فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ}.
قال ابن عباس: يعني بالذكر القراءة في الصلاة {تَضَرُّعًا} جهرًا {وَخِيفَةً} {وَدُونَ الجهر} دون رفع القول في خفض وسكوت يسمع من خلفك.
وقال أهل المعاني: واذكر ربّك اتعظ بالقرآن وآمن بآياته واذكر ربّك بالطاعة في ما يأمرك {تضرّعًا} تواضعًا وتخشّعًا {وخيفة} خوفًا من عقابه، فإذا قرأت دعوت بالله أي دون الجهر: خفاء لا جهار.
وقال مجاهد وابن جريج: أمر أن يذكروه في الصدور. ويؤمر بالتضرع في الدعاء والاستكانة.
ويكره رفع الصوت والبداء بالدعاء وأمّا قوله: {بالغدو والآصال} فإنه يعني بالبكر والعشيات، واحد الآصال أصيل، مثل أيمان ويمين، وقال أهل اللغة: هو ما بين العصر إلى المغرب {وَلاَ تَكُنْ مِّنَ الغافلين}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ}.
وفي هذا الذكر ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه ذكر القرءاة في الصلاة خلف الإمام سرًا في نفسه قاله قتادة.
والثاني: أنه ذكر بالقلب باستدامة الفكر حتى لا ينسى نعم الله الموجبة لطاعته.
والثالث: ذكره باللسان إما رغبة إليه في دعائه أو تعظيمًا له بالآية. وفي المخاطب بهذا الذكر قولان:
أحدهما: أنه المستمع للقرآن إما في الصلاة أو الخطبة، قاله ابن زيد.
والثاني: أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ومعناه عام في جميع المكلفين.
ثم قال: {تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} أما التضرع فهو التواضع والخشوع، وأما الخيفة فمعناه مخافة منه.
{وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} يعني أسرَّ القول إما بالقلب أو باللسان على ما تقدم من التأويلين.
ثم قال تعالى: {بالْغُدُوِّ وَالأَصْالِ} فيه وجهان:
أحدهما: بالبكر والعشيات.
والثاني: أن الغدو آخر الفجر صلاة الصبح، والآصال آخر العشي صلاة العصر، قاله مجاهد، ونحوه عن قتادة.
{وَلاَ تَكُنِ مِّنَ الْغَافِلِينَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: عن الذكر.
والثاني: عن طاعته في كل أوامره ونواهيه، قاله الجمهور. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {واذكر ربك في نفسك} الآية، مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم تعم جميع أمته وهو أمر من الله عز وجل بذكره وتسبيحه وتقديسه والثناء عليه بمحامده، والجمهور على أن الذكر لا يكون في النفس ولا يراعى إلا بحركة اللسان، ويدل على ذلك من هذه الآية قوله: {ودون الجهر من القول} فهذه مرتبة السر والمخافتة باللفظ، و{تضرعًا} معناه تذللًا وخضوعًا، {خيفة} أصلها خوفة بدلت الواو ياء لأجل الكسرة التي تقدمتها، وقوله: {بالغدو والآصال} معناه دأبًا وفي كل يوم وفي أطراف النهار، وقالت فرقة هذه الآية كانت في صلاة المسلمين قبل فرض الصلوات الخمس، وقال قتادة: {الغدو} صلاة الصبح و{الآصال} صلاة العصر و{الآصال} جمع أصل والأصل جميع أصيل وهو العشيّ وقيل {الآصال} جمع أصيل دون توسط كإيمانٍ جمع يمين وآصال أيضًا جمع أصاييل فهو جمع جمع الجمع، وقرأ أبو مجلز {والإيصال} مصدر كالإصباح والإمساء، ومعناه إذا دخلت في الأصيل وفي الطبري قال أبو وائل لغلامه هل أصلنا بعد؟ {ولا تكن من الغافلين} تنبيه، ولما قال الله عز وجل: {ولا تكن من الغافلين} جعل بعد ذلك مثالًا من اجتهاد الملائكة ليبعث على الجد في طاعة الله عز وجل. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {واذكر ربك في نفسك}.
في هذا الذكر أربعة أقوال:
أحدها: أنه القراءة في الصلاة، قاله ابن عباس؛ فعلى هذا، أُمر أن يقرأ في نفسه في صلاة الإسرار.
والثاني: أنه القراءة خلف الإمام سرًا في نفسه، قاله قتادة.
والثالث: أنه ذِكْرُ الله باللسان.
والرابع: أنه ذِكر الله باستدامة الفكر، لا يغفل عن الله تعالى، ذكر القولين الماوردي.
وفي المخاطب بهذا الذِكر قولان:
أحدهما: أنه المستمع للقرآن، إما في الصلاة، وإما من الخطيب، قاله ابن زيد.
والثاني: أنه خطاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه عام في جميع المكلفين.
قوله تعالى: {تضرعًا وخيفة} التضرع: الخشوع في تواضع، والخيفة: الحذر من عقابه.
قوله تعالى: {ودون الجهر من القول} الجهر: الإِعلان بالشيء، ورجل جهير الصوت: إذا كان صوته عاليًا.
وفي هذا نص على أنه الذِّكر باللسان ويحتمل وجهين.
أحدهما: قراءة القرآن.
والثاني: الدعاء.
وكلاهما مندوب إلى إخفائه، إلا أن صلاة الجهر قد بُيِّن أدبها في قوله: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} [الاسراء: 110] فأما الغدوُّ فهو جمع غُدوة؛ والآصال: جمع أُصُل، والأُصُل: جمع أصيل؛ فالآصال: جمع الجمع، والآصال: العشيات.
وقال أبو عبيدة: هي ما بين العصر إلى المغرب؛ وأنشد:
لَعَمْري لأَنْتَ البيتُ أُكْرِمُ أهلَه ** وأقْعُدُ في أفيائه بالأصَائِل

وروي عن ابن عباس أنه قال: يعني بالغدوّ: صلاةَ الفجر، والآصال: صلاة العصر. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً}.
نظيره {ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] وقد تقدّم.
قال أبو جعفر النحاس: ولم يختلف في معنى {واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ} أنه في الدعاء.
قلت: قد رُوي عن ابن عباس أنه يعني بالذكر القراءةَ في الصَّلاة.
وقيل: المعنى اقرأ القرآن بتأمّل وتدبُّر.
{تَضَرُّعًا} مصدر، وقد يكون في موضع الحال.
{وَخِيفَةً} معطوف عليه.
وجمع خيفة خِوَف؛ لأنه بمعنى الخَوْف؛ ذكره النحاس.
وأصل خِيفة خِوْفَة، قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.
خاف الرجل يخاف خوفًا وخِيفة ومَخافة، فهو خائف، وقوم خُوَّف على الأصل، وخُيَّف على اللفظ.
وحكى الفراء أنه يُقال أيضًا في جمع خِيفة خِيف.
قال الجوهري: والخِيفة الخوف، والجمع خِيف، وأصله الواو.
{وَدُونَ الجهر} أي دون الرفع في القول.
أي أسمع نفسك؛ كما قال: {وابتغ بَيْنَ ذلك سَبِيلًا} [الإسراء: 110] أي بين الجهر والمخافتة.
ودلّ هذا على أن رفع الصوت بالذكر ممنوع؛ على ما تقدم في غير موضع.
{بالغدو والآصال} قال قتادة وابن زيد: الآصال العَشيَّات.
والغدوّ جمع غُدْوة.
وقرأ أبو مِجْلَز {بِالْغُدُوِّ وَالإِيصالِ} وهو مصدر آصلنا، أي دخلنا في العَشِيّ.
والآصال جمع أُصُل؛ مثل طُنُب وأطْنَاب؛ فهو جمع الجمع، والواحد أصيل، جُمِع على أُصُل؛ عن الزجاج.
الأخفش: الآصال جمع أَصِيل؛ مثلُ يَمِين وأيْمَان.
الفراء: أُصُل جمع أصيل، وقد يكون أُصُل واحدًا، كما قال الشاعر:
ولا بأحسن منها إذْ دَنَا الأُصُلُ

الجوهرِيّ: الأصِيل الوقت بعد العصر إلى المغرب، وجمعه أُصُل وآصال وأصائل؛ كأنه جمع أصِيلة؛ قال الشاعر:
لعمرِي لأنتَ البيْتُ أكرِمُ أهلَه ** وأقعد في أفيائه بالأصائل

ويجمع أيضًا على أُصُلان؛ مثل بَعير وبُعْران؛ ثم صغّروا الجمع فقالوا أصَيْلاَن، ثم أبدلوا من النون لاَمًا فقالوا أُصَيْلال؛ ومنه قول النابغة:
وقفتُ فيها أصَيْلاَلًا أُسائلها ** عَيَّتْ جوابًا وما بالرَّبْع من أحدِ

وحكى اللَّحْيانِيّ: لقيته أصَيْلاَلا.
{وَلاَ تَكُنْ مِّنَ الغافلين} أي عن الذكر. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {واذكر ربك في نفسك}.
الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ويدخل فيه غيره من أمته لأنه عام لسائر المكلفين.
قال ابن عباس: يعني بالذكر القرآن في الصلاة يريد اقرأ سرًا في نفسك والفائدة فيه أن انتفاع الإنسان بالذكر إنما يكمل إذا وقع الذكر بهذه الصفة لأن ذكر النفس أقرب إلى الإخلاص والبعد عن الرياء وقيل المراد بالذكر في النفس أن يستحضر في قلبه عظمة المذكور جل جلاله وإذا كان الذكر باللسان عاريًا عن ذكر القلب كان عديم الفائدة لأن فائدة الذكر حضور القلب واستشعاره عظمة المذكور {تضرعًا} يقال ضرع الرجل يضرع ضراعه إذا خضع وذل واستكان لغيره {وخيفة ودون الجهر من القول} يعني وخوفًا والمعنى تضرع إليّ وخاف عذابي.
وقال مجاهد وابن جريج: أمر أن يذكروه في الصدور بالتضرع والاستكانة دون رفع الصوت في الدعاء وهاهنا لطيفة وهي أن قوله سبحانه وتعالى: {واذكر ربك في نفسك} فيه إشعار بقرب العبد من الله وهو مقام الرجاء لأن لفظ الرب مشعر بالتربية والرحمة والفضل والإحسان فإذا تذكر العبد إنعام الله عليه وإحسانه إليه فعند ذلك يقوى مقام الرجاء ثم أتبعه بقوله تضرعًا وخيفة وهذا مقام الخوف فإذا حصل في قلب العبد داعية الخوف والرجاء قوي إيمانه والمستحب أن يكون الخوف أغلب على العبد في حال صحته وقوته فإذا قارب بالموت ودنا آخر أجله فيستحب أن يغلب رجاؤه على خوفه.
عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال: «كيف تجدك؟» قال أرجو الله يا رسول الله وإني أخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو منه وآمنه مما يخاف» أخرجه الترمذي.
وقوله سبحانه وتعالى: {بالغدو} جمع غدوة {والآصال} جمع أصيل وهي ما بين صلاة العصر إلى المغرب والمعنى اذكر ربك بالبكر والعشيات وإنما خص هذين الوقتين بالذكر لأن الإنسان يقوم بالغداة من النوم الذي هو أخو الموت فاستحب له أن يستقبل حالة الانتباه من النوم وهو وقت الحياة من موت النوم بالذكر ليكون أول أعماله ذكر الله وأما وقت الآصال وهو آخر النهار فإن الإنسان يريد أن يستقبل النوم الذي هو أخو الموت فيستحب له أن يستقبله بالذكر لأنها حالة تشبه الموت ولعله لا يقوم من تلك النومة فيكون موته على ذكر الله وهو المراد من قوله سبحانه وتعالى: {ولا تكن من الغافلين} يعني عما يقربك إلى الله وقيل إن أعمال العبد تصعد أول النهار وآخره فيصعد عمل الليل عند صلاة الفجر ويصعد عمل النهار بعد العصر إلى المغرب فاستحب له الذكر في هذين الوقتين ليكون ابتداء عمله بالذكر واختتامه بالذكر وقيل: لما كانت الصلاة بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر مكروهة استحب للعبد أن يذكر الله في هذين الوقتين ليكون في جميع أوقاته مشتغلًا بما يقربه إلى الله من صلاة أو ذكر. اهـ.