فصل: المسألة العاشرة: في أنه هل لله تعالى بحسب ذاته المخصوصة اسم أم لا؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المسألة العاشرة: في أنه هل لله تعالى بحسب ذاته المخصوصة اسم أم لا؟

نقل عن قدماء الفلاسفة إنكاره، قالوا: والدليل عليه أن المراد من وضع الاسم الإشارة بذكره إلى المسمى فلو كان لله بحسب ذاته اسم لكان المراد من وضع ذلك الاسم ذكره مع غيره لتعريف ذلك المسمى، فإذا ثبت أن أحدًا من الخلق لا يعرف ذاته المخصوصة ألبتة لم يبق في وضع الاسم لتلك الحقيقة فائدة، فثبت أن هذا النوع من الاسم مفقود، فعند هذا قالوا: إنه ليس لتلك الحقيقة اسم، بل له لوازم معرفة، وتلك اللوازم هي أنه الأزلي الذي لا يزول، وأنه الواجب الذي لا يقبل العدم، وأما الذين قالوا إنه لا يمتنع في قدرة الله تعالى أن يشرف بعض المقربين من عباده بأن يجعله عارفًا بتلك الحقيقة المخصوصة قالوا: إذا كان الأمر كذلك فحينئذٍ لا يمتنع وضع الاسم لتلك الحقيقة المخصوصة، فثبت أن هذه المسألة مبنية على تلك المقدمات السابقة.

.المسألة الحادية عشرة: الله أعظم الأسماء:

بتقدير أن يكون وضع الاسم لتلك الحقيقة المخصوصة ممكنًا وجب القطع بأن ذلك الاسم أعظم الأسماء، وذلك الذكر أشرف الأذكار، لأن شرف العلم بشرف المعلوم، وشرف الذكر بشرف المذكور، فلما كان ذات الله تعالى أشرف المعلومات والمذكورات كان العلم به أشرف العلوم، وكان ذكر الله أشرف الأذكار، وكان ذلك الاسم أشرف الأسماء وهو المراد من الكلام المشهور الواقع في الألسنة، وهو اسم الله الأعظم، ولو اتفق لملك مقرب أو نبي مرسل الوقوف على ذلك الاسم حال ما يكون قد تجلى له معناه لم يبعد أن يطيعه جميع عوالم الجسمانيات والروحانيات.

.المسألة الثانية عشرة: اسم الله الأعظم:

القائلون بأن الاسم الأعظم موجود اختلفوا فيه على وجوه:
الأول: قول من يقول إن ذلك الاسم الأعظم هو قولنا: {ذو الجلال والإكرام} [الرحمن: 27] وورد فيه قوله عليه الصلاة والسلام: «ألظوا بياذا الجلال والإكرام» وهذا عندي ضعيف، لأن الجلال إشارة إلى الصفات السلبية، والإكرام إشارة إلى الصفات الإضافية، وقد عرفت أن حقيقته المخصوصة مغايرة للسلوب والإضافات.
والقول الثاني: قول من يقول أنه هو: {الحي القيوم} [البقرة: 255] لقوله عليه الصلاة والسلام لأبي ابن كعب: ما أعظم آية في كتاب الله تعالى؟ فقال: {الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم} [البقرة: 255] فقال: «ليهنك العلم أبا المنذر» وعندي أنه ضعيف، وذلك لأن الحي هو الدراك الفعال، وهذا ليس فيه كثرة عظمة لأنه صفة، وأما القيوم فهو مبالغة في القيام، ومعناه كونه قائمًا بنفسه مقومًا لغيره، فكونه قائمًا بنفسه مفهوم سلبي وهو استغناؤه عن غيره، وكونه مقومًا لغيره صفة إضافية فالقيوم لفظ دال على مجموع سلب وإضافة، فلا يكون ذلك عبارة عن الاسم الأعظم.
القول الثالث: قول من يقول: أسماء الله كلها عظيمة مقدسة، ولا يجوز وصف الواحد منها بأنه أعظم؛ لأن ذلك يقتضي وصف ما عداه بالنقصان، وعندي أن هذا أيضًا ضعيف لأنا بينا أن الأسماء منقسمة إلى الأقسام التسعة، وبينا أن الاسم الدال على الذات المخصوصة يجب أن يكون أشرف الأسماء وأعظمها، وإذا ثبت هذا بالدلائل فلا سبيل فيه إلى الإنكار.
القول الرابع: أن الاسم الأعظم هو قولنا: الله وهذا هو الأقرب عندي لأنا سنقيم الدلالة على أن هذا الاسم يجري مجرى اسم العلم في حقه سبحانه، وإذا كان كذلك كان دالًا على ذاته المخصوصة.

.المسألة الثالثة عشرة: الاسم الدال على المسمى بحسب جزء من أجزاء ماهية المسمى محال في حق الله تعالى:

أما الاسم الدال على المسمى بحسب جزء من أجزاء ماهية المسمى فهذا في حق الله تعالى محال، لأن هذا إنما يتصور في حق من كانت ماهيته مركبة من الأجزاء وذلك في حق الله محال، لأن كل مركب فإنه محتاج إلى جزئه، وجزؤه غيره فكل مركب فإنه محتاج إلى غيره، وكل محتاج إلى غيره فهو ممكن، ينتج أن كل مركب فهو ممكن لذاته، فما لا يكون ممكنًا لذاته امتنع أن يكون مركبًا، وما لا يكون مركبًا امتنع أن يحصل له اسم بحسب جزء ماهيته.

.المسألة الرابعة عشرة: هل الاسم الدال على الذات هل هو حاصل في حق الله تعالى أم لا؟

اعلم أنّا بينا أن الاسم الدال على الذات هل هو حاصل في حق الله تعالى أم لا، قد ذكرنا اختلاف الناس فيه، وأما الاسم الدال بحسب جزء الماهية فقد أقمنا البرهان القاطع على امتناع حصوله في حق الله تعالى، فبقيت الأقسام السبعة فنقول: أما الاسم الدال على الشيء بحسب صفة حقيقية قائمة بذاته المخصوصة فتلك الصفة إما أن تكون هي الوجود وإما أن تكون كيفية من كيفيات الوجود، وإما أن تكون صفة أخرى مغايرة للوجود ولكيفيات ذلك الوجود، ونحن نذكر المسائل المفرعة على هذه الأقسام، والله الهادي.

.الباب الرابع في البحث عن الأسماء الدالة على الصفات الحقيقية:

قد عرفت أن هذا البحث ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

.الأول: الأسماء الدالة على الوجود:

وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: تسمية الله بالشيء:

أطبق الأكثرون على أنه يجوز تسمية الله تعالى باسم الشيء ونقل عن جهم بن صفوان أن ذلك غير جائز، أما حجة الجمهور فوجوه:
الحجة الأولى: قوله تعالى: {قُلْ أَىُّ شيء أَكْبَرُ شهادة قُلِ الله} [الأنعام: 19] وهذا يدل على أنه يجوز تسمية الله باسم الشيء، فإن قيل: لو كان الكلام مقصورًا على قوله: {قُلِ الله} لكان دليلكم حسنًا، لكن ليس الأمر كذلك بل المذكور هو قوله تعالى: {قُلِ الله شَهِيد بيني وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام: 19] وهذا كلام مستقل بنفسه، ولا تعلق له بما قبله، وحينئذٍ لا يلزم أن يكون الله تعالى مسمى باسم الشيء قلنا: لما قال: {أَىُّ شيء أَكْبَرُ شهادة} ثم قال: {قُلِ الله شَهِيد بيني وَبَيْنَكُمْ} وجب أن تكون هذه الجملة جارية مجرى الجواب عن قوله: {أَىُّ شيء أَكْبَرُ شهادة} وحينئذٍ يلزم المقصود.
الحجة الثانية: قوله تعالى: {كُلُّ شيء هَالِك إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88] والمراد بوجهه ذاته، ولو لم تكن ذاته شيئًا لما جاز استثنائه عن قوله: {كُلُّ شيء هَالِك} وذلك يدل على أن الله تعالى مسمى بالشيء.
الحجة الثالثة: قوله عليه السلام في خبر عِمران بن الحصين: «كان الله ولم يكن شيء غيره» وهذا يدل على أن اسم الشيء يقع على الله تعالى.
الحجة الرابعة: روى عبد الله الأنصاري في الكتاب الذي سماه بالفاروق عن عائشة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من شيء أغير من الله عزّ وجلّ».
الحجة الخامسة: أن الشيء عبارة عما يصح أن يعلم ويخبر عنه، وذات الله تعالى كذلك، فيكون شيئًا.
واحتج جهم بوجوه: الحجة الأولى: قوله تعالى: {الله خالق كُلّ شَيْء} [الزمر: 62] وكذلك قوله: {وَهُوَ على كُلّ شيء قَدِير} [المائدة: 17] فهذا يقتضي أن يكون كل شيء مخلوقًا ومقدورًا، والله تعالى ليس بمخلوق ولا مقدور، ينتج أن الله سبحانه وتعالى ليس بشيء.
فإن قالوا إن قوله تعالى: {الله خالق كُلّ شَيء}.
وقوله: {وَهُوَ على كُلّ شيء قَدِير} [الملك: 1] عام دخله التخصيص، قلنا الجواب عنه من وجهين: الأول: أن التخصيص خلاف الأصل، والدلائل اللفظية يكفي في تقريرها هذا القدر، الثاني: أن الأصل في جواز التخصيص هو أن أهل العرف يقيمون الأكثر مقام الكل، فلهذا السبب جوزوا دخول التخصيص في العموميات، إلا أن إجراء الأكثر مجرى الكل إنما يجوز في الصورة التي يكون الخارج عن الحكم حقيرًا قليل القدر فيجعل وجوده كعدمه، ويحكم على الباقي بحكم الكل، فثبت أن التخصيص إنما يجوز في الصورة التي تكون حقيرة ساقطة الدرجة إذا عرفت هذا فنقول: إن بتقدير أن يكون الله تعالى مسمى بالشيء كان أعظم الأشياء وأجلها هو الله تعالى، فامتنع أن يحصل فيه جواز التخصيص، فوجب القول بأن ادعاء هذا التخصيص محال.
الحجة الثانية: قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء وَهُوَ السميع البصير} [الشورى: 11] حكم الله تعالى بأن مثل مثله ليس بشيء، ولا شك أن كل شيء مثل لمثل نفسه، وثبت بهذه الآية أن مثل مثله ليس بشيء ينتج أنه تعالى غير مسمى بالشيء، فإن قالوا إن الكاف زائدة، قلنا هذا الكلام معناه أن هذا الحرف من كلام الله تعالى لغو وعبث وباطل، ومعلوم أن هذا الكلام هو الباطل، ومتى قلنا إن هذا الحرف ليس بباطل صارت الحجة التي ذكرناها في غاية القوة والكمال.
الحجة الثالثة: لفظ الشيء لا يفيد صفة من صفات الجلال والعظمة والمدح والثناء، وأسماء الله تعالى يجب كونها كذلك ينتج أن لفظ الشيء ليس اسمًا لله تعالى: أما قولنا إن اسم الشيء لا يفيد المدح والجلال فظاهر، وذلك لأن المفهوم من لفظ الشيء قدر مشترك بين الذرة الحقيرة وبين أشرف الأشياء، وإذا كان كذلك كان المفهوم من لفظ الشيء حاصلًا في أخس الأشياء وذلك يدل على أن اسم الشيء لا يفيد صفة المدح والجلال، وأما قولنا: إن أسماء الله يجب أن تكون دالة على صفة المدح والجلال، فالدليل عليه قوله تعالى: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ في أسمائه} [الأعراف: 180] والاستدلال بالآية أن كون الأسماء حسنة لا معنى له إلا كونها دالة على الصفات الحسنة الرفيعة الجليلة، فإذا لم يدل الاسم على هذا المعنى لم يكن الاسم حسنًا ثم إنه تعالى أمرنا بأن ندعوه بهذه الأسماء ثم قال بعد ذلك: {وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ في أسمائه} [الأعراف: 180] وهذا كالتنبيه على أن من دعاه بغير تلك الأسماء الحسنة فقد ألحد في أسماء الله، فتصير هذه الآية دالة دلالة قوية على أنه ليس للعبد أن يدعو الله إلا بالأسماء الحسنى الدالة على صفات الجلال والمدح، وإذا ثبت هاتان المقدمتان فقد حصل المطلوب.
الحجة الرابعة: أنه لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أنه خاطب الله تعالى بقوله يا شيء، وكيف يقال ذلك وهذا اللفظ في غاية الحقارة، فكيف يجوز للعبد خطاب الله بهذا الاسم، بل نقل عنهم أنهم كانوا يقولون: يا منشئ الأشياء، يا منشئ الأرض والسماء.
واعلم أن من الناس من يظن أن هذا البحث واقع في المعنى، وهذا في غاية البعد، فإنه لا نزاع في أن الله تعالى موجود وذات وحقيقة، إنما النزاع في أنه هل يجوز إطلاق هذا اللفظ عليه، فهذا نزاع في مجرد اللفظ لا في المعنى، ولا يجري بسببه تكفير ولا تفسيق، فليكن الإنسان عالمًا بهذه الدقيقة حتى لا يقع في الغلط.

.المسألة الثانية: إطلاق لفظ الموجود على الله:

في بيان أنه هل يجوز إطلاق لفظ الموجود على الله تعالى؟ اعلم أن هذا البحث يجب أن يكون مسبوقًا بمقدمة، وهي أن لفظ الوجود يقال بالاشتراك على معيين: أحدهما: أن يراد بالوجود الوجدان والإدراك والشعور، ومتى أريد بالوجود الوجدان والإدراك فقد أريد بالموجود لا محالة المدرك والمشعور به، والثاني: أن يراد بالوجود الحصول والتحقق في نفسه، واعلم أن بين الأمرين، فرقًا، وذلك لأن كونه معلوم الحصول في الأعيان يتوقف على كونه حاصلًا في نفسه، ولا ينعكس، لأن كونه حاصلًا في نفسه لا يتوقف على كونه معلوم الحصول في الأعيان: لأنه يمتنع في العقل كونه حاصلًا في نفسه مع أنه لا يكون معلومًا لأحد، بقي هاهنا بحث، وهو أن لفظ الوجود هل وضع أولًا للإدراك والوجدان ثم نقل ثانيًا إلى حصول الشيء في نفسه، أو الأمر فيه بالعكس، أو وضعا معًا؟ فنقول: هذا البحث لفظي، والأقرب هو الأول، لأنه لولا شعور الإنسان بذلك الشيء لما عرف حصوله في نفسه، فلما كان الأمر كذلك وجب أن يكون وضع اللفظ لمعنى الشعور والإدراك سابقًا على وضعه لحصول الشيء نفسه.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول: إطلاق لفظ الموجود على الله تعالى يكون على وجهين: أحدهما: كونه معلومًا مشعورًا به، والثاني: كونه في نفسه ثابتًا متحققًا، أما بحسب المعنى الأول فقد جاء في القرآن قال الله تعالى: {لَوَجَدُواْ الله} [النساء: 64] ولفظ الوجود هاهنا بمعنى الوجدان والعرفان، وأما بالمعنى الثاني فهو غير موجود في القرآن.
فإن قالوا: لما حصل الوجود بمعنى الوجدان لزم حصول الوجود بمعنى الثبوت والتحقق إذ لو كان عدمًا محضًا لما كان الأمر كذلك.
فنقول: هذا ضعيف من وجهين: الأول: أنه لا يلزم من حصول الوجود بمعنى الوجدان والمعرفة حصول الوجود بمعنى الثبوت؛ لما ثبت أن المعدوم قد يكون معلومًا، والثاني: أنا بينا أن هذا البحث ليس إلا في اللفظ، فلا يلزم من حصول الاسم بحسب معنى حصول الاسم بحسب معنى آخر، ثم نقول: ثبت بإجماع المسلمين إطلاق هذا الاسم فوجب القول به.
فإن قالوا: ألستم قلتم إن أسماء الله تعالى يجب كونها دالة على المدح والثناء، ولفظ الموجود لا يفيد ذلك؟
قلنا عدلنا عن هذا الدليل بدلالة الإجماع، وأيضًا فدلالة لفظ الموجود على المدح أكثر من دلالة لفظ الشيء عليه، وبيانه من وجوه: الأول: أنه عند قوم يقع لفظ الشيء على المعدوم كما يقع على الموجود، أما الموجود فإنه لا يقع على المعدوم ألبتة، فكان إشعار هذا اللفظ بالمدح أولى.
الثاني: أن لفظ الموجود بمعنى المعلوم يفيد صفة المدح والثناء، لأنه يفيد أن بسبب كثرة الدلائل على وجوده وإلاهيته صار كأنه معلوم لكل أحد موجود عند كل أحد واجب الإقرار به عند كل عقل، فهذا اللفظ أفاد المدح والثناء من هذا الوجه، فظهر الفرق بينه وبين لفظ الشيء.