فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان}.
قال مقاتل يعني: ولا يفتننكم فتنة في أمر أبي جهل {نَزْغٌ فاستعذ بالله} قال الكلبي: أي: وإما يصيبنك من الشيطان وسوسة فاستعذ بالله وقال الزجاج: النزع أدنى حركة.
ومعناه: إن أتاك من الشيطان أدنى وسوسة فاستعذ بالله: {إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يعني: سميع لدعائك بوسوسة الشيطان. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان} يعني يصيبنك ويفتننك ويغرنك ويعرض لك من الشيطان {نَزْغٌ} وأصله الولوع بالفساد والشر.
يقال نزغ عرقه إذا جُنَّ وهاج، وفيه لغتان: نزغ ونغز، يقال: إياك والنزاغ والنغاز وهم المورشون.
وقال الزجاج: النزغ أدنى حركة تكون من الإنسان ومن الشيطان أدنى وسوسة، وقال سعيد ابن المسيب: شهدت عثمان وعليًا وكان بينهما نزغ من الشيطان فما أبقى واحد منهما لصاحبه شيئًا ثمّ لم يبرحا حتّى استغفر كل واحد منهما لصاحبه {فاستعذ بالله} فاستجر بالله: {إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْعٌ}.
فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن النزغ الانزعاج.
والثاني: الغضب.
والثالث: الفتنة، قاله مقاتل.
{فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سميع بجهل من جهل، عليم بما يزيل عنك النزغ. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ}.
وصية من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم تعم أمته رجلًا رجلًا، والنزغ حركة فيها فساد، وقلَّما تستعمل إلا في فعل الشيطان لأن حركاته مسرعة مفسدة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح، لا ينزغ الشيطان في الغضب وتحسين المعاصي واكتساب الغوائل وغير ذلك»، وفي مصنف الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن للملك لمة وإن للشيطان لمة».
قال القاضي أبو محمد: وعن هاتين اللمتين هي الخواطر من الخير والشر، فالأخذ بالواجب هذه الآية يصلح مع الاستعاذة ويصلح أيضًا ما يقول فيه الكفار من الأقاويل فيغضبه الشيطان لذلك، وعليم كذلك وبهذه الآية تعلق ابن القاسم في قوله: إن الاستعاذة عند القراءة أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ}.
قال ابن زيد: لما نزلت: {خذ العفو} قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا رب كيف بالغضب؟ فنزلت هذه الآية.
فأما قوله: {وإما} فقد سبق بيانه في سورة البقرة في قوله: {فإِما يأتينكم مني هدى} [البقرة: 38]، وقال أبو عبيدة: ومجاز الكلام: وإما تستخفَّنَّك منه خفة وغضب وَعَجَلة.
وقال السدي: النزغ: الوسوسة وحديث النفس.
قال الزجاج: النزغ: أدنى حركة تكون، تقول: قد نزغته: إذا حركته.
وقد سبق معنى الاستعاذة. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)}.
فيه مسألتان:
الأولى لما نزل قوله تعالى: {خُذِ العفو} قال عليه السلام: «كيف يا رب والغضب»؟ فنزلت: {وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ} ونزغ الشيطان: وساوسه.
وفيه لغتان: نزغ ونغز، يقال: إياك والنُّزّاغ والنُّغّاز، وهم المُوَرِّشُون.
الزجاج: النَّزْغ أدنى حركة تكون، ومن الشيطان أدنى وَسْوَسَة.
قال سعيد بن المسيب: شهدت عثمان وعليًا وكان بينهما نَزْغٌ من الشيطان فما أبقى واحدٌ منهما لصاحبه شيئًا، ثم لم يَبْرَحَا حتى استغفر كل واحد منهما لصاحبه.
ومعنى {يَنَزَغَنَّكَ}: يصيبنّك ويعرض لك عند الغضب وسوسةٌ بما لا يحل.
{فاستعذ بالله} أي اطلب النجاة من ذلك بالله.
فأمر تعالى أن يدفع الوسوسة بالالتجاء إليه والاستعاذة به؛ ولله المثل الأعلى.
فلا يستعاذ من الكلاب إلاّ بربِّ الكلاب.
وقد حكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه: ما تصنع بالشيطان إذا سوّل لك الخطايا؟ قال: أجاهده.
قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده.
قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده.
قال: هذا يطول، أرأيت لو مررت بغنم فنبحك كلبها ومنعك من العبور ما تصنع؟ قال: أكابده وأردّه جهدي.
قال: هذا يطول عليك، ولكن استغث بصاحب الغنم يكفّه عنك.
الثانية النّغْزُ والنَّزْغ والهَمْز والوَسْوَسَة سواء؛ قال الله تعالى: {وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشياطين} [المؤمنون: 97] وقال: {مِن شَرِّ الوسواس الخناس} [الناس: 4].
وأصل النزغ الفساد؛ يقال: نَزَغ بيننا؛ أي أفسد.
ومنه قوله: {نَّزغَ الشيطان بَيْنِي وَبَيْنَ إخوتي} [يوسف: 100] أي أفسد.
وقيل: النزغ الإغواء والإغراء؛ والمعنى متقارب.
قلت: ونظير هذه الآية ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول له من خلق كذا وكذا حتى يقول له من خلق ربك فإذا بلغ فليستعذ بالله ولْيَنْتَهِ» وفيه عن عبد الله قال: سُئل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة قال: «تلك مَحْضُ الإيمان» وفي حديث أبي هريرة: «ذلك صَرِيح الإيمان» والصريح الخالص.
وهذا ليس على ظاهره؛ إذ لا يصح أن تكون الوسوسة نفسها هي الإيمان، لأن الإيمان اليقين، وإنما الإشارة إلى ما وجدوه من الخوف من الله تعالى أن يعاقبوا على ما وقع في أنفسهم.
فكأنّه قال جَزَعُكم من هذا هو محض الإيمان وخالصه؛ لصحة إيمانكم، وعلمكم بفسادها.
فسمَّى الوسوسة إيمانًا لما كان دفعها والإعراض عنها والردّ لها وعدم قبولها والجزعُ منها صادرًا عن الإيمان.
وأما أمره بالاستعاذة فلكون تلك الوساوس من آثار الشيطان.
وأما الأمر بالانتهاء فَعَن الركون إليها والإلتفات نحوها.
فمن كان صحيح الإيمان واستعمل ما أمره به ربه ونبيه ونفعه وانتفع به.
وأما من خالجته الشبهة وَغَلَب عليه الحِس ولم يقدر على الانفكاك عنها فلابد من مشافهته بالدليل العقليّ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم للذي خالطته شبهةُ الإبل الجُرْب حين قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا عَدْوَى» قال أعرابي: فما بال الإبل تكون في الرّمل كأنها الظباء فإذا دخل فيها البعير الأجرَب أجربها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «فمن أعدى الأوّل» فاستأصل الشبهة من أصلها.
فلما يئس الشيطان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بالإغراء والإضلال أخذ يشوش عليهم أوقاتهم بتلك الأَلْقيات.
والوساوسُ: التُّرَّهَات؛ فنفرت عنها قلوبهم وعظم عليهم وقوُعها عندهم فجاؤوا كما في الصحيح فقالوا: يا رسول الله، إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدُنا أن يتكلم به.
قال: «أوقد وجدتموه»؟ قالوا: نعم.
قال: «ذلك صريح الإيمان» رَغْمًا للشيطان حسب ما نطق به القرآن في قوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42].
فالخواطر التي ليست بمستقرّة ولا اجتلبتها الشبهةُ فهي التي تُدفَع بالإعراض عنها؛ وعلى مثلها يطلق اسم الوسوسة.
والله أعلم.
وقد مضى في آخر البقرة هذا المعنى، والحمد لله. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ}.
قال ابن زيد لما نزل قوله سبحانه وتعالى خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فكيف بالغضب يا رب» فأنزل الله: وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم.
ونزغ الشيطان عبارة عن وساوسه ونخسه في القلب.
وقيل النزغ الانزعاج وأكثر ما يكون عند الغضب وأصله الإزعاج بالحركة إلى الشر والإفساد.
يقال: نزغت بين القوم إذا أفسدت بينهم.
وقال الزجاج: النزغ أدنى حركة تكون ومن الشيطان أدنى وسوسة والمعنى وإما يصيبنك يا محمد ويعرض لك من الشيطان وسوسة أو نخسة {فاستعذ بالله} يعني فاستجر بالله والجأ إليه في دفعه عنك {إنه سميع} يعني لدعائك {عليم} بحالك وقيل إن الشيطان يجد مجالًا في حمل الإنسان على ما لا ينبغي في حالة الغضب والغيظ فأمر الله بالالتجاء إليه والتعوذ به في تلك الحالة فهي تجري مجرى العلاج لذلك المرض.
فصل:
واحتج الطاعنون في عصمة الأنبياء بهذه الآية، فقالوا: لو كان النبي معصومًا لم يكن للشيطان عليه سبيل حتى ينزغ في قلبه ويحتاج إلى الاستعاذة والجواب عنه من وجوه، الأول: أن معنى الكلام إن حصل في قلبك نزغ من الشيطان فاستعذ بالله وإنه لم يحصل له ذلك البتة فهو كقوله لئن أشركت وهو برئ من الشرك البتة.
والوجه الثاني: على تقدير أنه لو حصل وسوسة من الشيطان لكن الله عصم نبيه صلى الله عليه وسلم عن قبولها وثبوتها في قلبه م عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة» قالوا وإياك يا رسول الله قال: «وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير» قال الشيخ محيي الدين النووي يروى فأسلم بفتح الميم وضمها فمن رفع قال معناه فأسلم أنا من شره وفتنته ومن فتح قال معناه أن القرين أسلم من الإسلام يعني صار مؤمنًا لا يأمرني إلا بخير.
قال الخطابي: الصحيح المختار الرفع ورجح القاضي عياض الفتح قال الشيخ وهو المختار لقوله فلا يأمرني إلا بخير.
قال القاضي عياض: واعلم أن الأمة مجمعة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه وفي هذا الحديث إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه أعلمنا أنه معنا لنحترز عنه بحسب الإمكان والله أعلم.
الوجه الثالث: يحتمل أن يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره ومعناه وإما ينزغنك أيها الإنسان من الشيطان نزغ فاستعذ بالله فهو كقوله فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله. اهـ.