فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {إن وليي الله} الآية، أحالهم على الاستنجاد بآلهتهم في ضره وأراهم أن الله هو القادر على كل شيء لا تلك، عقب ذلك بالإسناد إلى الله والتوكل عليه بأنه وليه وناصره، وقرأ جمهور الناس والقرأة {إن وليِّيَ الله} بياء مكسورة مشددة وأخرى مفتوحة، وقرأ أبو عمرو فيما روي عنه {إن وليّ اللَّهُ} بياء واحدة مشددة ورفع الله، وقال أبو علي لا تخلو هذه القراءة من أن تدغم الياء التي هي لام الفعل في ياء الإضافة أو تحذف الياء التي هي لام الفعل وتدغم ياء فعيل في ياء الإضافة، ولا يجوز أن تدغم الياء التي هي لام الفعل في ياء الإضافة لأنه إذا فعل ذلك انفك الإدغام الأول، فليس إلا أنه حذف لام الفعل وأدغم ياء فعيل في ياء الإضافة، وقرأ ابن مسعود {الذي نزل الكتاب بالحق وهو يتولى الصالحين}، وقرأ الجحدري فيما ذكر أبو عمرو الداني {أن ولي إله} على الإضافة وفسر ذلك بأن المراد جبريل صلى الله عليه وسلم، ذكر القراءة غير منسوبة أبو حاتم وضعفها وإن كانت الفاظ هذه الآية تلائم هذا المعنى وتصلح له، فإن ما قبلها وما بعدها يدافع ذلك. اهـ.

.قال القرطبي:

{إِنَّ وَلِيِّيَ الله الذي نَزَّلَ الكتاب} أي الذي يتولَّى نصري وحفظي اللَّهُ.
وولِيُّ الشيءِ: الذي يحفظه ويمنع عنه الضرر.
والكتاب: القرآن.
{وَهُوَ يَتَوَلَّى الصالحين} أي يحفظهم.
وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهارًا غير سر يقول: «ألا إنّ آل أبي يعني فلانًا ليسوا لي بأولياء إنما وَلِيِّي اللَّهُ وصالح المؤمنين» وقال الأخفش: وقرئ {إنّ ولِيِّ اللَّهِ الذي نزّل الكتابَ} يعني جبريل.
النحاس: هي قراءة عاصم الجَحْدَرِيّ.
والقراءة الأُولى أبْيَن؛ لقوله: {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصالحين}. اهـ.

.قال الخازن:

{إن وليي الله} يعني أن الذي يتولى حفظي وينصرني عليكم هو الله: {الذي نزل الكتاب} يعني القرآن، المعنى كما أيدني بإنزال القرآن علي كذلك يتولى حفظي وينصرني {وهو يتولى الصالحين} يعني يتولاهم بنصره وحفظه فلا تضرهم عداوة من عاداهم من المشركين وغيرهم ممن أرادهم بسوء أو كادهم بشر.
قال ابن عباس: يريد بالصالحين الذين لا يعدلون بالله شيئًا ولا يعصونه وفي هذا مدح للصالحين لأن من تولاه الله يحفظه فلا يضره شيء. اهـ.

.قال أبو حيان:

{إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين}.
لما أحالهم على الاستنجاد بآلهتهم في ضره وأراهم أنّ الله هو القادر على كل شيء عقب ذلك بالاستناد إلى الله تعالى والتوكل عليه والإعلام أنه تعالى هو ناصره عليهم وبين جهة نصره عليهم بأن أوحى إليه كتابه وأعزّه برسالته ثم أنه تعالى: {يتولى الصالحين} من عباده وينصرهم على أعدائه ولا يخذلهم، وقرأ الجمهور {أن وليي الله} بياء مشدّدة وهي ياء فعيل أدغمت في لام الكلمة وبياء المتكلم بعدها مفتوحة، وقرأ أبو عمرو في رواية عنه بياء واحدة مشددة مفتوحة ورفع الجلالة، قال أبو علي لا يخلو من أن يدغم الياء التي هي لام الفعل في ياء الإضافة وهو لا يجوز لأنه ينفك الإدغام الأول أو تدغم ياء فعيل في ياء الإضافة، ويحذف لام الفعل فليس إلا هذا انتهى ويمكن تخريج هذه القراءة على وجه آخر وهو أن لا يكون ولي مضافًا إلى ياء متكلم بل هو اسم نكرة اسم {إنّ} والخبر {الله} وحذف من وليّ التنوين لالتقاء الساكنين كما حذف من قوله: {قل هو الله أحد} وقوله: {ولا ذاكر الله إلا قليلًا} والتقدير أنّ وليًّا حقّ وليّ الله الذي نزل الكتاب وجعل اسم {إنّ} نكرة والخبر معرفة في فصيح الكلام.
قال الشاعر:
وإن حرامًا أن أسب مجاشعًا ** بآبائي الشمّ الكرام الخضارم

وهذا توجيه لهذه القراءة سهل واختلف النقل عن الجحدري فنقل عنه صاحب كتاب اللوامح في شواذ القراءات إن وليّ بياء مكسورة مشدّدة وحذفت ياء المتكلم لما سكنت التقى ساكنان فحذفت، كما تقول: إن صاحبي الرجل الذي تعلم، ونقل عنه أبو عمرو الداني أنّ ولي الله بياء واحدة منصوبة مضافة إلى الله وذكرها الأخفش وأبو حاتم غير منصوبة وضعفها أبو حاتم وخرّج الأخفش وغيره هذه القراءة على أن يكون المراد جبريل، قال الأخفش: فيصير {الذي نزل الكتاب} من صفة جبريل بدلالة {قل نزله روح القدس}، وفي قراءة العامة من صفة الله تعالى انتهى، يعني أن يكون خبر {إن} هو قوله: {الذي نزل الكتاب}، قال الأخفش: فأما و{هو يتولى الصالحين} فلا يكون إلا من الإخبار عن الله تعالى وتفسير هذه القراءة بأن المراد بها جبريل وإن احتملها لفظ الآية لا يناسب ما قبل هذه الآية ولا ما بعدها ويحتمل وجهين من الإعراب ولا يكون المعنى جبريل أحدهما أن يكون {وليّ الله} اسم {إنّ} والذي نزل الكتاب هو الخبر على تقدير حذف الضمير العائد على الموصول، والموصول هو النبي صلى الله عليه وسلم، والتقدير أنّ ولي الله الشخص الذي نزل الكتاب عليه فحذف عليه وإن لم يكن فيه شرط جواز الحذف المقيس لكنه قد جاء نظيره في كلام العرب.
قال الشاعر:
وإن لساني شهدة يشتفى بها ** وهو على من صبه الله علقم

التقدير وهو على من صبه الله عليه علقم.
وقال الآخر:
فأصبح من أسماء قيس كقابض ** على الماء لا يدري بما هو قابض

التقدير بما هو قابض عليه، وقال الآخر:
لعلّ الذي أصعدتني أن يردني ** إلى الأرض إن لم يقدر الخير قادره

يريد أصعدتني به.
وقال الآخر:
فأبلغن خالد بن نضله ** والمرء معنى بلوم من يثق

يريد يثق به.
وقال الآخر:
ومن حسد يجور عليّ قومي ** وأي الدّهر ذر لم يحسدوني

يريد لم يحسدوني فيه.
وقال الآخر:
فقلت لها لا والذي حج حاتم ** أخونك عهدًا إنني غير خوّان

قالوا يريد حج حاتم إليه فهذه نظائر من كلام العرب يمكن حمل هذه القراءة الشاذة عليها، والوجه الثاني أن يكون خبر إن محذوفًا لدلالة ما بعده عليه التقدير {إن وليّ الله الذي نزل الكتاب} من هو صالح أو الصالح، وحذف لدلالة و{هو يتولى الصالحين} عليه وحذف خبر إن وأخواتها لفهم المعنى جائز ومنه قوله تعالى: {إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز} الآية وقوله: {إن الذين كفروا ويصدّون عن سبيل الله والمسجد الحرام} الآية وسيأتي تقدير حذف الخبر فيهما إن شاء الله. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِنَّ وَلِيّىَ الله الذي نَزَّلَ الكتاب}.
تعليلٌ لعدم المبالاةِ المنفهمِ من السَّوْق انفهامًا جليًا، ووصفُه تعالى بتنزيل الكتابِ للإشعار بدليل الولايةِ والإشارةِ إلى علة أخرى لعدم المبالاةِ كأنه قيل: لا أبالي بكم وبشركائكم لأن وليّيَ هو الله الذي أنزل الكتابَ الناطقَ بأنه وليِّي وناصري وبأن شركاءَكم لا يستطيعون نصرَ أنفسِهم فضلًا عن نصركم، وقوله تعالى: {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصالحين} تذييلٌ مقرِّرٌ لمضمون ما قبله أي ومن عادته أن يتولى الصالحين من عباده وينصُرَهم ولا يخذُلَهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ}.
تعليل لعدم المبالاة المنفهم من السوق انفهامًا جليًا، وأل في الكتاب للعهد والمراد منه القرآن، ووصفه سبحانه بتنزيل الكتاب للإشعار بدليل الولاية، وكأنه وضع نزل الكتاب موضع أرسلني رسولًا ولا شك أن الإرسال يقتضي الولاية والنصرة، وقيل: إن في ذلك إشارة إلى علة أخرى لعدم المبالاة كأنه قيل: لا أبالي بكم وبشركائكم لأن وليي هو الله تعالى الذي نزل الكتاب الناطق بأنه وليي وناصري وبأن شركاءكم لا يستطيعون نصر أنفسهم فضلًا عن نصركم، وقوله سبحانه وتعالى: {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصالحين} تذييل مقرر لمضمون ما قبله، أي ومن عادته جل شأنه أن ينصر الصالحين من عباده ولا يخذلهم وقال الطيبي: إنما خص اسم الذات بتنزيل الكتاب وجعلت الآية تعليلًا للدلالة على تفخيم أمر المنزل وأنه الفارق بين الحق والباطل وأنه المجلي لظلمات الشرك والمفحم لألسن أرباب البيان والمعجز الباقي في كل أوان وهو النور المبين والحبل المتين وبه أصلح الله تعالى شؤون رسوله صلى الله عليه وسلم حيث كمل به خلقه وأقام به أوده وأفسد به الأباطيل المعطلة، ومن ثم جيء بقوله سبحانه وتعالى: {وَهُوَ} إلخ كالتذييل والتقرير لما سبق والتعريض بمن فقد الصلاح بالخذلان والمحق، والمعنى إن وليي الذي نزل الكتاب المشهور الذي تعرفون حقيقته ومثله يتولى الصالحين وبخذل غيرهم، ولا يخفى أن ما ذكر أولًا في أمر الوصفية أنسب بالمقام وأمر التذييل مما لا مرية فيه، وهذه الآية مماجربت المداومة عليها للحفظ من الأعداء وكانت ورد الوالد عليه الرحمة في الأسحار وقد أمره بذلك بعض الأكابر في المنام، والجمهور على تشديد الياء الأولى من {وَلِيُّ} وفتح الثانية ويقرأ بحذفها في اللفظ لسكونها وسكون ما بعدها، وبفتح الأولى ولا ياء بعدها وحذف الثانية من اللفظ تخفيفًا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)}.
هذا من المأمور بقوله، وفصلت هذه الجملة عن جملة {ادعوا شركاءكم} [الأعراف: 195] لوقوعها موقع العلة لمضمون التحدي في قوله: {ادعوا شركاءكم} [الأعراف: 195] الآية الذي هو تحقق عجزهم عن كيده، فهذا تعليل لعدم الاكتراث بتألبهم عليه واستنصارهم بشركائهم، ولثقته بأنه منتصر عليهم بما دل عليه الأمر والنهي التعجيزيان.
والتأكيد لرد الإنكار.
والولي الناصر والكافي، وقد تقدم عند قوله تعالى: {قل أغير الله أتخذ وليًا} [الأنعام: 14].
وإجراء الصفة لاسم الله بالموصولية لما تدل عليه الصلة من علاقات الولاية، فإن إنزال الكتاب عليه وهو أميٌّ دليل اصطفائه وتوليه.
والتعريف في الكتاب للعهد، أي الكتاب الذي عهدتموه وسمعتموه وعجزتم عن معارضته وهو القرآن، أي المقدار الذي نزل منه إلى حد نزول هذه الآية.
وجملة: {وهو يتولى الصالحين} معترضة والواو اعتراضيه.
ومجيء المسند فعلًا مضارعًا لقصد الدلالة على استمرار هذا التولي وتجدده وأنه سنّة إلهية، فكما تولى النبي يتولى المؤمنين أيضًا، وهذه بشارة للمسلمين المستقيمين على صراط نبيهم صلى الله عليه وسلم بأن ينصرهم الله كما نصر نبيه وأولياءهُ.
والصالحون هم الذين صلحت أنفسهم بالإيمان والعمل الصالح. اهـ.

.قال الشعراوي:

{إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)}.
وما دام الوليّ هو الله، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يبالي بهم، والولي هو الذي يليك، وأنت لا تجعل أحدًا يليك إلا أقربهم إلى نفسك، وإلى قلبك، ولا يكون أقربهم إلى نفسك وإلى قلبك، إلا إذا آنست منه نفعًا فوق نفعك، وقوة فوق قوتك، وعلمًا فوق علمك، وقول الرسول بأمره سبحانه وتعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ الله...} أي أنه ناصري على أي كيد يحاول معسكر الشرك أن يصنعه أو يبيته لي. فالله هو ولي الرسول أي ناصره، والقريب منه بصفات الكمال والجلال التي تخصه سبحانه وتعالى، وعندما يكون لمؤمن خصلة ضعف فهو يذهب لمن عنده خصلة قوة، ولذلك قلنا في قصة موسى عليه السلام حين التفت قومه ووجدوا قوم فرعون فقالوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} أي أن جيش فرعون سيدركهم، لأن البحر أمامهم والعدو وراءهم. وليس أمامهم فسحة أمامية للهرب ولا منفذ لهم إلا أن يصمدوا أمام جيش فرعون وهم بلا قوة ولم يكذبهم موسى عليه السلام في قولهم. بل قال لهم يطمئنهم: {كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62].