فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: إنما خصا بالذكر؛ لأنّ الصلاة بعد صلاة الصبح، وبعد صلاة العصر مكروهة، واستحب للعبد أن يذكر الله تعالى فيهما ليكون في جميع أوقاته مشتغلًا بما يقرّبه إلى الله تعالى من صلاة وذكر، وقيل: إنّ أعمال العباد تصعد أوّل النهار وآخره، فيصعد عمل الليل عند صلاة الفجر، ويصعد عمل النهار بعد العصر إلى الغروب، فاستحب له الذكر فيهما ليكون ابتداء عمله بالذكر وختامه بالذكر.
{إنّ الذين عند ربك} أي: الملائكة المقرّبين بالفضل والكرامة {لا يستكبرون} أي: لا يتكبرون {عن عبادته} لأنهم عبيده خاضعون لعظمته وكبريائه {ويسبحونه} أي: وينزهونه عن جميع النقائص، ويقولون: سبحان الله ربنا {وله يسجدون} أي: ويخضعون له بالعبادة والتذلل لا يشركون به غيره، وفي هذا إشارة إلى أنّ الأعمال تنقسم إلى قسمين: أعمال القلوب وأعمال الجوارح، فأعمال القلوب هي تنزيه الله تعالى عن كل ما سواه، وهو الاعتقاد القلبي عبر عنه بقوله: {ويسبحونه} وعبر عن أعمال الجوارح بقوله: {وله يسجدون} ليوافق الملائكة المقرّبين في عبادتهم، وعن معدان قال: سألت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: حدّثني حديثًا ينفعني الله به قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة»، وفي رواية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عليك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة»، وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن فيقرأ سورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد بعضنا موضعًا لمكان جبهته في غير وقت صلاة»، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويلتي أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار» والحديث الذي ذكره البيضاوي تبعًا للزمخشري وهو: «من قرأ سورة الأعراف جعل الله يوم القيامة بينه وبين إبليس سترًا وكان آدم شفيعًا له يوم القيامة» حديث موضوع. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {خُذِ العفو} لما عدّد الله ما عدده من أحوال المشركين وتسفيه رأيهم وضلال سعيهم، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يأخذ العفو من أخلاقهم.
يقال أخذت حقي عفوًا، أي سهلًا.
وهذا نوع من التيسير الذي كان يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت في الصحيح أنه كان يقول: «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا» والمراد بالعفو هنا ضد الجهد.
وقيل المراد: خذ العفو من صدقاتهم، ولا تشدّد عليهم فيها وتأخذ ما يشق عليهم.
وكان هذا قبل نزول فريضة الزكاة {وَأْمُرْ بالعرف} أي: بالمعروف.
وقرأ عيسى بن عمر {بالعُرف} بضمتين، وهما لغتان.
والعرف والمعروف والعارفة: كل خصلة حسنة ترتضيها العقول، وتطمئن إليها النفوس، ومنه قول الشاعر:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ** لا يذهب العرف بين الله والناس

{وَأَعْرِض عَنِ الجاهلين} أي: إذا أقمت الحجة في أمرهم بالمعروف فلم يفعلوا، فأعرض عنهم ولا تمارهم، ولا تسافههم مكافأة لما يصدر منهم من المراء والسفاهة.
قيل: وهذه الآية هي من جملة ما نسخ بآية السيف، قاله عبد الرحمن بن زيد وعطاء.
وقيل هي محكمة، قاله مجاهد وقتادة.
قوله: {وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ} النزغ: الوسوسة، وكذا النغز والنخس.
قال الزجاج: النزغ أدنى حركة تكون، ومن الشيطان أدنى وسوسة، وأصل النزغ: الفساد، يقال نزغ بيننا: أي أفسد، وقيل النزغ: الإغواء.
والمعنى متقارب: أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم إذا أدرك من وسوسة الشيطان أن يستعيذ بالله وقيل إنه لما نزل قوله: {خُذِ العفو} قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كيف ياربّ بالغضب؟» فنزلت، وجملة {إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} علة لأمره بالاستعاذة، أي استعذ به والتجىء إليه، فإنه يسمع ذلك منك ويعلم به.
وجملة {إِنَّ الذين اتقوا إِذَا مَسَّهُمْ طَئِفٌ مّنَ الشيطان تَذَكَّرُواْ} مقرّرة لمضمون ما قبلها، أي: إن شأن الذين يتقون الله، وحالهم هو التذكر لما أمر الله به من الاستعاذة به، والالتجاء إليه، عند أن يمسهم طائف من الشيطان وإن كان يسيرًا.
قرأ أهل البصرة {طيف} وكذا أهل مكة.
وقرأ أهل المدينة والكوفة {طَائِفٌ}.
وقرأ سعيد بن جبير {طيف} بالتشديد.
قال النحاس: كلام العرب في مثل هذا {طيف} بالتخفيف على أنه مصدر من طاف يطيف.
قال الكسائي: هو مخفف مثل ميت وميت.
قال النحاس ومعناه في اللغة ما يتخيل في القلب أو يرى في النوم، وكذا معنى طائف.
قال أبو حاتم: سألت الأصمعي عن طيف فقال: ليس في المصادر فيعل.
قال النحاس: ليس هو مصدرًا ولكن يكون بمعنى طائف.
وقيل: الطيف والطائف معنيان مختلفان، فالأوّل: التخيل.
والثاني: الشيطان نفسه.
فالأوّل: من طاف الخيال يطوف طيفًا، ولم يقولوا من هذا طائف.
قال السهيلي: لأنه تخيل لا حقيقة له، فأما قوله: {فَطَافَ عَلَيْهم طَائِفٌ مِّن رَّبّكَ} [القلم: 19] فلا يقال فيه طيف، لأنه اسم فاعل حقيقة.
قال الزجاج: طفت عليهم أطوف، فطاف الخيال يطيف.
قال حسان:
فدع هذا ولكن من لِطَيْف ** يؤرقني إذا ذهب العشاء

وسميت الوسوسة طيفًا، لأنها لمة من الشيطان تشبه لمة الخيال.
{فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} بسبب التذكر، أي منتبهون.
وقيل على بصيرة.
وقرأ سعيد بن جبير {تَذَكَّرُواْ} بتشديد الذال.
قال النحاس: ولا وجه له في العريبة.
قوله: {وإخوانهم يَمُدُّونَهُمْ في الغى} قيل المعنى: وإخوان الشياطين، وهم الفجار من ضلال الإنس، على أن الضمير في إخوانهم يعود إلى الشيطان المذكور سابقًا، والمراد به الجنس.
فجاز إرجاع ضمير الجمع إليه.
{يَمُدُّونَهُمْ في الغى} أي: تمدّهم الشياطين في الغيّ، وتكون مددًا لهم.
وسميت الفجار من الإنس إخوان الشياطين، لأنهم يقبلون منهم ويقتدون بهم.
وقيل: إن المراد بالإخوان الشياطين، وبالضمير الفجار من الإنس، فيكون الخبر جاريًا على من هو له.
وقال الزجاج: في الكلام تقديم وتأخير.
والمعنى: {والذين تدعون من دونه لا يستطيعون لكم نصرًا ولا أنفسهم ينصرون} {وإخوانهم يَمُدُّونَهُمْ في الغى} لأن الكفار إخوان الشياطين، {ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ} الإقصار: الانتهاء عن الشيء، أي لا تقصر الشياطين في مدّ الكفار في الغيّ.
قيل: إن {في الغيّ} متصلًا بقوله: {يَمُدُّونَهُمْ} وقيل: بالإخوان.
والغي: الجهل.
قرأ نافع {يَمُدُّونَهُمْ} بضم حرف المضارعة وكسر الميم.
وقرأ الباقون بفتح حرف المضارعة وضم الميم، وهما لغتان.
يقال مدّ وأمد.
قال مكي: ومدّ أكثر.
وقال أبو عبيد وجماعة من أهل اللغة: فإنه يقال إذا كثر شيء شيئًا بنفسه مدّه.
وإذا كثره بغيره، قيل: أمدّه نحو {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءالافٍ مّنَ الملئكة} [آل عمران: 125] وقيل: يقال: مددت في الشرّ وأمددت في الخير.
وقرأ عاصم الجحدري {يَمُدُّونَهُمْ في الغى}.
وقرأ عيسى بن عمر {ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ} بفتح الياء وضم الصاد وتخفيف القاف.
قوله: {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِئَايَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجتبيتها} اجتبى الشيء بمعنى جباه لنفسه، أي جمعه، أي: هلا اجتمعتها افتعالًا لها من عند نفسك.
وقيل: المعنى اختلقتها، يقال: اجتبيت الكلام: انتحلته واختلقته واخترعته إذا جئت به من عند نفسك.
كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تراخى الوحي هذه المقالة، فأمره الله بأن يجيب عليهم بقوله: {إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحِى إِلَىَّ} أي: لست ممن يأتي بالآيات من قبل نفسه كما تزعمون بَلِ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحِى إِلَىَّ مّن رَّبّى، فما أوحاه إليّ وأنزله عليّ أبلغته إليكم.
وبصائر جمع بصيرة، أي هذا القرآن المنزل عليّ هو {بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ} يتبصر بها من قبلها.
وقيل: البصائر الحجج والبراهين.
وقال الزجاج: البصائر الطرق {وَهُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} معطوف على بصائر أي هذا القرآن هو بصائر وهدى يهتدي به المؤمنون ورحمة لهم.
قوله: {وَإِذَا قرئ القرءان فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ} أمرهم الله سبحانه بالاستماع للقرآن والإنصات له عند قراءته؛ لينتفعوا به ويتدبروا ما فيه من الحكم والمصالح.
قيل: هذا الأمر خاص بوقت الصلاة عند قراءة الإمام، ولا يخفاك أن اللفظ أوسع من هذا والعام لا يقصر على سببه، فيكون الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن في كل حالة، وعلى أيّ صفة مما يجب على السامع.
وقيل: هذا خاص بقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم للقرآن دون غيره، ولا وجه لذلك.
{لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أي: تنالون الرحمة وتفوزون بها بامتثال أمر الله سبحانه، ثم أمره الله سبحانه أن يذكره في نفسه.
فإن الإخفاء أدخل في الإخلاص، وأدعى للقبول.
قيل: المراد بالذكر هنا ما هو أعم من القرآن وغيره من الأذكار التي يذكر الله بها.
وقال النحاس: لم يختلف في معنى {واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ} أنه الدعاء.
وقيل هو خاص بالقرآن، أي اقرأ القرآن بتأمل وتدبر، و{تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} منتصبان على الحال، أي متضرعًا وخائفًا، والخيفة: الخوف، وأصلها خوفة قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.
وحكى الفراء أنه يقال في جمع خيفة خيف.
قال الجوهري: والخيفة الخوف والجمع خيف، وأصله الواو: أي خوف.
{وَدُونَ الجهر مِنَ القول} أي: دون المجهور به من القول، وهو معطوف على ما قبله، أي متضرعًا وخائفًا، ومتكلماٍ بكلام هو دون الجهر من القول.
و{بالغدو والآصال} متعلق ب {اذكر} أي أوقات الغدوات وأوقات الأصائل.
والغدوّ: جمع غدوة، والآصال: جمع أُصيل، قاله الزجاج والأخفش، مثل يمين وأيمان.
وقيل الآصال جمع أُصل، والأُصلُ جمع أصيل، فهو على هذا جمع الجمع، قاله الفراء.
قال الجوهري الأصيل الوقت من بعد العصر إلى المغرب، وجمعه أُصل وآصال وأصائل، كأنه جمع أصيلة.
قال الشاعر:
لعمري لأنت البيت أكرم أهله ** وأقعد في أفنائه بالأصائل