فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202)}.
إخوانُ الشيطانِ أربابُ دوام الغيبة؛ فهم في كمال الغفلة تدوم بهم الحجبة؛ فمنهم بالزَّلَّة مَنْ لم يُلِمْ، أَو أَلَّم ولكن لَم يُصِرّفهم خِياره، ومنهم مَنْ غَفَلَ واغترَّ، وعلى دوام العيبة أَصَرَّ- فهم المحجوبون قطعًا، والمُبْعَدُون- عن محلِّ القربِ- صدَّا وردَّا. اهـ.

.تفسير الآية رقم (203):

قوله تعالى: {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآَيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تقرر ما شرعه من التعفف وعدم التنطع والتكلف، وكان قد أخبر أن من عمههم تكلفهم السؤال عن الساعة، والشياطين لا يفترون عن إغوائهم، أخبره عن مطلق تكلفهم تعجبًا منهم وإشهادًا لتماديهم مع إغواء شياطينهم، وأمره صلى الله عليه وسلم بما يجيبهم به فقال عاطفًا على {يمدونهم}: {وإذا لم تأتهم بآية} أي على حسب اقتراحهم {قالوا لولا} أي هلا {اجتبيتها} والجبي: الجمع، والإجباء تركه، والاجتباء: الجد في الجمع، ويلزم منه الاصطفاء والاختبار، فمعنى اجتبيتها اجتلبتها، أي تكلفت من عند نفسك الإتيان بها مختاره.
ولما كان المقام داعيًا إلى السؤال في تعليم الجواب، أسعف ذلك بقوله: {قل} أي إذا قالوا ذلك {إنما أتبع} أي أتعمد وأتكلف اتباع {ما يوحي إليّ} أي يأتيني به الملك {من ربي} أي المحسن إليّ بتعليمي ما ينفعني، لا أني آتي بشيء من عند نفسي ولا أقترح على ربي.
ولما حصر حاله في اتباع الوحي كان كأنه قيل: ما هذا الذي يوحي إليك؟ فقال- ويجوز أن يكون تعليلًا لاتباعه لأنه كاف في إثبات نبوته مغنٍ عن الآيات المقترحه قاهر في وجوب اتباعه-: {هذا} مشيرًا إلى ما يوحى إليه تنبيهًا على أنه يجب أن يكون مستحضرًا في سائر الأذهان، حاضرًا بين عيني كل إنسان. أي أشياء هي- على حسب ما طلبتم- مجتباة، بل هي خيار الخيار، يكون بها نور القلب فيصير للعيون أيضًا بصر يقربه مما يحث الكتاب على نظره من الآيات المرئيات إلى علوم لم تكن لها قبل ذلك، وهي حجج بينة قاهرة على تصديقي وقبول كل ما جئت به، وسماه بذلك لأنه سبب لبصر العقول بدلائل التوحيد والنبوة والمعاد وجميع الشريعة أصولًا وفروعًا، فهو تسمية للسبب باسم المسبب، وعليّ مدحها بقولة: {من ربكم} أي الذي لم يقطع إحسانه عنكم أصلًا، فهو جدير بأن يتلقي ما أتى منه بكل جميل.
ولما كانت البصائر جمعًا، وكانت العادة جارية بأن مفردات الجمع تكون متفاوتة، أكدها بما يشير إلى أنها خارقة للعادة في أنها على حد سواء في أعلى طبقات الهداية فقال: {وهدى} أي بيان؛ ولما كان البيان قد لا يكون على وجه الإكرام، قال: {ورحمة} أي إكرام.
ولما كان من لا ينتفع بالشيء يصح أن ينفي عن الشيء النافع النفع بالنسبة إليه، قال: {لقوم يؤمنون} أي يوجدون هذه الحقيقة ويستمرون على تجديدها في كل وقت، وأما غيرهم فقد يكون عليهم عذابًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآَيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا}.
اعلم أنه تعالى: لما بين في الآية الأولى أن شياطين الجن والإنس لا يقصرون في الإغواء والإضلال بين في هذه الآية نوعًا من أنواع الإغواء والإضلال وهو أنهم كانوا يطلبون آيات معينة ومعجزات مخصوصة على سبيل التعنت كقوله: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعًا} [الإسراء: 90] ثم أعاد: أنه عليه الصلاة والسلام ما كان يأتيهم، فعند ذلك قالوا: {لَوْلاَ اجتبيتها} قال الفراء: تقول العرب اجتبيت الكلام واختلقته وارتجلته إذا افتعلته من قبل نفسك، والمعنى لولا تقولتها وافتعلتها وجئت بها من عند نفسك لأنهم كانوا يقولون: {إِنْ هذا إِلاَّ إِفْكٌ مفترى} [سبأ: 43] أو يقال هلا اقترحتها على إلهك ومعبودك إن كنت صادقًا في أن الله يقبل دعاءك ويجيب التماسك وعند هذا أمر رسوله أن يذكر الجواب الشافي، وهو قوله: {قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يوحى إِلَىَّ مِن رَّبِّى} ومعناه ليس لي أن أقترح على ربي في أمر من الأمور، وإنما أنتظر الوحي فكل شيء أكرمني به قلته، وإلا فالواجب السكوت وترك الاقتراح، ثم بين أن عدم الإتيان بتلك المعجزات التي اقترحها لا يقدح في الغرض، لأن ظهور القرآن على وفق دعواه معجزة بالغة باهرة، فإذا ظهرت هذه المعجزة الواحدة كانت كافية في تصحيح النبوة، فكان طلب الزيادة من باب التعنت، فذكر في وصف القرآن ألفاظًا ثلاثة: أولها: قوله: {هذا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ} أصل البصيرة الإبصار، ولما كان القرآن سببًا لبصائر العقول في دلائل التوحيد والنبوة والمعاد، أطلق عليه لفظ البصيرة، تسمية للسبب باسم المسبب.
وثانيها: قوله: {وَهُدىً} والفرق بين هذه المرتبة وما قبلها أن الناس في معارف التوحيد والنبوة والمعاد قسمان: أحدهما: الذين بلغوا في هذه المعارف إلى حيث صاروا كالمشاهدين لها وهم أصحاب عين اليقين.
والثاني: الذين ما بلغوا إلى ذلك الحد إلا أنهم وصلوا إلى درجات المستدلين: وهم أصحاب علم اليقين، فالقرآن في حق الأولين وهم السابقون بصائر، وفي حق القسم الثاني وهم المقتصدون هدى، وفي حق عامة المؤمنين رحمة، ولما كانت الفرق الثلاث من المؤمنين لا جرم قال: {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِئَايَةٍ}.
وذلك حين أبطأ عليه جبريل حين سألوه شيئًا {قَالُواْ لَوْلاَ اجتبيتها} أي: هلاّ أتاهم من تلقاء نفسه؟ وهذا كقوله: {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا بَيِّنَاتٍ قَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائت بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هاذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لى أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نفسى إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ إنى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس: 15] {قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَىَّ مِن رَّبّى} أي: قل إذا أمرت بأمر فعلت ولا أبتدع ما لم أومر {هذا بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ} يعني: القرآن بيان من ربكم.
وقال بعض أهل اللغة: البصائر في اللغة: طرائق الأمر واحدتها بصيرة: ويقال: طريقة الدين معناه: ظهور الشيء وبيانه {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} أي: القرآن هدى من الضلالة ويقال: كرامة ورحمة من العذاب ونعمة لمن آمن به {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يعني: يصدقون. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ} يا محمد يعني المشركين {بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجتبيتها} أي هلاّ أقلعتها وأنشأتها من قبل نفسك واختيارك، قاله قتادة، وقال مجاهد: لولا اقتضيتها وأخرجتها من نفسك.
وقال ابن زيد: لولا يقبلها لجئت بها من عندك.
وقال ابن عباس: لولا تلقيتها من عندك، أيضًا لولا حدثتها فأنشأتها. قال العوفي عن ابن عباس: فنسيتها وقلتها من ربّك.
وقال الضحاك: لولا أخذتها أنت فجئت بها من السماء، قال الفراء: تقول العرب: جئت الكلام وأخلقته وارتجلته وانتحلته إذا افتعلته من قبل نفسك.
قال ابن زيد: إنّما يقول العرب ذلك الكلام بتهدئة الرجل ولم يكن قبل ذلك أعده لنفسه {قُلْ} يا محمد {إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يوحى إِلَيَّ مِن رَّبِّي} ثمّ قال: {هذا} يعني القرآن {بَصَائِرُ} حجج وبيان وبرهان {مِن رَّبِّكُمْ} واحدتها بصيرة. وقال الزجاج: طرق من ربكم، والبصائر طرق الدم.
قال الجعفي:
راحوا بصائرهم على أكتافهم ** وبصيرتي يعدو بها عتد وآي

تعدّوا عداوي وأصلها ظهور الشيء وقيامه واستحكامه حتّى يبصر الانسان فيهتدي إليها وينتفع بها، ومنه قيل: ما لي في الأمر من بصيرة و{وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا}.
فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: معناه هلا أتيتنا بها من قبل نفسك، وهذا قول مجاهد، وقتادة.
والثاني: معناه هلا اخترتها لنفسك.
والثالث: معناه هلا تقبلتها من ربك، قاله ابن عباس. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {وإذا لم تأتهم بآية}.
سببها فيما روي أن الوحي كان يتأخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أحيانًا، فكان الكفار يقولون هلا اجتبيتها، ومعنى اللفظة في كلام العرب تخيرتها واصطفيتها، وقال ابن عباس وقتادة ومجاهد وابن زيد وغيرهم: المراد بهذه اللفظة هلا اخترتها واختلقتها من قبلك ومن عند نفسك، والمعنى إذ كلامك كله كذلك على ما كانت قريش تزعمه، وقال ابن عباس أيضًا والضحاك: المراد هلا تلقيتها من الله وتخيرتها عليه، إذ تزعم أنك نبي وأن منزلتك عنده منزلة الرسالة، فأمره الله عز وجل أن يجيب بالتسليم لله تعالى وأن الأمر في الوحي إليه ينزله متى شاء لا معقب لحكمه في ذلك فقال: {قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي} ثم أشار بقوله هذا إلى القرآن، ثم وصفه بأنه. أي علامات هدى وأنوار تضيء القلوب، وقالت فرقة: المعنى ذو بصائر، ويصح الكلام دون أن يقدر حذف مضاف لأن المشار إليه بهذا إنما هو سور وآيات وحكم، وجازت الإشارة إليه بهذا من حيث اسمه مذكر، وجاز وصفه ب. من حيث هو سور وآيات، {وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} أي لهؤلاء خاصة، قال الطبري: وأما من لا يؤمن فهو عليه عمى عقوبة من الله تعالى. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وإذا لم تأتهم بآية} يعني به: المشركين.
وفي معنى الكلام قولان:
أحدهما: إذا لم تأتهم بآية سألوها تعنتًا، قاله ابن السائب.
والثاني: إذا لم تأتهم بآية لإبطاء الوحي، قاله مقاتل.
وفي قوله: {لولا اجتبيتها} قولان:
أحدهما: هلاَّ افتعلتها من تلقاء نفسك، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وابن زيد، والفراء، والزجاج، وابن قتيبة في آخرين.
وحكي عن الفراء أنه قال: العرب تقول: اجتبيت الكلام، واختلقته، وارتجلته: إذا افتعلته من قبل نفسك.
والثاني: هلاَّ طلبتها لنا قبل مسألتك، ذكره الماوردي.
والأول أصح.
قوله تعالى: {قل إنما أتَّبع ما يوحى إليَّ من ربي} أي: ليس الأمر لي.
قوله تعالى: {هذا بصائر من ربكم} يعني القرآن.
قال أبو عبيدة: البصائر: بمعنى الحجج والبرهان والبيان، واحدتها: بصيرة.
وقال الزجاج: معنى البصائر: ظهور الشيء وبيانه. اهـ.