فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

{وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ} ابتداء وخبر.
وأزواج: جمع زَوْج.
والمرأة: زَوْج الرجل.
والرجل زَوْج المرأة.
قال الأصمعيّ: ولا تكاد العرب تقول زوجة.
وحكى الفَرّاء أنه يقال: زوجة؛ وأنشد الفَرَزْدَق:
وإن الذي يَسْعَى ليُفِسِد زَوْجتي ** كساعٍ إلى أُسْد الشَّرَى يسْتَبِيلُها

وقال عَمّار بن ياسِر في شأن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: واللَّهِ إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم.
ذكره البخاري، واختاره الكسائي.
{مُّطَهَّرَةٌ} نعتٌ للأزواج.
ومُطَهّرةٌ في اللغة أجمع من طاهرة وأبلغ؛ ومعنى هذه الطهارة من الحَيْض والبُصاق وسائر أقذار الآدمِيّات.
ذكر عبد الرزاق قال أخبرني الثَّوْرِيّ عن ابن أبي نَجِيح عن مجاهد: {مطهرة} قال: لا يَبُلْنَ ولا يَتَغَوَّطْنَ ولا يَلِدْن ولا يَحِضْنَ ولا يمنين ولا يَبْصُقْنَ.
وقد أتينا على هذا كلّه في وصف أهل الجنة وصفة الجنة ونعيمها من كتاب التذكرة. والحمد لله. اهـ.

.قال الفخر:

المراد طهارة أبدانهن من الحيض والاستحاضة وجميع الأقذار وطهارة أزواجهن من جميع الخصال الذميمة، ولاسيما ما يختص بالنساء، وإنما حملنا اللفظ على الكل لاشتراك القسمين في قدر مشترك، قال أهل الإشارة.
وهذا يدل على أنه لابد من التنبه لمسائل:
أحدها: أن المرأة إذا حاضت فالله تعالى منعك عن مباشرتها قال الله تعالى: {قُلْ هُوَ أَذًى فاعتزلوا النساء في المحيض} [البقرة: 222] فإذا منعك عن مقاربتها لما عليها من النجاسة التي هي معذورة فيها فإذا كانت الأزواج اللواتي في الجنة مطهرات فلأن يمنعك عنهن حال كونك ملوثًا بنجاسات المعاصي مع أنك غير معذور فيها كان أولى.
وثانيها: أن من قضى شهوته من الحلال فإنه يمنع الدخول في المسجد الذي يدخل فيه كل بر وفاجر، فمن قضى شهوته من الحرام كيف يمكن من دخول الجنة التي لا يسكنها إلا المطهرون ولذلك فإن آدم لما أتى بالزلة أخرج منها.
وثالثها: من كان على ثوبه ذرة من النجاسة لا تصح صلاته عند الشافعي رضي الله عنه، فمن كان على قلبه من نجاسات المعاصي أعظم من الدنيا كيف تقبل صلاته وههنا سؤالان:
الأول: هلا جاءت الصفة مجموعة كالموصوف؟
الجواب: هما لغتان فصيحتان يقال النساء فعلن والنساء فعلت.
ومنه بيت الحماسة:
فوإذا العذارى بالدخان تقنعت ** واستعملت نصب القدور فملت

والمعنى وجماعة أزواج مطهرة، وقرأ زيد بن علي: مطهرات وقرأ عبيد بن عمير: مطهرة يعني متطهرة.
السؤال الثاني: هلا قيل طاهرة؟
الجواب: في المطهرة إشعار بأن مطهرًا طهرهن وليس ذلك إلا الله تعالى، وذلك يفيد فخامة أمر أهل الثواب كأنه قيل إن الله تعالى هو الذي زينهن لأهل الثواب. اهـ.

.قال تقي الدين السبكي في فتاويه:

قَوْله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ هَلا جَاءَتْ الصِّفَةُ مَجْمُوعَةً كَمَا فِي الْمَوْصُوفِ وَأَجَابَ بِأَنَّهُمَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ يُقَالُ لِلنِّسَاءِ فَعَلْنَ وَهُنَّ فَاعِلاتٌ وَفَوَاعِلُ وَالنِّسَاءُ فَعَلَتْ وَهِيَ فَاعِلَةٌ وَمِنْهُ بَيْتُ الْحَمَاسَةِ: وَإِذَا الْعَذَارَى بِالدُّخَانِ تَقَنَّعَتْ وَاسْتَعْجَلَتْ نَصْبَ الْقُدُورِ فَمَلَّتْ وَالْمَعْنَى وَجَمَاعَةُ أَزْوَاجٍ مُطَهَّرَةٍ، وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ مُطَهَّرَاتٌ، أَقُولُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ اللُّغَتَيْنِ صَحِيحٌ، وَالأَفْصَحُ فِي الْعَاقِلاتِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْجَمْعِ سَوَاءٌ فِيهِنَّ جَمْعُ الْقِلَّةِ وَجَمْعُ الْكَثْرَةِ وَفِي غَيْرِ الْعَاقِلِ الأَفْصَحُ فِي جَمْعِ الْقِلَّةِ الْجَمْعُ كَالأَجْذَاعِ انْكَسَرْنَ، وَفَكَّرْتُ فِي السِّرِّ فِي ذَلِكَ فَرَأَيْتُ أَنَّ فَعَلْنَ حُكْمٌ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ، وَفَعَلَتْ عَلَى الْمَجْمُوعِ لِتَأَوُّلِ الْجَمْعِ بِالْجَمَاعَةِ، وَلَمَّا كَانَ الْعَاقِلُ يُنْسَبُ الْفِعْلُ إلَيْهِ نُسِبَ إلَى كُلِّ فَرْدٍ فَقِيلَ فَعَلَ وَإِنَّمَا جَاءَ فِي الآيَةِ: {مُطَهَّرَةٌ} وإِنْ كَانَ الأَفْصَحُ مُطَهَّرَاتٌ إشَارَةً إلَى أَنَّ أَزْوَاجَ الآخِرَةِ لاتِّفَاقِهِنَّ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ لا تَغَايُرَ بَيْنَهُنَّ وَذَلِكَ مِنْ كَمَالِ النَّعِيمِ لِرِجَالِهِنَّ فَلِذَلِكَ قِيلَ {مُطَهَّرَةٌ} ولَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ مُطَهَّرَاتٌ أَصْلا فَانْظُرْ مَا أَبْدَعَ هَذِهِ الْحِكْمَةَ، وَقَالَ وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ لاجْتِمَاعِهِمْ فِي وَقْتِ الأَجَلِ، وَقَالَ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ لأَنَّ الانْكِدَارَ وَصْفٌ شَامِلٌ لِجَمَاعَةِ النُّجُومِ، وَقَالَ وَالصَّافَّاتِ لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُسْتَقِلٌّ بِذَلِكَ. وَقَالَ تعالى: {فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا} لأَنَّ الإِبَاءَ مِنْ وَصْفِ الْعُقَلاءِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ أَبَى، وَقَالَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ لأَنَّ التَّبْعِيضَ مِنْ الْجُمْلَةِ الَّتِي هِيَ اثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ لأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الظُّلْمِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ وَهَذَا مَعْنًى زَائِدٌ عَلَى كَوْنِهِ جَمْعَ قِلَّةٍ لِغَيْرِ عَاقِلٍ، وَقَالَ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ لأَنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُفْرَضَ فِي الْمَجْمُوعِ أَوْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} فَاسْتَغْنَى فِي تَقْلِيلِهَا بِدَلالَةِ أَيَّامٍ لأَنَّهَا لِجَمْعِ الْقِلَّةِ، وَقِيلَ مَعْدُودَةً لأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ مَعْدُودَاتٍ وَذَلِكَ أَبْلُغُ فِي بُهْتِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ فَقَالَ قُلْ أَتَّخَذْتُمْ إلَى آخِرِهِ، وَفِي آلِ عِمْرَانَ {ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} وَمَعْدُودَاتٍ قَدْ يُرَادُ بِهَا تِسْعٌ إذَا جُعِلَتْ جَمْعُ أَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَإِذَا كَانُوا غَرَّهُمْ افْتِرَاؤُهُمْ أَنَّهُمْ لَنْ تَمَسَّهُمْ النَّارُ إلا تِسْعًا فَلأَنْ يَغُرَّهُمْ افْتِرَاؤُهُمْ أَنَّهُمْ لَنْ تَمَسَّهُمْ النَّارُ إلا ثَلاثًا بِطَرِيقِ الأَوْلَى. وقَوْله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} قَصَدَ وَصْفَ كُلٍّ مِنْهَا بِذَلِكَ وَكَذَا قَوْلُهُ تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} فَوَصْفُ كُلٍّ مِنْهَا بِذَلِكَ أَبْلَغُ وَأَكْثَرُ تَعْظِيمًا لَهَا مِنْ جَعْلِهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً مَعْلُومَةً وَمَعْدُودَةً وَالأَصْلُ فِيمَا قُلْنَاهُ أَنَّ تَأْنِيثَ الْجَمْعِ لِتَأَوُّلِهِ بِالْجَمَاعَةِ وَهِيَ شَيْءٌ مُجْتَمَعٌ؛ وَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ إنَّمَا حُكِمَ عَلَى صِفَةٍ شَامِلَةٍ لَهُ وَهِيَ الْهَيْئَةُ الاجْتِمَاعِيَّةُ؛ وَأَمَّا ذَاتُ الْجَمْعِ نَفْسِهِ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الآحَادِ فَالْحُكْمُ عَلَيْهِ حُكْمٌ عَلَى الآحَادِ فَاشْدُدْ يَدَيْكَ بِهَذِهِ الْفَائِدَةِ تَفْهَمْ بِهَا مَا قَالَهُ النُّحَاةُ وَإِنْ لَمْ يُبْدُوا سِرَّهُ وَيَنْفَتِحُ لَك بِهَا مَبَاحِثُ أُصُولِيَّةٌ وَنَحْوِيَّةٌ وَفَوَائِدُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، بَقِيَ عَلَيْنَا أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: كَيْفَ جَازَ وَصْفُ الثَّلاثَةِ بِأَنَّهَا مَعْلُومَاتٌ؛ وَمَعْلُومَاتٌ جَمْعُ مَعْلُومَةٍ وَوَاحِدُ الأَشْهُرِ مُذَكَّرٌ فَلا يَصِحُّ مَعْلُومَاتٌ إلا عَلَى تِسْعَةٍ؟ وَجَوَابُهُ أَنَّ الأَشْهُرَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى سَاعَاتٍ كَثِيرَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ تَرِدَ عَلَى مَعْلُومَاتٍ فِي وَصْفِ الثَّلاثَةِ كَذَلِكَ، وَلا يُقَالُ: فَيَلْزَمُ جَوَازُ وَصْفِ الشَّهْرِ الْوَاحِدِ بِذَلِكَ، لأَنَّهُ احْتَمَلَ مَعَ الْجَمْعِ وَلا يَلْزَمُ احْتِمَالُهُ مَعَ الْمُفْرَدِ لِتَنَافُرِ اللَّفْظِ انْتَهَى. اهـ.

.قال ابن عطية:

والخلود الدوام في الحياة أو الملك ونحوه وخلد بالمكان إذا استمرت إقامته فيه، وقد يستعمل الخلود مجازًا فيما يطول، وأما هذا الذي في الآية فهو أبدي حقيقة. اهـ.

.قال الفخر:

قالت المعتزلة الخلد هاهنا هو الثبات اللازم والبقاء الدائم الذي لا ينقطع واحتجوا عليه بالآية والشعر، أما الآية فقوله: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبْلِكَ الخلد أَفَإِيْن مّتَّ فَهُمُ الخالدون} [الأنبياء: 34] فنفي الخلد عن البشر مع أنه تعالى أعطى بعضهم العمر الطويل، والمنفي غير المثبت، فالخلد هو البقاء الدائم وأما الشعر فقول امرئ القيس:
وهل يعمن إلا سعيد مخلد ** قليل هموم ما يبيت بأوجال

وقال أصحابنا: الخلد هو الثبات الطويل سواء دام أو لم يدم واحتجوا فيه بالآية والعرف أما الآية فقوله تعالى: {خالدين فِيهَا أَبَدًا} ولو كان التأبيد داخلًا في مفهوم الخلد لكان ذلك تكرارًا وأما العرف فيقال حبس فلان فلانًا حبسًا مخلدًا ولأنه يكتب في صكوك الأوقاف وقف فلان وقفًا مخلدًا فهذا هو الكلام في أن هذا اللفظ هل يدل على دوام الثواب أم لا؟ وقال آخرون العقل يدل على دوامه لأنه لو لم يجب دوامه لجوزوا انقطاعه فكان خوف الانقطاع ينغص عليهم تلك النعمة لأن النعمة كلما كانت أعظم كان خوف انقطاعها أعظم وقعًا في القلب وذلك يقتضي أن لا ينفك أهل الثواب ألبتة من الغم والحسرة. والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال النسفي:

{وَهُمْ فِيهَا خالدون} الخلد والخلود البقاء الدائم الذي لا ينقطع، وفيه بطلان قول الجهمية فإنهم يقولون بفناء الجنة وأهلها لأنه تعالى وصف بأنه الأول الآخر، وتحقيق وصف الأولية بسبقه على الخلق أجمع فيجب تحقيق وصف الآخرية بالتأخر عن سائر المخلوقات، وذا إنما يتحقق بعد فناء الكل فوجب القول به ضرورة، ولأنه تعالى باقٍ وأوصافه باقية فلو كانت الجنة باقية مع أهلها لوقع التشابه بين الخالق والمخلوق وذا محال. قلنا: الأول في حقه هو الذي لا ابتداء لوجوده، والآخر هو الذي لا انتهاء له، وفي حقنا الأول هو الفرد السابق والآخر هو الفرد اللاحق، واتصافه بهما لبيان صفة الكمال ونفي النقيصة والزوال، وذا في تنزيهه عن احتمال الحدوث والفناء لا فيما قالوه، وأنى يقع التشابه في البقاء وهو تعالى باقٍ لذاته وبقاؤه واجب الوجود وبقاء الخلق به وهو جائز الوجود. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار}:
لم يبين هنا أنواع هذه الأنهار، ولكنه بين ذلك في قوله: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} [محمد: 15].
قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ}.
لم يبين هنا صفات تلك الأزواج، ولكنه بين صفاتهن الجميلة في آيات أخر كقوله: {وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطرف عِينٌ} [الصافات: 48]، وقوله: {كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان} [الرحمن: 58]، وقوله: {وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللؤلؤ المكنون} [الواقعة: 22- 23] وقوله: {وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا} [النبأ: 33] إلى غير ذلك من الآيات المبينة لجميل صفاتهن. والأزواج: جمع زوج بلا هاء في اللغة الفصحى، والزوجة بالهاء لغة لا لحن، كما زعمه البعض.
وفي حديث أنس عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: «إنها زوجتي»، أخرجه مسلم.
ومن شواهده قول الفرزدق:
وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي ** كساعٍ إلى أسد الشرى يستبيلها

وقول الآخر:
فبكى بناتي شجوهن وزوجتي ** والظاعنون إلي ثم تصدعوا

.قال نظام الدين النيسابوري في الآية:

{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)}.
التفسير:
إنه سبحانه لما ذكر دلائل التوحيد والنبوة وانجر الكلام إلى ذكر عقاب الكافرين، شفع ذلك بذكر ثواب المؤمنين جريًا على سننه المعهود من ذكر الترغيب مع الترهيب، وضم البشارة إلى الإنذار والجمع بين الوعد والوعيد والجنة والنار. وهل هما الآن مخلوقتان أم لا؟ ظاهر الآية من نحو قوله: {أعدت للمتقين} {أعدت للكافرين} والأحاديث كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث صلاة الخسوف «إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودًا ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرًا قط يدل على وجودهما» وكذا سكنى آدم وحواء الجنة، وقد جمع الله في الآية جوامع اللذات من المسكن وهو الجنات، ومن المطعم وهو الثمرات، ومن المنكح وهو الأزواج المطهرات، ثم زال عنهم نقص الزوال بقوله: {وهم فيها خالدون} إتمامًا للنعمة والحبور وتكميلًا للبهجة والسرور. والبشارة الإخبار بما يظهر سرور المخبر به، ولهذا قال العلماء: إذا قال لعبيده: أيكم بشرني بقدوم فلان فهو حر فبشروه فرادى، عتق أوّلهم لأنه هو الذي أظهر سروره بخبره ولو قال: مكان بشرني أخبرني عتقوا جميعًا لأنهم جميعًا أخبروه. ومنه البشرة لظاهر الجلد، وتباشير الصبح ما ظهر من أوائل ضوئه. فأما قوله: {فبشرهم بعذاب أليم} [آل عمران: 21] فمن باب التهكم والاستهزاء، فإن قيل: علام عطف هذا الأمر ولم يسبق أمر ولا نهي يصح عطفه عليه؟ قلنا: ليس الذي اعتمد بالعطف هو الأمر حتى يطلب له مشاكل من أمر أو نهي، إنما المتعمد بالعطف هو جملة وصف ثواب المؤمنين على جملة وصف عقاب الكافرين، كما تقول: زيد يعاقب بالقيد والإرهاق، وبشر عمرًا بالعفو والإطلاق، ولك أن تقول معطوف على {فاتقوا} كقولك: يا بني تميم احذروا عقوبة ما جنيتم، وبشر يا فلان بني أسد بإحساني إليهم. وقال بعض المحققين: إنه معطوف على قل مقدرًا قبل {يا أيها الناس} فإن تقدير القول في القرآن مع وجود القرينة غير عزيز كقوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا} أي يقولان: ربنا. ثم المأمور في قوله: {وبشر} إما الرسول، وإما كل من له استئهال أن يبشر. والصالحة نحو الحسنة في جريها مجرى الاسم. قال الحطيئة:
كيف الهجاء وما تنفك صالحة ** من آل لأم بظهر الغيب تأتيني

واللام للجنس. والمراد بالصالحات جملة الأعمال الصحيحة المستقيمة في الدين على حسب حال المؤمن في مواجب التكليف. واستدل بهذه الآية من قال: إن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان، وإلا لزم التكرار، ولمن زعم أن الإيمان هو المجموع أن يقول عطف بعض الأجزاء على الكل جائز لغرض من الأغراض كقوله تعالى: {وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل} [البقرة: 98] ثم هاهنا مذاهب: منهم من قال: إن العبد لا يستحق على الطاعة ثوابًا ولا على المعصية عقابًا استحقاقًا عقليًا واجبًا وهو قول أهل السنة ولا يرد عليه إشكال. ومنهم من زعم أنه يستحق الثواب بالإيمان والعمل الصالح بشرط أن لا يحبطهما المكلف بالكفر والإقدام على الكبائر، وبالندم على ما أوجده من فعل الطاعة وترك المعصية بدليل قوله: {لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر: 65]. وإنما طوي ذكر هذا الشرط في الآية للعلم به فإنه قد ركز في العقول أن الإحسان إنما يستحق فاعله عليه المثوبة والثناء إذا لم يتعقبه بما يفسده ويذهب بحسنه، وهذا قول المعتزلة ومن يجري مجراهم. ومنهم من أحال القول بالإحباط، لأن من آمن وعمل صالحًا استحق الثواب الدائم فلو فرض إحباط بكفره لاستحق العقاب الدائم والجميع بينهما محال، ولا يخفى ضعف هذا المذهب، فإن الأمور بخواتيمها قال صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار» وإنما الأعمال بالخواتيم. والجنة البستان من النخل والشجر المتكاثف المظلل بالتفاف أغصانه والتركيب دائر على معنى الستر كأنها فعلة من جنة إذا ستره. وسميت دار الثواب كلها جنة فيها من الجنان على حسب استحقاقات العاملين لكل طبقة منهم جنات من تلك الجنان، فلهذا نكرت. والنهر: المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر. يقال لبردى نهر دمشق، وللنيل نهر مصر. واللغة العالية الغالبة النهر بفتح الهاء ومدار التركيب على السعة. وإسناد الجري إلى الأنهار من الإسناد المجازي، لأن الجاري هو الماء وكذا من تحتها أي من تحت أشجارها. وأنزه البساتين وأكرمها منظرًا ما كانت أشجارها مظللة والأنهار في خلالها مطردة، ولولاها كانت كتماثيل لا أرواح فيها، وصور لا حياة لها. وإنما عرفت الأنهار لأن المراد بها الجنس كما تقول لفلان بستان فيه الماء الجاري والتين والعنب وألوان الفواكه تشير إلى الأجناس التي في علم المخاطب، أو يراد بها أنهارها فعوض التعريف باللام من تعريف الإضافة مثل {واشتعل الرأس شيبًا} [مريم: 4] أو يشار باللام إلى الأنهار المذكورة في قوله: {فيها أنهار من ماء غير آسن} [محمد: 15] الآية. و{كلما رزقوا} إما صفة ثانية لجنات، أو خبر مبتدأ محذوف أي هم كلما رزقوا، أو جملة مستأنفة لأنه لما قيل إن لهم جنات لم يخل خلد السامع أن يقع فيه أثمار تلك الجنات أشباه ثمار جنات الدنيا أم أجناس أخر لا تشابه هذه الأجناس، فقيل: إن ثمارها أشباه ثمار جنات الدنيا أي أجناسها وإن تفاوتت إلى غاية لا يعلمها إلا الله.
ومن في {منها} وفي {من ثمرة} لابتداء الغاية كما لو قلت: رزقني فلان فيقال: من أين؟ فتقول: من بستانه. فيقال: من أي ثمرة؟ فتقول: من الرمان. فالرزق قد ابتدئ من الجنات والرزق من الجنات قد ابتدئ من ثمرة وليس المراد بالثمرة التفاحة الواحدة والرمانة الفذة على هذا التفسير، وإنما المراد النوع من أنواع الثمار، ووجه اخر وهو أن يكون {من ثمرة} بيانًا على منهاج قولك: رأيت منك أسدًا تريد أنت أسد. وعلى هذا يصح أن يراد بالثمرة النوع من الثمار والجناة الواحدة، لأن التفاحة الواحدة مثلًا يصدق عليها أنها رزق، كما أن نوع التفاح يصدق عليه ذلك، بخلاف ابتداء الرزق من الجنات فإن ذلك إنما يكون بنوع التفاح أولًا، وبالذات وبشخصه ثانيًا، وبالعرص لأن التشخص أمر زائد على حقيقة الشيء فاعلم. وانتصاب {رزقًا} على أنه مفعول ثانٍ {رزقوا} ومعنى {هذا الذي} أي هذا مثل الذي رزقنا من قبل نحو أبو يوسف أبو حنيفة لأن ذات الذي رزقوه في الجنة لا تكون هي ذات الذي رزقوه في الدنيا. والضمير في قوله: {وأتوا به} يرجع إلى المرزوق في الدنيا والآخرة جميعًا، لأن قوله: {هذا الذي رزقنا من قبل} انطوى تحته ذكر ما رزقوه في الدارين. والغرض في تشابه ثمر الدنيا وثمر الآخرة أن الإنسان بالمألوف آنس وإلى المعهود أميل، ولأنه إذا ظفر بشيء من جنس ما سلف له به عهد، ورأى فيه مزية ظاهرة أفرط ابتهاجه وطال استعجابه وتبين كنه النعمة فيه. فإذا أبصروا الرمانة والنبقة في الدنيا وحجمها، ثم أبصروا رمانة الجنة تشبع السكن، والنبقة كقلال هجر، كما يرون الشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعه، كان ذلك أبين للفضل وأزيد في التعجب من أن يفاجؤا ذلك الرمان وذلك النبق من غير عهد سابق بجنسهما. وترديدهم هذا القول ونطقهم به عند كل ثمرة يرزقونها، دليل على تناهي الأمر في ظهور المزية وكمال الاستغراب في كل أوان.
عن مسروق: نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها، وثمرها أمثال القلال، كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى، وأنهارها تجري في غير أخدود، والعنقود اثنا عشر ذراعًا. ويجوز أن يرجع الضمير في {أتوا به} إلى الرزق، كما أن هذا إشارة إليه. ويكون المعنى: إن ما يرزقونه من ثمرات الجنة يأتيهم متجانسًا في نفسه، إما لتساوي ثوابهم في كل الأوقات في القدر والدرجة حتى لا يزيد ولا ينقص، وإما لأن الإنسان إذا التذ بشيء وأعجب به لا تتعلق نفسه إلا بمثله فإذا جاءوه بما يشبه الأول من كل الوجوه كان ذلك نهاية اللذة. وعن الحسن أن الاشتباه في اللون فقط قال: يؤتى أحدهم بالصحفة فيأكل منها، ثم يؤتى بالأخرى فيقول: هذا الذي أتينا به من قبل.
فيقول الملك: كل، فاللون واحد والطعم مختلف. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده إن الرجل من أهل الجنة ليتناول الثمرة ليأكلها فما هي بواصلة إلى فيه حتى يبدل الله مكانها مثلها، فإذا أبصروها والهيئة هيئتها الأولى قالوا ذلك» ويحتمل أن يقال: إن كمال السعادة ليس إلا في معرفة ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله من الملائكة الكروبية والملائكة الروحانية وطبقات الأرواح وعالم السموات، بحيث يصير روح الإنسان كالمرآة المحاذية لعالم القدس، ثم إن هذه المعارف تحصل في الدنيا، ولكن لا يحصل بها كمال الالتذاذ والابتهاج لمكان العلائق البدنية، وإذا زال العائق بعد الموت وشاهد تلك المعارف قال: هذه هي التي كانت حاصلة لي في الدنيا، ووجد كمال اللذة والسرور. وقال أهل التحقيق: الجنة جنة الوصول، وأشجارها هي الملكات الحميدة والأخلاق الفاضلة، والثمرات ثمرات المكاشفات والمشاهدات والأسرار والإشارات والإلهامات وغيرها من المواهب، وإنهم يشاهدون أحوالًا شتى في صورة واحدة من ثمرات مجاهداتهم، فيقول بعض المتوسطين منهم: إن هذا المشهد هو الذي شاهدته قبل هذا، فتكون الصورة تلك الصورة ولكن المعنى حقيقة أخرى، كما أن موسى شاهد نور الهداية في صورة نار فتكون تارة تلك النار نار صفة غضبية كما كان لموسى، إذا اشتد غضبه اشتعلت قلنسوته نارًا، وتارة تكون نار المحبة تقع في محبوبات النفس فتحرقها، وتارة تكون نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة فتحرق عليهم بيت وجودهم فافهم. وأيضًا، كل شيء له صورة في الدنيا فله في الآخرة معنى آخر غيبي كقوله صلى الله عليه وسلم في دماء الشهداء «اللون لون الدم والريح ريح المسك» فاعلم.
وقوله: {وأتوا به متشابهًا} جملة معترضة تفيد زيادة التقرير كقولك فلان أحسن إلى فلان ونعم ما فعل والمراد بتطهير الأزواج تطهيرهن من الأقذار والأدناس لاسيما التي تختص بالنساء، وكذا من الأخلاق الذميمة وعادات السوء. وهما لغتان فصيحتان النساء فعلن وهن فاعلات والنساء فعلت وهي فاعلة والمعنى: ولهم جماعة أزواج مطهرة. وفي {مطهرة} فخامة لصفتهن ليست فيما لو قيل طاهرة وهي الإشعار بأن مطهرًا طهرهن وليس ذلك إلا الله عز وجل المريد لعباده أن يخولهم كل مزية فيما أعد لهم. وههنا نكتة وهي، أن المرأة إذا حاضت فالله تعالى يمنع من مباشرتها قال: {فاعتزلوا النساء في المحيض} [البقرة: 222] مع أنها معذورة في تنجسها. فإذا كانت اللواتي في الجنة مطهرات فلأن يمنعك عنهن، إذا كانت نجسًا بالمعاصي مع أنك غير معذور فيها كان أولى. وأيضًا من قضى شهوته من الحلال فإنه يمنع من الدخول في المسجد الذي يدخل فيه كل بر وفاجر، فمن قضى شهوته من الحرام كيف يمكن من دخول الجنة التي لا يسكنها إلا المطهرون؟ وكفى دليلًا على ذلك بإخراج آدم منها بسبب الزلة الصادرة عنه.
وأيضًا من كان على ثوبه ذرة من النجاسة لا تجوز صلاته أو تستكره، فكيف بمن صلى وعلى قلبه جبال من نجاسات الذنوب والمعاصي؟ والخلد عند المعتزلة الثبات الدائم والبقاء اللازم الذي لا ينقطع بدليل قوله تعالى: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد} [الأنبياء: 34] نفى الخلد عن البشر مع تعمير بعضهم {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} [الحج: 5] وعند الأشاعرة: الخلد هو الثبات الطويل، دام أو لم يدم. ولو كان التأبيد داخلًا في مفهوم الخلد كان قوله: {خالدين فيها أبدًا} تكرارًا. ويقال في العرف: حبسه حبسًا مخلدًا، أو وقف وقفًا مخلدًا. والحق أن خوف الانقطاع ينغص النعمة وذلك لا يليق بأكرم الأكرمين. اهـ.