فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ} إن الشرطية داخلة على جملة لم تفعلوا وتفعلوا مجزوم بلم، كما تدخل إن الشرطية على فعل منفي بلا نحو: {إِلاَّ تَفْعَلُوهُ} [الأنفال: 73]، فيكون لم تفعلوا في محل جزم بها.
وقوله: {فاتقوا} جواب الشَّرط، ويكون قوله: {وَلَن تَفْعَلُواْ} جملة معترضة بين الشرط وجزائه.
وقال جماعة من المفسّرين: معنى الآية: وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين، ولن تفعلوا فإن لم تفعلوا فاتقوا النَّار، وفيه نظر لا يخفى، وإنما قال تعالى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ} فعبر بالفعل عن الإتيان؛ لأن الفعل يجري مجرى الكناية، فيعبر به عن كل فعل، ويغني عن طول ما تكنى به.
وقال الزمخشري: لو لم يعدل من لفظ الإتيان إلى لفظ الفعل، لاسْتُطِيعَ أن يقال: فإن لم تأتوا بسورة من مثله، ولن تأتوا بسورة من مثله.
قال أبو حيان: ولا يلزم ما قال؛ لأنه لو قال: {فإن لم تأتوا ولن تأتوا} كان المعنى على ما ذكر، ويكون قد حذف ذلك اختصارًا، كما حذف اختصارًا مفعول لم تفعلوا، ولن تفعلوا ألا ترى أن التقدير: فإن لم تفعلوا الإتيان بسورة من مثله، ولن تفعلوا الإتيان بسورة من مثله؟
فإن قيل: كيف دخلت إن على لم ولا يدخل عامل على عامل؟
فالجواب: أنَّ إن هاهنا غير عاملة في اللفظ، ودخلت على لم كما تدخل على الماضي، لأنها لا تعمل في لم كما لم تعمل في الماضي، فمعنى إن لم تفعلوا إن تركتم الفعل.
و{لَنْ} حرف نصف معناه نفي المستقبل، ويختص بصيغة المضارع كلم ولا يقتضي نفيُهُ التَّأبيدَ، وليس أقلَّ مدة من نفي لا، ولا نونُه بدلًا من ألف لا، ولا هو مركَّبًا من لاَ أَنْ؛ خلافًا للخليل، وزعم قومٌ أنها قد تجزم، منهم أبو عُبَيْدَة؛ وأنشدوا: الخفيف.
لَنْ يَخِبِ الآنَ مِنْ رَجَائِكَ مَنْ حَرْ ** رَكَ مشنْ دُونِ بَابِكَ الحَلْقَهْ

وقال النابغة: البسيط:
فَلَنْ أُعْرِّضْ أَبَيْتَ اللَّعْنَ بِالصَّفَدِ

ويمكن تأويل ذلك بأنه مما سُكِّن فيه للضَّرورة.
قوله تعالى: {فاتقوا النار} هذا جواب الشرط كما تقدم، والكثير في لغة العرب: اتَّقَى يَتَّقِي على افْتَعَلَ يَفْتَعِلُ، ولغى تميم وأسد تَقَى يَتْقِي: مثل: رَمَى يَرْمِي، فيسكنون ما بعد حرف المضارعة؛ حكى هذه اللغة سيبويه، ومنهم من يحرك ما بعد حرف المضارعة؛ وأنشدوا: الوافر:
تَقُوهُ أَيُّهَا الفِتْيَانُ إنِّي ** رَأَيْتُ اللهَ قَدْ غَلَبَ الجُدُودَا

وقال آخر: الطويل:
تَقِ اللهَ فِينَا وَالكِتَابَ الَّذِي تَتْلُو

قوله تعالى: {النار} مفعول به، و{الَّتي} صفتها، وفيها أربعُ اللغات المتقدِّمة، كقوله: الكامل:
شُغِفَتْ بِكَ اللَّتْ تَيَّمَتْكَ فَمِثْلُ مَا ** بِكَ مَا بِهَا مِنْ لَوعَةٍ وَغَرَامِ

وقال آخر: الوافر:
فَقُلْ لِلَّتْ تَلُومُكَ إنَّ نَفْسِي ** أَرَاهَا لا تُعَوَّذُ بَالتَّمِيمِ

و{وقودها النَّاس والحجارة} جملة من مبتدأ وخبر، صلة وعائد، والألف واللام في {النار} للعهد.
فإن قيل: الصِّلة مقررة، فيجب أن تكون معلومةً فكيف علم أولئك أن نار الآخرة توقد بالناس والحجارة؟
والجواب: لا يمتنع أن يتقدّم لهم بهذه الصّلة معهودة عند السامع بدليل قوله تعالى: {فأوحى إلى عَبْدِهِ مَا أوحى} [النجم: 10] وقوله: {إِذْ يغشى السدرة مَا يغشى} [النجم: 16] وقوله: {فَغَشَّاهَا مَا غشى} [النجم: 54] وقال: {فَغَشِيَهُمْ مِّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ} [طه: 78] إلا أنه خلاف المشهور أو لتقدم ذكرها في سورة التحريم- وهي مدينة بالاتفاق- وقد غلط الزمخشري في ذلك.
والمشهور فتح واو الوقود، وهو اسم ما يوقد به.
وقيل: هو مصدر كالوَلوع والقَبُول والوَضُوء والطَّهُور، ولم يجيء مصدر على فَعُول غير هذه الألفاظ فيما حكاه سيبويه.
وزاد الكسائي: الوَزُوع.
وقرئ شإذا في سورة ق: {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} [ق: 38] فتصير سبعة، وهناك ذكرت هذه القراءة، ولكن المشهور أن الوَقُود والوَضُوء والطَّهُور بالفتح اسم، وبالضم مصدر.
وقرأ عيسى بن عمر بفتحها وهو مصدر.
وقال ابن عطية: وقد حكيا في المصدر. انتهى.
فإن أريد اسم ما يوقد به فلا حاجة إلى تأويل، وإن أريد بهما المصدر فلابد من تأويل، وهو إما المُبَالغة أي: جُعِلُوا نفس التوقد مبالغة في وضعهم بالعذاب، وإمَّا حذف مضاف، إمّا من الأول أي أصحاب توقدها، وإمّا من الثاني أي: يوقدها إحراق الناس، ثم حذف المُضَاف، وأقيم المضاف إليه مُقَامه.
والهاء في {الحِجَارة} لتأنيث الجمع.
فَصْلٌ في تثنية الَّتي وجَمْعِهِ:
وفي تثنية {الّتي} بحذف النون، واللَّتانّ بتشديد النون، وفي جمعها خَمْسُ لُغَاتٍ: اللاَّتي- وهي لغة القرآن- واللاَّتِ- بكسر التاء بلا ياء- واللَّوَاتي، واللَّوَاتِ- بلا ياء، وأنشد أبو عُبَيْدة: الرجز:
مِنَ اللَّوَاتِي وَالَّتِي وَاللاَّتِ ** زَعَمْنَ أَنِّي قَدْ كَبِرْتُ لِدَاتي

واللَّوَاءِ بإسقاط التاء حكاه الجوهريُّ.
وزاد ابن الشَّجَرِيَّ: اللاَّئي بالهمز وإثبات الياء، واللاءِ بكسر الهمزة وحذف الياء واللاّ بحذف الهمزة، فإن جمعت الجمع، قلتَ في اللاتي: اللواتي وفي اللائي: اللوائي.
قال الجوهريُّ: وتصغير الَّتي، اللَّتَيَّا بالفتح والتشديد، قال الراجز: الرجز:
بَعْدَ اللَّتَيَّا واللَّتَيَّا وَالَّتِي ** إذَا عَلَتْهَا أَنْفُسٌ تَرَدَّتِ

وبعض الشعراء أدخل على الَّتي حرْفَ النداء، وحروف النداء لا تدخلُ على ما فيه الألف واللام إلاَّ في قولنا: يَا أَللَّه وحده، فكأنه شبهها به؛ من حيث كانت الألفُ واللاَّمُ غير مفارقتين لها، وقال: الوافر:
مِنْ أجْلِكِ يَا الَّتي تَيَّمْتِ قَلْبِي ** وَأَنْتِ بَخِيلَةٌ بِالوُدِّ عَنِّي

ويقال: وقع فُلاَنٌ في اللَّتَيِّا وَالَّتي وهما اسمان من أسماء الداهِيَة.
قوله تعالى: {أُعِدَّتْ} فعلٌ لما لم يسمَّ فاعلُهُ، والقائم مقام الفاعل ضمير {النَّارِ} والتاء واجبةٌ، لأن الفعل أسند إلى ضمير المؤنَّث، ولا يلتفتُ إلى قوله: المتقارب:
فَلاَ مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا ** وَلاَ أَرْضَ أَبْقَلَ إبْقَالَهَا

لأنه ضرورة؛ خلافًا لابن كَيْسَان.
و{للكافرين} متعلّق به، ومعنى {أُعِدَّتْ} هُيِّئَتْ؛ قال: مجزوء الكامل.
أَعْدَدَتُ لِلْحَدَثَانِ سَا ** بِغَةً وَعَدَّاءً عَلَنْدَى

وقرئ: {أُعْتِدَتْ} من العَتَاد بمعنى العدة، وهذه الجملة الظاهر إنها لا محلّ لها، لكونها مستأنفة جوابًا لمن قال: لمن أعدت؟
وقال أبو البَقَاء: محلها النصب على الحال من {النار} والعامل فيها {اتقوا}.
قيل: وفيه نظر، فإنها معدة للكافرين اتقوا أم لم يتقوا، فتكون حالًا لازمة، لكن الأصل في الحال التي ليست للتوكيد أن تكون منتقلة، فالأولى أن تكون استئنافًا.
قال أبو البقاء: ولا يجوز أن تكون حالاص من الضمير في {وقودها} لثلاثة أشياء:
أحدها: إنها مضاف إليها.
الثاني: أن الحطب لا يعمل يعني أنه اسم جامد.
الثالث: الفصل بين المصدر أو ما يعمل عمله، وبين ما يعمل فيه الخبر وهو {الناس} يعني أن الوقود بالضم، وإن كان مصدرًا صالحًا للعمل، فلا يجوز ذلك أيضًا؛ لأنه عامل في الحال، وقد فصلت بينه وبينها بأجنبي، وهو {الناس} وقال السّجستاني: {أعدّت للكافرين} من صلة {التي} كقوله: {واتقوا النار التي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 131].
قال ابن الأنْبَاري: وهذا غلطًا؛ لأنا لا نسلم أن {وقودها الناس}- والحالة هذه- صلة، بل إما معترضة، لأن فيها تأكيدًا وإما حالًا، وهذان الوجهان لا يمنعهما معنى، ولا صناعة. اهـ.

.بحوث نفيسة في إعجاز القرآن:

قال صاحب الميزان رحمه الله ما نصه:
لا ريب في أن القرآن يتحدى بالإعجاز في آيات كثيرة مختلفة مكية ومدنية تدل جميعها على أن القرآن آية معجزة خارقة حتى أن الآية السابقة أعني قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله} [البقرة: 23] الآية، أي من مثل النبي صلى الله عليه وسلم استدلال على كون القرآن معجزة بالتحدي على إتيان سورة نظيرة سورة من مثل النبي صلى الله عليه وسلم لا أنه استدلال على النبوة مستقيمًا وبلا واسطة، والدليل عليه قوله تعالى في أولها: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا} ولم يقل وإن كنتم في ريب من رسالة عبدنا، فجميع التحديات الواقعة في القرآن نحو استدلال على كون القرآن معجزة خارقة من عند الله، والآيات المشتملة على التحدي مختلفة في العموم والخصوص ومن أعمها تحديًا قوله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا} [الإسراء: 88]، والآية مكية وفيها من عموم التحدي ما لا يرتاب فيه ذو مسكة.
فل وكان التحدي ببلاغة بيان القرآن وجزالة أسلوبه فقط لم يتعد التحدي قومًا خاصًا وهم العرب العرباء من الجاهلين والمخضرمين قبل اختلاط اللسان وفساده، وقد قرع بالآية أسماع الإنس والجن.
وكذا غير البلاغة والجزالة من كل صفة خاصة اشتمل عليها القرآن كالمعارف الحقيقية والأخلاق الفاضلة والأحكام التشريعية والأخبار المغيبة ومعارف أخرى لم يكشف البشر حين النزول عن وجهها النقاب إلى غير ذلك، كل واحد منها بما يعرفه بعض الثقلين دون جميعهم، فإطلاق التحدي على الثقلين ليس إلا في جميع ما يمكن فيه التفاضل في الصفات.
فالقرآن آية للبليغ في بلاغته وفصاحته، وللحكيم في حكمته، وللعالم في علمه، وللاجتماعي في اجتماعه، وللمقنين في تقنيهم وللسياسيين في سياستهم، وللحكام في حكومتهم ولجميع العالمين فيما لا ينالونه جميعًا، كالغيب والاختلاف في الحكم والعلم والبيان ومن هنا يظهر أن القرآن يدعي عموم إعجازه من جميع الجهات من حيث كون إعجاز الكل فرد من الإنس والجن من عامة أو خاصة أو عالم أو جاهل أو رجل أو امرأة أو فاضل بارع في فضله أو مفضول إذا كان ذا لب يشعر بالقول فإن الإنسان مفطور على الشعور بالفضيلة وإدراك الزيادة والنقيصة فيها، فلكل إنسان أن يتأمل ما يعرفه من الفضيلة في نفسه أو في غيره من أهله ثم يقيس ما أدركه منها إلى ما يشتمل عليه القرآن فيقضي بالحق والنصفة، فهل يتأتى للقوة البشرية أن تختلق معارف إلهية مبرهنة تقابل ما أتى به القرآن وتماثله في الحقيقة وهل يمكنها أن تأتي بأخلاق مبنية على أساس الحقائق تعادل ما أتى به القرآن في الصفاء والفضيلة؟ وهل يمكنها أن تشرع أحكامًا تامة فقهية تحصي جميع أعمال البشر من غير اختلاف يؤدي إلى التناقض مع حفظ روح التوحيد وكلمة التقوى في كل حكم ونتيجة، وسريان الطهارة في أصله وفرعه؟ وهل يمكن أن يصدر هذا الإحصاء العجيب والإتقان الغريب من رجل أمي لم يترب إلا في حجر قوم حظهم من الإنسانية على مزاياها التي لا تحصى وكمالاتها التي لا تغيا أن يرتزقوا بالغارات والغزوات ونهب الأموال وأن يئدوا البنات ويقتلوا الأولاد خشية إملاق ويفتخروا بالآباء وينكحوا الأمهات ويتباهوا بالفجور ويذموا العلم ويتظاهروا بالجهل وهم على أنفتهم وحميتهم الكاذبة أذلاء لكل مستذل وخطفة لكل خاطف فيومًا لليمن ويومًا للحبشة ويومًا للروم ويومًا للفرس؟ فهذا حال عرب الحجاز في الجاهلية.
وهل يجترئ عاقل على أن يأتي بكتاب يدعيه هدى للعالمين ثم يودعه أخبارًا في الغيب مما مضى ويستقبل وفيمن خلت من الأمم وفيمن سيقدم منهم لا بالواحد والاثنين في أبواب مختلفة من القصص والملاحم والمغيبات المستقبلة ثم لا يختلف شيء منها عن صراط الصدق وهل يتمكن إنسان وهو أحد أجزاء نشأة الطبيعة المادية، والدار التحول والتكامل، أن يداخل في كل شأن من شئون العالم الإنساني ويلقى إلى الدنيا معارف وعلومًا وقوانين وحكمًا ومواعظ وأمثالًا وقصصًا في كل ما دق وجل ثم لا يختلف حاله في شيء منها في الكمال والنقص وهي متدرجة الوجود متفرقة الإلقاء وفيها ما ظهر ثم تكرر وفيها فروع متفرعة على أصولها؟ هذا ما نراه أن كل إنسان يبقى من حيث كمال العمل ونقصه على حال واحدة.
فالإنسان اللبيب القادر على تعقل هذه المعاني لا يشك في أن هذه المزايا الكلية وغيرها مما يشتمل عليه القرآن الشريف كلها فوق القوة البشرية ووراء الوسائل الطبيعية المادية وإذا لم يقدر على ذلك فلم يضل في إنسانيته ولم ينس ما يحكم به وجدانه أنه الفطري أن يراجع فيما لا يحب اختياره ويجهل مأخذه إلى أهل الخبرة به. اهـ.

.التحدي بمن أنزل عليه القرآن:

وقد تحدى بالنبي الأمي الذي جاء بالقرآن المعجز في لفظه ومعناه، ولم يتعلم عند معلم ولم يترب عند مرب بقوله تعالى: {قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرًا من قبله أفلا تعقلون} [يونس: 16]، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بينهم وهو أحدهم لا يتسامى في فضل ولا ينطق بعلم حتى لم يأت بشيء من شعر أو نثر نحوًا من أربعين سنة وهو ثلثا عمره لا يجوز تقدمًا ولا يرد عظيمة من عظائم المعالي ثم أتى بما أتى به دفعة فأتى بما عجزت عنه فحولهم وكلت دونه ألسنة بلغائهم، ثم بثه في أقطار الأرض فلم يجترئ على معارضته معارض من عالم أو فاضل أو ذي لب وفطانة.
وغاية ما أخذوه عليه: أنه سافر إلى الشام للتجارة فتعلم هذه القصص ممن هناك من الرهبان ولم تكن أسفاره إلى الشام إلا مع عمه أبي طالب قبل بلوغه وإلا مع ميسرة مولى خديجة وسنه يومئذ خمسة وعشرون وهو مع من يلازمه في ليله ونهاره، ولو فرض محالًا ذلك فما هذه المعارف والعلوم؟ ومن أين هذه الحكم والحقائق؟ وممن هذه البلاغة في البيان الذي خضعت له الرقاب وكلت دونه الألسن الفصاح؟
وما أخذوه عليه أنه كان يقف على قين بمكة من أهل الروم كان يعمل السيوف ويبيعهم فأنزل الله سبحانه: {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} [النحل: 103].
وما قالوا عليه أنه يتعلم بعض ما يتعلم من سلمان الفارسي وهو من علماء الفرس عالم بالمذهب والأديان مع أن سلمان إنما آمن به في المدينة، وقد نزل أكثر القرآن بمكة وفيها من جميع المعارف الكلية والقصص ما نزلت منها بمدينة بل أزيد، فما الذي زاده إيمان سلمان وصحابته؟
على أن من قرأ العهدين وتأمل ما فيهما ثم رجع إلى ما قصه القرآن من تواريخ الأنبياء السالفين وأممهم رأى أن التاريخ غير التاريخ والقصة، فقيهما عثرات وخطايا لأنبياء الله الصالحين تن والفطرة وتتنفر من أن تنسبها إلى المتعارف من صلحاء الناس وعقلائهم، والقرآن يبرئهم منها، وفيها أمور أخرى لا يتعلق بها معرفة حقيقية ولا فضيلة خلقية ولم يذكر القرآن منها إلا ما ينفع الناس في معارفهم وأخلاقهم وترك الباقي وهو الأكثر. اهـ.