تبيين النقائص والتنبيه على المعايب ملجىء إلى الاعتراف أو التصريح بالعناد أو الجنون فقال مؤكدًا: {إن الذين تدعون} أي أيها المشركون دعاء عبادة ملازمين لذلك، أو أنه أطلق الدعاء على العبادة إشارة إلى أنه لا تصح عبادة من ليس فيه قابيلة أن يدعى، والحاصل أن الدعاء يلازم المعبود.
ولما كان دعاؤهم لهم إنما هو على سبيل الإشراك، قال مشيرًا إلى سفول رتبتهم بإثبات الجار: {من دون الله} أي الذي له صفات الكمال والعظمه والجلال {عباد أمثالكم} أي في العجز عن كل شيء لاسيما عما وقع به التحدي من معارضة القرآن وغيرها، وأنتم تزيدون عليها بالحياة والعقل، والمعبود لا يصح أن يكون مثل العابد فكيف إذا كان دونه؛ ولما كانوا لا يسلمون أنهم أمثالهم، سبب عن ذلك أمرهم بدعائهم لبيان دعوى المثلية بل الدونية فقال: {فادعوهم} أي إلى شيء من الأشياء.
ولما كان الإله الحق يجيب وليه عند التحدي من غير تخلف، أشار إلى ذلك بالربط بالفاء فقال: {فليستجيبوا لكم} أي يوجدوا لكم إجابة بينة في الإتيان بسورة تماثل شيئًا من القرآن وفي شيء من المنافع.
ولما كان المقام محتاجًا إلى مزيد توبيخ وإلهاب، قدم منه ما رأيت، ثم زاد في الإلهاب فقال: {إن كنتم} أي جبلة وطبعًا {صادقين} أي في دعوى أنهم آلهة، فإن رتبة الإله تقتضي ذلك، وقرأ سعيد بن جبير {إن} خفيفة و{عبادًا أمثالكم} بنصب الدال واللام، واتفق المفسرون على تخريجها على أن {إن} هي النافية أعملت عما ما الحجازية، فرفعت الاسم ونصبت الخبر، وإعمالها هذا العمل فيه خلاف، أجازه الكسائي وأكثر الكوفيين، ومن البصريين ابن السراج والفارسي وابن جني، ومنع منه الفراء وأكثر البصريين، واختلف النقل عن سيبويه والمبرد، والصيحح أن إعمالها لغة ثبت ذلك في النظم والنثر- ذكر ذلك كله أبو حيان وذكر أنه أشبع الكلام فيه في شرح التسهيل، واعترض على هذا التخريج بأنه يلزم منه منافاتها للقراءة المشهورة، وإنما يسلم له ذلك لو توارد النفي والإثبات على شيء واحد، وليس الأمر هنا كذلك، فالإثبات لمماثلتها لهم في مطلق العجز، والنفي لمساواتها لهم فيه لزيادتهم عنها بالبطش ونحوه، أو يكون الأمر- كما قال الزمخشري- أن الإثبات على سبيل التنزل والنفي على الحقيقة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم أكد الله بيان أنها لا تصلح للإلهية، فقال: {إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ}.
وفيه سؤال: وهو أنه كيف يحسن وصفها بأنها عباد مع أنها جمادات؟ وجوابه من وجوه: الأول: أن المشركين لما ادعوا أنها تضر وتنفع، وجب أن يعتقدوا فيها كونها عاقلة فاهمة، فلا جرم وردت هذه الألفاظ على وفق معتقداتهم، ولذلك قال: {فادعوهم فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} ولم يقل فادعوهم فليستجبن لكم وقال: {إِنَّ الذين} ولم يقل التي.
والجواب الثاني: أن هذا اللغو أورد في معرض الاستهزاء بهم أي قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء، فإن ثبت ذلك فهم عباد أمثالكم ولا فضل لهم عليكم، فلم جعلتم أنفسكم عبيدًا وجعلتموها آلهة وأربابًا؟ ثم أبطل أن يكونوا عبادًا أمثالكم.
فقال: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا} [الأعراف: 195] ثم أكد هذا البيان بقوله: {فادعوهم فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} ومعنى هذا الدعاء طلب المنافع وكشف المضار من جهتهم واللام في قوله: {فَلْيَسْتَجِيبُواْ} لام الأمر على معنى التعجيز والمعنى أنه لما ظهر لكل عاقل أنها لا تقدر على الإجابة ظهر أنها لا تصلح للمعبودية، ونظيره قول إبراهيم عليه السلام لأبيه: {لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئًا} [مريم: 42] وقوله: {إِن كُنتُمْ صادقين} أي في ادعاء أنها آلهة ومستحقة للعبادة، ولما ثبت بهذه الدلائل الثلاثة اليقينية أنها لا تصلح للمعبودية، وجب على العاقل أن لا يلتفت إليها، وأن لا يشتغل إلا بعباده الإله القادر العالم الحي الحكيم الضار النافع. اهـ.

.قال الجصاص:

قَوْله تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ}.
عَنَى بِالدُّعَاءِ الْأَوَّلِ تَسْمِيَتَهُمْ الْأَصْنَامَ آلِهَةً، وَالدُّعَاءِ الثَّانِي طَلَبَ الْمَنَافِعِ وَكَشْفَ الْمَضَارِّ مِنْ جِهَتِهِمْ، وَذَلِكَ مَيْئُوسٌ مِنْهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} قِيلَ: إنَّمَا سَمَّاهَا عِبَادًا لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ تَوَهَّمُوا أَنَّهَا تَضُرُّ وَتَنْفَعُ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ حُكْمِ الْعِبَادِ الْمَخْلُوقِينَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: {إنَّ الَّذِينَ يَدْعُونَ هَذِهِ الْأَوْثَانَ مَخْلُوقَةٌ أَمْثَالُكُمْ}. اهـ.

.قال ابن عطية:

{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ}.
قرأ جمهور الناس {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} بتثقيل {إنّ} ورفع {عبادٌ} وهي مخاطبة للكفار في تحقير شأن أصنامهم عندهم أي إن هذه الأصنام مخلوقة محدثة، إذ هي أجسام وأجرام فهي متعبدة أي متملكة، وقال مقاتل، إن المراد بهذه الآية طائفة من العرب من خزاعة كانت تعبد الملائكة فأعلمهم الله أنهم عباد أمثالهم لا آلهة، وقرأ سعيد بن جبير {إن الذين تدعون من دون الله عبادًا أمثالكم} بتخفيف النون من {إنْ} على أن تكون بمعنى ما وبنصب قوله: {عبادًا وأمثالكم}، والمعنى بهذه القراءة تحقير شأن الأصنام ونفي مماثلتهم للبشر، بل هم أقل وأحقر إذ هي جمادات لا تفهم ولا تعقل، وسيبويه يرى أن إن إذا كانت بمعنى ما فإنها تضعف عن رتبة ما فيبقى الخبر مرفوعًا وتكون هي داخلة على الابتداء والخبر لا ينصبه، فكان الوجه عنده في هذه القراءة {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} وأبو العباس المبرد يجيز أن تعمل عمل ما في نصب الخبر، وزعم الكسائي أن إن بمعنى ما لا تجيء إلا وبعدها إلا كقوله تعالى: {إن الكافرون إلا في غرور} [الملك: 20] ثم بين تعالى الحجة بقوله: {فادعوهم} أي فاختبروا فإن لم يستجيبوا فهم كما وصفنا. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إن الذين تدعون من دون الله} يعني الأصنام {عبادٌ أمثالكم} في أنهم مسخَّرون مذلَّلون لأمر الله.
وإنما قال: {عباد} وقال: {فادعوهم}، وإن كانت الأصنام جمادًا، لما بيَّنا عند قوله: {وهم يُخلقون}.
قوله تعالى: {فليستجيبوا لكم} أي: فليجيبوكم {إن كنتم صادقين} أنَّ لكم عندهم نفعًا وثوابًا. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} حاجّهم في عبادة الأصنام {تَدْعُونَ} تعبدون.
وقيل: تدعونها آلهة.
{مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي من غير الله.
وسميت الأوثان عِبادًا لأنها مملوكة لله مسخّرة.
الحسن: المعنى أن الأصنام مخلوقة أمثالكم.
ولما اعتقد المشركون أن الأصنام تضر وتنفع أجراها مجرى الناس فقال: {فادعوهم} ولم يقل فادعوهن.
وقال: {عِبَادٌ}، وقال: {إنَّ الّذِينَ} ولم يقل إنّ الَّتي.
ومعنى {فادعوهم} أي فاطلبوا منهم النفع والضر.
{فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أن عبادة الأصنام تنفع.
وقال ابن عباس: معنى فادعوهم فاعبدوهم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} يعني أن الأصنام التي يعبدها هؤلاء المشركون إنما هي مملوكة لله أمثالهم وقيل إنها مسخرة مذللة مثل ما أنتم مسخرون مذللون قال مقاتل في قوله سبحانه وتعالى: {عباد أمثالكم} أنها الملائكة والخطاب مع قوم كانوا يعبدون الملائكة والقول الأول أصح وفيه سؤال وهو أنه وصفها بأنها عباد مع أنها جماد.
والجواب أن المشركين لما ادعوا أن الأصنام تضر وتنفع وجب أن يعتقدوا كونها عاقلة فاهمة فوردت هذه الألفاظ على وفق معتقدهم تبكيتًا لهم وتوبيخًا ولذلك قال: {فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين} في كونها آلهة وجواب آخر وهو أن هذا اللفظ إنما ورد في معرض الاستهزاء بالمشركين والمعنى أن قصارى هذه الأصنام التي تعبدونها أحياء عاقلة على معقتدكم فهم عباد الله أمثالكم ولا فضل لهم عليكم فلما عبدتموهم وجعلتموهم آلهة وجعلتم أنفسكم لهم عبيدًا ثم وصفهم بالعجز. اهـ.